تواجه شركات التأمين في الولايات المتحدة تحديات متزايدة نتيجة الكوارث الطبيعية المتكررة، خاصة حرائق الغابات الأخيرة في كاليفورنيا، والتي قدر البعض تكلفتها على شركات التأمين بما يتجاوز 20 مليار دولار. وكانت هذه الشركات قد تكبدت، في عام 2023، خسائر صافية بلغت 15.2 مليار دولار، وهي الأكبر منذ عام 2000، مما دفع بعضها إلى تقليص نشاطها أو الانسحاب من الأسواق المتضررة، بينما عمد البعض الآخر إلى إلغاء التأمين على آلاف المنازل، تجنباً لتحمل هذه الخسائر.
وفي ولاية كاليفورنيا، أعلنت شركة “ستيت فارم” العام الماضي أنها لن تجدد عقود التأمين لنحو 72 ألف منزل، بما في ذلك 69% من عقود التأمين في منطقة “باسيفيك بالسيدز” التي دمرتها الحرائق، وفقاً لما ذكره موقع جريدة إندبندنت، كما توقفت شركات أخرى عن إصدار بوالص تأمين جديدة في المناطق المعرضة للحرائق، وهو ما ترك أصحاب المنازل دون تغطية تأمينية.
وبالإضافة إلى ذلك، رفعت شركات التأمين أقساطها بشكل كبير في المناطق المتضررة، وفي بعض الحالات، تضاعفت الأقساط، فزادت الأعباء المالية على أصحاب المنازل. وتسعى شركات التأمين أيضاً إلى تقليل التزاماتها من خلال فرض شروط أكثر صرامة على السياسات، مثل زيادة المبالغ المقتطعة وتقليل حدود التغطية، وهو النهج الذي ترك العديد من أصحاب المنازل في مواجهة تكاليف باهظة لإصلاح أو إعادة بناء ممتلكاتهم، دون دعم كافٍ.
وفي مواجهة هذه التحديات، يجد أصحاب المنازل أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل تأمينية أقل شمولاً أو الاعتماد على برامج حكومية توفر تغطية محدودة. ويثير هذا الوضع مخاوف بشأن استقرار سوق الإسكان في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، حيث قد يؤدي نقص التأمين إلى انخفاض قيم الممتلكات وصعوبة بيعها.
شركات التأمين تحاول احتواء الخسائر
ويعد حي باسيفيك بالسيدز، الواقع في لوس أنجليس والذي دمرته الحرائق الأخيرة، نموذجاً للأزمة التأمينية التي يواجهها بشكل متزايد أصحاب المنازل في المناطق المعرضة للكوارث المناخية. وفي يوليو/تموز الماضي، قامت شركة “ستيت فارم” بإلغاء نحو 1,600 بوليصة تأمين في هذه المنطقة، وفقاً لما ذكره مايكل سولر، المتحدث باسم إدارة التأمين في كاليفورنيا. ووفقاً لتحليل أجرته شبكة سي بي إس سان فرانسيسكو العام الماضي، ألغت “ستيت فارم” أيضاً أكثر من 2,000 بوليصة تأمين في مناطق أخرى من لوس أنجليس، تشمل برينتوود وكالاباساس وهيدن هيلز ومونتي نيدو.
وفي بيان، صرحت شركة “ستيت فارم” أن “أولويتنا الأولى الآن هي سلامة عملائنا، ووكلائنا، وموظفينا المتأثرين بالحرائق، وتقديم المساعدة لهم في خضم هذه المأساة.” لكن قرار “ستيت فارم” يعكس اتجاهاً متزايداً بين شركات التأمين الكبرى، مثل “أولستيت” و”فارمرز إنشورنس”، للتخلي عن سياسات التأمين في كاليفورنيا أو التوقف عن قبول عملاء جدد في المناطق المعرضة للخطر. ونتيجة لذلك، يتجه العديد من أصحاب المنازل إلى خطة التأمين “FAIR”، التي تقدم تغطية أساسية ضد الحرائق للممتلكات الواقعة في المناطق عالية الخطورة، والتي لا توفر شركات التأمين التقليدية تغطية لها.
وبحلول عام 2024، كان نحو 1,400 منزل من أصل 9,000 منزل في “باسيفيك بالسيدز” مغطى بخطة FAIR، وهو عدد يزيد بأكثر من أربعة أضعاف مقارنة بعام 2020، وفقاً لبيانات شركة التأمين. وبعبارة أخرى، قبل وقوع الكارثة، كان نحو واحد من كل سبعة منازل يعتمد على هذه الخطة.
ومن المتوقع أن تصبح حرائق “باسيفيك بالسيدز” واحدة من أكثر الحرائق تكلفة في التاريخ، بسبب عدد المباني التي دُمّرت، والقيمة المرتفعة لهذه الممتلكات. ووفقاً لعالم المناخ دانييل سوين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، يبلغ متوسط قيمة المنازل في المنطقة 3.1 ملايين دولار، بناءً على بيانات شركة ATTOM Data. وتُقدر الأضرار المحتملة والخسائر الاقتصادية الكلية للكارثة بنحو 150 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى التأثيرات الشخصية والمالية الكارثية على أصحاب المنازل، يُتوقع أن تزيد هذه الحرائق من الضغوط على سوق التأمين في الولاية، والذي يعاني بالفعل، كما تعاني مناطق أخرى في الولايات المتحدة، مثل فلوريدا ولويزيانا، تحديات مماثلة. وأوضح السيناتور شيلدون وايتهاوس، في تصريح على منصة X، أن انهيار سوق التأمين على المنازل قد يتسارع بعد هذه الصدمة الجديدة. وأشار إلى أن التغير المناخي يجعل المخاطر غير متوقعة، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف التأمين أو انعدام توفره، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى انخفاض قيم الممتلكات وخلق أزمة مالية تشبه أزمة عام 2008.
وأشارت النائبة ماكسين ووترز، ممثلة كاليفورنيا، إلى أن الكوارث المناخية تزيد من المخاطر، ما يدفع شركات التأمين إلى إلغاء البوالص أو عدم إصدار بوالص جديدة، مما يترك العائلات وأصحاب الأعمال بدون حماية تأمينية كافية. وأعلنت ووترز أنها ستعيد تقديم مشروع قانون “دراسة تغطية التأمين ضد حرائق الغابات”، الذي يهدف إلى تحليل المخاطر التي تشكلها حرائق الغابات وكيفية استجابة شركات التأمين لها. وأكدت أن المشروع سيساعد في تحديد أفضل استجابة فيدرالية لهذه القضايا، مع التركيز على ضرورة فهم المخاطر المناخية بشكل أعمق.
ومع استمرار الحرائق في اجتياح مناطق لوس أنجليس، تتزايد تقديرات تكلفة الكارثة بشكل كبير. ووفقاً لتقديرات شركة AccuWeather يوم الخميس، فقد تصل الخسائر إلى 150 مليار دولار، ما يجعل هذه الحرائق الأكثر تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة. وفي محاولة لمعالجة الأزمة، أعلنت كاليفورنيا عن لوائح جديدة تلزم شركات التأمين بتقديم تغطية في المناطق المعرضة للحرائق. وتنص القواعد على زيادة تغطية شركات التأمين تدريجياً بمعدل 5% كل عامين حتى تصل إلى 85% من حصتها في السوق. في المقابل، سيُسمح لشركات التأمين بتحميل تكاليف إعادة التأمين على المستهلكين، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأقساط بنسبة تصل إلى 40%.
وبينما تهدف هذه اللوائح إلى تحقيق استقرار في سوق التأمين، يشير النقاد إلى أن وتيرة تنفيذ السياسات الجديدة ليست سريعة بما يكفي، وأن التكاليف الإضافية قد تزيد من الأعباء المالية على المستهلكين. وأكد مفوض التأمين في كاليفورنيا، ريكاردو لارا، أن الهدف النهائي هو بناء سوق تأمين موثوق بها، لا تتراجع عن المجتمعات الأكثر عرضة للكوارث المناخية، ولكنه أقر أيضاً بأن تحقيق هذا الهدف سيستغرق وقتاً وجهوداً كبيرة.
صحيفة العربي الجديد