قالت صحيفة “الغارديان” في تقرير أعده جيسون بيرك إن الحرب التي استمرت 15 شهرا في غزة وتوسعت إلى لبنان وسوريا واليمن والعراق ستترك الجماعات الإسلامية في حالة ضعف، ولكن فلسطين ستظل على رأس أجندة السياسة العالمية.
وقال إن وقف إطلاق النار في غزة والذي سيسري مفعوله يوم الأحد، ما لم تحدث مفاجأة كبرى في اللحظة الأخيرة، من شأنه أن يعزز التغيرات الهائلة والسريعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وقد يسفر عن هزيمة الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت جهات فاعلة قوية في المنطقة لسنوات. وسوف تخرج حماس في غزة وحزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية المتنوعة في العراق وسوريا من الصراع ضعيفة إلى حد كبير.
أما الحوثيون في اليمن فهم الأقوى، وربما لن لا يدوم هذا الوضع طويلا. أما تنظيم الدولة الإسلامية فلا يزال مجرد ظل لما كان عليه في السابق. ومع ذلك فنجاة حماس من نزاع كبير يظل إنجازا كبيرا وتعني أن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو تدمير الحركة، إلا أن التنازلات التي قدمتها حماس لتحقيق وقف إطلاق النار ينم عن حالتها الضعيفة.
وقف إطلاق النار في غزة والذي سيسري مفعوله يوم الأحد، ما لم تحدث مفاجأة كبرى في اللحظة الأخيرة، من شأنه أن يعزز التغيرات الهائلة والسريعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط
ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة، إلا أن الحركة قامت بتجنيد أعداد كبيرة من المتطوعين في جناحها العسكري الذي كان هدفا للضربات العسكرية الإسرائيلية. ومع مقتل عدد من القيادات البارزة وقيادات الوسط إلا أن الحركة لا تزال تتمتع بسلطة في مناطق بغزة ولكن ليس كتلك التي تمتعت بها قبل 16 عاما عندما سيطرت على الحكومة في القطاع.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2024 قتل يحيى السنوار، مهندس عمليات 7 تشرين الأول/أكتوبر في مواجهة مع جنود إسرائيليين في جنوب غزة. وكانت إسرائيل قد اغتالت الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أثناء حضوره حفلة تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في طهران. وقد انقسمت الحركة اليوم بين الفرع السياسي في الخارج والذي يتمتع ببراغماتية وفرع الداخل في غزة المتشدد. وربما شكل هذا مشكلة لوقف إطلاق النار وتردد إسرائيل بالانسحاب من غزة.
وحل محل السنوار في قيادة عمليات حماس بغزة، شقيقه محمد، ويسيطر على عملية تبادل الأسرى ويملك مفاتيح الصفقة في يديه. ونقل الكاتب عن مخيمر أبو سعدة المحاضر في العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة قوله: “وقف إطلاق النار الآن في يدي محمد السنوار، ولا أحد في الخارج قادر على فرض أي شيء عليه”.
لكن قادة حماس في الخارج يعترفون بالخسائر التي عانوا منها في الحرب وحُملوا جزءا من المسؤولية عن الدمار الذي حل في غزة ومقتل أكثر من 46,000 فلسطيني وتدمير معظم القطاع وبنيته التحتية.
وهذا مهم لما يطلق عليه “اليوم التالي” وقدرة حماس على التعافي سريعا من الحرب، هذا إن كانت قادرة على عمل هذا. ويقول أبو سعدة “في غزة، الناس تعبوا من حماس، ويريدون أي شيء يجلب لهم إعادة الإعمار ويعرفون أن المجتمع الدولي لن ينفق ولو دولارا واحدا طالما ظلت حماس في السلطة”.
ورغم ما يشير إليه الخبراء والمحللون من شعبية حماس في الضفة الغربية المحتلة، فإن بعضهم يتحدث عن منظمة تواجه “أزمة شرعية”. وواحد من الأسباب التي دفعتها لوقف إطلاق النار هو واقع الشرق الأوسط، حيث لم يعد عدد من حلفائها في موقع لمساعدتها. فقد عانى حزب الله، أحد أهم أعمدة محور المقاومة الذي تقوده إيران من خسائر ضخمة بسبب الهجمات الإسرائيلية، وقتل قيادته وتدمير معظم ترسانته بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2024. وهناك عامل مهم في ضعف حلفاء حماس، وهو سقوط نظام بشار الأسد، حيث توقفت الإمدادات اللوجيستية إلى حزب الله والتي كانت تمر عبر دمشق.
وجاءت بعد الهزيمة العسكرية، الهزيمة السياسية، فقد انتخب لبنان رئيسا جديدا له، بعد فراغ سياسي استمر لأكثر من عامين، وتبعه تعيين رئيس وزراء جديد خلفا لحكومة تصريف الأعمال التي أدارت البلاد خلال تلك الفترة.
وفي الوقت نفسه، لم تتمكن الميليشيات الموالية لإيران في العراق من التسبب بضرر كبير لإسرائيل. وقال مصدر مقرب من المنظمة الفلسطينية: “لم تتغير حماس، لكن السياق الدولي تغير”. والآن أصبح الوكلاء الذين ربتهم طهران بعناية على مدى عقود من الزمان يدركون جيدا إخفاقات راعيهم الأخيرة. وقال أرمان محموديان، من معهد الأمن العالمي والوطني في فلوريدا: “لقد خسرت إيران سوريا بسرعة كبيرة – في غضون 10 أيام فقط – لدرجة أن العديد من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم سيتساءلون: كيف حدث هذا؟ سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يستعيد أعضاء محور المقاومة معنوياتهم”.
الجماعة الأكثر نشاطا بين تحالف الجماعات المسلحة الإيرانية هي جماعة الحوثي في اليمن، التي تواصل إطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل واستهداف الشحن العالمي
ومع إضعاف حماس وحزب الله، فإن الجماعة الأكثر نشاطا بين تحالف الجماعات المسلحة الإيرانية هي جماعة الحوثي في اليمن، التي تواصل إطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل واستهداف الشحن العالمي. ويبدو أن الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة لم يكن لها تأثير رادع يذكر، مع أن وقف إطلاق النار قد ينهي على الأرجح الأعمال العدائية، كما يقول الخبراء.
وحذر المراقبون من موجة من التطرف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي نتيجة للحرب. وقد أدى هذا بالفعل إلى أعمال عنف متفرقة ومخاوف بين المسؤولين الأمنيين من المزيد من العنف. وأعرب المسؤولون الأمريكيون على وجه الخصوص عن مخاوفهم، التي عززها الهجوم المستوحى من تنظيم الدولة الإسلامية في نيو أورليانز في وقت سابق من هذا الشهر.
ويعتقد المسؤولون الأمنيون الإقليميون الآن أن هذه المخاوف قد تبدأ في التراجع، وإن كان “في الوقت الحالي”. ولعل التطور الأهم هو الحملة التي قادتها هيئة تحرير الشام من محافظة إدلب السورية وأنهت النظام السوري الذي حكم سوريا لأكثر من 50 عاما. وقاد الجماعة أحمد الشرع المعروف سابقا بأبو محمد الجولاني، وهو قائد كبير سابق في كل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وعلى مدى سنوات، بذل الشرع جهودا لإقناع السوريين والمجتمع الدولي بأنه تخلى عن أيديولوجيته المتطرفة، وتواصل مع الأقليات وقلل من أهمية الأجندات الدينية.
ويعلق بيرك أن نجاح استراتيجية الشرع البراغماتية يتناقض مع النهج الثابت للجماعات التي قاتل من أجلها في يوم ما. وهذا أيضا من شأنه أن يقوض المتطرفين بشكل أكبر. والتحول الكبير الأخير والمهم جدا، هو عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة السياسة الإقليمية والعالمية. وإذا شعر صناع السياسات والجنرالات في إسرائيل بالرضا عن أي نجاح واضح، فقد يجعلهم هذا التحول يفكرون مليا.
ويقول بيرك إن غزة كانت نقطة تحول بالنسبة لإسرائيل. فقد تضررت سمعتها بشدة، وهناك قضايا جنائية دولية [ضد القادة الإسرائيليين]، وردود الفعل الأخلاقية العالمية، وأصبح الصراع الفلسطيني على رأس الأجندة الدولية.
و”الآن هناك جيل جديد بالكامل من مواطني العالم يعتقدون أن الفلسطينيين يجب أن يكونوا أحرارا”، كما تقول علياء الإبراهيمي، الخبيرة الإقليمية في المجلس الأطلنطي. ولا يمكننا أن نفترض أن وقف إطلاق النار سوف يصمد، ولكن إذا حدث ذلك، فإنه يمنح الجميع الفرصة للقيام بما كان ينبغي لهم أن يفعلوه منذ البداية. إنها فرصة للابتعاد عن الحرب كأداة أو حل افتراضي”.
ويرى الخبراء أن إنهاء الصراع في غزة بشكل نهائي من شأنه أن يساعد في الحد من الفوضى والعنف في جميع أنحاء المنطقة والتي يمكن للمتطرفين من جميع الأنواع استغلالها. و”إذا أصبح وقف إطلاق النار دائما، فسنرى المزيد من الاستقرار في المنطقة”، كما يقول أبو سعدة.
صحيفة الغارديان البريطانية
ترجمة ابراهيم درويش