1

من رتّب الهجوم الإرهابي على Ursa Major الروسية

عن إغراق سفينة الشحن الروسية في البحر الأبيض المتوسط، كتبت أولغا فيودوروفا، في “موسكوفسكي كومسوموليتس”:

غرقت سفينة الشحن Ursa Major الروسية في البحر الأبيض المتوسط ​​نتيجة هجوم إرهابي. تم الإعلان عن ذلك في 26 ك1/ديسمبر، من قبل الشركة المالكة للسفينة. وجاء في البيان: “وقعت ثلاثة انفجارات على الجانب الأيمن من السفينة Ursa Major، ما تسبب في غرقها”. وقالت الشركة: “تمزقت حواف الثقوب من الخارج نحو الداخل”. كانت Ursa Major تحمل بضائع مهمّة إلى الشرق الأقصى- رافعات موانئ ثقيلة لطريق بحر الشمال ومعدات لكاسحات الجليد الجديدة.

تعليقًا على ذلك، قال العقيد البحري الاحتياطي فاسيلي دانديكين:

“من الواضح أن هذا الحدث مرتبط بأجهزة المخابرات البريطانية، مثل MI6، المتخصصة في أعمال التخريب تحت الماء وهي ذات مؤهلات عالية. ما زلت أعتقد بأنه كانت العملية متعددة المراحل، بدءًا من سان بطرسبورغ، حيث كانت السفينة تخضع للصيانة. لا يمكن أن تستغرق عملية التحضير لهجوم إرهابي أسبوعًا واحدًا فحسب. كان من الضروري معرفة الطريق وطبيعة الحمولة وجميع التفاصيل مقدمًا”.

وغفلنا عن ذلك؟

قد يكون للأشخاص المرتبطين بهذه السفينة رأيهم الخاص حول ما حدث. ومع ذلك، في رأيي، طالما تم إرسال مثل هذه السفينة التي تنقل حمولة مهمة في رحلة جدية، فقد كان من الواضح أن فريقًا مكونًا من 16 شخصًا لا يكفي لضمان سلامتها ووصولها في مثل هذه الظروف. علمًا بأنها لم تكن سفينة حربية، ولذلك كانت تتحرك ببطء شديد.

وكان لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الأخطار التي تشهدها المنطقة وخصائص الحمولة التي كانت تحملها السفينة. وبالتالي، كان من الضروري الاهتمام بسلامتها، وربما توفير مرافقة لها.

ترجمة روسيا اليوم




مرور الغاز الروسي: أوكرانيا تماطل وأوروبا تكابر

حول آفاق استمرار عبور الغاز الروسي أراضي أوكرانيا، كتب نائب المدير العام لمعهد الطاقة الوطنية، ألكسندر فرولوف، في “إزفيستيا”:

في بداية العام 2025، سينتهي عقد نقل الغاز الروسي عبر أراضي أوكرانيا، وتصبح آفاق الضخ غير مؤكدة. علمًا بأن العديد من دول الاتحاد الأوروبي يتلقى الوقود الأزرق عبر هذه الدولة.

نحن مرة أخرى في موقف يقترب فيه انتهاء الموعد النهائي لإتمام العقد الحالي، وتنطلق تصريحات صاخبة من كييف: لن يكون هناك عقد، وأوكرانيا لن تضخ الغاز الروسي.

وفي حين عملت قيادة الاتحاد الأوروبي المرة السابقة كوسيط ساعد في إبرام اتفاق العبور، فإن بروكسل الآن ترفض بشكل واضح مشاركتها في إبرام عقد جديد. في الظروف الحالية، نتعامل مع مفوضية أوروبية ذات توجهات سياسية، وهي التي اعتمدت في العام 2022 إعلانا، أي وثيقة غير ملزمة، بشأن وقف شراء الغاز الروسي بحلول العام 2027. وعلى هذه الخلفية، فإن أي مساعدة من المفوضية الأوروبية في توقيع عقد جديد يبدو أمرًا مستحيلا، حتى لو كان وقف الضخ يضر بشكل أو بآخر بالاقتصاد الأوروبي.

لكن في الوقت الحالي، لا تزال لدى المشترين الفرصة للتفاوض مع كييف لضخ الغاز، وحجز الكميات المطلوب ضخها، حتى قبل يوم واحد من انتهاء العقد. ومن الواضح أن روسيا مستعدة لمواصلة التعاون البناء والمتكافئ مع الدول الأوروبية الفردية.

في النصف الأول من العام الذي يشارف على نهايته، تم توفير ثلثي واردات الكهرباء في أوكرانيا من قبل ثلاث دول- سلوفاكيا ورومانيا والمجر- وقد يجبر هذا الظرف كييف على تقديم تسهيلات فيما يتعلق بنقل الغاز الروسي بحلول نهاية العام 2024.




سياسات الطاقة الأوروبية تقودها إلى الهاوية

الغريب في الوضع الأوروبي ليس تبني الحكومات سياسات خاطئة، ولكن الاستمرار في الخطأ، والأغرب من ذلك هو محاولة الأوروبيين إقناع الدول النامية بتبني هذه السياسات الخاطئة. لهذا يمكن القول إنه من دون تغيير ثوري، فإن أوروبا بلغت أوجها وهي في مرحلة الانحدار. ولعل أبرز دليل على الفشل المتكرر للسياسات هو شيوع سياسة “الترقيع”، تبني سياسة جديدة، فشل، سياسة أخرى لإصلاح السياسة القديمة، أعراض جانبية، سياسات جديدة للحد من الأعراض الجانبية، مزيد من الفشل، وهكذا دواليك.

سياسات الطاقة المتطرفة

أوروبا هي الخاسر الأكبر من تبني سياسات طاقة متطرفة. فها هي ألمانيا تعاني ارتفاع أسعار الطاقة، التي أصبحت من الأعلى في العالم، وبدأت المصانع تغلق أبوابها والشركات تحقق خسائر كبيرة، وبدأت صناعة السيارات التي اشتهرت بها بالأفول. وها هي بريطانيا تعاني مرات عدة في السنة من نقص إمدادات الطاقة وارتفاع شديد في الأسعار بسبب توقف الرياح، ونقص إمدادات الكهرباء المولدة من عنفات الرياح، الذي يعني زيادة الطلب على الغاز وارتفاع أسعاره. بريطانيا فرضت ضرائب استثنائية على شركات النفط والغاز المنتجة في بحر الشمال، فانهارت الاستثمارات في القطاع، وحولت الشركات استثماراتها إلى أماكن أخرى حول العالم. ونتج من ذلك استمرار هبوط إنتاج النفط والغاز في بريطانيا. هذا يعني بالضرورة زيادة اعتماد بريطانيا على واردات النفط والغاز، وهذا يعارض سياساتها على مدى الـ45 عاماً الماضية: تخفيض الاعتماد على واردات النفط والغاز! الدنمارك قررت وقف الاستثمار في قطاع النفط والغاز وركزت على الطاقة المتجددة. كان هناك مناقصة ضخمة لبناء مشروع طاقة هوائية بالبحر في الأسبوع الماضي، ولم يدخل المنافسة أحد. ولا حتى شركة واحدة. الكلف عالية، وهذه المشاريع تتطلب إعانات ضخمة.
مع ارتفاع أسعار الطاقة بسبب انخفاض صادرات الغاز الروسية وتقطع الطاقة المتجددة وعدم انتظامها، ارتفعت أسعار الطاقة بصورة كبيرة، فقامت الحكومات الأوروبية بتقديم إعانات للمستهلكين، وهذا يتضمن إعانات للكهرباء والغاز والبنزين والديزل. هذه الحكومات، ومن ورائها صندوق النقد الدولي، حاولت لأعوام طويلة إقناع الدول النامية بعدم تقديم إعانات لمستهلكي الطاقة لأنها استنزاف للموازنة، وخطر على الأسواق، ومهددة للنمو الاقتصادي، ومسببة للتضخم. ولكن عندما ارتفعت الأسعار في بلادهم رموا كل هذه “الحكم” في البحر! انقلب السحر على الساحر، لأن هدف الحكومات الأوروبية هو تخفيض استهلاك “الوقود الأحفوري” لتخفيض انبعاثات الكربون وتحقيق أهداف سياسات التغير المناخي، وتقديم الإعانات خفض الأسعار، فزاد الاستهلاك، وزادت الانبعاثات، ورقع يا مرقع!
مشكلة الحكومات الأوروبية عدم إدراكها أن مشكلة التغير المناخي حصلت على مدى بضع مئات السنين، ويريدون حلها خلال من 20 إلى 30 عاماً، وهذا غير ممكن.

أوروبا والحرب في أوكرانيا

أوروبا هي الخاسر الأكبر من الحرب في أوكرانيا. فالحرب لم تستنزف بعض الدول الأوروبية مالياً فحسب، وإنما كبدتها خسائر كثيرة من إيواء اللاجئين إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
انخفاض صادرات الغاز إلى أوروبا كلف الدول الأوروبية مبالغ مليارية حتى الآن لأنها اضطرت إلى استيراد الغاز المسال بأسعار بلغت أضعاف ما تدفعه ثمناً للغاز الروسي. وكان المستفيد الأكبر هو الولايات المتحدة التي أصبحت منذ ذلك الوقت أكبر مصدر للغاز المسال في العالم.

بعض الدول الأوروبية قررت أن توقف أو تخفض صادرات الغاز من روسيا، بينما قررت إدارة بوتين وقف هذه الصادرات إلى الدول الأخرى، والجزء الثاني أكبر من الأول. لم تفرض الدول الأوروبية حظراً على الغاز الروسي، وهذا يمثل مشكلة أخلاقية كبيرة: مصالحها تقتضي أن تكون مع أوكرانيا ما دامت مصالحها لم تتأثر. أما وقف بوتين ضخ الغاز لبعض الدول الأوروبية فكان بعض منه عقوبة لبعض الحكومات، والجزء الآخر لإجبار الدول الأوروبية على استيراد الغاز المسال الروسي. وأكبر الدول المستوردة للغاز الروسي هي فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.

وقعت ألمانيا عقداً طويل الأمد لشراء الغاز المسال الروسي، ولكن “الحياء الألماني” من الحرب في أوكرانيا جعلها تتوقف عن استيراد الغاز المسال الروسي. المواطن الألماني يظن أن حكومته وقفت موقفاً مشرفاً من الحرب الأوكرانية بوقوفها مع أوكرانيا ومعاقبة بوتين بوقف واردات الغاز المسال الروسي. ولا يعرف أن حكومته نسقت مع الروس والفرنسيين لإرسال الشحنات إلى فرنسا حيث يتم إعادة تغويزها وإرسال الغاز الروسي عبر أنابيب إلى ألمانيا، وهكذا تظهر الحكومة رسمياً أن واردات الغاز جاءت من فرنسا ولا تستورد أي غاز من روسيا. وطبعاً، الأسعار أضعاف ما كانت تدفعه لروسيا عندما كان الغاز الروسي يتدفق إلى ألمانيا عبر الأنابيب.

أوروبا والبحر الأحمر

الخاسر الأكبر مما حصل في البحر الحمر هي أوروبا، فتحويل السفن من البحر الأحمر والمرور حول أفريقيا رفع كلف الشحن بصورة كبيرة. فالبضائع الآسيوية الذاهبة إلى أوروبا ارتفعت كلف شحنها، كما ارتفعت كلف شحن البضائع الأوروبية إلى آسيا. وإذا مرت السفن من البحر الأحمر فإن كلف الشحن ارتفعت أيضاً بسبب ارتفاع كلف التأمين وأجور البحارة الذين طالبوا بزيادة الأجور لأن حياتهم معرضة للخطر. حتى الغاز القطري الذاهب إلى أوروبا يشحن حول أفريقيا وليس عبر البحر الأحمر.
النفط الروسي يصل إلى آسيا عبر البحر الأحمر بأسعار مخفضة، بينما تدفع الدول الأوروبية ثم السوق، كلف شحنه حول أفريقيا. إذا مرت الحاملات عبر البحر الأحمر فكلفها عالية بسبب التأمين وأجور العمال كما ذكر سابقاً.
غالب الدول الأوروبية تعاني حالياً من ضعف النمو الاقتصادي، ولا يتوقع أن يتحسن ذلك في ظل سياسات طاقة متخبطة وحروب تجارية مع الصين. بعض الدول الأوروبية الصغيرة نسبياً قد تعاني مشكلات اقتصادية مع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لأنه كان لوجودهم دور كبير في تحسن أسواق العقار والإنفاق الحكومي والاستهلاك بصورة عامة.
خلاصة القول، إن سياسات الطاقة المتطرفة في أوروبا تقودها إلى الهاوية. وإذا لم يتم التغيير سريعاً، فإنه يمكن القول، إن أوروبا بلغت أوجها وبدأت بالانحدار. ويعزز ذلك استقطاب الولايات المتحدة الآن لرؤوس الأموال والعقول الأوروبية.

أنس الحجي

صحيفة اندبندنت أرابيا




تنمية الطاقة المتجددة في لبنان… ضرورة في مواجهة التحديات

يعاني لبنان، منذ سنوات، أزمة خانقة في قطاع الطاقة الكهربائية، فمنذ بدء الانهيار الاقتصادي أواخر عام 2019، اعتاد اللبناني أن تتفاوت ساعات التغذية التي تصله بين فترات “العتمة الشاملة” إلى ثلاث أو أربع ساعات يومياً في أحسن الأحوال، يتوقّف هذا الأمر على توفّر مادة الفيول في المعامل، وتوفّر الأموال لاستيرادها.

في ظل الوضع القائم، وغياب الحلول الجادة في الأفق، بدأت الأسر اللبنانية والشركات والمصانع في السنوات الأخيرة باللجوء إلى الحلول المستدامة والاعتماد على الطاقة المتجددة لا سيّما ألواح الطاقة الشمسية التي غزت أسطح المنازل في القرى والبلدات اللبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت.

لا تُعتبر هذه الوسيلة ملجأً لتأمين الطاقة فحسب، بل أيضاً أحد أهم أسباب حماية البيئة ومواجهة التغيّر المناخي الذي يجتاح العالم، خاصة في بلد مثل لبنان تغطي سماءه سُحب الدخان الأسود الناتج عن تشغيل المولّدات طوال أيام السنة.

وفي سياق الطاقات المتجددة، شكّل مشروع المحطة الشمسية في بلدة “طير حرفا”، جنوب لبنان، الذي تعرّض لاستهداف من قبل الطيران الإسرائيلي في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مشروعاً مهمّاً إذ جاء استجابةً للحاجة الملحّة إلى توفير المياه النظيفة لأهالي البلدة، خاصةً المزارعين، ونتيجة لارتفاع تكلفة الحصول على الكهرباء، والاعتماد الكبير على مولّدات الديزل لضخ المياه أو اللجوء إلى شراء المياه بأسعار مرتفعة.

يُشير المشرف على محطة الطاقة الشمسية في “طير حرفا”، ضمن مشروع Smart Power، أحمد عواضة، إلى أن “أحد الأسباب الرئيسية للاعتماد على الطاقة الشمسية كان صعوبة تأمين كميات كبيرة من المازوت لتزويد المنازل بالمياه، بالإضافة إلى التكلفة العالية لتشغيل مولّدات الكهرباء”، موضحاً أن هذا القرار اتُخذ بإجماع المجتمع المحلي والبلدية، حيث لاقت الفكرة حماساً وترحيباً من سكان البلدة.

ويؤكد عواضة أن مشروع الطاقة الشمسية صديق للبيئة، حيث يعمل على توفير الطاقة النظيفة دون أي مخلّفات تؤدي إلى تلوّث الهواء أو البيئة المحيطة به، مقارنةً بالمولّدات التي تساهم في تلوّث الهواء بسبب انبعاثات المازوت والزيوت، مردفاً بأن البلدة كانت تعتمد على مولّدات كهرباء ضخمة تعمل لساعات طويلة، وقد توقفت تقريباً بشكل كامل عن العمل، خاصةً خلال فترة الصيف. وبالتالي، يمكن القول إن هذا المشروع ساهم بشكل كبير في تقليل انبعاثات المولّدات وتأثيراتها السلبية على البيئة.

نوعان من المبادرات

بدورها، تقول المحامية والخبيرة القانونية في شؤون الطاقة، الدكتورة كريستينا أبي حيدر، إن هناك نوعين من المبادرات المتعلقة بالطاقة الشمسية التي تم تنفيذها في لبنان، “الأولى هي المبادرات الفردية، والتي ظهرت بشكل واضح في صيف 2021، عندما انتقلنا إلى ‘العتمة الشاملة’ مع انتهاء عقد شركة كهرباء لبنان مع الجزائر، وانقطاع إمدادات الفيول، إضافةً إلى الأحداث والأزمات المتتالية المترافقة مع الانهيار الاقتصادي وغياب المال لشراء الفيول لمعامل كهرباء لبنان”.

وتردف: “شهدنا في تلك الفترة فورة في التوجّه إلى الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، بحيث لم يكن أمام الناس إلا أن يتجهوا إلى حلول فردية بدون أي توجيه أو تنظيم”، مؤكدةً أنه لا يمكن لوم الأفراد في هذه الحالة، لا سيّما أنهم كانوا في سعي لإيجاد حلول فردية والهرب من فواتير المولّدات التي ارتفعت بشكل كبير، في الوقت الذي بقيت فيه الدولة عاجزة عن تأمين أي حلول فعلية.

أما النوع الثاني، فتخص به أبي حيدر المبادرات المحلية للبلديات في لبنان، مشيرةً إلى أن هناك توجهاً ملحوظاً من قبل البلديات، خاصة في المناطق الريفية، نحو الاستثمار في الطاقة الشمسية لأغراض مختلفة مثل توفير الكهرباء للمواطنين أو ضخ المياه، كما هو الحال في مشروع “طير حرفا”، متابعةً بأن مثل هذه المشاريع ورغم أهميتها تُعد حلولاً مؤقتة لتوفير الكهرباء، بحيث لا يمكنها تغطية احتياجات البلديات بالكامل على مدار الساعة نظراً للتكاليف العالية والاحتياجات الكبيرة للمساحات.

وتلفت أبي حيدر في هذا السياق إلى الشق القانوني لهذه المشاريع، موضحةً أن القوانين اللبنانية الحالية تحد من تنفيذها، “القوانين تمنع إنتاج وبيع ونقل الكهرباء بشكل مستقل، حيث تظل جميع هذه الأنشطة تحت احتكار مؤسسة كهرباء لبنان منذ تأسيسها عام 1946″، مؤكدةً أن عدم القانونية يشمل أيضاً مولّدات الكهرباء التي تشكل ضرراً كبيراً على البيئة وصحة الإنسان.

عجز الخطط الوطنية للطاقة النظيفة 

إلى ذلك، توضح أبي حيدر، التي عملت على مقترح قانون الطاقة المتجددة الموزعة الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2023، أن القانون كان يهدف إلى السماح للقطاع الخاص بتنفيذ مشاريع الحقول الشمسية وبيع الكهرباء مباشرةً دون الحاجة إلى إذن من أي جهة، مع إمكانية استخدام شبكة الدولة، مشيرةً إلى أنه “كان من المفترض أن يُمكِّن هذا القانون البلديات، إما بشكل مباشر أو عبر القطاع الخاص، من تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية. ولكن، للأسف، تم ربط تنفيذ هذا القانون بإنشاء ‘الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء’، التي كان من المفترض أن تُعيّن في عام 2002”.

وفي ما يتعلّق بتأثير هذه المبادرات على تلوّث الهواء والتغيّر المناخي، تلاحظ أبي حيدر أن معظم هذه المشاريع تركّز على تلبية الاحتياجات الفردية فقط في حين أن “الدولة لم تتبع خطة فعالة لتقليل الانبعاثات، بل اضطرت إلى إيقاف معاملها بسبب نقص الوقود، وهو ما خفض الانبعاثات بشكل غير مباشر، في وقت تستمر انبعاثات المولّدات، التي تُعتبر ‘قنابل موقوتة’ وتؤثر سلباً وبشكل كبير على البيئة دون إيجاد أي خطة فعلية للحد من انبعاثاتها”.

وتشدّد الأكاديمية اللبنانية على أن “مشكلة بيئية جديدة تنتظرنا” في ظل غياب خطة واضحة للتخلّص من البطاريات المستخدمة وتدويرها، مؤكدةً أن هذه المبادرات المحلية للطاقة الشمسية مفيدة كحلول مؤقتة، لكن تنفيذها بشكل قانوني وفعّال يحتاج إلى مزيد من الإجراءات التنظيمية والتخطيط الإستراتيجي.

على هامش مؤتمر COP 28، أُعلن أن لبنان ماضٍ قدماً في الوصول إلى مستهدف بنسبة 30% من إجمالي استهلاك الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بالإضافة إلى التزام الحكومة اللبنانية بخفض الانبعاثات بنسبة 30% بحسب اتفاق باريس، ويثير الواقع الراهن تساؤلات عديدة حول مدى تحقيق هذه الأهداف. وعليه تستعرض أبي حيدر القضايا الأساسية التي تواجه قطاع الطاقة المتجددة في لبنان، قائلةً: “كل ما فعلته الدولة هو دفع المواطنين إلى البحث عن حلول فردية لمشاكل الطاقة والانبعاثات، دون وجود خطة وطنية ملموسة وشاملة لتحقيق هذه الأهداف”. 

كما تشدد أبي حيدر على أن العديد من المشاريع الوطنية للطاقة المتجددة، لم تنفذ بالرغم من الإعلان عنها وأخذ المناقصات، مثل مشروع “مزارع الرياح”، موضحةً أن هذه المشاريع لم تُنفذ بذريعة الانهيار المالي، رغم أن التراخيص كانت قد منحت في عام 2017، أي قبل حدوث الانهيار. “السبب الفعلي وراء عدم التنفيذ هو أن المشاريع كانت تعتمد على تمويل من الدولة، التي أصبحت غير قادرة على توفير التمويل”، على حد قولها. وهي تلفت إلى أن استمرار وزارة الطاقة والمياه في إطلاق المناقصات – في ظل عدم توفر المال وإفلاس الدولة – هو مجرد تصريحات إعلامية في ظل غياب خطوات منطقية وملموسة.

وفي ما يتعلّق بالأرقام التي تُعلنها وزارة الطاقة والمياه حول إجمالي استهلاك الكهرباء من الطاقة الشمسية، تستغرب أبي حيدر التصريحات بشأن تحقيق 1000 ميغاوات من الطاقة الشمسية، دون تقديم تفاصيل دقيقة حول كيفية الوصول إلى هذه الأرقام، متسائلةً: “كيف يمكن للوزارة أن تُصرّح بمثل هذه الأرقام دون تقديم بيانات واضحة؟ خاصة أنه لا يوجد نظام موحد موصول بشبكة كهرباء لبنان، ما يجعل من الصعب تتبع الأرقام بدقة”.

وعليه، تؤكد أبي حيدر أن الحكومات والمسؤولين المتعاقبين على وزارة الطاقة في لبنان لم يستثمروا بشكل فعّال في الطاقات المتجددة، رغم أن لبنان يمتلك موارد طبيعية غنيّة مثل المياه، لافتة إلى أن ما يحدث حالياً لا يتجاوز كونه تصريحات دون تنفيذ فعلي. “نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية ونية جادة في تطبيق القوانين الحالية وتحقيق الانتقال الطاقوي من خلال استثمارات منظمة وفعّالة. لكن في الواقع، لا توجد نية حقيقية لحل مشكلة الكهرباء، خاصة في ظل استمرار الاعتماد على ‘بيزنس’ المولّدات”، تختم.

في لبنان… “نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية ورغبة جادة في تطبيق القوانين الحالية وتحقيق الانتقال الطاقوي من خلال استثمارات منظمة وفعّالة. لكن في الواقع، لا توجد نية حقيقية لحل مشكلة الكهرباء، خاصة في ظل استمرار الاعتماد على ‘بيزنس’ المولّدات”

التعويل على المحطة الشمسية؟ 

ولم يكن مستغرباً أن تطالعنا شركة كهرباء لبنان، في منتصف شهر آب/ أغسطس 2024، بأن محطات الطاقة التابعة لها استنفدت احتياطياتها من الوقود، ما أدّى إلى توقّفها عن إنتاج الكهرباء حتى تأمين إمدادات جديدة. برزت هذه الأزمة كجزء من حلقة مستمرة من أزمات الكهرباء التي يعاني منها سكان لبنان، في ظل تكرار رفض العروض المتاحة وغياب الخطط الفعّالة التي يمكن أن تعالج هذه المشكلة المزمنة المستمرة منذ عقود.

وترى خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان، أن العرض القطري قد يكون جزءاً من حل مشكلة قطاع الكهرباء في لبنان لتعزيز زيادة الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، ولكنه ليس حلاً شاملاً ومتكاملاً، لا سيّما أنه “اليوم، ومع التغيّرات الكبيرة في الاقتصاد والمؤسسات وحاجات البلاد بعد الانهيار، لم تعد الخطط القديمة التي وضعت عام 2010، وإن تم تحديثها، في عامي 2017 و2018، قابلة للتطبيق”. وكانت دولة قطر قد عرضت على لبنان، في عام 2023، بناء ثلاث محطات لتوليد الطاقة بقدرة 450 ميغاوات، أي نحو 25% من احتياجات البلاد، لكن لم تتلق الدوحة أي رد منذ ذلك الحين.

وتلفت هايتيان، في هذا الصدد، إلى ضرورة أن تعمل الحكومة اللبنانية، من خلال وزارة الطاقة، على وضع رؤية جديدة تتماشى مع الظروف الحالية للقطاع وتغيّرات البلاد. كما تشير إلى ضرورة التحوّل إلى طاقات أنظف ضمن ما يُعرف بالانتقال الطاقي العالمي حيث “ينبغي وجود خليط من الطاقة يشمل الغاز كخيار أقل تلوّثاً، إلى جانب الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية والهوائية والمائية”. 

وترى هايتيان أن المشروع القطري يجب أن يكون جزءاً من رؤية أوسع حول كيفية إنتاج وتوزيع الكهرباء، سواء من خلال القطاع العام أو عبر الشراكات، مشددةً على أهمية وضع رؤية شاملة للدولة في قطاع الكهرباء وتطبيق القوانين أولاً، ومن ثم التفكير في كيفية جذب الأموال لتنفيذ الخطط.

وتحذّر هايتيان من أن “هذه الحلول الفردية لا تكفي لتحقيق تحول طاقي شامل”، وأنه من الضروري الانتقال من الحلول الفردية إلى مبادرات جماعية ووطنية لضمان توزيع الطاقة بشكل عادل، لافتةً إلى أن “الحلول الفردية قد توفّر بعض الفوائد على المدى القصير، لكنها ليست عمليّة على المدى الطويل” خاصةً أن تجربة المولّدات التي بدأت مع الحرب الأهلية كحلول فردية، تطوّرت لتصبح قطاعاً غير شرعي.

وحديثاً، أطلق وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وليد فيّاض، عبر منصة الشراء العام، مناقصة جديدة لبناء محطة طاقة شمسية تعمل على الخلايا الفوتوفولتية بقدرة إجمالية تبلغ 8 ميغاوات، معلناً أنه “سوف يتم تمويل كلفة هذه المحطة من موازنة وزارة الطاقة والمياه وسيجري ربطها على الشبكة الوطنية لمؤسسة كهرباء لبنان”. وأشار أيضاً إلى أن هذه المحطة “ستُبنى على مجرى نهر بيروت في العاصمة اللبنانية، وستكون  أكبر مشروع طاقة شمسية يتم بناؤه في لبنان حتى تاريخه”.

ودعت الوزارة الشركات المتخصّصة في قطاع الطاقة الشمسية إلى المشاركة في هذا المشروع “لما له من أثر إيجابي، خصوصاً أنها قد حسّنت الشروط المالية للعقد، ما يسمح للمتعهّدين باستيفاء مستحقاتهم بحسب سعر الصرف في تاريخ الدفع، وبالتالي يحميهم من مخاطر تقلّبات العملة”. فهل تكون هذه الخطوة بارقة أمل لتأمين طاقة نظيفة وأكثر استدامة في لبنان؟

الفئات المهمّشة هي الأشد تضرّراً

ترك الاعتماد المفرط على المولّدات في تأمين الطاقة اللبنانيين في خطر كبير لا سيّما من الناحية الصحّية فقد بيّنت مادة نشرت في المجلة الشهرية للجامعة الأمريكية تحت عنوان “أزمة تلوّث الهواء في لبنان وما بعدها”، أنّ التعرض لتلوّث الهواء له تأثيرات صحّية عميقة بحيث ارتبط العيش بالقرب من الطرقات السريعة المزدحمة والمولّدات التي تعمل على الديزل بشكل كبير بأمراض القلب والأوعية الدموية وأيضاً ارتفاع ضغط الدم. وتُظهر الدراسات تركيزات الجسيمات الدقيقة والهيدروكربونات العضوية من الملوثات الرئيسية التي تسهم في زيادة دخول المستشفيات لحالات الطوارئ التنفسية والقلبية في بيروت، كما إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التعرض لهذه الجسيمات الدقيقة إلى زيادة خطر حدوث تشوهات خلقية بنسبة تصل إلى 15%.

الطاقة الشمسية في لبنان

تقول دكتورة الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حفظ البيئة في الجامعة الأمريكية في بيروت، نجاة عون صليبا، في اتصال معها، إن هناك علاقة مباشرة بين تلوّث الهواء والتأثيرات الصحية والبيئية الناتجة عنه، متابعةً “هناك أدلة عالمية كثيرة تؤكد هذه العلاقة، ولا حاجة لدراسة خاصة في لبنان لتأكيد المؤكد”.

وفي التوصيات للحد من التلوّث، تشير الدكتورة صليبا إلى أن معرفة مصدر التلوّث هو الخطوة الأولى للحد منه، وقد حدّدت الدراسة، التي أعدها باحثون في الجامعة الأمريكية في بيروت تحت إشراف صليبا، المصادر الرئيسية لتلوّث الهواء في لبنان في: مولّدات الديزل والسيارات. وللتقليل من هذه الانبعاثات الضارة. وتوضح صليبا أن هناك خطوات عملية يمكن اتباعها مثل التواصل مع النيابة العامة البيئية وتقديم الشكاوى، بالإضافة إلى توجيه أسئلة للوزراء المعنيين في وزارات الداخلية والبلديات والطاقة والبيئة، مشدّدةً على أن هذه جميعها من واجبات النائب أن يراقب للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، مؤكدةً أن “الموضوع ليس بعدد القوانين بل في تطبيق القوانين الموجودة بشكل صارم”.

وحول تأثّر فئات أكثر من غيرها جرّاء الانبعاثات وانعكاس تغيّر المناخ، ترى العضوة في الهيئة الإدارية في منظمة “فيمايل” والمتخصصة في علوم البيئة وتقنيات الهيدروكربونات والنفط، رؤى دندشي، أن النساء وذوي الإعاقة هما في عداد أكثر الفئات تأثّراً، مضيفةً “مع تزايد عدد السكان وارتفاع الطلب على الطاقة، تزداد الانبعاثات مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت، وهي مواد سامة تؤثر على صحة الإنسان”.

تشرح دندشي أن هذه الانبعاثات تؤثّر بشكل خاص على النساء والأشخاص ذوي الإعاقة، خاصةً في المناطق القريبة من المصانع والمولّدات، حيث يكونون أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض التنفسية، متابعةً بأن النساء، بسبب الحمل والضغط على الرئتين، يواجهن تحديات صحية إضافية نتيجة هذه الانبعاثات. 

كذلك، يكون الأشخاص ذوو الإعاقة، خاصة الذين يعانون من إعاقة حركية، أكثر عرضة للتلوّث إذا كانوا يعملون أو يتواجدون في أماكن مغلقة قرب المصانع.

ترك الاعتماد المفرط على المولّدات في تأمين الطاقة اللبنانيين في خطر كبير لا سيّما من الناحية الصحّية، والتي تتضمّن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأيضاً ارتفاع ضغط الدم، علاوة على زيادة حالات الطوارئ التنفسية والقلبية في بيروت، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان

وتسلّط دندشي الضوء على أن كلفة التلوّث، مثل تكاليف العلاج المرتفعة، تشكل عبئاً إضافياً على النساء غير العاملات والأشخاص ذوي الإعاقة في الأحياء الفقيرة. لذلك، تدعو إلى التحوّل إلى مصادر طاقة بديلة لتحسين الوضع البيئي والصحي. كما تؤكد على أهمية مشاركة النساء في صياغة السياسات المتعلقة بتغيّر المناخ والطاقة المتجددة، مشيرةً إلى أنهن يعانين بشكل مباشر من تأثيرات التلوّث. “تجربة النساء في التعامل مع التلوّث تختلف عن تجربة الرجال، لذا من الضروري أن يُؤخذ رأيهن في الاعتبار عند وضع السياسات”، تقول.

وتؤكد دندشي في ختام حديثها أن إشراك النساء ليس مجرد مسألة تمثيل، بل هو خطوة أساسية لضمان شمولية السياسات، ولتحقيق حلول فعالة، ما يتطلب تشجيع النساء على تولي أدوار قيادية في مجال الطاقة المتجددة، ودعمهن بالتمويل والتعليم اللازمين، مشيرةً إلى أهمية التعاون بين النساء لتحقيق استدامة المشاريع وتوسيع تأثيرها محلياً لمواجهة تحديات التغيّر المناخي بشكل أكثر فعالية.

تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “الإعلام والتغيّر المناخي والقضايا البيئية” بالتعاون بين مؤسسة مهارات ومشروع خدمات الدعم الميداني في الشرق الأوسط (الأردن ولبنان والعراق) والمنفذ من شركة كووتر انترناشونال، بتمويل من الشؤون الدولية الكندية.

جويل عبد العال

موقع رصيف 22




التحول الطاقي في شمال إفريقيا: محور جديد للتنافس الجيوسياسي

تعالج هذه الورقة إشكالات بروز شمال إفريقيا ساحة محورية في معادلة التحول العالمي في مجال الطاقة؛ حيث أصبحت هذه المنطقة ساحة معركة للمصالح المتنافسة الساعية للوصول إلى الموارد الوفيرة في المنطقة من الغاز الطبيعي إلى مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر.


أصبح التركيز على الانتقال إلى أنظمة طاقة أكثر استدامة أولوية متزايدة لدى دول شمال إفريقيا، بالنظر الى أن التحول العالمي الجاري في مجال الطاقة، يمكن أن يتيح فرصًا جديدة حقيقية لم تكن متاحة من قبل.

فالبلدان الخمسة التي تمتد عبر شمال إفريقيا لديها ظروف مختلفة بشكل كبير تؤثر على مسارات تحولات الطاقة. حيث تضم كبار منتجي ومصدِّري الهيدروكربونات (الجزائر ومصر وليبيا)، فضلًا عن البلدان التي تعتمد على الواردات لتلبية الطلب المحلي (المغرب وتونس)، كما تختلف الدوافع الاقتصادية والسياسية لكل واحد منها اختلافًا كبيرًا.

إن معظم هذه الدول صاغ بالفعل إستراتيجيات وتعهدات بزيادة إنتاج الطاقات المتجددة، وخفض انبعاثات الكربون وزيادة كفاءة الطاقة. وفي حين أن هذه الالتزامات ستفيد البيئة إذا تم الوفاء بها تبقى أهداف هذا التحول مدفوعة إلى حدٍّ كبير بالحوافز الاقتصادية المتعلقة بالاحتياجات المحلية وأسواق الطاقة العالمية؛ إذ إن هناك إمكانية كبيرة لبلدان المنطقة لأخذ زمام المبادرة لتصبح منتجة إقليمية للمواد اللازمة لهذا التحول.

بالإضافة لذلك، فإن التحول الطاقي لدى حكومات شمال إفريقيا يمكن أن يُنظر إليه كفرصة لتحقيق مكتسبات على المستوى الجيوسياسي على الصعيدين، الإقليمي والدولي.

انطلاقًا من هذه المعطيات، إلى أي مدى يشكل الانتقال نحو الطاقات النظيفة امتدادًا طبيعيًّا لدينامية التنافس الموجودة بين دول شمال إفريقيا؟ وما مظاهر استخدام دول شمال إفريقيا التحول الطاقي كأداة جيواقتصادية وجيوسياسية بهدف ربط شراكات وكسب النفوذ على الصعيدين، الإقليمي والدولي؟ وهل سيكون لذلك انعكاسات على العلاقات بين هذه الدول مستقبلًا؟

أولًا: أهداف وإستراتيجيات طموح

تعد دول شمال إفريقيا مشاركًا نشطًا في منتديات المناخ العالمي، وقد مضت قدمًا في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة الطموح بشكل متزايد؛ إذ وقَّعت اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ في عام 2016، وقد استضاف المغرب ومصر مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعامي 2016 و2022 على التوالي.

واعترافًا بدور الطاقة المتجددة في التنمية المستدامة، وتحقيق فوائدها الاقتصادية المحتملة، قدمت دول المنطقة تعهدات طموحًا تخص الطاقات المتجددة على الصعيد الوطني. باستثناء ليبيا، قدمت جميع بلدان شمال إفريقيا مساهماتها الأولى المحددة وطنيًّا بين عامي 2016 و2017. وفي عام 2021، قدم المغرب وتونس تحديثًا لمساهماتهما، بينما قدمت مصر ثالث تحديث لها في يونيو/حزيران 2023، في حين لم تقدم الجزائر بعد تحديثًا حول ذلك منذ العام 2016(1) والتي تتضمن جميع المساهمات والأهداف المحددة وطنيًّا لتوسيع قدرة الطاقات المتجددة لعام 2030.

وتشير طموحات بلدان شمال إفريقيا في مجال السياسات الطاقية إلى رغبتها في تحقيق حصة أكبر من مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء، لكن تختلف الخطط في الطموحات والجداول الزمنية المستهدفة.

ولدى المغرب المساهمات الأكثر طموحًا وتفصيلًا في المنطقة مع حلول عام 2030، ويهدف المغرب إلى تعزيز حصة الطاقات المتجددة في مزيج الكهرباء لتصل إلى 52%، بالإضافة إلى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 20%، وقد تم تحديد هذه الأهداف في الأصل ضمن (إستراتيجية التنمية طويلة الأجل منخفضة الانبعاثات 2050). وإذا تم استيفاء جميع الشروط، فإن قدرة المغرب المركبة على مصادر الطاقات المتجددة ستتضاعف ثلاث مرات في هذا العقد(2).

وقد قامت الجزائر وتونس بتحديد أهداف طموح للطاقة المتجددة، والتي تهدف على التوالي إلى الوصول إلى 27% و30% من توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. كما أن مصر لديها هدف لتركيب قدرة إضافية للطاقة المتجددة للوصول إلى هدف حصة 42% من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، بما يتماشى مع إستراتيجيتها المتكاملة للطاقة المستدامة 2035(3).

على الرغم من كون معظم بلدان المنطقة لم تحقق إلا أقل بكثير من أهدافها وتعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، إلا أنه بالنظر إلى هذه الأهداف، من المتوقع أن تزداد أهمية الطاقات المتجددة في السنوات القادمة.

وبالنظر لحجم الاستثمارات الملتزم بها والمخطط لها للفترة ما بين 2021-2025؛ إذ تعد استثمارات مصر في الطاقة (36 مليار دولار) هي الأعلى في المنطقة، وتليها الجزائر (23 مليار دولار) والمغرب (12 مليار دولار). كما التزمت تونس وليبيا وخططتا لاستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار و0.3 مليار دولار على التوالي.

وتمثل الطاقة المتجددة نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات، أي 62% للمغرب، و39% لتونس، و36% للجزائر، و15% لمصر، ومن المتوقع أن تصل هذه الاستثمارات إلى متوسط سنوي يبلغ حوالي 15 مليار دولار أميركي خلال الفترة 2021-2025، والتي سيتم تخصيص حوالي 5 مليارات دولار منها للطاقات المتجددة(4).

استثمارات الطاقة الملتزم بها والمخطط لها في شمال إفريقيا في الفترة ما بين 2021-2025

1
المصدر: الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA (2023)(5)

ومن المتوقع أن تصبح معظم بلدان المنطقة لاعبًا مهمًّا في ميدان الطاقات المتجددة على المستويين، الإقليمي والعالمي. ومع ذلك، فإن الاحتياجات المالية لبلدان شمال إفريقيا لتحقيق هذه الأهداف كبيرة. وقد حددت التقييمات حاجة تمويلية تتراوح بين 11 و73 مليار دولار سنويًّا لتحقيق صافي الانبعاثات بحلول عام 2050، وذلك بمبلغ تراكمي قدره 3.636 مليارات دولار للفترة بين 2020-2030. وتركزت معظم الاستثمارات في مصر والمغرب.

وحظيت مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الحرارية الشمسية واسعة النطاق بغالبية الاستثمارات (60%)، وتليها طاقة الرياح (27%). وقد حصل المغرب على أكبر حصة من استثمارات الطاقة الشمسية في إفريقيا خلال عام 2010، وفي عام 2018 اجتذب ما يقرب من نصف إجمالي 2.5 مليار دولار مستثمرة في مشاريع الطاقة الشمسية في القارة.

وعلى النقيض مما حدث في بقية أنحاء العالم، لعب القطاع العام دورًا أكثر أهمية في تمويل مشاريع الطاقات المتجددة بين عامي 2013-2020، واستحوذ القطاع العام على 46% من إجمالي الاستثمارات.

وقد سهَّل التمويل العام الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع، لاسيما في مصر والمغرب، بفضل إصلاحات قطاع الكهرباء، كما اجتذبت هذه الإصلاحات تمويلًا خاصًّا كبيرًا من خلال منتجي الطاقة المستقلين. وقد تلقى العديد من هذه المشاريع دعمًا إنمائيًّا على شكل قروض ومنح ومساعدات فنية من جهات مانحة مختلفة بلغت حوالي 9 مليارات دولار بين عامي 2011-2020. وكذلك لعبت مؤسسات تمويل التنمية وبنوك المؤسسات المالية متعددة الأطراف دورًا حاسمًا من خلال الاستثمارات المباشرة(6). وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الاستثمارات الخاصة أقل بكثير من إمكانات المنطقة، لكن توقعات الاستثمارات المستقبلية مثيرة للاهتمام بنفس القدر لفهم ما يمكن أن تتوقعه المنطقة.

ثانيًا: منافسة محتدمة داخل سوق الطاقة

تتسم الديناميكيات الجيوسياسية القائمة على تحول الطاقة في شمال إفريقيا بعدم التكامل ونموذج العمودية بين الشمال والجنوب الذي يضع كل دولة في شمال إفريقيا في منافسة مع دول أخرى على الموارد والشراكات وكسب النفوذ. ويمكن في هذا السياق رصد جملة من الديناميات المهمة:

  1. الشراكات الاقتصادية: دبلوماسية جديدة للطاقة

أعلنت بلدان مثل المغرب والجزائر ومصر وتونس عن أهداف وإستراتيجيات طموحة للطاقات المتجددة، وإلى جانب تلبية الطلب الداخلي المتزايد، تسعى هذه البلدان إلى أن تصبح مصدِّرة في المستقبل. وبالاستفادة من هذه الإمكانات، رفع العديد من دول شمال إفريقيا تنافسيته في هذا المجال لاسيما مع الاتحاد الأوروبي، ثم مع الصين والهند.

1.  تمويل الاتحاد الأوروبي للتحول الأخضر

في فبراير/شباط 2021، اقترحت المفوضية الأوروبية شراكة متجددة مع الجوار الجنوبي بميزانية تبلغ 46.79 مليار يورو للفترة 2021-2027، منها 30% لدعم الأهداف المناخية، ويوفر التمويل المنح والمساعدة الفنية والأدوات المالية وضمانات الميزانية، ويهدف تحديدًا إلى تحفيز الاستثمارات كوسيلة للمساهمة في النمو المستدام، ومكافحة تغير المناخ. ويتوخى المشروع الرئيسي نشر أدوات تمويل مبتكرة بما في ذلك السندات الخضراء التي تهدف إلى تعزيز انتقال الطاقة من خلال الدفع نحو الاقتصاد الأخضر في مصر، ودعم المغرب في تحقيق أهدافه في مجال الطاقات المتجددة، وكفاءة وتسريع انتقال الطاقة في الجزائر(7). ويمكن أن يشمل ذلك الدعم المالي، ونقل التكنولوجيا، و/أو تعزيز العلاقات التجارية واستثمارات الشركات الخاصة.

وعلى المستوى الإقليمي، تتمثل إحدى المبادرات التي تجسد هذه الرؤية على أفضل وجه في منصة الاتحاد من أجل المتوسط للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والتي تسعى جاهدة إلى تعزيز الحوار بين أصحاب المصلحة الرئيسيين.

وبالنظر إلى أهمية الربط الكهربائي وتكامل أنظمة الطاقة، تشمل المشاريع الأخرى التي سترى النور في أفق 2030 الربط البيني الجديد بين المغرب وإسبانيا (يوجد ربط بيني بمقدار 1400 ميغاواط)، والربط الكهربائي (ELMED) بين تونس وإيطاليا بمبلغ قدره 307 ملايين يورو، ومشروع الربط الجزائري-الإيطالي الذي يربط منطقة الشافية الجزائرية بجزيرة سردينيا الإيطالية والذي من المقرر أن يسمح بتبادل 2000 ميغاواط من الكهرباء. وخارج إطار البحر الأبيض المتوسط، يعد مشروع “إكس لينكس” المغرب-المملكة المتحدة للطاقة (Xlinks) أول مشروع من نوعه حيث سيتم نقل الكهرباء باستخدام كابل بحري يمتد لمسافة 3800 كيلومتر، وهناك مشاريع أخرى للربط البيني قيد الدراسة(8).

وحتى الآن، تشمل أبرز الإنجازات في مجال الطاقات المتجددة المستفيدة من التمويل الأوروبي مزرعة رياح مصرية بقدرة 240 ميغاواط في الساحل الغربي لخليج السويس، وأول محطة للطاقة الكهروضوئية متصلة بشبكة الكهرباء الوطنية في أسوان، ومجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية في المغرب بقدرة 580 ميغاواط، ومشروع نور ميدلت الجاري بقدرة 1600 ميغاواط. وفي الوقت الذي تحسنت فيه السياسات والأطر التنظيمية لا تزال القيود المالية التي تحول دون توسيع نطاق مصادر الطاقات المتجددة قائمة. وفي هذا الصدد، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعب دورًا أكبر في تعبئة رأس المال والاستثمارات؛ حيث من المتوقع أن تستفيد المنطقة من استثمارات تصل إلى 300 مليار يورو بين عامي 2021-2027(9).

وهنالك مجال آخر للتعاون اكتسب زخمًا سياسيًّا غير مسبوق في السنوات الأخيرة وهو الهيدروجين الأخضر، كما هو موضح في خطة إعادة تزويد الاتحاد الأوروبي بالطاقة (RepowerEU)، وسينمو الطلب على الهيدروجين الأخضر حيث سيحل 15 مليون طن إضافي من الهيدروجين الأخضر محل 27 مليار متر مكعب من واردات الغاز الروسي بحلول عام 2030.

وتتوقع الخطة أن يتم استيراد 10 ملايين طن من تلك الحاجة من الخارج. وقد شجَّع ذلك الاتحاد الأوروبي على البحث عن شراكات مع العديد من البلدان في شمال إفريقيا نظرًا لإمكاناتها الهائلة. وأعربت دول مثل المغرب ومصر والجزائر عن استعدادها لدخول سوق الهيدروجين الأخضر لإزالة الكربون من صناعاتها وتصدير جزء منه إلى أوروبا، وبالتالي، سيكون العامل المهم هو الجوار الجغرافي، ووجود البنية التحتية لخطوط الأنابيب و/أو ربط الموانئ.

والمغرب هو أحد البلدان القليلة في المنطقة التي صممت ونشرت خارطة طريق وطنية للهيدروجين الأخضر؛ مما يجعله لاعبًا جذابًا في المستقبل. وفي يونيو/حزيران 2020، تم توقيع اتفاقية مع ألمانيا التي التزمت بتقديم 38 مليون يورو لبناء أول مصنع للهيدروجين الأخضر في المغرب والسماح ببيعه في السنوات القادمة. وبالمثل، وخلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيُّر المناخ (COP27) الذي عُقد في شرم الشيخ، كشفت الحكومة المصرية عن خطتها الإستراتيجية للهيدروجين منخفض الكربون، مما يشير إلى عزمها على أن تصبح لاعبًا مهمًّا في هذا الميدان بهدف يصل إلى 8% (10 ملايين طن سنويًّا) بحلول عام 2040(10).

وكل ذلك سيسهم بشكل كبير في تطوير قطاع صناعات الهيدروجين الأخضر المحلية والإقليمية، يبقى أن نرى كيف سيسرع ذلك من وتيرة التنافس الموجودة حاليًّا.

2. شراكات ناشئة

في حين تم تخصيص نسبة أقل من مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية للطاقات المتجددة حتى الآن، فإن الاستثمارات الخضراء في نمو متصاعد. ووفقًا لتقرير مركز التمويل الأخضر والتنمية(GFDC)  الصادر في النصف الأول من عام 2023، فقد مثَّلت استثمارات الطاقة الخضراء (الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الطاقة الكهرومائية) 56% من مشاركة الصين في دول مبادرة الحزام والطريق.

وعلى الرغم من تركز سياسة الصين على منطقة الخليج الغنية بالنفط، فقد اكتسبت منطقة شمال إفريقيا أهمية أيضًا بسبب موقعها الإستراتيجي، ناهيك عن مواردها الطبيعية الغنية، تستعد مجموعة الطاقة الصينية الدولية للإنشاءات، بالتعاون مع ائتلاف تجاري مغربي وسعودي، بتنفيذ مشروع الهيدروجين الأخضر جنوب المغرب. ويتضمن المشروع بناء محطة للطاقة الشمسية ومزرعة رياح ومصنع للأمونيا الخضراء بهدف إنتاج 4.1 ملايين طن من الأمونيا الخضراء سنويًّا وهو ما يعادل حوالي 320 ألف طن من الهيدروجين الأخضر.

 كما تجدر الإشارة بنفس القدر إلى المشاركة المتزايدة للهند في المنطقة، وتتمتع الهند بالفعل بعلاقات تجارية راسخة مع دول المنطقة،؛ إذ إن هناك ميلًا ملحوظًا نحو مصادر الطاقات المتجددة. وكجزء من هذا التحول، أعلنت شركة “ذي نيو إنيرجي” (ReNew Energy)، مؤخرًا عن استثمار ثمانية مليارات دولار في مشروع الهيدروجين الأخضر في قناة السويس المصرية، كما أنها تستكشف أيضًا آفاق إنتاج الهيدروجين الأخضر والميثانول في المغرب(11).

إن وتيرة انتقال الطاقة التي حققها العديد من دول شمال إفريقيا بأهداف طموحة وإجراءات ملموسة تحفز بسرعة مناخًا جيوسياسيًّا جديدًا يتميز بالتنافس على إنجازات الطاقة المتجددة، خاصة في ضوء الطلب المتزايد عالميًّا.

2. تحول ذو امتدادات جيوسياسية

لقد أصبح التحول العالمي في مجال الطاقة ساحة معركة جديدة للمصالح المتنافسة، مع بروز شمال إفريقيا ساحة محورية في هذه المعادلة. يتنافس اللاعبون الدوليون للوصول إلى الموارد الوفيرة في المنطقة، من الغاز الطبيعي إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر إلى المعادن الحيوية اللازمة لتصنيع التكنولوجيا الخضراء، سعيًا وراء تطلعاتهم الصناعية الصافية والخضراء.

وفي الوقت نفسه، تؤكد حكومات شمال إفريقيا بشكل متزايد على دورها في تشكيل خطاب ونتائج انتقال الطاقة بناء على مصالحها وطموحاتها. في حين أن المنافسة يمكن أن تدفع الابتكار، فإن المشهد الحالي للتنافس الجيوسياسي يخاطر بإعاقة التقدم في الانتقال لجميع دول المنطقة. وقد ظهرت نماذج لشراكات مختلفة بين اللاعبين الدوليين، مثل دول الخليج والدول الأوروبية والصين والهند وغيرها، والحكومات الشمال إفريقية؛ إذ يتنافس كل واحد منهم على تقديم امتيازات مختلفة؛ الأمر الذي قد يؤثر على مسار التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.

ولا يخفى أن صراع الصحراء في المنطقة المغاربية قد يلقي بظلاله على ملف الطاقة، فخطوة إسبانيا وألمانيا في تأييد الاقتراح المغربي بشأن الصحراء، يمكن أن تترجم التعاون مع المغرب إلى مزيد من الشراكات والاستثمارات. من ناحية أخرى، من الممكن أن تتجه إسبانيا وألمانيا لتقليل الاعتماد على الغاز الجزائري، ويحدث ذلك في سياق إغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي وصعوبات توريد كميات إضافية من الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر خط أنابيب “ميد غاز” (MedGaz). وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من تجاهل الجزائر للتقدم المحرز في تحولها الطاقي البطيء، مع الأخذ في الاعتبار أن التعاون مع دول الاتحاد في هذا الميدان محدود مقارنة بالمغرب.

في المقابل، من الممكن أن تسعى إيطاليا للحصول على إمدادات إضافية من الغاز الجزائري عبر خط الأنابيب عبر البحر الأبيض المتوسط، كما يمكنها أن تستثمر بشكل كبير في الجزائر مقابل شحنات واسعة النطاق من الغاز بأسعار مواتية، وتوسيع سوق مصادر الطاقات المتجددة في البلاد، بما يجعل الجزائر أكثر قدرة على التفاوض ومحاصرة مد المواقف الأوروبية الداعمة للموقف المغربي من نزاع الصحراء.

ولطالما أدت المنافسة الشرسة بين المغرب والجزائر من أجل شراكات الغاز الطبيعي إلى بروز اصطدام غير مباشر، ففي محاولة لمواجهة مشروع خط الأنابيب النيجيري/المغربي، أعادت الجزائر طرح مشروع “خط أنابيب الغاز العابر للصحراء”، لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر جمهورية النيجر. كما تسعى أيضًا، لبناء خطوط أنابيب غاز مع موريتانيا لنقل الغاز المستخرج من حقل “سلحفاة أحميم” البحري على الحدود مع السنغال(12).

في الجانب الآخر، تتجاوز أهمية خط أنابيب ترانس-ميد بالنسبة للجزائر احتياجات إيطاليا من الطاقة، وهو خط يمتد من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس، وهو ما يزيد من أهمية الجزائر الإستراتيجية في المنطقة المغاربية، ويسهم في تنشيط الاقتصاد التونسي الذي يعرف ظروفًا اجتماعية واقتصادية صعبة. وعلى هذا الأساس، فإن هذه البنية التحتية للطاقة تفسر العلاقات الثنائية المعززة بين تونس والجزائر، لاسيما بالنظر إلى السياسة الخارجية للرئيس، قيس سعيد. كما تواجه العلاقات بين تونس وليبيا رياحًا معاكسة ملحوظة، لاسيما بعد اكتشاف حوضين كبيرين للنفط والغاز، يقعان على مساحات واسعة، تمتد على الحدود بين البلدين(13).

في تفاعلات مصر مع الدول الأخرى، تلعب الطاقة دورًا مهمًّا في تشكيل توقعاتها الإستراتيجية، خصوصًا أن مصر تسعى إلى ترسيخ نفسها مركزًا عالميًّا محوريًّا للطاقة. وقد اكتسب هذا الطموح زخمًا في عام 2015، بعد اكتشاف حقل “ظهر” البحري للغاز الطبيعي، وهو أكبر حقل غاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط (850 مليار متر مكعب) أي ما يقرب من 15 عامًا من الاستهلاك المحلي، وقد أشعل هذا الاكتشاف بلا شك طموح مصر لتأكيد نفسها لاعبًا بارزًا في مشهد الطاقة العالمي(14). وسيصبح بإمكان مصر زيادة إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، بالموازاة مع متابعة أجندة تحول الطاقة، والتي يمكن أن تعزز من خلاله نفوذها في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتعتبر الجهود الحالية التي تبذلها دول المنطقة للتفوق على بعضهما البعض في مجال صادرات الطاقة، مظهرًا آخر من مظاهر الصراع الجيوسياسي. في كلتا الحالتين، يبدو أن أوروبا ستكون هي أبرز المستفيدين.

ثالثًا: الانعكاسات الإقليمية

إن الموقع الجغرافي لشمال إفريقيا وقربه من أوروبا يعني أن المنطقة يمكن أن تصبح مصدرًا مهمًّا للطاقات النظيفة، وهذا يعزز إمكانية فتح مصادر دخل جديدة على طول سلسلة توريد الطاقات المتجددة، كما يعزز لعب أدوار بارزة على الصعيدين، الإقليمي والدولي، فضلًا عن التطلع إلى الاستثمار بشكل كبير في سياق هذا التحول.

ومع ذلك، من المتوقع أن تتأثر هذه الإمكانات بالسياسات الخاصة بكل دولة، والتي ستلعب دورًا حاسمًا. فلكل بلد بيئته السياسية وتحدياته الاقتصادية ورهاناته الجيوسياسية الخاصة به. ومن المتوقع أن يجري إطلاق مبادرات واستثمارات وإصلاحات على نطاق كل بلد لجعل مكاسب التحول الطاقي أكثر جاذبية، بما يمكِّن من تحقيق أكبر استفادة من هذه الطفرة الاقتصادية، وما لها من امتدادات اقتصادية وأمنية وجيوسياسية، لاسيما في وقت أصبحت فيه المزادات التنافسية بهذا الشأن هي القاعدة.

وإذا كان بإمكان ملف الطاقة وتحولاته وتطوراته أن يشكِّل المفتاح للعديد من التحديات في المنطقة وأن يبشر بالتعاون والسلام والازدهار، فإنه يمكنه أن يشكل في الآن ذاته عاملًا جديدًا من عوامل إذكاء التنافس والصراع الجيواقتصادي والجيوسياسي في أبعاده المتعددة؛ الأمر الذي يمكن أن ينعكس سلبيًّا على العلاقات الشمال إفريقية في شموليتها.

وفي الواقع، لا تتم المنافسة بين الدول في هذا المحور الجديد “على أرض الواقع” فحسب من خلال القرارات الاقتصادية والشراكات وجذب الاستثمار وغيرها، ولكن أيضًا من خلال حرب السرديات، أي الطريقة التي تتم بها صياغة ونشر الأخبار والروايات حول مشاريع التحول الطاقي وتفوق هذه الدولة مقابل الدول الأخرى وفي دينامية الاستثمار العمومي وجذب رؤوس الأموال الأجنبية والإنتاج وعقود التصدير.

خاتمة

لقد اكتسب التنافس الإقليمي الطويل الأمد بين كل من المغرب والجزائر ومصر، بالإضافة لتونس، بُعدًا جديدًا، فقد صارت الحكومات تتنافس على الاستثمار وعقد الشراكات في مجال التحول الطاقي. ويعتبر الوصول المستمر إلى مصادر طاقة جديدة ضامنًا للازدهار الاقتصادي وكسب النفوذ الجيوسياسي كما هو مشاهد. وكما هي الحال مع تحولات الطاقة السابقة، فإن التحولات التي نشهدها اليوم مصحوبة بمنافسة على الأسبقية في اتجاهها والسيطرة عليها.

ومع ذلك، يتيح تحول الطاقة اليوم في شمال إفريقيا فرصًا كبيرة للتعاون وإعادة بناء الثقة، فبإمكان دول المنطقة التعاون في مشاريع التحول، مثل مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر على نطاق واسع، وتطوير شبكات الطاقة المترابطة. كما ستسمح البنية التحتية المشتركة بالتوزيع الفعال للموارد المتجددة وتقاسمها، وتحسين الوصول إليها عبر الحدود.

وينطوي هذا التعاون على إمكانية تعزيز التكامل الاقتصادي، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية، كما أن التقريب بين بلدان شمال إفريقيا ينطوي أيضًا على إمكانية تحسين موقفها التفاوضي في الاتفاقات التجارية مع الشركاء الدوليين، في إطار نوع من (المنافسة التعاونية Co-opetition)، بهدف ألا يصبح أيُّ حديث عن الانتقال الأخضر تعبيرًا أنيقًا وواجهة لامعة لمخططات استعمارية جديدة.

مصطفى جالي

مركز الجزيرة للدراسات

مراجع

1)- Nationally Determined Contributions Registry, UNFCCC, 2024. https://tinyurl. com/mm67s5zm  (accessed May 27, 2024).

2) إستراتيجية قطاعات الطاقة والمعادن والجيولوجيا، موقع وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية، 12 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2024)،  https://tinyurl. com/4tyk8a3p

3)- Nationally Determined Contributions Registry, 2024.

4)- “North Africa: Policies and finance for renewable energy,” Irena. org, Dec. 21, 2023. https://tinyurl. com/8t7ef6sk (accessed May 27, 2024).

5)- “Planning and prospects for renewable power: North Africa,” Irena. org, Jan. 04, 2023. https://tinyurl. com/mvxr5erx  (accessed May 28, 2024).

6)- Policy Brief Better Policies to Accelerate the Clean Energy Transition Focus on De-Risking Investments in The Energy Transition in North Africa, RES4Africa Foundation, April 3,2024. (accessed May 27, 2024). https://tinyurl. com/2uc6a554

7)- Amine Bennis, “North Africa’s Energy Transition: A Key Asset in the War? | ISPI,” ISPI, May 30, 2023. (accessed May 27, 2024). https://tinyurl. com/2n7a2bua

8)- “Navigating the Transition in Times of Uncertainty: From a paradigm of energy security to electricity security in North Africa,” Policy Center, 2024. https://tinyurl. com/s755b8f5 (accessed May 27, 2024).

9)- Bennis. North Africa’s Energy Transition. Op. cit.

10)- Navigating the Transition in Times of Uncertainty, Op. cit.

11)- Ibid.

12)- Nashat Shawamreh, “The Energy Geopolitics of North Africa,” The Washington Institute, 2023. (accessed May 27, 2024). https://tinyurl. com/4fh2pv4c

13)- تونس تحسم الجدل حول اكتشاف احتياطيات ضخمة للنفط والغاز قبالة سواحل البلاد، الطاقة، 28 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2024)،. https://tinyurl. com/msjrsuc4

14)- Navigating the Transition in Times of Uncertainty. Op. cit.




حرب السيارات الذاتية تستعر.. أول كهربائية من تويوتا تنافس تسلا

يبدو أن حرب السيارات الذاتية آخذة في الاشتعال بلا هوادة، حيث تخطط شركة تويوتا لإطلاق أول طراز سيارة كهربائية مزود بنظام قيادة ذاتي متطور مماثل لنظام القيادة الذاتية الكاملة الذي تنتجه شركة تسلا الأميركية للسوق الصينية العام المقبل، حسبما ذكر أحد مشاريعها المشتركة الصينية.

ويهدف المشروع المشترك مع مجموعة قوانغتشو للسيارات المملوكة للدولة، إلى استعادة الحصة السوقية لشركة صناعة السيارات اليابانية في الصين خاصة على مستوى السيارات الذاتية عبر اللحاق بالمنافسين الصينيين في التقنيات في مجال السيارات الهجينة والبطاريات والمركبات الذكية. وقد أعلن المشروع المتخصص في السيارات الذاتية عن سلسلة من أهداف الابتكار في حدث أقيم في قوانغتشو اليوم الجمعة.

وقالت جي إيه سي تويوتا (GAC Toyota) إنها ستطلق سيارة Bozhi 3X SUV العام المقبل لأول طراز يتم تجهيزه بالنظام الذي سيمكن من مساعدة القيادة المتقدمة لوقوف السيارات والملاحة على الطرق السريعة وحركة المرور في المناطق الحضرية. وأضافت أن السيارات الذاتية على هذه الشاكلة من شأنها أن تضمن ريادتها في عروض تكنولوجيا القيادة الذاتية بين جميع العلامات التجارية الأجنبية في الصين.

وتقوم شركة جي إيه سي تويوتا بتطوير النظام مع شركة مومينتا غلوبال (Momenta Global)، وهي شركة ناشئة تعمل على تطوير برامج القيادة الذاتية لشركات صناعة السيارات بما في ذلك مرسيدس بنز. كما أنها تعمل مع شركة هواوي لاستخدام برنامج التشغيل داخل السيارة الخاص بالأخيرة بدءاً من سيارة سيدان كهربائية سيتم إطلاقها في عام 2025 للصين.

وذكرت شركة صناعة السيارات أيضاً إنها ستطرح بطارية ليثيوم فوسفات الحديد خلال عامي 2026 و2027 والتي يمكن أن تقلل من تكلفة إنتاج سيارة bZ4X EV بنسبة 40%.

واحتلت تويوتا المرتبة الخامسة بين جميع العلامات التجارية من حيث مبيعات السيارات في الصين في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، عندما شهدت العلامة التجارية اليابانية انخفاضًا بنسبة 22% عن نفس الفترة من عام 2023، وفقًا لبيانات الجمعية الصينية لمصنعي السيارات.

وتنطوي صناعة السيارات الذاتية على مخاطر عديدة لطالما حذر منها الخبراء بعد تجارب عديدة حول العالم تسببت بحوادث سير وأوقعت ضحايا على الطرقات.

صحيفة العربي الجديد




تساؤلات بشأن قدرة البنية البحثية العربية على التنبؤ بالكوارث المناخية

أثارت الكوارث المناخية التي ضربت عدداً من البلدان العربية في الآونة الأخيرة تساؤلات بشأن قدرة البنية البحثية العربية على التنبؤ بهذه الكوارث.

ووُصفت عاصفة الإمارات التي وقعت في شهر أبريل (نيسان) الماضي بأنها «الأقوى في تاريخ منطقة الخليج العربي».

ويعود تواتر الأحداث المناخية العنيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى حدوث تغيرات عميقة في الدورة الهيدرولوجية على مستوى العالم، وفق ألبرت فان دايك، أستاذ الهيدرولوجي في الجامعة الوطنية الأسترالية، الذي يوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التغيرات نتجت عنها ارتفاعات مضطردة في درجة حرارة الهواء وارتفاع مستويات الرطوبة، فضلاً عن الجفاف والأمطار الفجائية».

وتعد معرفة التوقيت المناسب لاحتماليات زيادة فرص حدوث الفيضانات أمراً مهماً للغاية من أجل اتخاذ إجراءات تحدّ من تقليل الخسائر، بحسب محمد عبد الغني، الباحث في الجيومورفولوجيا المناخية بجامعة ليدز البريطانية. يقول عبد الغني لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث عواصف قوية وأعاصير مدارية وشبه مدارية، ما يعرض المنشآت المدنية للخطر، ويهدد بحدوث خسائر كبيرة في الأرواح».

وتقدر قيمة الأضرار المادية المحددة لجميع موانئ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (100 ميناء) بنحو 67 مليون دولار أميركي سنوياً، بسبب الحوادث المناخية العنيفة، وفق دراسة نشرت في يناير (كانون الثاني) عام 2023 بمجلة «Communications Earth & Environment».

الإمارات ليست استثناء

في شهر أبريل (نيسان) الماضي، شهدت الإمارات هطول أكبر كميات أمطار خلال الأعوام الـ75 الماضية، وشهدت منطقة «خطم الشكلة» بإمارة العين وحدها هطول 254.8 مليمتر من الأمطار في أقل من 24 ساعة، بحسب المركز الوطني للأرصاد في الإمارات.

أمطار غزيرة شهدتها دبي في شهر أبريل الماضي (أ.ف.ب)

لكن عاصفة الإمارات لم تكن بداية الأحداث المناخية والكوارث الطبيعية الخطيرة في المنطقة العربية خلال العامين الماضيين؛ ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، تعرضت سواحل سلطنة عمان المطلة على بحر العرب – وهو جزء من المحيط الهندي – لإعصار مدمر (الإعصار شاهين) تسبب في كثير من الأضرار للبنى التحتية والرقعة الزراعية والمنازل، كما قطع أبراج الاتصالات، ما عظَّم من الخسائر الاقتصادية والأضرار المادية التي نتجت عن ذلك الإعصار.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2023، تعرض إقليم شمال شرقي ليبيا لعاصفة خلّفت نحو 5 آلاف قتيل وآلاف المصابين، بحسب تقرير لـ«المنظمة الدولية للهجرة»، نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بالإضافة إلى تدمير مدينة درنة التي ابتلع البحر نحو ثلثها، بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في انهيار سدين، ما أدى إلى تدفق مزيد من المياه إلى المناطق المغمورة بالفعل بمياه البحر.

لكن رغم التبعات الكارثية للحدث، يرفض عبد الغني «المبالغة» في وصف الحدث، إذ يعتقد أن ليبيا تعرضت لما يعرف بـ«العواصف شبه الاستوائية»، وأنه لا يمكن وصف الحدث بأنه إعصار: «ما هي إلا عاصفة شبه استوائية بدليل وجود منخفض شبه صحراوي على السواحل الليبية، جزء من هذا المنخفض متعمق فوق سطح البحر المتوسط، والجزء الآخر منه فوق الصحراء الليبية، ويسير من الغرب للشرق بشكل شبه منتظم».

رجال إنقاذ بالقرب من جثث ضحايا لقوا حتفهم بعد فيضانات درنة (إ.ب.أ)

ويشدد عبد الغني على أن «الأعاصير تتكون فوق أسطح المحيطات إذا توافرت لها ظروف وشروط جوية ودرجات حرارة تؤهل تكونها وتعمقها فوق مسطحات المحيطات، ويؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تضخيم تواتر موجات البحر القصوى، عن طريق رفع خط الساحل الأساسي».

وبحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن الظواهر المتطرفة، فإنه بات من الواضح أن التغير المناخي أثّر بشكل ملحوظ على كثير من المتغيرات المرتبطة بالمياه، مثل هطول الأمطار ونشاط الرياح الشديدة، وهي ظواهر ترفع من شدة وسرعة وتيرة حدوث الفيضانات.

البنية البحثية

ورغم تعرض المنطقة العربية للمخاطر البيئية، سواء السيول أو الأمطار الفجائية الشديدة أو الأعاصير والعواصف ونوبات الجفاف والحرارة الشديدة، فإن البنية التحتية البحثية في البلدان العربية لا تزال عاجزة عن سد الفجوات في الدراسات التنبؤية المتعلقة بالمناخ والأرصاد الجوية التي تعتمد بالأساس على الأقمار الاصطناعية المملوكة لدول غربية، وفق باحثين، من بينهم أحمد قناوي، أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد، في جامعة المنصورة (دلتا مصر).

يقول قناوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «تخلو المنطقة العربية من الأقمار الاصطناعية المخصصة للرصد الجوي، باستثناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في السعودية، لكن تصدر النماذج المناخية المختصة بالمنطقة غالباً عن جهات بحثية غربية أو اليابان».

ونوّه إلى أنه «حتى هذا النموذج الاستثناء الذي طوّره باحثو (كاوست) والذي تبلغ دقته المكانية من 1 إلى 5 كيلومترات لا يغطي كامل المنطقة العربية، وإنما يركز على المحافظات السعودية فقط».

مشيراً إلى أن «هذا النوع من النماذج المناخية يحتاج أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، في الوقت الذي لا تسمح فيه البنية التحتية البحثية في معظم الجامعات العربية باستخدام هذه التكنولوجيا».

دمار هائل في مدينة درنة الليبية بسبب الفيضانات (أ.ف.ب)

لكن رغم أهمية النماذج المناخية، فإنه «لا يمكن الاعتماد عليها في رصد هذه الأحداث، لأنها تقدم تنبؤات لفترات زمنية طويلة ومتوسطات عامة، ولا توفر تنبؤات دقيقة على مستويات يومية، ومن ثم يكون البديل هو الاعتماد على الأقمار الاصطناعية المختصة بأغراض الرصد الجوي، التي توفر بيانات على مدى زمني قدره أيام، حيث تعتمد أنظمة الإنذار المبكر العربية على هذه الأقمار الاصطناعية الغربية». بحسب قناوي.

وسيؤدي تطوير البنية التحتية البحثية في المنطقة، من خلال الأقمار الاصطناعية المتخصصة والمراكز البحثية وأنظمة الرصد المبكر، إلى تحسين مستوى الاستجابة مع الكوارث، وتجنب أكبر قدر ممكن من تأثيراتها السلبية، وفق أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد بجامعة المنصورة المصرية.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط




لماذا تخلت ألمانيا عن الطاقة النووية قبل الفحم؟

على الرغم من بدء الاحتجاجات ضد الطاقة النووية في ألمانيا، مطلع سبعينيات القرن الماضي؛ فإن تخلي البلاد عن هذه الطاقة قبل الفحم أثار انتقادات نشطاء البيئة؛ لاعتبارات تتعلّق بتحول الطاقة إلى المصادر المتجددة.

وكانت ألمانيا قد أوقفت تشغيل آخر 3 محطات للطاقة النووية لديها، قبل عام واحد من الآن، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي مواجهة تغير المناخ، والدعوات لتسريع الاستغناء عن الوقود الأحفوري، وأزمة الطاقة التي تفاقمت بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أثار تحرك برلين للتخلي عن الطاقة النووية قبل مصادر الطاقة كثيفة الكربون مثل الفحم انتقادات كبيرة من جانب مجموعات حماية البيئة.

وبحسب مقالٍ نُشر حديثًا، يمكن فهم هذا القرار في سياق التطورات الاجتماعية والسياسية خلال مرحلة ما بعد الحرب في ألمانيا؛ حيث سبقت مناهضة الأسلحة النووية الخطاب المناخي العام.

الباحث لدى مركز كامبريدج للبيئة والطاقة وإدارة الموارد الطبيعية تريفيليان وينغ
الباحث لدى مركز كامبريدج للبيئة والطاقة وإدارة الموارد الطبيعية تريفيليان وينغ – الصورة من موقع جامعة كامبريدج

مناهضة الطاقة النووية في ألمانيا

بدءًا من الكتاب الأكثر مبيعًا في ألمانيا الغربية عام 1971، الذي يحمل عنوانًا مثيرًا للذكريات: “السلام يتحوّل إلى كارثة.. توثيق محطات الطاقة النووية”، إلى الاحتجاجات الضخمة التي شارك فيها مئات الآلاف، حظيت الحركة المناهضة للطاقة النووية بالاهتمام الوطني وتعاطف واسع النطاق.

وأصبحت هذه الحركة قوة سياسية كبرى حتى قبل وقوع كارثة تشيرنوبيل في عام 1986، بحسب مقال للباحث لدى مركز كامبريدج للبيئة والطاقة وإدارة الموارد الطبيعية تريفيليان وينغ، نشره موقع ذا كونفرسيشن (The Conversation) المعني بتغطية التحليلات الإخبارية والتقارير البحثية.

وتضمّنت دوافعها ما يلي: عدم الثقة بالتكنوقراطية، والمخاوف البيئية والسلامة، والشكوك في أن الطاقة النووية يمكن أن تؤدي إلى انتشار الأسلحة النووية.

وبدلًا من ذلك، دافع الناشطون عما عدّوه بدائل متجددة أكثر أمانًا وأكثر مراعاةً للبيئة، ويسهل الوصول إليها مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتبنّوا وعدهم بتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، والمشاركة المجتمعية، وتمكين المواطنين (ديمقراطية الطاقة).

احتجاج على الطاقة النووية في ألمانيا
احتجاج بموقع محطة الطاقة النووية في بلدة بروكدورف، ألمانيا، عام 1971 – الصورة من موقع ذا كونفرسيشن

تحول الطاقة في ألمانيا

يُعد التناقض مع حركة “فرايدايز فور فيوتشر” التي أطلقتها ناشطة المناخ السويدية غريتا تونبرغ وشعارها “استمع إلى الخبراء” لافتًا للنظر.

لقد رفض جيل الناشطين الأكبر سنًا -عمدًا- الخبرة السائدة في ذلك الوقت، التي كانت تنظر آنذاك إلى الطاقة النووية المركزية بصفتها “المستقبل”، ورأوا أن النشر الشامل لمصادر الطاقة المتجددة الموزعة حلمًا بعيد المنال.

وكانت هذه الحركة المبكرة مفيدة بإنشاء حزب الخضر في ألمانيا -وهو الحزب البيئي الأكثر نفوذًا في العالم حاليًا- الذي ظهر عام 1980 ودخلت الحكومة الوطنية لأول مرة في المدة من 1998 إلى 2005 شريكًا للحزب الديمقراطي الاجتماعي.

وحظر هذا التحالف المفاعلات الجديدة، وأعلن إغلاق المفاعلات القائمة بحلول عام 2022، وأصدر مجموعة من التشريعات التي تدعم الطاقة المتجددة.

وهذا بدوره أدى إلى تعزيز النشر الوطني لمصادر الطاقة المتجددة، التي ازدادت من 6.3% من إجمالي استهلاك الكهرباء المحلي عام 2000 إلى 51.8% عام 2023.

تجدر الإشارة إلى مشكلة سياسية مستمرة أخرى تتمثّل في مكان تخزين النفايات النووية بالبلاد، وهي قضية لم تتمكن ألمانيا من حلها مطلقًا.

ولم يوافق أي مجتمع على استضافة مثل هذه المنشأة، وقد شهدت المناطق المُخَصصة لهذا الغرض احتجاجات واسعة النطاق.

وبدلًا من ذلك، خُزِّنَت النفايات المشعة في مرافق مؤقتة قريبة من المفاعلات القائمة، وهو ما لا يُشكِّل حلًا طويل الأمد.

مناهضة الطاقة النووية في ألمانيا
جانب من الاحتجاجات ضد الطاقة النووية بمدينة برلين في ألمانيا – الصورة من رويترز

الطاقة النووية لا تحظى بشعبية

تؤكد استطلاعات الرأي الوطنية النفور الراسخ من الأسلحة النووية. وحتى في عام 2022، خلال ذروة أزمة الطاقة الأخيرة، وجد استطلاع أن 52% يعارضون بناء مفاعلات جديدة، على الرغم من أن 78% يؤيدون التمديد المؤقت للمحطات القائمة حتى صيف 2023.

ويعتقد 51.6% من الألمان، حاليًا، أن هذا كان سابقًا لأوانه، واعتُبر التأجيل الإضافي غير ممكن سياسيًا؛ نظرًا إلى المناهضة الشديدة للطاقة النووية لدى حزب الخضر وقطاعات كبيرة من السكان.

من ناحية أخرى، لم تتحقق التوقعات بأن الخروج النووي من شأنه أن يجعل ألمانيا مضطرة إلى استعمال المزيد من الفحم ومواجهة ارتفاع الأسعار ومشكلات العرض، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وفي مارس/آذار 2023 -وهو الشهر الذي سبق التخلص التدريجي- كان توزيع توليد الكهرباء في ألمانيا بنسبة 53% من الطاقة المتجددة، و25% من الفحم، و17% من الغاز، و5% من الطاقة النووية. وفي مارس/آذار 2024، كانت نسبة الطاقة المتجددة 60%، والفحم 24%، والغاز 16%.

وشهد العام الماضي إنتاجًا قياسيًا للطاقة المتجددة على مستوى البلاد، وأدنى مستوى في استعمال الفحم منذ 60 عامًا، وتخفيضات كبيرة في الانبعاثات، وانخفاض أسعار الطاقة.

نوار صبح

المصدر: منصة الطاقة المتخصصة




ماذا لو ساد الذكاء الاصطناعي؟

من أهم أسباب ارتفاع أسهم شركات التقنية خلال عام 2023 التفاؤل بخصوص الذكاء الاصطناعي وآثاره التي ستتضح أكثر في عام 2024. فهل يشكل الذكاء الاصطناعي خطراً على سوق العمل؟ وهل من شأنه أن يعطل غالبية العاملين والموظفين بدءاً من العام المقبل؟ في الواقع كثيرون طرحوا هذا السؤال، بل أبرز رجالات التقنية إيلون ماسك طالب بتشريعات تحد من تنامي الذكاء الاصطناعي، بحجة أن الآلة أسرع من الإنسان في الحلول ومعالجة البيانات وستنقلب عليه. لكن يبقى السؤال؛ هل هذا الطرح يُعدّ من المبالغة أم من المحتمل حدوثه فعلاً؟

في مجال تخصصي عادةً ما أستمع لآراء تتحدث عن أن الذكاء الاصطناعي سوف يقضي على مجال إدارة الأصول وأسواق المال ويحل مكانها. هذا التصور بالطبع قاصر عن فهم هذا الذكاء الآلي والإنساني، حيث إن أساس الذكاء الاصطناعي خاضع لكمية المدخلات من المعلومات التاريخية وكيفية إحصائها وفرزها وتكوين منطق من خلالها، بينما الإنسان علاقته مع الماضي نسبية، وتعمقه يكون في الجزئيات فقط، واختياره لتفاصيل القضايا غالباً لا يخضع لأسباب منطقية محددة، فقد يكون بسبب قناعات قديمة أو ظنون غير حقيقية.

استخدام المنطق

فالإنسان في تصرفاته غير منطقي، إلا أنه يملك العقل الذي يمكنه عبره أن يستخدم المنطق، لذلك نرى أن كثيراً من آرائه وأفكاره لا نستطيع التنبؤ بها، حتى السلوك المنطقي الإنساني أيضاً علاقته بالجزئيات والتفاصيل، وليس النظر إلى الماضي كقاعدة يعتمد عليها، بل غالباً ما يشكك، بمعنى أن الإنسان الذكي الناجح علاقته مع الماضي نوعية، وغالباً ما يميل للتشكيك والنقد، بخلاف الآلة التي قد لا تعرف الوصول للجزئيات المهمة. والأهم من ذلك أنها تعتمد على الماضي بشكل كمي، وليس بشكل نوعي، حتى لو امتلكت المنطق للوصول إلى نتيجة.

فمثلاً التنبؤ حول سياسة الفيدرالي من رفع أو تأجيل أو تقليص أسعار الفائدة اختلف عليها الذكاء البشري، ما انعكس على الأسواق. وقبل ذلك في عام 2007 اختلف الذكاء البشري أيضاً حول جودة أصول الرهن العقاري فكانت أكبر الأزمات الاقتصادية المالية التي عصفت بالأسواق. وفي كلا الأزمتين كانت هناك أقلية استشعرت الخطر مبكراً، وتعاملت معه باستباقه. وهذه الطبيعة البشرية؛ أقلية تتجاوز الأغلبية لأسباب كثيرة، أهمها امتلاك العقل الحر بلا قيود أو تقليد للآخرين. أما الآلة فلن تستطيع الخروج عن متوسط التقديرات البشرية التي غالباً ما تقع في الأخطاء. ومثلاً في أزمة وباء «كوفيد» لم تكن هناك أصلًا معلومات تاريخية تساعد الذكاء الاصطناعي، فما خرج خلال الأزمة كان أغلبه تهويلاً ومخاوف تجعل الذكاء الاصطناعي لا يمتلك نموذجاً مناسباً لطرح الحلول الأكثر مثالية.

الاجتهاد والابتكار

لكن الذكاء الاصطناعي يبقى تطوراً كبيراً في مسيرة الإنسان، لأنه يختصر الأعمال التقليدية والروتينية ويقلص من بعض الأخطاء البشرية، ويعطي حيزاً أكبر للاجتهاد والابتكار. وجمال الابتكار يكمن في أنه ينضج مع العمر. كما أنه متوقع مستقبلاً أن يزداد متوسط عمر الإنسان إلا أن خطورة هذا الذكاء برأيي تكمن في أنه يقضي على الوظائف التي يقل فيها الاجتهاد والاتصال البشري، لذلك ممكن أن يزيد من الهوة بين الطبقات الاجتماعية وفجوة الثروات بين الشعوب. فقد قال أفلاطون قبل آلاف السنين إن السادة والطبقة العليا هي من تعمل بعقلها، والطبقة الدنيا هي من تعمل بجوارحها، ومقولته تزداد رسوخاً عبر العصور.

أخيراً، فإن الذكاء الاصطناعي إضافة إلى تطور الإنسان، وليس تهديداً له، لذلك على الإنسان أن يزيد حرصه على مستوى تعليمه، كون العلم لا عمر ولا حدود لآفاق تحصيله، وعليه أن يفكر ويخرج عن المعتاد ولا يأخد الماضي بتسليم، وقبل كل ذلك لا ينسى أن يضحك وأن يحب وأن يحلم ويتفاءل بالمستقبل، فذكاء الإنسان البطيء سوف يبقى أسرع وأكثر جودة من الآلة الخارقة.

مازن السديري

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط




هل تزدهر الرعاية الصحية وقطاع الأدوية بفضل الذكاء الاصطناعي؟

جمع البيانات أمام اختبار الأمان والخصوصية

«لا تمت لأي سبب غبي»… هي العبارة الأكثر ترداداً على لسان بيتر ديامانديس، أحد رواد الأعمال ومؤسس «إكس برايز» وجامعة «سينغولاريتي». ويستشرف بيتر وكثيرون مثله ثورة فعلية في مجال الرعاية الصحية يتيحها ما تم إحرازه من تقدم غير مسبوق وسريع في مجال الذكاء الاصطناعي، ما سيؤدي إلى زيادة أعمار البشر بشكل كبير.

مع تطلعنا إلى العقد المقبل يحمل إدماج الذكاء الاصطناعي بمجال الرعاية الصحية وعداً بإحداث تحول جذري في تقنيات التشخيص الطبي، وتطوير العقاقير، والطب الذي يراعي فردية الحالات، ورعاية المرضى عموماً. يستعرض هذا المقال التطورات المحتملة والواقعية التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم بها في مجال الرعاية الصحية، ويتبحر في كيفية قيام تلك الابتكارات بإعادة تشكيل مستقبل الطب.

الذكاء الاصطناعي وتطوير العقاقير

لعل أهم التأثيرات المحتملة للذكاء الاصطناعي هي تلك التي تنعكس على مجال اكتشاف العقاقير وتطويرها. وتزداد مهارة خوارزميات الذكاء الاصطناعي باستمرار في تدقيق مجموعات البيانات، ومن المرجح أن تصبح قادرة على توقع العلاقة بين الأمراض والأهداف الحيوية البيولوجية، والمركبات الأصلية وتلك المقلّدة. وربما يعني ذلك أيضاً إمكانيات التعرف على الأهداف المحتملة لعقار جديد، وطرق تصنيع العقاقير المقترحة الملائمة على نحو أسرع وبشكل مختلف عن الطرق التقليدية. إذا كتب النجاح لهذه الجهود، أو عندما تنجح فعلياً، من المتوقع أن يوفر الذكاء الاصطناعي الوقت والتكلفة المرتبطة باكتشاف العقاقير.

كذلك سوف يشهد المستقبل الأثر الهائل للذكاء الاصطناعي على التجارب السريرية، حيث سيجعلها أكثر فعالية ونجاحاً. يمكن للباحثين استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات المرضى وتحديد المرشحين المناسبين للتجارب بوتيرة أسرع ودقة أكبر. ولا يسرّع ذلك عملية الاختيار فحسب، بل يضمن أيضاً تمثيلاً أفضل للسكان في التجارب. فعلى المستوى العملي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يراقب بيانات التجارب وقت حدوثها ما يسمح بتحديد المشكلات المحتملة أو الأعراض الجانبية بشكل أسرع، ما من شأنه أن يزيد أمان العقاقير الجديدة وفعاليتها. ونحن نشهد بالفعل محاولات أولية في هذا المجال من خلال «توقع نتائج التجارب السريرية استناداً إلى اختيار الهدف وتصميم التجارب باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي المتعددة النماذج «أليبر – 2023»، لتوقع نتيجة التجارب. سوف ترتفع إمكانيات التوقع بشكل كبير وتصبح هذه المسألة مفصلية في المرحلة المقبلة.

وإلى ذلك، يتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي على أعتاب حقبة جديدة في مجال العلاج الرقمي. فيما يلي بعض التدخلات العلاجية القائمة على أدلة والتي تمت بمساعدة برامج عالية الجودة لمنع أو معالجة خلل اعتلال أو مرض أو التعامل معه. يمكن أن تصبح التطبيقات والأجهزة المعززة بالذكاء الاصطناعي، التي تقدم نصائح وعلاجات تناسب كل حالة بشكل شخصي، أكثر فعالية وانتشاراً. لا يدعم هذا النهج العلاجات التقليدية فحسب، بل يقدم أيضاً مسارات وأساليب جديدة للتعامل مع الحالات المرضية المزمنة، والصحة النفسية، والأمراض المتعلقة بنمط الحياة.

طب يتوافق مع فردية الحالات

سوف تحدث قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل مجموعات كبيرة من البيانات، ثورة في مجال الطب القادر على التوافق مع كل حالة بشكل فردي. فمن خلال استخدام بيانات المرضى، بما في ذلك المعلومات الوراثية، والمؤشرات الحيوية غير الجراحية، ونمط الحياة، والعوامل البيئية، وفحوص التصوير بالأشعة، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تحديد علاجات تناسب الأفراد بشكل شخصي. لا يحسّن هذا النهج فعالية العلاجات فحسب، بل يساهم أيضاً في الحد من الآثار الجانبية، فيمكن للأدوات المعززة بالذكاء الاصطناعي في المستقبل أن تتيح للأطباء السريريين اختيار العقاقير وبروتوكولات العلاج الأكثر فعالية استناداً إلى الوضع الصحي والحيوي الفريد لكل مريض.

من المرجح أن يحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً أيضاً في تقنيات التشخيص، حيث يتم استخدام خوارزميات تعلم الآلة بالفعل في تفسير الصور الطبية بمستوى من الدقة يرقى إلى مستوى الخبراء من البشر إن لم يكن يفوقه. سوف تصبح تلك الوسائل التكنولوجية في المستقبل أكثر تطوراً، ما يتيح تشخيصاً مبكراً ودقيقاً بدرجة أكبر لحالات مثل السرطان، وأمراض القلب، والاضطرابات العصبية. كذلك قد يصبح الحصول على أدوات التشخيص المعززة بالذكاء الاصطناعي عن بعد أسهل، وهو ما سوف يجسر الهوة المتصلة بإتاحة وتوفير الرعاية الصحية.

الفعالية العملية في الرعاية الصحية

لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيعزز الفعالية العملية من داخل أنظمة الرعاية الصحية. فيمكن أن تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي مقدمي الرعاية الصحية على توفير مستوى أفضل من الرعاية، بدءاً بالاستغلال الأمثل لأداء العمل في المستشفيات وصولاً إلى إدارة بيانات المرضى وتوقع معدلات دخولهم إلى المستشفيات، من خلال إدارة أفضل للموارد والتخطيط. ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحديداً تنفيذ المهام الإدارية مثل وضع الجداول، وإصدار الفواتير، وإدارة ملفات المرضى آلياً، مما يخفف من العبء الإداري الواقع على كاهل الموظفين، ويتيح لهم التركيز بدرجة أكبر على العناية بالمرضى. لا يحسّن هذا القدر الأكبر من الفعالية نتائج المرضى فقط، بل يمكنه أيضاً الحد من التكلفة الإجمالية لعملية تقديم الرعاية الصحية.

إلى جانب ذلك، سوف يعزز دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الطبية المقدّمة عن بعد، ومتابعة المرضى عن بعد، عملية تقديم الرعاية الصحية. كذلك يمكن لمنصات الخدمات الطبية المقدّمة عن بعد والمعززة بالذكاء الاصطناعي تقديم تشخيصات أولية، والتوصية بخيارات علاجية، بل وحتى توقع درجة خطورة الحالات الطبية. وتتيح الأجهزة، التي يمكن ارتداؤها والمعززة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، متابعة الحالة الصحية للمرضى بشكل متواصل وتزويد مقدمي الرعاية الصحية ببيانات فورية مع احتمالات التدخل المبكر في حالة وجود أي خلل أو انحراف.

تحديات في التنفيذ والدمج

والواقع أنه وعلى رغم التفاؤل المحيط باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، هناك تحديات كبرى في عملية التنفيذ والدمج، تشمل الحاجة إلى بيانات معيارية ذات جودة عالية تضمن توافق التشغيل بين أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة وقواعد بيانات الرعاية الصحية، فضلاً عن التدريب المستمر لموظفي الرعاية الصحية من أجل العمل على نحو متوافق مع وسائل الذكاء الاصطناعي التكنولوجية. إضافة إلى ذلك تعدّ معالجة التحديات التنظيمية وضمان التوافق مع معايير الرعاية الصحية من الأمور الضرورية لإتاحة الاستخدام الآمن والفعّال للذكاء الاصطناعي في تلك المجالات.

كذلك تتسم الاعتبارات الأخلاقية المتعلقة بخصوصية البيانات والأمن أهمية كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بضمان شفافية وحيادية كل أنظمة الذكاء الاصطناعي وقابليتها للتفسير من الأمور الضرورية لقبولها وفعاليتها في ظروف مجال الرعاية الصحية.

ربما يتمثل التحدي الأكبر في عدم جعل أوجه التقدم، التي يتم تحقيقها باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، مقيدة ومقتصرة على تحسين حياة الأثرياء فحسب. سوف يتم الشعور بالأثر الحقيقي لأدوات الرعاية الصحية التحويلية عندما يتمكن العامّة من الاستفادة منها. ومن اللازم محو الأمية التكنولوجية، وإتاحة الوسائل بتكلفة مقبولة، وسدّ الثغرات المتعلقة بالوصول إليها، ويتطلب هذا تعاوناً بين القطاع الحكومي والجهات المدافعة عن المرضى والمؤسسات التي تستطيع تيسير وصول الوسائل التكنولوجية المعززة بالذكاء الاصطناعي إلى الدول والمجتمعات المحرومة على المستويين الكلي والجزئي.

ختاماً، ومع تطلعنا نحو المستقبل نجد أن قدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث تحول في حياة البشر هائلة، فهو لا يعد بتعزيز فعالية وكفاءة العلاج فحسب، بل أيضاً بالمساهمة في تقديم رعاية صحية أكثر توافقاً مع الحالات بشكل شخصي، وأكثر تمركزاً حول المريض، حيث يمكن للوقاية أن تضطلع بدور أكبر. مع ذلك سوف يتطلب تحقيق هذه الإمكانية تعاملاً حريصاً وحذراً مع التحديات الفنية والأخلاقية والتنظيمية. هذا التفاؤل الذي يغمرني يجعلني متيقناً من أن الذكاء الاصطناعي سيكون له أثر كبير على طول أعمار البشر. لذا سوف أتبّع نصيحة بيتر ديامانديس وأحاول ألا أموت لسبب غبي.

هشام حمادة

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط