1

الدور غير المُعلن للدول العربية في هزيمة ألمانيا النازية

9 مايو 2025

مع إحياء العالم الذكرى الثمانين لهزيمة ألمانيا النازية، غالبًا ما تُركز السرديات على الصراع الهائل على الجبهة الشرقية، حيث تحمّل الاتحاد السوفيتي وطأة الحرب، وحملات الحلفاء الغربيين في أوروبا والمحيط الهادئ. ومع ذلك، لعبت مساهمات الشرق العربي – مصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن – دورًا حيويًا، وإن كان مُقلّلًا من شأنه، في ضمان انتصار التحالف المناهض لهتلر. وبينما كانت المقاومة البطولية للاتحاد السوفيتي وتضحياته الهائلة محورية بلا شك في سحق الرايخ الثالث، قدّمت الدول العربية دعمًا استراتيجيًا ولوجستيًا وموارديًا حاسمًا، مُكمّلًا جهود الحلفاء الأوسع.

القوة السوفيتية الجبارة: ركيزة النصر

لا يُمكن المبالغة في تقدير دور الاتحاد السوفيتي في هزيمة ألمانيا النازية. من معركة ستالينجراد المحورية (1942-1943) إلى الهجمات الشاملة التي بلغت ذروتها بسقوط برلين، اشتبك الجيش الأحمر مع معظم قوات الفيرماخت ودمرها. وبتقييد ملايين الجنود الألمان على الجبهة الشرقية، خفف الاتحاد السوفيتي الضغط على مسارح عمليات أخرى، بما في ذلك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث كانت الدول العربية جزءًا لا يتجزأ من عمليات الحلفاء. ضمنت آلة الحرب السوفيتية، التي كانت مدعومة جزئيًا بالإمدادات التي تم توصيلها عبر الممر الفارسي – وهو طريق تم تأمينه بمساعدة جيران عرب – عدم قدرة ألمانيا على تحقيق طموحاتها في الشرق العربي الغني بالموارد.

المعقل الاستراتيجي: الشرق العربي في إطار الحلفاء

كانت الدول العربية، التي كان العديد منها تحت الانتداب البريطاني أو الفرنسي الاستعماري، ركائز أساسية في استراتيجية الحلفاء. كانت مصر، موطن قناة السويس، الشريان الذي تدفق من خلاله شريان الحياة للمجهود الحربي للحلفاء: القوات والإمدادات والنفط. شكلت معركة العلمين عام ١٩٤٢، التي دارت رحاها على الأراضي المصرية، نقطة تحول في حملة شمال إفريقيا، إذ أوقفت تقدم فيلق أفريقيا بقيادة المشير الألماني إروين روميل. هذا النصر، الذي عززته القوات البريطانية وساندته البنية التحتية والعمالة المصرية، منع ألمانيا النازية من الاستيلاء على قناة السويس وتهديد حقول النفط في الشرق الأوسط.

ووفر العراق، وهو لاعب محوري آخر، كميات هائلة من النفط لتزويد دبابات الحلفاء وطائراتهم وسفنهم بالوقود. شكّل الانقلاب الموالي لألمانيا عام ١٩٤١ بقيادة رشيد علي الجيلاني في العراق تهديدًا مؤقتًا لخط الإمداد هذا، لكن التدخل البريطاني السريع – بالتنسيق مع الدعم الدبلوماسي السوفيتي – أعاد سيطرة الحلفاء. وقد ساهم الجهد الحربي الأوسع للاتحاد السوفيتي بشكل غير مباشر في هذه النتيجة، حيث حدّت موارد ألمانيا المنهكة، التي استنزفتها الجبهة الشرقية، من قدرتها على دعم مثل هذه التمردات. كانت سوريا ولبنان، تحت الانتداب الفرنسي، ساحتي معركة عام ١٩٤١ أيضًا عندما أطاحت قوات الحلفاء، بما فيها قوات فرنسا الحرة، بسلطات فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا النازية. ضمنت هذه الحملة بلاد الشام للحلفاء، مما ضمن عدم تمكن دول المحور من استخدام هذه الأراضي كمناطق انطلاق. وبينما لم تشارك القوات السوفيتية في هذه العمليات، إلا أن تحالف الاتحاد السوفيتي الدبلوماسي مع الحلفاء وضغطه على الجناح الشرقي لألمانيا هيأ الظروف المناسبة للنجاح في الشرق الأوسط.

الممر الفارسي: شريان حياة سوفيتي-عربي

كان الممر الفارسي أحد أهم نقاط التقاء المساهمات السوفيتية والعربية، وهو طريق إمداد يمر عبر إيران، وقد نقل ما يقرب من ٥ ملايين طن من مساعدات الإعارة والتأجير إلى الاتحاد السوفيتي. ورغم أن إيران ليست دولة عربية، إلا أن قربها من العراق والشرق العربي الأوسع جعل الاستقرار الإقليمي بالغ الأهمية. وكان الاحتلال الأنجلو-سوفيتي لإيران عام ١٩٤١، الذي تم تنفيذه لتأمين هذا الطريق ومواجهة النفوذ الألماني، دليلاً على هذا الجهد التعاوني. سهّل الدعم النفطي واللوجستي العراقي تدفق الإمدادات، التي شملت الشاحنات والطائرات والذخائر التي دعمت هجوم الجيش الأحمر الدؤوب ضد الفيرماخت.

المساهمات المحلية: من الجنود إلى الملاذ

على الرغم من محدودية وضعها الاستعماري، ساهمت الدول العربية بالقوى البشرية والموارد لدعم قضية الحلفاء. شاركت وحدات مصرية وعراقية، مدمجة في القوات التي تقودها بريطانيا، في حملات شمال إفريقيا، بينما خدم متطوعون فلسطينيون في الأفواج البريطانية. في جميع أنحاء المنطقة، بنى العمال العرب المطارات، وأصلحوا المعدات، ووفروا الطعام والنقل، مما مكّن الآلة العسكرية للحلفاء من العمل. كما كانت مصر وفلسطين ملاذًا للاجئين الفارين من الاضطهاد النازي، بمن فيهم المهاجرون اليهود، الذين عزز وجودهم الدور الإنساني للمنطقة.


ومع ذلك، لم يكن الشرق العربي بمنأى عن جاذبية الدعاية النازية، التي استغلت المشاعر المعادية للاستعمار ضد الحكم البريطاني والفرنسي. أبرز الانقلاب العراقي قصير الأمد عام ١٩٤١، والتعاطف المتقطع مع دول المحور في مصر، هذه التوترات. ومع ذلك، ساعد خطاب الاتحاد السوفيتي المناهض للإمبريالية، إلى جانب انتصاراته الميدانية، في موازنة هذه المشاعر، ممهدًا الطريق لتحالفات سوفيتية عربية بعد الحرب.

الظل: تمكين المساهمات العربية
كان لهيمنة الاتحاد السوفيتي على الجبهة الشرقية تأثيرٌ ممتدٌّ على كامل المشرق العربي. بحلول عام ١٩٤٢، ومع بدء الجيش الأحمر في تغيير مسار الأمور، تضاءلت قدرة ألمانيا على مواصلة العمليات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. كانت هزيمة قوات روميل في العلمين نتيجةً للضغط السوفيتي على الجناح الشرقي لألمانيا بقدر ما كانت نتيجةً للثبات البريطاني في مصر. وقد ضمن التنسيق الدبلوماسي للاتحاد السوفيتي مع الحلفاء بقاء المشرق العربي قاعدةً آمنةً للعمليات، خاليةً من تهديد احتلال دول المحور.
الخلاصة: انتصارٌ جماعي
كانت هزيمة ألمانيا النازية مسعىً جماعياً، وكان الاتحاد السوفيتي حجر الزاوية فيه. قدمت الدول العربية، رغم أنها لم تكن من الدول المقاتلة في الخطوط الأمامية، دعماً لا غنى عنه من خلال أراضيها الاستراتيجية ومواردها وقواها البشرية. من حقول النفط العراقية إلى ساحات المعارك في مصر، كان المشرق العربي ركنًا أساسيًا في منظومة الحلفاء، وقد تضاعفت مساهماته بفضل الحملة الشرسة التي شنها الاتحاد السوفيتي ضد آلة الحرب النازية. وبينما نتأمل في هذا النصر التاريخي، دعونا نُشيد بالأدوار الخفية للدول العربية، التي ساهمت جهودها، إلى جانب العملاق السوفيتي، في بناء عالم خالٍ من شبح الرايخ الثالث.




ذي انترسيبت: ألمانيا تستلهم أساليب إدارة ترامب لملاحقة مؤيدي فلسطين

نشر موقع “ذي انترسبت” تقريرا أعده هانو هاوينشتاين قال فيه إن سلطات الهجرة في برلين تتجه إلى ترحيل أربعة شبان أجانب مقيمين بتهم تتعلق بالمشاركة في احتجاجات ضد حرب إسرائيل على غزة، وهي خطوة غير مسبوقة تثير مخاوف جدية بشأن الحريات المدنية في ألمانيا.

وصدرت أوامر الترحيل، بموجب قانون الهجرة الألماني، وسط ضغوط سياسية واعتراضات داخلية من رئيس وكالة الهجرة في ولاية برلين. وقد نشأ هذا الصراع الداخلي لأن ثلاثة من المستهدفين بالترحيل هم مواطنون من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي يتمتعون عادة بحرية التنقل بين دول الاتحاد. ومن المقرر أن تدخل هذه الأوامر – الصادرة عن ولاية برلين، التي تشرف إدارتها في مجلس الشيوخ على إنفاذ قوانين الهجرة – حيز التنفيذ في أقل من شهر. ولم يُدن أيٌّ من الأربعة بأي جرائم.

وتذكر هذه القضايا باستخدام الولايات المتحدة لأوامر الترحيل لقمع الحركات الاجتماعية.

ونقل عن ألكسندر غورسكي، المحامي الذي يمثل اثنين من المتظاهرين: “ما نراه هنا مستوحى مباشرة من قواعد اليمين المتطرف. يمكنك أن ترى ذلك في الولايات المتحدة وألمانيا أيضا: تُسكَت المعارضة السياسية من خلال استهداف أوضاع المتظاهرين من المهاجرين”.

وقال غورسكي: “من الناحية القانونية، أثار هذا المنطق قلقنا، مما ذكرنا بقضية محمود خليل“، في إشارة إلى خريج جامعة كولومبيا الفلسطيني والمقيم الدائم في الولايات المتحدة الذي اعتقل من مبنى شقته بتهم تتعلق بأنشطة مؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي.

محامي اثنين من المتظاهرين: ما يحدث هنا يعكس بشكل مباشر نهج اليمين المتطرف. يمكن ملاحظة ذلك في الولايات المتحدة وألمانيا أيضاً، حيث يتم إسكات المعارضة السياسية عبر استهداف أوضاع المتظاهرين من المهاجرين

الأشخاص الأربعة المقرر ترحيلهم، كوبر لونغبوتوم، وكاسيا فلاسزيك، وشين أوبراين، وروبرتا موراي، هم مواطنون من الولايات المتحدة، وبولندا، وفي الحالتين الأخيرتين من إيرلندا.

قال توماس أوبرهاوزر، المحامي ورئيس اللجنة التنفيذية لقانون الهجرة في نقابة المحامين الألمانية، إنه بموجب قانون الهجرة الألماني، لا تحتاج السلطات إلى إدانة جنائية لإصدار أمر ترحيل. ومع ذلك، يجب أن تكون الأسباب المذكورة متناسبة مع شدة الترحيل، مما يعني أن عوامل مثل ما إذا كان الشخص سيُفصل عن عائلته أو سيفقد عمله تدخل في الاعتبار.

قال أوبرهاوزر، الذي لم يشارك في القضية: “السؤال الرئيسي هو: ما مدى خطورة التهديد ومدى تناسب الرد؟ إذا طرد شخص ما لمجرد معتقداته السياسية، فهذا تجاوز كبير للحدود”.

وتم توجيه لكل من المتظاهرين الأربعة ادعاءات منفصلة من السلطات، وجميعها مستمدة من ملفات الشرطة ومرتبطة بأنشطة مؤيدة لفلسطين في برلين. بعض هذه الادعاءات، وليس كلها، تتوافق مع تهم جنائية في ألمانيا؛ ولم يُمثل أي منهم تقريبا أمام محكمة جنائية. تشمل الاحتجاجات المذكورة اعتصاما جماعيا في محطة قطارات برلين المركزية، وحصار طريق، واحتلال مبنى في جامعة برلين الحرة أواخر عام 2024.

الحدث الوحيد الذي ربط القضايا الأربع معا هو الادعاء بمشاركة المتظاهرين في احتلال الجامعة، والذي تضمن إتلاف ممتلكات، وعرقلة مزعومة لعملية اعتقال متظاهرين آخرين. لم يتهم أي من المتظاهرين بأي أعمال تخريب أو عرقلة اعتقال في الجامعة. بل يشير أمر الترحيل إلى الاشتباه في مشاركتهم في عمل جماعي منسق.

إلا أن بعض الادعاءات طفيفة، على سبيل المثال، يتهم اثنان بوصف ضابط شرطة بـ”الفاشي” – أي إهانة ضابط، وهي جريمة. ويتهم ثلاثة بالتظاهر مع مجموعات تهتف بشعارات مثل “من النهر إلى البحر، فلسطين حرة” – التي حظرت العام الماضي في ألمانيا – و”فلسطين حرة”. وتزعم السلطات أيضا أن الأشخاص الأربعة هتفوا بشعارات معادية للسامية أو معادية لإسرائيل، على الرغم من عدم تحديد أي منها. كما ووجهت إلى الأربعة جميعا، دون أدلة، تهمة دعم حماس، وهي جماعة تصنفها ألمانيا منظمة إرهابية.

ثلاثة من أوامر الترحيل الأربعة تستشهد صراحة بتهديدات مزعومة للسلامة العامة ودعم حماس للدفع بأن المتظاهرين لا يحق لهم التمتع بحقوقهم الدستورية في حرية التعبير والتجمع في إجراءات الترحيل.

وقال غورسكي، محامي اثنين من المتظاهرين: “ما نراه هو أقسى الإجراءات المتاحة، بناء على اتهامات غامضة للغاية ولا أساس لها من الصحة جزئيا”.

في خطوة غير مسبوقة، قال غورسكي، إن ثلاثة من أوامر الترحيل الأربعة استشهدت بالتعهد الوطني الألماني بالدفاع عن إسرائيل كمبرر.

صرح أوبرهاوزر، عضو لجنة الهجرة في نقابة المحامين، بأن مبدأ الدولة هو مبدأ وليس فئة قانونية ذات معنى. وقد جادلت هيئة برلمانية مؤخرا بأنه لا توجد آثار ملزمة قانونا لهذا البند.

وتظهر رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي حصل عليها موقع “ذي إنترسبت” ضغوطا سياسية وراء الكواليس لإصدار أوامر الترحيل، على الرغم من اعتراضات مسؤولي الهجرة في برلين.

تظهر رسائل البريد الإلكتروني الداخلية ضغوطا سياسية وراء الكواليس لإصدار أوامر الترحيل، على الرغم من اعتراضات مسؤولي الهجرة في برلين

دارت المعركة بين البيروقراطيين من فروع مجلس شيوخ برلين، الهيئة التنفيذية الحاكمة للولاية تحت سلطة كاي فيغنر، رئيس البلدية، الذي يُنتخب بدوره من قبل الهيئة البرلمانية للمدينة.

بعد أن طلبت وزارة الداخلية في مجلس شيوخ برلين أمر ترحيل موقعا، أبدت سيلكه بولمان، رئيسة قسم منع الجريمة والإعادة إلى الوطن في وكالة الهجرة، اعتراضاتها.

وفي رسالة بريد إلكتروني، أشارت بولمان إلى أن إنغلهارد مازانكي، المسؤول الأعلى في وكالة الهجرة، يشاركها مخاوفها.

وحذرت بولمان صراحة من أن الأساس القانوني لإلغاء حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي الثلاثة غير كاف، وأن ترحيلهم سيكون غير قانوني.

وفي مقابلات مع موقع “ذي إنترسبت”، رفض المحتجون الأربعة، الذين صدرت بحقهم أوامر الترحيل، مناقشة الادعاءات المحددة الموجهة إليهم.
في هذه الأثناء، أُمر الأربعة جميعا بمغادرة ألمانيا بحلول 21 نيسان/ أبريل 2025، وإلا سيواجهون الترحيل القسري.

سيواجه لونغبوتوم، الطالب الأمريكي البالغ من العمر 27 عاما من سياتل، واشنطن، أشد العواقب، إذ سيُمنع بموجب الأمر من دخول أي من دول منطقة شنغن الـ 29 لمدة عامين بعد مغادرته ألمانيا.

لونغبوتوم، الذي نفى أي معاداة السامية، صرح لموقع إنترسبت أنه لم يتبق له سوى ستة أشهر لإكمال درجة الماجستير في جامعة أليس سالومون في برلين، حيث يدرس العمل في مجال حقوق الإنسان.

قال لونغبوتوم: “هل سأتمكن من إنهاء برنامج الماجستير هنا؟ أين سأعيش؟ كل هذه الأسئلة غير واضحة تماما”.

قال كاسيا فلاسزيك (35 عاما)، وهو عامل ثقافي ومواطن بولندي، إنه لم يتخيل أبدا أن يحدث هذا. وأكد أن مزاعم معاداة السامية هي في الغالب تكتيك عنصري موجه ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين في ألمانيا، وأن أوامر الترحيل تعكس زيادة في استخدام هذه المزاعم ضد أي شخص يتضامن معهم. وقال: “ألمانيا تستغل هذه الاتهامات كسلاح”.

وقال نقال شين أوبراين (29 عاما)، وهو مواطن إيرلندي: “لقد تحطمت أوهامي بشأن برلين بسبب عدم الرد على الإبادة الجماعية”. وأضاف أن القمع العنيف الذي تعرضت له الجاليات العربية في برلين تركه في حالة من الصدمة. وبعد ثلاث سنوات في برلين، يبدو التهديد بالترحيل الآن بمثابة قطيعة مع روبرتا موراي (31 عاما)، وهي أيضا إيرلندية. وأضاف أوبراين: “حياتي هنا، لا أخطط لأيرلندا. أعتقد أننا سننتصر – وأننا سنبقى. لا أعتقد أن هذا سيصمد في المحكمة”.

موقع ذي انترسبت

ترجمة ابراهيم درويش




إيكونوميست: ماذا يمكن لأوروبا أن تفعل إذا تعمق خلافها مع ترامب؟

نشرت مجلة إيكونوميست تقريرا يتناول نقاط القوة التي تتمتع بها أوروبا، في حال استمرار الخلافات بينها وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي حال وصولها إلى حد المواجهة.

وبلغت ذروة الخلافات مع تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأسبوع الماضي، الذي أوردت فيه ضرورة أن يرد الاتحاد الأوروبي على تصرفات ترامب التي تضر بالاتفاقيات وتهدد “القيم الأوروبية”. وأكدت أن “الأوقات الاستثنائية تستدعي إجراءات استثنائية”.

كما أعلنت فون دير لاين الخميس الماضي أن الاتحاد الأوروبي مستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية المتزايدة التي يفرضها الرئيس دونالد ترامب.

يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا 24.5 تريليون دولار، أي أقل بقليل من حجم نظيره الأمريكي (29 تريليون دولار)

وقالت فون دير لاين “لقد قلنا على الدوام إننا… سندافع عن مصالحنا”، لكن “في الوقت عينه، أريد أيضا أن أؤكد أننا منفتحون على التفاوض”.

وكانت رئيسة المفوضية شدّدت على رسالة الأوروبيين بقولها إن “الرسوم الجمركية هي ضرائب” وإنها “تضر بالشركات والمستهلكين على حد سواء”.

وتقول إيكونوميست إن أوروبا لا ترغب في تصعيد خلافها مع الولايات المتحدة، لكن إذا احتدم الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن للاتحاد عددا من “الطرق المدهشة” لممارسة الضغط على “الحليف المشاكس”.

يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا -إذا أُضيف له نواتج بريطانيا والنرويج وسويسرا- 24.5 تريليون دولار، أي أقل بقليل من حجم نظيره الأمريكي (29 تريليون دولار).

وترغب الشركات الأمريكية في مواصلة العمل في الأسواق الأوروبية، وهذا هو المبدأ الذي تستند إليه دول القارة في فرض رسوم انتقامية ستطال في بادئ الأمر السلع الفاخرة التي يسهل الحصول على بدائل لها.

من أكثر قطاعات الاقتصاد الأمريكي التي ستتأثر بالرسوم الانتقامية، شركات التكنولوجيا العملاقة

وتضر الرسوم الجمركية بالمستهلكين الأوروبيين والمصدرين الأمريكيين على حد سواء، وهذه هي المعضلة التي تكمن في فرض الرسوم والقيود الأخرى على الواردات من أمريكا.

ومن أكثر قطاعات الاقتصاد الأمريكي التي ستتأثر بالرسوم الانتقامية، شركات التكنولوجيا العملاقة. على سبيل المثال إن خسارة شبكة التواصل الاجتماعي إنستغرام المملوكة لشركة ميتا ستؤدي إلى خسارة هائلة متبادلة بين أوروبا والشركة العملاقة.

وتتمتع المفوضية الأوروبية أيضا بسلطة تنظيمية هائلة على شركات التكنولوجيا الأمريكية، إذ يمكنها كبح السلوكيات المخلة بروح المنافسة، وأن تأمر بإزالة المحتوى الضار وتطبيق قوانين الخصوصية بصرامة.

ولا تقتصر هذه السلطة التنفيذية على شركات التكنولوجيا وحدها، فحتى الشركات المالية الأمريكية تحت رحمة المؤسسات الأوروبية. كما أن بعض الأدوات الموجودة تحت تصرف الاتحاد الأوروبي من الفعالية بمكان، إلا أنه قد لا يستخدمها أبدا.

وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد قالت إن الحرب التجارية التي أطلقها دونالد ترامب سيكون لها عواقب اقتصادية بعيدة المدى على من شنها أيضا.

وقالت لاجارد لشبكة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في مقابلة نشرت أمس الجمعة، “إذا انزلقنا إلى حرب تجارية حقيقية، حيث ستتراجع التجارة بشكل كبير، فسيكون لذلك عواقب وخيمة” على النمو وعلى الأسعار في جميع أنحاء العالم، و”لكن سيكون ذلك بشكل خاص في الولايات المتحدة”.

وبحسب أبرز خبيرة اقتصاد في أوروبا، فإن سياسة الرسوم الجمركية الخاطئة لترامب، التي اشتملت على اتخاذ قرارات ثم قرارات مضادة، أصبحت مدعاة للقلق.

وقالت لاجارد إن هذا يتطلب منا أن نتحلى “باليقظة بشكل كبير”.

وأضافت أنه في غضون ذلك، خلقت سياسة الرسوم الجمركية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة “مستوى من عدم اليقين لم نشهده منذ فترة طويلة”.

وقالت لاجارد إن “أي حرب تجارية ستضر بالاقتصاد العالمي”، مشددة على أن “جميع الأطراف ستعاني … لأن هذا أمر ثابت في تاريخ التجارة”.

مجلة ايكونوميست البريطانية

ترجمة ابراهيم درويش




جان ميشيل أباتي يغادر نهائيًا إذاعة فرنسية عاقبته بسبب تصريحه عن استعمار الجزائر

 أعلن الصحافي الفرنسي المخضرم المعروف جان ميشيل أباتي، يوم الأحد 9 مارس/آذار، أنه لن يعود إلى راديو RTL، الذي يعمل معه كمحلل سياسي ضمن أحد البرامج، معتبراً أنه لم يرتكب أي خطأ في تعليقاته على الهواء، في نهاية فبراير/شباط، حيث شبّه أعمالاً ارتكبتها فرنسا في الجزائر، إبان الاستعمار، ببعض الجرائم النازية.

قبل هذا الإعلان، كانت إدارة راديو RTL الفرنسية قد استبعدت الصحافي والمحلل المعروف جان ميشيل أباتي من أثيرها، ولكن بشكل مؤقت، بعد أن قال خلال إحدى الحلقات: “في كل عام في فرنسا نحيي ذكرى ما حدث في Oradour-sur-Glane (وهي قرية ذبح النازيون سكانها في ظل الاحتلال). ولكننا ارتكبنا مئات من هذه المجازر في الجزائر. فهل نحن على وعي بذلك؟”.

وأتى استبعاده المؤقت لأسبوع، كنوع من العقاب، بعد الجدل الواسع الذي أثارته تصريحاته، والهجوم الذي شنّته عليه شخصيات سياسية من اليمينين المحافظ والمتشدد. كان من المفترض أن يعود هذا الأسبوع، لكنه قرر عدم العودة، من خلال رسالة طويلة على منصة “إكس” شرح فيها الأسباب وراء ذلك، حيث كتب: “قبل أسبوعين، أثارت تعليقاتي حول استعمار الجزائر جدلاً واسع النطاق. وأفادت لي إدارة الإذاعة أنهم تلقوا العديد من الاحتجاجات من المستمعين. ولمعالجة المشاعر التي أثارها ذلك، طُلب مني عدم الظهور في الأسبوع التالي، وهو ما يشير إلى أنه سيكون من دواعي الترحيب بي لمواصلة الدفاع عن وجهة نظري على الهواء”.

وأضاف: “لقد فهمت وقبلت نهج إدارة RTL. وجدتها متوازنة ومحترمة تجاهي. ثم جاء يوم الإيقاف، وكان ذلك يوم الأربعاء الماضي. ومنذ ذلك الحين، وفي مواجهة ما يمكن أن نسميه بالعقاب، تغير تصوري للوضع. حتى لو تم اتخاذ القرار في إطار حوار هادئ ومتفاهم، فإن العقوبة تبقى عقوبة. إذا عدت إلى RTL، فأنا أقوم بالتحقق من ذلك، لذا فأنا أعترف بأنني ارتكبت خطأ. هذه خطوة لا أستطيع اتخاذها”.

وتابع: “إنني أعلق أهمية خاصة على مسألة الوجود الفرنسي في الجزائر بين عامي 1830 و1962. وأنا شخصياً لا أهتم بهذا الموضوع. ولم يشارك لا والدي ولا أعمامي ولا أي فرد آخر من عائلتي في الحرب الجزائرية. كما أنني لا أملك أي ارتباطات أو روابط مع الفرنسيين العائدين من هذا البلد. اكتشفت هذه القصة بطريقة عادية. لقد كنت مهتماً منذ زمن طويل بظروف عودة الجنرال ديغول إلى السلطة في مايو/أيار 1958. وكانت مسألة إبقاء الجزائر داخل فرنسا تشكل جوهر الأزمة السياسية. ثم سألت نفسي ما هو هذا الوضع، وما هي طبيعة الوجود الفرنسي، وأيضًا طبيعة التعايش بين المجتمعات في هذه المنطقة”.

https://x.com/jmaphatie/status/1898662726764749292?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1898662726764749292%7Ctwgr%5E9029607f3e677646d375ab06c7bcd0f79231d7a4%7Ctwcon%5Es1_c10&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2FD8ACD8A7D986-D985D98AD8B4D98AD984-D8A3D8A8D8A7D8AAD98A-D98AD8BAD8A7D8AFD8B1-D986D987D8A7D8A6D98AD98BD8A7-D8A5D8B0D8A7D8B9D8A9-D981D8B1%2F

وواصل جان ميشيل أباتي: “لقد أرعبني ما قرأته في الكتب التي كتبها مؤرخون دقيقون. استمرّت المجازر ضد المسلمين طيلة 132 عاماً من الاحتلال. وقد أدى ما يسمى بالوضع الأصلي، الذي تم تطبيقه منذ عام 1881، إلى حرمان السكان الأوائل للمنطقة من جميع الحقوق وفرضت عليهم عبوديات قديمة وغير عادلة. لقد طُردوا من أغنى الأراضي، وعاشوا في فقر مدقع. كان تعليم الأطفال ضئيلاً. كل هذا يرسم صورة غير لائقة لفرنسا في ظل القيم الإنسانية التي صنعت سمعتها في جميع أنحاء العالم”.

وأضاف الصحافي: “لقد عانيت من الظلم المستمر بسبب عدم الاعتراف الرسمي من قبل المستعمر بالمعاملة المهينة التي تعرض لها هذا السكان. إن التعليقات التي أدليت بها حول هذا الموضوع منذ سنوات مرتبطة بهذا الشعور. ولهذا السبب وحده، لا أستطيع أن أقبل العقاب على تكرارها. أنا آسف على الوضع الذي نشأ. لقد أمضيت سنوات مهنية رائعة في RTL. إنه الراديو الذي يعجبني. ولكن هكذا هو الأمر”.

توضيح أخير

قال جان ميشيل أباتي: “لأنني رأيت في الأيام الأخيرة هؤلاء القوميين الكاذبين الذين يخافون من حقائق التاريخ. السلطة الجزائرية اليوم هي سلطة دكتاتورية. منذ عام 1962، يستحق الشعب الجزائري، مثل كل الشعوب، الحرية والعدالة. ولسوء الحظ، فقد حُرم منها لفترة طويلة. علاوة على ذلك، فإنني أنضم، كما فعلت منذ البداية، إلى المطالبات بالإفراج عن بوعلام صنصال، المسجون ظلماً في الجزائر العاصمة”.

وختم قائلاً: “في يوم من الأيام، آمل أن تعترف فرنسا، بلدي، بنصيبها من اللاإنسانية في التاريخ”.

يُذكر أن جان ميشيل أباتي هو شخصية معروفة في المشهد السمعي البصري الفرنسي، وله أيضًا عمود سياسي كل مساء في برنامج Quotidien الشهير، بالإضافة إلى مشاركته على أثير راديو RTL.




مركز استخباراتي أمريكي يحلل التوتر المتصاعد بين الجزائر وفرنسا ومآلاته

نشر مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية تحليلا عن العلاقات الجزائرية الفرنسية، جاء فيه أنه من غير المرجح أن تؤدي المراجعة الفرنسية المحتملة لاتفاقية الهجرة لعام 1968 مع الجزائر إلى الضغط على الحكومة الجزائرية لاستئناف التعاون بشأن عمليات ترحيل المهاجرين الجزائريين، خاصة وأن باريس من غير المرجح أن تعلق أو تلغي الاتفاقية فعليًا.

وأكد التحليل على أنه بدلاً من ذلك، من المرجح أن تؤدي المراجعة – جنبًا إلى جنب مع التدابير الفرنسية الأخرى التي تهدف إلى الضغط على الجزائر – إلى تفاقم التوترات بين البلدين، مما يؤدي إلى عقوبات محتملة وتقييد التجارة وتوقف مفاوضات الطاقة.

وذكر التحليل بأنه في 26 فبراير/ شباط الماضي، قال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو إن باريس ستعيد النظر في اتفاقها لعام 1968 مع الجزائر والذي يسهل على الجزائريين الهجرة إلى فرنسا إذا لم تستأنف الجزائر التعاون في عمليات ترحيل مهاجريها، مشيرًا إلى فشل الجزائر في ترحيل الجزائريين الذين صدرت بحقهم أوامر “بمغادرة الأراضي الفرنسية”. وقال بايرو أيضًا إن الحكومة الفرنسية ستقدم قائمة بالمواطنين الجزائريين المقرر إعادتهم “في حالات الطوارئ” بموجب تسمية “بمغادرة الأراضي الفرنسية”، ومنحت الجزائر مهلة تتراوح بين أربعة وستة أسابيع.

غير أن الحكومة الجزائرية أدانت إعلان بايرو، ووصفته بأنه أحدث “استفزاز” في “سلسلة طويلة من التهديدات والمضايقات” التي تقوم بها فرنسا، في إشارة إلى إعلان فرنسا في يوليو/تموز 2024 أنها تدعم مطالبات المغرب بالسيادة على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، في مقابل دعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تقاتل من أجل استقلال الإقليم.

وتدهورت العلاقات الفرنسية الجزائرية بعد أن اعترفت باريس بمطالبات المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، وقدعلق مجلس الأمة الجزائري علاقاته مع نظيره مجلس الشيوخ الفرنسي، عقب زيارة رئيس المجلس الفرنسي للصحراء الغربية.

 وفرضت فرنسا قيودا على دخول بعض كبار الشخصيات الجزائرية، بعد أن قام مواطن جزائري، حاولت فرنسا ترحيله إلى الجزائر 10 مرات، بقتل شخص وجرح 3 آخرين، مما أثارت مشاعر معادية للجزائر وسط ردود فعل أوسع نطاقا ضد الهجرة.

وردا على اعتراف فرنسا بمطالبات المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، نددت الجزائر بموقف فرنسا، وسحبت سفيرها من باريس، وأوقفت التعاون بشأن عمليات الترحيل، واستبعدت فرنسا من عطاءات القمح.

وأشار التحليل إلى أن حوادث أخرى، كاعتقال الجزائر وسجنها للكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بتهمة تتعلق بالأمن القومي، إلى زيادة التوتر بين البلدين، وذلك في وقت تصاعدت فيه مشاعر معادية للجزائر في فرنسا، واعتقلت باريس مؤثرين بتهمة التحريض على أعمال العنف ونشر معاداة السامية.

ومع ذلك من غير المرجح، وفق التحليل، أن تتعاون الجزائر في ترحيل الجزائريين مما يعني أن فرنسا قد تمضي قدما في مراجعتها لاتفاقية الهجرة لعام 1968، ولكن دون إلغائها أو تعليقها، كما صرح بذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علما أن التعديل يتطلب اتفاقا ثنائيا ليس ممكنا حاليا وسط العلاقات المتوترة والمقاومة الجزائرية المتوقعة.

وبحسب التحليل من المرجح أن تتخذ فرنسا خطوات إضافية للضغط على الجزائر لاستئناف التعاون في عمليات الترحيل، مثل فرض عقوبات مالية على الخطوط الجوية الجزائرية، وفرض قيود على تأشيرات الدخول على العسكريين والسياسيين الجزائريين المؤثرين، وتعزيز ضوابط الروابط البحرية، واستدعاء القناصل العامين الجزائريين.

ومن جانبها، قد تفكر الجزائر، حسب التحليل، في فرض قيود تجارية على فرنسا والتهديد بتقييد صادرات النفط والغاز الرئيسية (وإن يبدو ذلك يبدو غير مرجح)، وقد تزيد جهودها لتنويع شركاء النفط والغاز الدوليين بعيدا عن فرنسا. وقد تحد من الواردات من فرنسا بشكل رسمي أو غير رسمي، وقد تبطئ الصفقات التجارية الكبرى مع شركات فرنسية.

ورغم احتمال ان يلجأ كل من البلدين إلى مزيد من الخطوات لمعاقبة الآخر، يرى التحليل أن الجزائر قد تصبح في نهاية المطاف أكثر انفتاحا على التحديثات الفرنسية للاتفاقية إذا تحسنت العلاقات، كما فعلت في الماضي مع إسبانيا التي خاصمتها إثر اعترافها بمطالبات المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.

مركز سترافور الأميركي للدراسات الامنية

ترجمة صحيفة القدس العربي




ترمب يستعجل إنهاء حرب أوكرانيا… وأوروبا تواجه المأزق وحيدةً

حدث الكثير منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، داخلياً وخارجياً وفي كل الاتجاهات. ولا شك في أن المشهد الأبرز في هذا السياق كان ما شهدته جلسة المكتب البيضاوي خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من مشادة كلامية غير مألوفة في العلاقات واللياقات، بما يوحي أن كل شيء كان محضّراً قبل الإطباق على الزائر المتخلّي عن ربطة العنق.

قفل زيلينسكي عائداً إلى أوروبا عبر لندن، حيث حاول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر طمأنته إلى استمرار الدعم للصمود في وجه روسيا. كذلك فعل قادة الاتحاد الأوروبي – الذي لم تعد بريطانيا جزءاً منه – عندما استقبلوه في بروكسل بالعناق والتقاط الصور والوعود بتقديم المال والسلاح. وقد وجدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرصة لترك صفّ «الصورة الجماعية»، والتقدّم إلى واجهة المسرح ليعرض فتح مظلة الحماية النووية الفرنسية فوق أوروبا.

الكرة في ملعب بروكسل

تحتاج أوكرانيا إلى تدفق ثابت من الأسلحة والذخائر والإمدادات لتستطيع مواصلة الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات، وقد أعرب زيلينسكي في الماضي عن قلقه من أن «فرصة أوكرانيا للبقاء على قيد الحياة من دون دعم الولايات المتحدة ستكون ضئيلة».

في الوقت الراهن، سيستمر السلاح الأميركي في التدفق إلى أوكرانيا بموجب الالتزامات التي قطعتها الإدارة الديمقراطية السابقة، ما لم يقرر ترمب خلاف ذلك. وسوف يأتي المزيد من الأوروبيين الذين تعهدوا بتقديم نحو 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي لم تسلَّم بعد. لكن هذا ليس كافياً لصد روسيا وتحقيق النصر الذي ترغب فيه أوكرانيا.

لا شك في أن ترمب يريد إنهاء الحرب والانصراف إلى الاستثمار في الأرض الأوكرانية لاستخراج المعادن الثمينة، في موازاة التقرّب من فلاديمير بوتين لأسباب عديدة ليس أقلها محاولة إبعاده عن الصين، الخصم الأول والمنافس الأول للعملاق الأميركي.

بالتالي تجد أوروبا نفسها أمام استحقاق كبير عليها أن توازن فيه بين بقاء أوكرانيا صامدة وإبقاء جسر يمكن سلوكه مستقبلاً لإعادة العلاقة مع موسكو؛ إذ لا يمكن لهذا التكتل الذي تبلغ مساحة دوله الـ27 مجتمعةً 4 ملايين كيلومتر مربع أن يعادي دولة نووية مساحتها 17 مليون كيلومتر مربّع.

قبل لقاء زيلينسكي مع حلفائه في بروكسل، استبقت «وزيرة خارجية» الاتحاد الأوروبي كايا كالاس وصوله بقولها: «علينا دعم أوكرانيا الآن أكثر من أي وقت مضى». وبعد 10 ساعات من المحادثات، التُقطت لزيلينسكي صور مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، على وقع قرار تحصين الدفاع الأوروبي بـ800 مليار يورو لا أحد يعلم من أين ستأتي.

يضاف إلى ذلك، أن دون وصول الرئيس الأوكراني إلى كل ما يبتغيه من الاتحاد الأوروبي عقبة اسمها فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر وصديق فلاديمير بوتين الذي سيشهر حتماً ورقة رفض انضمام أوكرانيا إلى «العائلة السعيدة» التي يجسّدها الاتحاد. وهو استخدم حق النقض في قمة بروكسل ضد بيان مشترك بشأن دعم أوكرانيا، ولا سيما موقف الدول الأعضاء الـ26 الأخرى بأن شريكها الذي دمرته الحرب يمكنه تحقيق «السلام من خلال القوة»، وليس بطريقة أخرى.

في السياق، سرّب دبلوماسيون أوروبيون أن كالاس (وهي من إستونيا: 45 ألف كيلومتر مربع، مليون و300 ألف نسمة، الناتج المحلي الإجمالي 60 مليار دولار)، حاولت إقناع دول الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدة عسكرية إلى أوكرانيا خلال عام 2025 بقيمة 20 مليار يورو على الأقل، إلا أن جهودها فشلت في كسب التأييد بالإجماع.

لكن، وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي سيقدم لأوكرانيا 30 مليار يورو من القروض هذه السنة، ستترك نهاية الدعم العسكري الأميركي فجوة كبيرة بجهود دعم أوكرانيا في الحرب، خصوصاً فيما يتصل بالاستخبارات وتوفير المعلومات والإحداثيات لتوجيه الأسلحة الدقيقة نحو أهدافها.

الحقيقة أن آفاق أوكرانيا قاتمة. فالمساعدات الأميركية الآتية وفق تعهّدات إدارة جو بايدن والجهود الأوروبية المستمرة، تكفي لصمود الجيش الأوكراني في الخطوط الأمامية، وكسب الوقت لعقد صفقة سلام مقبولة مع روسيا. أما بعد توقف المساعدات الأميركية، وفق رؤية دونالد ترمب، فما تتلقاه أوكرانيا من الأوروبيين، وما يخرج من مصانع السلاح المحلية، مخزون كافٍ لبقاء قواتها في الميدان لكن بقدرات متدهورة. وفي المقابل ستسيطر القوات الروسية على مزيد من الأراضي، وفي نهاية المطاف ستنهار الخطوط الأوكرانية، وستضطر كييف لعقد اتفاق سلام صعب بشروط قاسية مع موسكو.

المأزق الأوسع

موقف ترمب من حرب أوكرانيا يعكس في الواقع رؤيته المعروفة عن التزامات بلاده الأمنية في أوروبا، خصوصاً الغربية، فهو يدأب منذ سنوات على انتقاد تلكؤ الدول الحليفة الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الاضطلاع بمسؤولياتها وإنفاق ما يكفي على موازناتها العسكرية لكي تضمن أمنها وتعزز قدراتها الدفاعية. وتردد حديثاً كلام جديد – قديم عن أنه ينوي سحب القوات الأميركية من ألمانيا التي لا تبذل برأيه الجهد الكافي لتقوية جيشها، بل تتكل على بطاقة هويتها الأطلسية والقوة العسكرية الأميركية.

وقد خيّم هذا الواقع – كما أورد عدد من وسائل الإعلام – على قمة بروكسل في ظل القلق من انسحاب عسكري محتمل للولايات المتحدة أو إعادة هيكلة لوجودها العسكري في أوروبا، بحيث تركّز أكثر على حماية دول أوروبا الشرقية التي كانت ضمن دائرة نفوذ الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. ووصل الكلام إلى حد اعتبار التحولات في السياسة الأميركية في أوروبا واحدة من أكبر الأزمات الجيوسياسية التي تضرب القارة منذ عقود.

بالتالي، تحوّلت قمة بروكسل في السادس من مارس (آذار) إلى البحث في هاجس فقدان الضمان الأمني الأميركي، بينما تراجع تعزيز موقف أوكرانيا في ساحة المعركة إلى المرتبة الثانية، كأن ثمة تسليماً بأن الحرب ستنتهي بعد ثلاث سنوات من القتل والتدمير إلى نتيجة لا مهرب منها.

يتصرّف دونالد ترمب على أساس أن الدولة الأصغر حجماً التي تشكل محور الحرب الدائرة في أوروبا لن تشارك في المحادثات حول مستقبلها. بل سيتولى «الأقوياء» تحديد المصير. وهكذا سيكون عليه أن يحاور بوتين الذي جزم بأنه لن يقبل بوقف إطلاق النار إذا لم يؤدِّ إلى التوسع الإقليمي لروسيا، وعملياً خضوع كييف سياسياً وعسكرياً لموسكو.

وثمة من يسأل هنا: هل أن استعجال ترمب إنهاء الحرب في أوكرانيا سيؤدي إلى خواتيم سعيدة، أم إنه يرتكب خطأ فرنسا وبريطانيا عندما أقنعتا تشيكوسلوفاكيا بالتنازل عن هضبة السوديت لمصلحة ألمانيا النازية بموجب اتفاق ميونيخ عام 1938 ظناً أن ذلك سيجلب الاستقرار ويضمن السلام والأمان لأوروبا، فكان أن اندلعت الحرب العالمية الثانية بعد سنة من ذلك؟

انطوان الحاج

صحيفة الشرق الاوسط




“أليس فايدل” تقود صعود اليمين.. فهل تتحوّل ألمانيا إلى بلد العجائب؟

تمكّن تكتل فريدريش ميرتس، الذي يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، من دخول البرلمان الألماني (البوندستاغ)، بعد حصوله على 29.52% من أصوات الناخبين. وبرغم هذا الإنجاز، لم يستطع ميرتس، الذي يلقبه الألمان تودّداً بـ”ميتي”، أن يكون نجم الحدث، حيث سرقت الأضواء نتائج حزب البديل من أجل ألمانيا، بقيادة أليس فايدل، الذي حصل على المرتبة الثانية بنسبة تصويت بلغت 20.8٪، في انتخابات وصفها المراقبون بـ”التاريخية”.

ما يجعل هذا الفوز استثنائياً، هو الإقبال الكبير على صناديق الاقتراع، حيث بلغت نسبة المشاركة 52%، من أصل 59.2 مليون ناخب مؤهل، ما يعكس حجم التفاعل الشعبي مع هذه الانتخابات. وبذلك، يُنظر إلى فوز فايدل، على أنّه مستحَق، وبات برنامجها السياسي يحظى بقبول متزايد.

وخلال حملتها الانتخابية، أثارت فايدل، الجدل بمقترحات صادمة، من بينها ترحيل اللاجئين إلى جزيرة نائية، كما لم تُخفي إعجابها الشديد بدونالد ترامب، واعتبارها مارغريت تاتشر، مثلها الأعلى.

مع هذا الزخم السياسي غير المسبوق، يبرز السؤال: هل ستتمكن فايدل، من إعادة تشكيل المشهد السياسي الألماني وفق رؤيتها محوّلةً ألمانيا إلى “بلد العجائب”؟

دهاء الحب والسياسة

وُلدت أليس فايدل (46 عاماً)، في بلدة صغيرة قرب شمال الراين-وستفاليا في غرب ألمانيا، لوالدٍ يعمل في البناء، ووالدة تعمل في التمريض. بعد إنهاء دراستها الثانوية، التحقت فايدل، بتخصص الاقتصاد وإدارة الأعمال، ثم واصلت مسيرتها الأكاديمية لتحصل على دكتوراه في العلاقات الاقتصادية الدولية، مركزةً اهتمامها على الصين. دفعها مسارها المهني إلى التنقل بين سويسرا وألمانيا.

أليس فايدل تجمع بين الذكاء الاجتماعي والدهاء السياسي، إذ تترأس حزباً يعادي المثليين والمهاجرين، رغم كونها مثلية وشريكتها من أصول سريلانكية

ورغم الخطاب اليميني المتشدد لحزب البديل من أجل ألمانيا، تعيش فايدل حياةً تتناقض مع شعارات حزبها، كاشفةً عن شخصية ذات ذكاء اجتماعي ودهاء سياسي لافتين. فقد تمكنت من الوصول إلى زعامة حزبٍ يعادي المثليين، بينما تعيش علناً مع شريكتها ذات الأصول السريلانكية، مدركة تماماً موقف حزبها المتشدد تجاه المهاجرين.

تعكس هذه القدرة على المناورة والتكيّف شخصيةً قياديةً حادة الذكاء واسعة الحيلة. لكن السؤال الأهم هو: كيف سيواجه المهاجرون، خاصةً من هم من أصول عربية، هذا الدهاء السياسي؟

الجحيم هو المهاجر

يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: “الجحيم هو الآخر”، لكن في الدول الصناعية المتقدمة، كلّما تراجع الاقتصاد، تحول الشعار إلى “الجحيم هو المهاجر”. فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات الألمانية، أنّ ملف اللاجئين تصدّر اهتمامات الناخبين، باعتباره المفتاح الأساسي لحلّ الأزمة الاقتصادية التي تواجهها ألمانيا.

يرى الدكتور حسام الحملاوي، الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية والمقيم في برلين، أنّ الانتخابات الألمانية تأتي في لحظة حرجة، حيث تواجه البلاد أزمةً اقتصاديةً متفاقمةً يُتوقّع أن تزداد حدّةً في الفترة المقبلة، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي، وإغلاق المصانع، وتسريح أعداد كبيرة من العمال، ما يثير قلقاً واسعاً ويدفع الناخبين إلى البحث عن حلول، وإن كانت متطرفةً.

وفي حديثه إلى رصيف22، يوضح الحملاوي: “مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي شهراً بعد آخر، بدأ الناخب الألماني يفقد الثقة بأحزاب الوسط التقليدية، متجهاً نحو خيارات أكثر جذريةً. ومع عجز اليسار عن تقديم بديل فعّال، تحوّلت الأصوات إلى الأحزاب اليمينية، التي وجدت في المهاجرين والأجانب شمّاعةً لتعليق الأزمة الاقتصادية”.

حسام الحملاوي: ينتظر المهاجرين مستقبلٌ مظلمٌ مع الأسف. لقد فرض اليمين المتطرف أجندته على الساحة السياسية، ومن المتوقع أن نشهد ترحيلات للمهاجرين، وزيادةً في رفض طلبات اللجوء.

ووفق التقديرات، تواجه ألمانيا تهديدات جديةً تُعرّض نموذجها الاقتصادي التقليدي، الذي ازدهر منذ الحرب العالمية الثانية، لخطر التراجع. وباعتبارها أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، تعاني البلاد من ركود غير مسبوق، إذ لم تكد تتعافى من تداعيات جائحة كوفيد19، حتى وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، ما أثّر على قطاع الطاقة، حيث تعتمد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسي لتشغيل عجلة إنتاجها. برغم ذلك، فإنّ اللائمة تُلقى على المهاجرين غير الشرعيين بوصفهم “عالّةً على المجتمع”، تستنزف اقتصاد البلاد.

وعن مستقبل المهاجرين غير الشرعيين، خاصةً السوريين منهم، في ظل حالة الاستقطاب الراهنة، يجيب الحملاوي: “ينتظر المهاجرين مستقبلٌ مظلمٌ مع الأسف. لقد فرض اليمين المتطرف أجندته على الساحة السياسية، ومن المتوقع أن نشهد ترحيلات للمهاجرين، وزيادةً في رفض طلبات اللجوء. أما بخصوص السوريين، فإنّ سقوط بشار الأسد أصبح حجةً لتعليق إجراءات لجوئهم، ومن المتوقع رفض طلبات إقامتهم وترحيلهم بحجة أنّ سوريا أصبحت بلداً آمناً”.

انتعاشة يسارية

تعكس نتائج الانتخابات الألمانية الحالية مشهدًا سياسياً متغيراً، فقد حصد تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي 29.52٪ من الأصوات، فيما نجح حزب البديل في الحصول على 20.8٪، ووصف المستشار السابق أولاف شولتس حصول حزبه، الديمقراطي الاجتماعي، على 16.3% من الأصوات، بأنه “هزيمة مريرة”. و استطاع حزب اليسار الحصول على 8.5% من الأصوات، ما مكّنه من دخول البرلمان.

ورغم النسبة الضئيلة التي حصل عليها حزب اليسار، يرى البعض أن دخوله إلى البرلمان يشكل مؤشراً مهماً على وجود أصوات مناهضة للخطاب اليميني السائد، تسعى إلى تنظيم نفسها والانخراط بفعالية في المشهد السياسي.

في هذا السياق، تتحدث هبة عبيد، الصحفية الألمانية من أصول فلسطينية، عن تجربتها الانتخابية لرصيف22 قائلة: “بشكل غير مباشر، عند صعود التيارات اليمينية في ألمانيا، يسود جو من التطرّف في البلاد، ما يخلق شعوراً بعدم الارتياح في العديد من المناطق. أنا أسكن في منطقة كان التصويت العام فيها لصالح الأحزاب اليسارية، وقد صوتُّ لليسار أيضاً، لكن في مناطق أخرى يمكن الشعور بتأثير التيار اليميني بشكل أوضح”.

رغم حصوله على 5% فقط، فإن دخول اليسار الألماني البرلمان إنجاز غير مسبوق، يعكس تحولاً سياسياً قد يقوده الشباب والمهاجرون مستقبلاً

وتضيف عبيد: “أنا أحمل الجنسية الألمانية، وأصولي فلسطينية سورية، وأعتقد أن التغيرات السياسية تؤثر علينا جميعاً، لكنها تؤثر بشكل أكبر على من هم حديثو اللجوء، أو من ينتظرون لمّ شمل عائلاتهم، أو من تعتمد تأشيراتهم على قرارات معينة. هؤلاء هم الفئة الأكثر تأثراً “.

وتلفت عبيد إلى أن الحزب اليساري تمكن من دخول البرلمان الألماني بعد حصوله على 5% من الأصوات المؤهلة. صحيح أن هذه نسبة صغيرة مقارنة بما حصلت عليه الأحزاب الأخرى، لكنها تمثل إنجازًا غير مسبوق لليسار الألماني، ما يشير إلى تغير في المزاج السياسي قد يلعب فيه الشباب اليساري والألمان من أصول مهاجرة دورًا أكبر في المستقبل، الأمر الذي يجعلها “لا تفقد الأمل في ألمانيا”، على حد تعبيرها.

ويتفق مع هذا الرأي حسام الحملاوي، الذي يرى أن هناك جيلاً يسارياً جديداً بدأ يتحرك وفق بوصلة مختلفة عن اليسار التقليدي المنحاز إلى السردية الصهيونية، متوقعًا أن يعزز اليسار الألماني تأثيره الاجتماعي والسياسي في المستقبل.

ثِقل معطّل 

وبرغم تصاعد الخطاب المناهض للّاجئين والمهاجرين، يظلّ الناخبون من أصول مهاجرة، خاصةً العرب، بعيدين عن دائرة التأثير السياسي، سواء بسبب ضعف الاندماج أو لانشغالهم بأولويات أخرى، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية إحداث التغيير عبر تشكيل جماعات ضغط تقوم على مصالح محددة، تتيح لهم هامشاً للتحرّك والمناورة السياسية. 

ولتحليل المشهد السياسي الراهن في ألمانيا، يوضح رضوان قاسم، مؤسس مركز “بروجن” للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية في برلين، لرصيف22، قائلاً: “لا شك أنّ هذه الانتخابات تُعدّ استثنائيةً ومليئةً بالمفاجآت، حيث شهدت مشاركة عدد غير مسبوق من الأحزاب، بلغ 41 حزباً، تمكّن 10 أحزاب منها من خوض المنافسة على المستوى الوطني. يعكس هذا التنوع حجم الانقسامات السياسية داخل المجتمع الألماني، ما يُبرز تراجع الأحزاب التقليدية وظهور تيارات سياسية جديدة”. 

ويشرح قاسم: “فمثلاً، على الرغم من الحملات الدعائية المكثفة ضد حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تتزعمه أليس فايدل، إلا أنّ الحزب واصل تقدّمه، محتلّاً المرتبة الثانية بعد تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي-الاتحاد الاجتماعي المسيحي، وهو ما يشير إلى تصاعد التأييد الشعبي لليمين المتطرف في ألمانيا، برغم الانتقادات الواسعة التي تواجهه”.

عن سؤال لماذا لا يتمتع الناخب الألماني من أصول مهاجرة، خاصةً العربية، بتأثير قوي في الحياة السياسية؟ يجب قاسم، بأنّ سبب ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى “مستويات الاندماج المنخفضة”. فالكثير من المهاجرين لم ينخرطوا بشكل كامل في المجتمع الألماني، ما أدى إلى عزوفهم عن المشاركة السياسية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني.

ويكمل: “ويظهر ذلك جلياً في ضعف نسبة التصويت بين الألمان ذوي الأصول العربية، إذ لا يشاركون بفعالية في الانتخابات البلدية أو البرلمانية، ما يضعف قدرتهم على تشكيل جماعة ضغط أو لوبي عربي مؤثر”.

أثر الخطاب اليميني المتطرف على توجهات الشباب من أصول مهاجرة، مما دفع بعضهم إلى التصويت للأحزاب اليمينية كوسيلة لإثبات انتمائهم إلى الهوية الألمانية

يشير المحلل السياسي رضوان قاسم، في حديثه إلى رصيف22، إلى نقطة مهمة للغاية، هي أنّ فئة الشباب من أصول مهاجرة تلعب دوراً سلبياً في المشاركة السياسية. فهؤلاء، مثل الشباب الألماني عموماً، يميلون إلى العزوف عن السياسة، حيث يركزون بشكل أساسي على تحقيق الاستقرار الشخصي والرفاهية، على عكس الفئات الأكبر سنّاً والتي تظهر التزاماً أكبر بالمسائل السياسية.

الأمر الأكثر خطورةً، هو أنّ الخطاب اليميني المتطرف قد أثّر بشكل كبير على توجهات الشباب من أصول مهاجرة، حيث يُلقي هذا التيار باللوم على المهاجرين في المشكلات الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد. وقد دفع هذا الخطاب بعض الألمان من أصول مهاجرة إلى الاقتراب من الأحزاب اليمينية المتطرفة والتصويت لها، في محاولة لإثبات “ألمانيتهم” ووطنيتهم.

وفي ختام مداخلته، يلفت قاسم، إلى أنّ المخاوف الاقتصادية تلعب دوراً حاسماً، حيث لا يتردد بعض الشباب من أصول عربية في دعم أحزاب يمينية، إذا رأوا أنّ سياساتها ستفيد الاقتصاد الوطني، حتى لو كانت تلك الأحزاب تتبنى مواقف معاديةً للهجرة والمهاجرين.

دانا الشيخ

موقع رصيف 22




ليبراسيون: فرنسا- الجزائر.. حكومتان تحت وصاية الشعبويين

تصدّر موضوع التوتر الدبلوماسي الفرنسي- الجزائري الصفحة الأولى من عدد صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية لهذا الخميس، مرفقًا بصورة معبّرة لرئيسي البلدين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون، وتحتها العنوان: “فرنسا- الجزائر.. الخلاف الحسّاس”.
وفي افتتاحيتها، تحدثت الصحيفة عن “المزايدة”، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو أوضح أنه لا ينوي “المزايدة” على الأزمة بين فرنسا والجزائر، فإنه بادر إلى تصعيد جديد يوم الأربعاء. ففي أعقاب اجتماع لجنة وزارية مصغرة مخصصة للهجرة، أعلن رئيس الوزراء عن “إعادة النظر السريعة والفورية في جميع الاتفاقيات التي ربطت بين البلدين منذ عام 1968”.
لكن، في الشهر الماضي، سعى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى تهدئة الوضع، حيث صرح أمام الجمعية الوطنية بأن “فرنسا والجزائر ليس لديهما مصلحة في خلق توتر دائم”. ومع ذلك، فإن تفاقم الأزمة يثبت أن هذه القراءة كانت صحيحة تمامًا، وفي الوقت نفسه خاطئة تمامًا.

الشعبويون يسيطرون على المشهد

وترى الصحيفة أن الشعبين في كلا البلدين كانا سيستفيدان بالفعل من انخفاض التوترات، سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية، لكن الحكومتين تقعان تحت وصاية الشعبويين، الذين لديهم كل شيء ليخسروه من تهدئة العلاقات.
وتتجلى هذه الديناميكية، وفق الصحيفة، من خلال عدة مظاهر:
• في الجزائر: يتجلى ذلك في السجن القاسي والتعسفي للكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، وكذلك العرقلة الممنهجة والمميتة لعمليات طرد الرعايا الجزائريين المشتبه في تورطهم في الإرهاب في فرنسا، ما دفع بعضهم إلى اتخاذ إجراءات لا يمكن إصلاحها، كما حدث يوم السبت الماضي في الهجوم بالسكين في مدينة ميلوز بشرق فرنسا.
• في فرنسا: وقعت الحكومة في “الفخ الذي نصبه القوميون الجزائريون“، عبر تأجيج الخلافات علنًا، والإعلان عن فرض قيود مستقبلية على منح التأشيرات، وهو ما يؤثر بشكل خاص على النخب والشباب المتحمسين للثقافة الفرنسية.
واعتبرت ليبراسيون أن هذا التصلب المتهور، الناجم عن التحول نحو يمين المشهد السياسي وفقدان فن الدبلوماسية، لا يمكن إلا أن يعزز موقف الشعبويين على الجانب الآخر، إذ يؤدي إلى إحياء الحساسيات الجزائرية، وتصعيد المزايدات المتبادلة بين الطرفين.

صحيفة ليبراسيون الفرنسية

ترجمة صحيفة القدس العربي




العلاقات الأطلسية تدخل عصراً جديداً من التباعد

الولايات المتحدة تتحوّل من «حليف» إلى «شريك ضروري» بالنسبة إلى الأوروبيين

عندما وصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض للمرة الأولى، في عام 2016، قيل إنه لم يكن يحمل معه خطة واضحة للحكم، وإن الحرس القديم في الحزب الجمهوري تمكّن من احتواء الشطط في قراراته وعرقل معظمها في الكونغرس. لكن «ترمب الثاني» جاء، كما يبدو، بنسخة جديدة تهيمن عليها الرغبة الشديدة في الانتقام من خصومه، بعدما فاز بالصوت الشعبي وحصد الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب. أضاف ترمب إلى سياساته الخاصة بزيادة الرسوم الجمركية وخفض الضرائب، شهية كبيرة للتوسع الجغرافي وأقام تحالفاً وطيداً مع الشركات الرقمية العملاقة، وأعطى إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة شخصية في العالم، مقعداً في قمرة قيادة الولايات المتحدة.

لا يظهر الرئيس الأميركي أي حرج في الإعلان عن رغبته في ضم جزيرة غرينلاند الدنماركية الشاسعة والغنية بالمعادن النادرة والطاقة، أو استعادة السيطرة على قناة بنما، وإلحاق كندا بالولايات المتحدة، ناهيك عن مشروعه بشأن قطاع غزة وسكانه. كما أنه لا يتردد في القول إنه يريد فتح صفحة جديدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي فرضت عليه واشنطن، خلال الإدارة السابقة، كل أنواع العقوبات الاقتصادية والسياسية، وأنفقت المليارات لدحره عسكرياً.

تنقسم الآراء في القارة الأوروبية حول مدى جدّية تهديدات ترمب وسياساته، لكن ثمة إجماعاً حول القلق الذي تثيره على الساحة الدولية. وقد بلغ القلق ذروته هذه الأيام في أوروبا مع انكشاف نيات ترمب بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، والانتقال من المنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى إلى استعداد الأقوى بينها، اقتصادياً وعسكرياً، لتسخير تفوقها من أجل تحقيق كل الأهداف التي تنشدها.

منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، أواخر الشهر الماضي، أدرك الأوروبيون أن العلاقات الأطلسية دخلت عصراً جديداً من التباعد الذي لم تعرفه منذ الحرب العالمية الثانية. ومن كان لا يزال يشكك في حدوث هذا التحول الجيوسياسي العميق، جاءت تصريحات نائب الرئيس الأميركي جيمس ديفيد فانس، نهاية الأسبوع الفائت في ميونيخ، لتبدد شكوكه وترسم عنواناً عريضاً للمرحلة الجديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا.

وبعد المكالمة الهاتفية الطويلة بين ترمب وبوتين، قبل أسبوع، وما تلاها من تصريحات على لسان الرئيس الأميركي وبعض معاونيه، كان الأوروبيون يتلهفون إلى سماع توضيحات حول موقف واشنطن من الحرب في أوكرانيا وكيفية إنهائها. لكن عوضاً عن التوضيحات والتطمينات، اختار فانس أن يصبّ الماء البارد على الشركاء، وشنّ هجوماً آيديولوجياً لاذعاً ضد الأنظمة الديمقراطية الأوروبية، واتخذ موقفاً واضحاً بجانب القوى اليمينية المتطرفة. قال إن أوروبا تقمع الآراء المناهضة للحركات النسائية، واستنكر إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية في رومانيا التي فاز فيها المرشح اليميني المتطرف المدعوم من موسكو، وعدَّ أن التهديد الأخطر الذي يواجه أوروبا ليست الصين أو روسيا مصدره، بل تدهور الأنظمة الديمقراطية بسبب التضييق على ممارسة حرية التعبير. وقد أثأرت تصريحاته سلسلة من الاستنكارات على ألسنة عدد من الزعماء الأوروبيين، ودهشة واسعة أمام هذا التحول الذي ما زالت عواصم الاتحاد تحاول التكيّف مع تداعياته.

كان المستشار الألماني، أولاف شولتس، الذي يبدو سقوطه قاب قوسين بعد الانتخابات التي يرجّح أن يحل فيها ثانياً حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي قام على ركام الحركة النازية، الأشدّ في تصريحاته للتعبير عن انزعاجه من كلمة نائب الرئيس الأميركي. قال: «العبرة التاريخية الأساس التي استخلصناها من الحرب العالمية الثانية هي رفض الفاشية والعنصرية وحروب العدوان. ولذلك ترفض الغالبية الساحقة من الألمان أولئك الذين يمجدون أو يبررون الجرائم النازية مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، ولا نقبل أي تدخل أجنبي في انتخاباتنا لمصلحة حزب معيّن».

ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الأطلسية فتوراً بعد الحرب العالمية. فالغزو الأميركي للعراق عام 2003 أحدث شرخاً كبيراً مع بلدان مثل فرنسا وألمانيا، واستنكاراً واسعاً في المجتمعات الأوروبية. كما أن ولاية ترمب الأولى تخللتها مراحل عدّة معقدة بين الطرفين. لكن المرحلة الراهنة تحمل سمات لم تشهدها هذه العلاقة منذ ثمانية عقود، أولاً بسبب من سياق الحرب الدائرة في أوكرانيا، وثانياً للمؤشرات الواضحة على استعداد واشنطن للتنصّل من التزاماتها الدفاعية تجاه أوروبا. وقد تبدّى ذلك في خطاب فانس الذي كشف عن هوّة عقائدية بين الحليفين تترتّب عليها تبعات بعيدة الأثر أشار إليها نائب الرئيس الأميركي عندما قال إن الحلف الأطلسي (ناتو) منظمة عسكرية تقوم على مبدأ الدفاع عن قيم مشتركة.

اللافت، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان هو الذي تولّى توضيح المشهد الأوروبي المضطرب عندما قال في كلمته أمام مؤتمر ميونيخ: «لنكن صرحاء. لا يمكن أن نستبعد عدم تجاوب الولايات المتحدة مع أوروبا في مسائل تهدد أمنها. عقود من العلاقة القديمة بين أوروبا والولايات المتحدة تشرف على نهايتها، وعلى أوروبا التكيّف مع هذا الواقع الجديد». وعلى رغم أن الجانب الأميركي أوضح لاحقاً أن أوروبا سيكون لها مقعد حول طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب الأوكرانية، فإن الأوروبيين يشكون من أنهم غائبون عن المفاوضات الأميركية – الروسية، بحسب ما يقول رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا الذي سأل: «عن أي مفاوضات نتحدث؟ لا توجد مفاوضات. الولايات المتحدة ليست طرفاً في الحرب، ولا تمثّل أياً من طرفي النزاع. ولن تكون هناك مفاوضات حقيقية إلا بمشاركة روسيا وأوكرانيا والاتحاد (الأوروبي)؛ لأن هذه المفاوضات ليست فحسب حول السلام في أوكرانيا، بل أيضاً حول الأمن في أوروبا، ولا يمكن فصل السلام في أوكرانيا عن الأمن الأوروبي لأن التهديد الروسي يتجاوز أوكرانيا». وفي كلمته أمام مؤتمر ميونيخ، وصف رئيس المجلس الأوروبي التنازلات التي قدمتها واشنطن لروسيا قبل البدء في المفاوضات بأنها «خطأ جسيم»، في إشارة إلى تصريحات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث الذي استبعد أن تستعيد أوكرانيا كل أراضيها المحتلة أو أن تنضم إلى الحلف الأطلسي.

أقل من شهر على دخول دونالد ترمب البيت الأبيض كان كافياً كي يسقط الأوروبيون فكرة «الحليف» من قاموس علاقاتهم مع الولايات المتحدة التي أصبحت «شريكاً ضرورياً»، بحسب ما يتبيّن من استطلاع حديث في 14 من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لكن هامش المناورة أمام الأوروبيين ضيّق جداً. فأميركا يمكن أن تنسحب بلا شروط من تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا وتأمين الغطاء الدفاعي لأوروبا. كما أنها يمكن أن تفرض رسوماً جمركية باهظة تعجز دول أوروبية عن احتواء تبعاتها. كما يمكن أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى التفاوض الثنائي مع بعض الدول الأعضاء في الأوروبي لزرع التفرقة داخل هذا التكتل. وإضافة إلى كل هذه الاحتمالات، تخشى أوساط أوروبية شن حملة عبر المنصات الرقمية الكبرى (خاصة التي يملكها إيلون ماسك) لدعم القوى والحركات اليمينية المتطرفة وزعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي في أوروبا، فضلاً عن الدور الذي يمكن أن يلعبه حلفاء ترمب داخل الاتحاد وفي طليعتهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني.

الساحة الحمراء قرب الكرملين الأربعاء (إ.ب.أ)
الساحة الحمراء قرب الكرملين الأربعاء (إ.ب.أ)

أمام هذا التحوّل العميق في العلاقات الأطلسية الذي تنفرج له أسارير الكرملين وتراقب بكين مندرجاته باهتمام كبير، الذي يخشى كثيرون أنه ما زال في بداياته، يتوقف منظرّو الفكر الليبرالي السياسي والاقتصادي باندهاش كبير أمام تداعيات الأسابيع الأولى من ولاية ترمب الثانية والبروز السياسي لشخصية مثل إيلون ماسك يحرّك خيوط الإدارة الأميركية بتكليف حصري ودعم مطلق من صديقه الرئيس.

في الواقع، هذه لا تبدو مجرد أزمة عابرة تواجهها الأحزاب التقليدية في الدول الغربية، بل هي أزمة تطول الفكر الليبرالي الغربي ككل. فمن المتعارف عليه أن الولايات المتحدة دولة يقوم نظامها السياسي والاقتصادي على مبادئ الفكر الليبرالي، كما أن الدستور الأميركي يتبنّى هذه المبادئ الأساسية، من حقوق مدنية واحترام التباين السياسي، والإيمان العميق بكرامة الإنسان وقبول التنوع. ولذلك؛ فإن الأوروبيين لا يتصورون أن كل ذلك يمكن شطبه دفعة واحدة من غير أن تظهر حركة مقاومة بدأت تظهر مؤشراتها الأولى في بعض المحاكم الفيدرالية الأميركية التي رفضت تنفيذ بعض الأوامر التنفيذية التي وقعها الرئيس ترمب، بالإضافة إلى امتناع بعض الموظفين الرسميين عن السماح لفريق ماسك بالحصول على معلومات سرية رغم تهديدهم بالطرد من الوظيفة.

وفي انتظار معرفة التطورات على الساحة الداخلية الأميركية ومدى قوة التيّار المقاوم للإدارة الجديدة، يترقب الأوروبيون بقلق متزايد ما يعتمل داخل حدودهم، لا سيما فيما يتعلق بالنتائج التي ستتمخّض عنها الانتخابات الألمانية يوم الأحد؟ إلى أين ستصل موجة حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي يؤوي ورثة الحركة النازية؟ وماذا سيكون موقف الحزب الديمقراطي المسيحي من التحالف، المباشر أو غير المباشر، مع النازيين في حال فوزه في الاقتراع واحتياجه إلى دعمهم من أجل تشكيل حكومة؟

يقول الأوروبيون إنه قبل وصول ترمب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية كانت الصين وروسيا هما مصدر التهديدات التي يتعرض لها النظام الليبرالي العالمي، أما اليوم فقد انضمت إليهما الولايات المتحدة مصدراً ثالثاً من داخل هذا النظام الذي قد يكون على شفا الاحتضار.

شوقي الريس

صحيفة الشرق الاوسط




لوفيغارو: إطلاق البيت الأبيض مفاوضات مع الكرملين بشأن أوكرانيا دون إشراك الأوروبيين يؤكّد أن ديغول كان محقاً بخصوص أمريكا

تحت عنوان “لقد كان الجنرال ديغول على حق تماما!”، قال رينو جيرار، الصحافي المخضرم بصحيفة لوفيغارو الفرنسية، في مقال رأيه، إن الولايات المتحدة الأمريكية أوضحت للتو بكل صراحة للأوروبيين في حلف شمال الأطلسي أن الأمر متروك لهم لضمان أمن قارتهم ضد الروس، مُذَكِّراً بأن الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول أدرك في عصره أن أمريكا لن تمنح الأوروبيين أبداً ضمانات أبدية.

وأضاف الصحافي في لوفيغارو القول إنه مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تشهد أمريكا تحولاً استراتيجياً، بدأ تصوره لأول مرة في عام 2011. في ذلك الوقت، تحدث الرئيس باراك أوباما بلطف عن “التوجه نحو آسيا”.

 واليوم تشرح بصراحة لشركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي أن الأمر متروك لهم لضمان أمن قارتهم ضد الروس، لأنها تريد تركيز جهودها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. والأسوأ من ذلك أن البيت الأبيض أطلق مفاوضات مع الكرملين بشأن الحرب في أوكرانيا، من دون إشراك العواصم الأوروبية.

باريس، منذ شارل ديغول، كانت مقراً لفكر استراتيجي فريد من نوعه في أوروبا: وهو أن من المخاطرة بمكان أن نعهد بأمننا إلى أمريكا، حتى لو كانت صديقتنا أو حليفتنا

وهذا أكثر قسوة بالنسبة للأوروبيين، لأنهم، بناء على طلب واشنطن، قدموا تضحيات كبيرة لتعزيز قضية أوكرانيا، التي تعرضت لهجوم من روسيا في فبراير/شباط 2022. وتوقفوا عن شراء الغاز الروسي للحفاظ على استمرار صناعاتهم، ولجأوا إلى الغاز الصخري الأمريكي، وهو أغلى بثلاث مرات. كما قاموا بتمويل الميزانيات العسكرية والمدنية لأوكرانيا بما يصل إلى 100 مليار يورو. وأيضا سحبوا شركاتهم الكبرى من روسيا، التي اضطرت إلى بيع معظم أصولها بخسارة. وباستثناء الفرنسيين، بدأ الأوروبيون في مضاعفة مشترياتهم من صناعة الأسلحة الأمريكية، يُشير رينو جيرار.

في مفاجأة غريبة من الموقف الذي ظهر بوضوح في حملة دونالد ترامب، سارع زعماء القوى العسكرية الأوروبية الرئيسية (بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، هولندا، الدنمارك) إلى باريس في 17 فبراير/شباط 2025. وكان برفقتهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ورئيسا المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية.

لكن لماذا باريس؟ ولماذا لا تكون بروكسل، حيث يقع مقر الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي؟ حسناً، لأن باريس، منذ شارل ديغول، كانت مقراً لفكر استراتيجي فريد من نوعه في أوروبا: وهو أن من المخاطرة بمكان أن نعهد بأمننا إلى أمريكا، حتى لو كانت صديقتنا أو حليفتنا؛ ينبغي علينا أن نعمل على تطوير الوسائل العسكرية والاقتصادية اللازمة لاستقلالنا، يُذكِّرُ الصحافي بلوفيعارو.

لقد أدرك الرئيس ديغول أن أمريكا لا تستطيع أبداً أن تقدم للأوروبيين ضمانات أبدية ثابتة. لأنها مثل أي قوة عظمى، تسعى إلى تحقيق سياسة مصالحها، المتجذرة في جغرافيتها، وتاريخها، وديموغرافيتها، واقتصادها. ومن الواضح أن الديمقراطية الأمريكية تخضع لتغيرات في استراتيجيتها، اعتماداً على الرغبات المعبر عنها من جانب الرأي العام. وباعتباره ضابطاً شاباً، شهد شارل ديغول انخراط أمريكا، في عام 1917، مع الديمقراطيات الأوروبية في مكافحة العسكرة الألمانية، يتابع الكاتب.

لقد رأى رئيسها وودرو ويلسون يصل إلى باريس بعد شهر من هدنة 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، حيث استقبل هناك استقبالاً منتصراً، وبقي هناك سبعة أشهر، حتى يونيو/حزيران 1920، للتفاوض على معاهدة السلام التي كانت ستضع حداً نهائياً للحروب في أوروبا. وقّع ويلسون معاهدة فرساي، وهو العمل الذي أدى إلى نزع سلاح الألمان، ولكنه فجأة مرض ولم يتمكن من الحصول على التصديق عليها من قبل مجلس الشيوخ.. لتودّع فرنسا الضمانات الأمنية الأمريكية. وكان كليمنصو قد استدعاهم ليشرح للمارشال فوش أنه ليس من الضروري أن يذهب الحلفاء إلى برلين لتدمير العسكرية الألمانية مرة واحدة وإلى الأبد.

إن النتيجة الحزينة لهذا السيناريو معروفة جيداً، – يواصل رينو جيرار: فقد مولت البنوك الأمريكية إعادة تسليح ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين، ثم أمرت واشنطن باريس بعدم التحرك عندما أعاد هتلر تسليح منطقة الراينلاند في مارس/آذار 1936، في انتهاك صارخ لمعاهدة فرساي. عندما زحفت الفرق النازية نحو باريس في مايو/أيار 1940، ودعا الرئيس بول رينو أمريكا طلبا للمساعدة، أجابت أمريكا الفرنسيين: “رتبوا الأمر!” . ولم تبدأ أمريكا في التحرك إلا بعد الهجوم الياباني في المحيط الهادئ وإعلان هتلر الحرب في ديسمبر/كانون الأول عام 1941. وسيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تحرير أوروبا الغربية، وتمويل إعادة إعمارها، مع حمايتها من شهية ستالين.

من خلال رفضه أن يكون “كلب أمريكا”، نجح ديغول في كسب احترامها، وفي معاملته على قدم المساواة.

وبعد أن عاش ديغول إهانة هزيمة عام 1940، قال لنفسه بحق: “لن يتكرر هذا أبدا!”. وبعد عودته إلى السلطة في عام 1958، عمل على تطوير قوة ردع نووية مستقلة. في عام 1966، انسحبت فرنسا من المنظمة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (مع بقائها في التحالف الأطلسي)، معتقدة أن الجيوش الفرنسية يجب أن تطيع الجنرالات الفرنسيين فقط.

ومن خلال رفضه أن يكون “كلب أمريكا”، نجح ديغول في كسب احترامها، وفي معاملته على قدم المساواة. في فبراير/شباط 1969، كانت الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي الجديد إلى ديغول. باريس هي أيضا عاصمة الدولة التي تجرأت في عام 2003 على معارضة المغامرة العسكرية الأنجلوساكسونية السخيفة في العراق، حيث انضم إليها البولنديون والدنمركيون والبلطيون والنرويجيون والرومانيون والبلغار والأوكرانيون والجورجيون وغيرهم، مثل الكلاب الضالة، يشير رينو جيرار دائما.

لقد أصبحت باريس أخيرا المكان الذي تم فيه اختراع مفهوم الحكم الذاتي الاستراتيجي الأوروبي، الذي دافع عنها مراراً الرئيس إيمانويل ماكرون دون جدوى أمام شركائه الأوروبيين، ولم يتلق في المقابل سوى ابتسامات مهذبة. في عام 2021، أوضح رئيس الوزراء الدنماركي الحالي لمستشار ماكرون أن كوبنهاغن ستشعر دائمًا بأنها أقرب إلى واشنطن منها إلى باريس… وكان لدى إيمانويل ماكرون رد فعل جيد في تنظيم قمة الإليزيه في 17 فبراير/شباط 2025. لن يتم بناء الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بين عشية وضحاها. وسيتم ذلك من خلال صناعة دفاع أوروبية بحتة. وسيتطلب هذا الأمر إعادة تسليح أخلاقي، وربما إعادة العمل بالخدمة العسكرية. لكن هناك أمر واحد مؤكد: كلما زادت هذه الاستقلالية، قل تذمرنا لواشنطن، وزاد احترام أمريكا لنا؛ وستكون علاقتنا أفضل مع من يبقى، لأسباب ثقافية وتاريخية، حليفنا القديم للقلب، يقول رينو جيرار.

رينو جيرار

صحيفة لوفيغارو الفرنسية

ترجمة صحيفة القدس العربي