في خطة وقف إطلاق النار في لبنان يمكن الآن بالفعل رؤية ظل الماعز التي تقرر ذبحها استعداداً للتوقيع على الاتفاق، أهمها مطالبة إسرائيل بحرية العمل في لبنان إذا فشل الجيش اللبناني وقوة اليونيفيل في منع خرق الاتفاق. نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني والوسيط الرسمي في الاتصالات مع حزب الله، أوضح بحزم أن هذا البند يمس بسيادة لبنان وغير خاضع للتفاوض.
نبيه بري يعارض أيضاً تشكيل لجنة رقابة دولية إلى جانب اليونيفيل، تشرف على تطبيق الاتفاق. وحسب قوله، هذه اللجنة، التي يشارك فيها كل من إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، هي منذ العام 1996 كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه بعد عملية “عناقيد الغضب”. بري، الذي يطمح إلى طرح أي اتفاق جديد كاستمرارية للقرار 1701 من أجل تجنب أي مظهر لاتفاق آخر بين إسرائيل ولبنان، قال إن الضمانة التي تريدها إسرائيل موجودة في موقف الولايات المتحدة، التي التزمت بدعم إسرائيل سواء في حالة الهجوم أو الدفاع.
حرية عمل إسرائيل في لبنان حاسمة في الحقيقة، لأنها ستعطي إسرائيل شرعية دولية لمهاجمة لبنان إذا خرق الاتفاق. هكذا، إسرائيل قد تحرم حزب الله من حقه في الرد على أي هجمات إسرائيلية بذريعة الدفاع عن أمن لبنان. عملياً، هذا بند زائد، والتصميم عليه يشكك في احتمالية وقف إطلاق النار، لأن هذا لا يعتبر حقاً تلقائيا، وفقاً لخطة الاتفاق. في أي حالة يلاحظ فيها خرق من قبل حزب الله فإن الجيش اللبناني وقوة اليونيفيل يمكنهم منع ذلك، وإذا فشلوا في هذه المهمة فإن إسرائيل يمكنها العمل. تتطلع إسرائيل وبحق إلى منع الواقع الذي نشأ بعد اتخاذ قرار 1701، لكن حتى لو لم يشر هذا القرار بشكل صريح إلى حق إسرائيل في الرد على خرق الاتفاق، فيمكن لإسرائيل فعل ذلك. في الحقيقة، إسرائيل غضت النظر عن الوضع لسنوات وتعاملت بلامبالاة مع ضعف قوة اليونيفيل، وهكذا ساهمت في إفراغ القرار من مضمونه.
يتوقع أنه خلال يومين – ثلاثة أيام، سيعطي لبنان رده وتحفظاته على الخطوط العريضة لوقف إطلاق النار بعد أن يقول حزب الله كلمته. وحسب أقوال نبيه بري، “هناك أساس للتفاؤل”. ولكن إضافة إلى القضايا القانونية والعملية التي قد تعيق تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك أعداد الجيش اللبناني وتمويله وتسليحه، تجدر الإشارة إلى “اختفاء” الشرط الأساسي الذي وضعه حزب الله حتى الآن، وهو إنهاء الحرب في غزة. هذا الشرط أدى حتى الآن إلى تأخير المحادثات حول وقف إطلاق النار، وحتى موته، رفض حسن نصر الله النظر إلى الخطوط العريضة التي قدمها المبعوثون ما دامت الحرب مستمرة في قطاع غزة. فقد كان يعرف الاقتراحات بالتفصيل، لكن الدفاع عن مبدأ “وحدة الساحات” الذي فرض الربط بين غزة ولبنان أقنع أيضاً المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين بأنه لا يمكن تحريك عجلة المفاوضات بدون وقف إطلاق النار في غزة.
الإشارة الأولى على تغيير موقف حزب الله صاغها نعيم قاسم في خطابه في 8 تشرين الأول الماضي، حتى قبل تعيينه كأمين عام للحزب، عندما أيد جهود نبيه بري من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار “شريطة أن لا يضر بمصالح الحزب”. محمد عفيف، المسؤول عن علاقات حزب الله مع وسائل الإعلام، قال إن الهدف هزيمة العدو وإجباره على وقف عدوانه، لكن يجب أن نشكر الجهود السياسية، الداخلية والخارجية، التي تهدف إلى وقف العدوان، ما دامت تتساوق مع رؤيتنا العامة حول الحرب. كلاهما طمس الارتباط بغزة، ولكنهما لم يخفياه. ولكن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قال في خطابه قبل أربعة أيام من خطاب قاسم بأن وقف إطلاق النار في غزة ولبنان يجب أن يكون منسقاً. ولكن وصلت رسالة يوم الجمعة جديدة محدثة من علي لاريجاني، المستشار الكبير للمرشد الإيراني علي خامنئي.
لاريجاني، الذي كان رئيس البرلمان 12 سنة، مقرب جداً من خامنئي رغم أنه محسوب على التيار المحافظ الذي أيد الرئيس الأسبق حسن روحاني. ليس بالصدفة أنه هو بالذات من تم إرساله إلى بيروت، “سنؤيد أي قرار لحكومة لبنان. لم آت إلى هنا لتفجير مسودة الاتفاق أو أي شيء آخر”، قال. وهو لم يذكر أي شيء عن الصلة بين لبنان وغزة أو عن “وحدة الساحات”.
لم يتم التوقيع على الاتفاق مع لبنان بعد، والوضع في غزة قد يظهر في جولة دبلوماسية – ربما كشرط جوهري أو ربما كماعز يضحى به في التنازلات المتبادلة. إيران يمكنها كالعادة القول بأن أي قرار يتخذ هو من مسؤولية حكومة لبنان وحزب الله، وأنها هنا للمساعدة فقط. لكن تغيير موقفها بارز، ويمكن عزوه لثلاثة عوامل أساسية: المس بقيادة حزب الله وقدراته العسكرية، والأضرار الكبيرة التي لحقت بلبنان، ونزوح أكثر من مليون و400 شخص من بيوتهم، ما يثير انتقاداً كبيراً لحزب الله، إلى درجة الشعور بالعصيان المدني. في المقابل، تأثير ترامب يدفع إيران إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الإقليمية: هدفها المهم والأساسي هو الحفاظ على مكانة حزب الله السياسية في لبنان حتى لا يدفن ذخرها في لبنان.
أما بشأن إيران، فإن الوقف المنفصل لإطلاق النار في لبنان هو ثمن يمكن تحمله، وحتى إنه حيوي، حتى لو كان في ذلك إعطاء شيك مفتوح لإسرائيل لمواصلة الحرب في غزة. لأن طهران ستحاول في المرحلة القادمة أن تكون شريكة في إعادة إعمار لبنان. وحسب التقارير، عرض لاريجاني على رئيس الحكومة المؤقتة في لبنان مساعدات مالية ولوجستية، لكن ذلك تم رفضه. بالنسبة لإيران وحزب الله، فإن إعادة الإعمار عامل رئيسي في العملية السياسية التي ستثبت تعهد حزب الله بتعويض السكان المحليين، وحتى أنبوب لضخ الأموال “الشرعية” للحزب. على الصعيد السياسي، تتنافس إيران الآن مع نتنياهو على نفس “الهدية” التي يريدان إعطاءها لترامب، الذي وعد ناخبيه العرب، لا سيما اللبنانيين، بالسلام في الشرق الأوسط. يبدو أنه إذا تم استكمال الاتصالات بنجاح، فلن تنسى إيران عرض الفاتورة السياسية والحصول على ثمنها.
تسفي برئيل
صحيفة هآرتس الاسرائيلية
ترجمة صحيفة القدس العربي