نشر موقع “ذي انترسبت” تقريرا أعدته ناتاشا لينارد، قالت فيه إن جامعة كولومبيا الأمريكية أظهرت كل الاستعداد لاسترضاء الجماعات المؤيدة لإسرائيل ومع ذلك قررت إدارة دونالد ترامب قطع الدعم الفدرالي عنها.
ورغم القرار إلا أن مديرة الجامعة بالوكالة أكدت على استمرار حملات قمع المؤيدين لفلسطين بدلا من إظهار الغضب على قطع الدعم.
وقالت لينارد إن جامعة كولومبيا لم يكن بوسعها أن تكون أكثر قسوة في العام ونصف العام الماضي، منذ بدأ الطلاب في التحدث علنا ضد هجوم إسرائيل على غزة.
في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وقبل أربعة أشهر من بدء معسكر التضامن مع غزة في جامعة كولومبيا، حظرت الجامعة الفروع التابعة لـ “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”صوت اليهود من أجل السلام” في كلياتها
في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وقبل أربعة أشهر من بدء معسكر التضامن مع غزة في جامعة كولومبيا، حظرت الجامعة الفروع التابعة لـ “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”صوت اليهود من أجل السلام” في كلياتها. ومع ذلك كان لدى بضع مئات من الطلاب من المجموعتين الجرأة على الخروج من الفصول الدراسية وإقامة احتجاج “التمدد” على الأرض كالموتى في الحرم الجامعي، وهو أحد أكثر تكتيكات احتجاج اللاعنف شهرة.
ومنذ ذلك الوقت طلبت سلطات الجامعة من الشرطة مداهمة حرمها ثلاث مرات مما أدى إلى اعتقال أكثر من 100 طالب.
وفي الأسبوع الماضي، طردت المدرسة أربعة طلاب، ثلاثة منهم من كلية برنارد، وواحد من جامعة كولومبيا. وواجه العشرات من الطلاب عقوبات تأديبية وإيقافا عن الدراسة بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات والخطابات المؤيدة لفلسطين. وتعرض الأساتذة للتشهير أمام الكونغرس وتم توبيخهم وإبعادهم عن مناصبهم، وقيل إنهم دفعوا إلى التقاعد بسبب دعمهم لفلسطين وانتقادهم لإسرائيل. وقد تم إغلاق الحرم الجامعي بشكل أساسي لمدة عام تقريبا.
ومرة بعد الأخرى، أظهرت كولومبيا استعدادها لإلقاء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وحرية التعبير والحرية الأكاديمية تحت الحافلة في استسلام لسرد يميني مؤيد لإسرائيل يعامل دعم الفلسطينيين باعتباره إهانة للسلامة اليهودية.
وتقول لينارد إن مكافأة كولومبيا على كل جهودها لاسترضاء المؤيدين لإسرائيل، كانت إعلان فرقة العمل الفيدرالية لمكافحة معاداة السامية التي أنشأها الرئيس دونالد ترامب، الأسبوع الماضي أنها ستلغي 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية المخصصة للجامعة.
وكتبت ليلى، وهي طالبة في كلية العمل الاجتماعي بجامعة كولومبيا، والتي طلبت حجب اسمها الأخير بعد أن واجهت هجمات التشهير والمضايقات من قبل الجماعات الصهيونية: “لقد عملت جامعة كولومبيا بجدية من أجل استرضاء الطلاب، فالحرم الجامعي عبارة عن سجن بانوبتيكون. ومع ذلك قطع التمويل عنه”. وتضيف لينارد أن إدارة ترامب ستستخدم على الأرجح مفهومها غير الصحيح عن معاداة السامية لتدمير التعليم العالي وتحويله إلى مؤسسات تجارية وإعادة تبييضه.
والعار هنا يقع على عاتق القيادات الجامعية، في جامعة كولومبيا والجامعات الأخرى في مختلف أنحاء البلاد، التي فشلت في الدفاع عن مهمتها المتمثلة في تشجيع التفكير النقدي والحرية الأكاديمية.
وبدلا من ذلك، عرضت بعض أفراد مجتمعها الأكثر ضعفا، وبخاصة الطلاب الدوليين والطلاب من ذوي البشرة الملونة، للخطر.
تعلق لينارد أنه لا يمكن استرضاء قوة سياسية مثل اليمين الترامبي، الذي يعتزم تنفيذ برنامج تدميري
وتعلق لينارد أنه لا يمكن استرضاء قوة سياسية مثل اليمين الترامبي، الذي يعتزم تنفيذ برنامج تدميري. ولا يمكن استرضاء رؤية عالمية قومية صهيونية تتحدى العقل وترى معاداة السامية في كل دعوة إلى الحرية الفلسطينية. وكولومبيا هي دليل، فقد قدمت الإدارة توليفة من القمع لأكثر من عام، ولكنها ستخسر كما هو مقرر 400 مليون دولار. وتقول الكاتبة إن الجامعات في جميع أنحاء البلاد، وبخاصة المؤسسات النخبوية الثرية مثل كولومبيا، لديها خيار: إما أن تتخذ موقفا جماعيا في معارضة هجمات ترامب على التعليم، أو أن تواصل خضوعها لحكومة أوضحت بالفعل أنها تريد تدميرها بغض النظر عن ذلك. إلا أن قيادة كولومبيا، وعلى نحو مخجل للغاية، أوضحت قرارها.
ففي رسالة إلى مجتمع الجامعة ردا على التخفيضات، بدت رئيسة كولومبيا المؤقتة كاترينا أرمسترونغ غير راغبة في تغيير المسار. وكتبت: “أريد أن أؤكد لمجتمع كولومبيا بأكمله أننا ملتزمون بالعمل مع الحكومة الفيدرالية لمعالجة مخاوفهم المشروعة. وتحقيقا لهذه الغاية، تستطيع كولومبيا، وستواصل اتخاذ إجراءات جادة نحو مكافحة معاداة السامية، هذه هي أولويتنا الأولى”.
وتعلق الكاتبة أن معاداة السامية تشكل، بلا شك، مصدر قلق مشروع في بلد يقوده معادون للسامية. أما مخاوف إدارة ترامب والمنظمات المؤيدة لإسرائيل فهي بعيدة كل البعد عن كونها مشروعة. وحتى الآن، تضمنت حملة كولومبيا المزعومة على معاداة السامية قمعا معاديا للفلسطينيين والإسلاموفوبيا والخلط المستمر بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية والاستعداد لإعطاء الأولوية فقط لمخاوف أصوات يهودية معينة، في حين يتم إسكات المعارضة من قبل العشرات من اليهود المناهضين للصهيونية في الحرم الجامعي.
وقال رينهولد مارتن، مؤرخ العمارة في جامعة كولومبيا ورئيس فرع الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات بالجامعة: “لا يتعلق الأمر بمعاداة السامية، بل يتعلق بسحق المعارضة. وبالنسبة لأولئك الذين يأخذون تصرفات إدارة ترامب على محمل الجد، تذكروا شارلوتسفيل”.
وكان مارتن يشير، بالطبع، إلى تجمع العنصريين البيض في عام 2017، حيث سار النازيون الجدد حاملين المشاعل وهم يهتفون “اليهود لن يحلوا محلنا”، وقام فاشي بقتل متظاهرة مضادة للفاشية بسيارته، ورد ترامب بوصف المشاركين بأنهم “بعض الأشخاص الطيبين جدا”.
في حين كان حرم الجامعات مكانا تاريخيا للمعارضة والنقد السياسي، فمن الخطأ أن ننظر إلى الجامعة المعاصرة النيوليبرالية باعتبارها أرضا للنضال التحرري
ففي حين كان حرم الجامعات مكانا تاريخيا للمعارضة والنقد السياسي، فمن الخطأ أن ننظر إلى الجامعة المعاصرة النيوليبرالية باعتبارها أرضا للنضال التحرري. ذلك أن الجامعات أصبحت مصانع خاصة وخاضعة للرقابة بشكل متزايد لإنتاج رأس المال البشري، وغالبا ما يتم إضافتها إلى أصول استثمارية ضخمة.
وكانت معسكرات غزة التي يقودها الطلاب أكثر إثارة للإعجاب بالنظر إلى مدى عدم ثورية الحياة الجامعية. وفي الوقت نفسه، تشن إدارة ترامب ثورة مضادة ضد أي شيء من التقدم الذي حققه النضال الأسود والسكان الأصليون والمثليون والنسويون في القرن الماضي.
ولا يخفى على أحد ما يريده الصليبيون اليمينيون المتطرفون في مجال التعليم مثل الناشط كريستوفر روفو. ولكن مؤسسات التعليم العالي تسهم بمثل هذا المشروع رغم ما يجلبه عليها من مخاطر.
وقال مارتن أستاذ جامعة كولومبيا إن “إدارة ترامب تسعى إلى حرمان الجامعات من الاستقلال المالي، وتريد تقييد الجامعات سياسيا” وتريد أيضا “استخدام ورقة التمويل الحكومي لقمع المعارضة، مع توقع ظهور نموذج من جامعة الشركات الحقيقية، حيث سيكون من المستحيل الاختلاف، تماما كما لا يمكن للمرء أن يخالف في غرفة الاجتماعات أو في جناح مكتب شركة تطوير عقاري أو مؤسسة مالية”. وتعد كولومبيا أكبر مالك للأراضي الخاصة في مدينة نيويورك وتفتخر بوقف بقيمة 14.8 مليار دولار، ويأتي جزء كبير من دخلها من مجمع المستشفيات الضخم، بالإضافة إلى الرسوم الدراسية.
كمؤسسة، يمكن لكولومبيا أن تنجو من التخفيضات الفيدرالية، لكنها ستخاطر بلا شك بإلحاق الضرر ببعض الأبحاث والمنح الممولة فيدراليا. كما يهدف هجوم ترامب على كولومبيا إلى تثبيط عزيمة الجامعات الأخرى التي تعتمد بشكل أكبر على أموال الحكومة. كل هذا سبب إضافي، إذن، للمؤسسات الغنية لرفض فخ الاستسلام.
وفي الوقت الذي أكدت فيه رئيسة الجامعة بالوكالة على استمرار الجامعة بتحقيق القيم المشتركة، عبرت مجموعة “واتساب” مكونة من 1,000 شخص مؤيد لإسرائيل ومن خريجي الجامعة عن فرحتهم بخفض التمويل الذي فرضه ترامب واحتفلوا به اعتباره انتصارا، وذلك حسب مصدر لم يكشف عن هويته. وكتب أحد أعضاء مجموعة الدردشة يوم الجمعة أنهم “لا يستطيعون الانتظار حتى يتم خفض بقية التمويل”. وهذه هي نفس المجموعة، التي تضم أساتذة، وكان أعضاؤها يخططون لترحيل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الأجانب المؤيدين للفلسطينيين.
موقع ذي انترسبت الاميركي