الشرطة العسكرية تحقق في ست حالات أجبرت فيها قوات الجيش الإسرائيلي مواطنين غزيين على أن يكونوا دروعاً بشرية في عمليات عرضت حياتهم للخطر، خلافاً للقانون الدولي. النيابة العسكرية أمرت بالتحقيق قبل بضعة أسابيع عقب تقرير للصليب الأحمر من كانون الثاني، الذي تم تكريسه لهذه الظاهرة. في “هآرتس” نشر هذا الإجراء للمرة الأولى، الذي انتشر في أشهر الحرب، وفرض مهمات عسكرية على الغزيين غير المشتبه فيهم بالقتال والذين يسمون “شواش” (خدم، عبيد). والآن يتبين أنه حتى بعد نشر التحقيق في شهر آب تراكمت شهادات حول استمرار استخدام المدنيين، وهي تواصلت حتى كانون الثاني، موعد نشر تقرير الصليب الأحمر.
في شهر آب، قال الجيش الإسرائيلي رداً على التحقيق بأنه يتم فحص الموضوع. ولكن التحقيق جرى الآن بعد نشر التقرير والضغط من قبل منظمات ودول في الأشهر الأخيرة، من بينها إدارة الرئيس الأمريكي السابق بايدن والحكومة البريطانية، التي فحصت هذه الادعاءات. باستثناء الحالات الموثقة في تقرير الصليب الأحمر وشهادات أخرى وصلت إلى الشرطة العسكرية، فقد تناول التحقيق أيضاً أحداثاً للجيش الإسرائيلي في ممر نيتساريم التي نشرت هي أيضاً في “هآرتس”. يثور من هذه الأحداث شك بأن قادة كباراً في الجيش الإسرائيلي اتبعوا سياسة قتل لا تميز، خلافاً لقوانين الحرب وميثاق جنيف.
في تقرير الصليب الأحمر الذي نقل إلى قائد المنطقة الجنوبية التارك، الجنرال يارون فنكلمان، تم إحضار شهادات لسكان من غزة طلب منهم استخدامهم كدروع بشرية، أحياناً بالتهديد بأنهم سيتضررون هم وعائلاتهم إذا لم يفعلوا ذلك. بعض الشهادات مدعومة بأفلام فيديو وصور حول النشاطات التي طلب من السكان القيام بها. وقرر طاقم التحقيق أن الشهادات موثوقة في تسع حالات على الأقل، بين كانون الأول 2023 وكانون الثاني 2025. في تحقيق “هآرتس”، شهد جنود من وحدات مشاة كثيرة بأنهم كانوا شهوداً على هذه الظاهرة، وقيل في التقرير إن ألوية “الناحل”، و”جفعاتي” والكوماندو، هي المسؤولة عن معظم الحالات التي فحصت ووجد أنها موثوقة.
في كل الحالات ظهرت صورة مشابهة فيما يتعلق باستخدام المدنيين: الجيش الإسرائيلي اعتقلهم لفترة تتراوح بين أيام وأسابيع، وأجبرهم تحت التهديد على المشاركة في العمليات، وتعرضوا لتنكيل جسدي ونفسي، ثم إطلاق سراحهم وعادوا إلى غزة. تم اعتقال عدد من “الشواش” ونقلهم إلى إسرائيل، وآخرون تضرروا في هذه العمليات. حتى الآن، من غير المعروف بشكل مؤكد إذا قتل أحد منهم. في البداية، طلب من المواطنين إحراق مبان سكنية، وشقق ومخازن. وأحياناً تم إرسالهم إلى المباني وهي ما تزال مشتعلة، والتأكد من وصول النار إلى المبنى كله. وإذا لم تصل، فمهمتهم إشعال المكان بالكامل.
استخدام الشواش ازداد مع إطالة الحرب. كلاب كثيرة في وحدة “عوكتس” قتلت، وكلاب أخرى فقدت القدرة العملياتية. جنود في الهندسة الحربية الذين تخصصوا في تفكيك العبوات الناسفة تم نقلهم إلى لبنان؛ معدات الهندسة الثقيلة توقفت، وحدث نقص في السائقين المهنيين، كل ذلك استبدله المواطنون الذين اختيروا بصورة عشوائية وفرضت عليهم أيضاً مهمة زرع المواد المتفجرة في المباني ومراكز حماس التي أراد الجيش تدميرها. أحياناً، طلب من “الشواش” التأكد من عدم وجود مخربين أو عبوات ناسفة في أنفاق حماس. وفي بعض الحالات، حسب الشهادات، زرعوا مواد متفجرة لتفجير بنى تحتية في غزة، بدون حماية أو معرفة بالعبوات الناسفة.
كما أرسلوا المواطنين إلى عيادات ومستشفيات ومنشآت إنسانية للإبلاغ عن احتمالية وجود مخربين فيها. الجيش الإسرائيلي تعود على إلباس الشواش الزي الرسمي للطواقم الطبية وإدخالهم إلى المؤسسات الصحية. عرفت “هآرتس” أنه في حالة واحدة، تم إطلاق النار على شاويش من قبل مخربين في مستشفى، لظنهم أنه يتعاون مع الجيش. ولكن، كما قلنا، لا نعرف مصيره. وفي حالات أخرى، تم إرسال المواطنين لمهمات توثيق وتصوير قبل رسم خارطة للمباني المعدة للهدم. أحياناً، كانوا مترجمين للجيش الإسرائيلي، ورافقوا القوات التي ترتدي الزي العسكري.
حسب أقوال كل الشواش الذين شهدوا على أعمال الجيش الإسرائيلي، كان الجنود هددوهم وأبناء عائلاتهم إذا رفضوا التعاون. أثناء تواجدهم في الشقق، تم تقييد أيديهم وأرجلهم وعصب عيونهم. حسب تقرير الصليب الأحمر، فقد تعرض المواطنون للعنف والإهانة، وحتى منع عنهم الغذاء والمياه. وأشار المحققون إلى حالة واحدة أُطلق فيها النار على مواطن في ظهره ولكنه لم يقتل، عندما رفض طلب الجنود الدخول إلى منشأة، شكوا بأنها مفخخة وفيها مسلحون.
ضباط كبار في جهاز الأمن عرفوا عن هذه الظاهرة، ومثلهم رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية والنيابة العسكرية. “الجيش الإسرائيلي يعرف أن الأمر لا يتعلق بحادثة تحدث لمرة واحدة لقائد فصيل شاب وغبي، قرر على مسؤوليته أخذ أحد ما”، قال جندي أجريت معه مقابلة من أجل تحقيق “هآرتس”. “حدث هذا على الأقل بمعرفة قائد لواء”. الكثير من المقاتلين طلبوا تفسيراً لهذه الظاهرة. وحسب قولهم، منع القادة أي نقاش قيمي. “قالوا إن حياتنا أهم من حياتهم. في نهاية المطاف، يفضل إبقاء جنودنا على قيد الحياة، في حين تتفجر العبوة في هؤلاء”، قال بعضهم.
ظهر في الشهادات من حذروا في الميدان من استخدام “الشواش”. وثمة قادة وجنود تم إسكاتهم على الأغلب من قبل القيادة العليا، وتم اعتبارهم مزعجين لعملية القتال والحفاظ على القوات. وصف أحد الجنود استخدام فلسطينيين تم إحضارهما إلى الوحدة: “كان أحدهم في العشرينيات والثاني ابن 16″، وتابع: “قيل لنا استخدموهما كدروع بشرية”. وقال آخر: “لا تضربوهم كثيراً، لأننا نحتاجهم لفتح المواقع لنا” (النقاط التي يجب على الجنود الوصول إليها، مثلاً بيوت). وحسب قوله، عندما توجه أحد الجنود لسؤال القائد عن ذلك، أجابه الأخير: ألا توافق على أن حياة أصدقائك أهم من حياتهم؟”.
مؤخراً، تحدث أحد الجنود في لواء نظامي للصحيفة عن حالة أخرى كان مشاركاً فيها لاستخدام شاويش في وحدته. تتم تسمية الشواش أحياناً “منصات”، هم مواطنون غزيون غير مشتبه فيهم بأي شيء ولا يتم التحقيق معهم، ومن غير الواضح لنا كيف يتم اختيارهم. حسب قوله، أحياناً يُستخدمون في هذا الدور لأسابيع، ويتم نقلهم من وحدة إلى أخرى. وهم ينامون في بيت الدرج في مبان لوحدات عسكرية، وعلى الأغلب يتم وضع حارس عليهم. هم يأكلون إذا رمى لهم أحد أي شيء. يخدمون القوات في حمل الأغراض الثقيلة. “يتعرضون للعنف بشكل دائم، خصوصاً عندما يكونون جدداً ويجب إخضاعهم. ولكن حتى عندما يكونون قدامى، يتعرضون للعنف والإهانة، ويكون ذلك من الضباط في مرات كثيرة”، وتابع: “يمر ضابط في بيت الدرج ويضربهم على رؤوسهم بشكل عفوي بخوذته. الجندي الذي سمع شيئاً أو ثارت أعصابه يمكنه ببساطة التقدم منهم وضربهم بحضور القادة في الميدان. تقريباً، كل قوة تمتلك “شاويش” لديها.
الصليب الأحمر رفض الرد.
المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي قال: “الجيش الإسرائيلي يعمل وفقاً للقانون الدولي وقيم الجيش. التعليمات في الجيش الإسرائيلي تمنع استخدام الدروع البشرية أو إجبار أشخاص على المشاركة بطرق أخرى في مهمات عسكرية. تم توضيح الأوامر والتعليمات في هذا الموضوع بصورة روتينية للجنود في الميدان أثناء الحرب. وأي ادعاء بحدوث سلوك لا يتطابق مع التعليمات، يتم فحصه. تم فتح ملفات تحقيق في الشرطة العسكرية في عدد من الحالات، بعد أن ثار شك باستخدام فلسطينيين في مهمات عسكرية أثناء القتال. التحقيق في هذه الحالات يجري، وبطبيعة الحال لا يمكن تفسيرها”.
ينيف كوفوفيتش
صحيفة هآرتس العبرية
ترجمة صحيفة القدس العربي