تحت عنوان: “مخيمات العار”، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إن أكثر من 50 ألف مهاجر من جنوب الصحراء الكبرى، يقيمون في مخيمات بشمال مدينة صفاقس التونسية في انتظار العبور إلى أوروبا، ويعيشون مثل الحيوانات في ظلال أشجار الزيتون، تحت رحمة المهربين التونسيين وهجمات الحرس الوطني الممول من المفوضية الأوروبية، ويشعرون بأنهم محاصرون، وبات البعض منهم يرغبون في العودة إلى ديارهم.
الصحيفة الفرنسية أضافت أن هؤلاء المهاجرين الأفارقة الذين يقيمون اليوم في خيام “العار” بتونس، ظنوا أن الحلم الأوروبي أصبح في متناول أيديهم بوصولهم إلى شمال تونس، لكنهم يرتجفون اليوم من الخوف أكثر من ارتجافهم خشية من قوارب الموت.
بلال، وهو تشادي يبلغ من العمر 19 عاماً، روى لـ“لوفيغارو” عن محاولته الوصول إلى الساحل الإيطالي قبل شهرين: “غادرنا حوالي الساعة 10 مساء دون إضاءة ودون إصدار أي صوت. لقد مشينا مسافة 4 كيلومترات في الليل. كنا 48 شخصا. تمت إضافة البعض في اللحظة الأخيرة. نساء مع أطفالهن. في الخارج، بدأنا تشغيل المحرك. على متن القارب، كان لدينا ثماني علب من البنزين تكفي للوصول إلى إيطاليا. وبعد ذلك منعنا الحرس الوطني التونسي من دخول المياه الإيطالية. اقترب قاربهم وأجبرنا على العودة إلى تونس”.
يضيف الشاب التشادي: هناك (في تونس) كان الأمر فظيعا.. كنت أفضل أن أموت غرقا.. بمجرد وصولنا إلى الأرض، أخذ الحراس التونسيون محركنا، والبنزين الخاص بنا، ثم سرقوا مني كل شيء.. كل شيء. لقد ضربوني. ثم ألقت بي الشرطة التونسية بعيدا جدا، دون أوراقي أو هاتفي، في وسط صحراء بلا ماء. رأيت أمواتاً لم يدفنهم أحد على الرمال على بعد 300 كيلومتر من هنا، على الحدود مع الجزائر. لذلك مشيت حافي القدمين، قرية بعد قرية. لقد عملت لأتمكن من مواصلة رحلتي. بعد ثلاثة أشهر، عدت إلى هنا، إلى ”الزيتون” على أمل أن تكون المرة القادمة جيدة”.
وأوضحت “لوفيغارو” أن 50 ألف مهاجر الذين يقبعون منذ عامين في هذه المنطقة التونسية، يزعجون أولئك الذين يعلمون بوجودهم. ولم تتمكن المنظمات الإنسانية ولا وكالات الأمم المتحدة، ولا عدد قليل جدا من الصحافيين، من الوصول إلى هذه المخيمات. حتى أن الحكومة منعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من الدخول.
أدى الخطاب المعادي للأجانب الذي ألقاه الرئيس التونسي قيس سعيد في شهر فبراير عام 2023 إلى وصول حياتهم اليومية إلى حالة من الفوضى. فقد ندد بوصول “جحافل المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى”، مما سمح للمجتمع التونسي بتشويه سمعتهم بهذه الكلمات. وعلى الفور، وجد عشرات الآلاف منهم أنفسهم بلا سكن أو عمل، بالإضافة إلى منعهم من استخدام وسائل النقل العام، تضيف الصحيفة الفرنسية.
وجد هؤلاء الأفارقة الذين قدموا سيرا على الأقدام من جميع أنحاء القارة أنفسهم مطاردين نحو حقول الزيتون على بعد 30 كيلومترا شمال صفاقس، حيث تم وضعهم في ملاجئ مؤقتة مصنوعة من الأكياس البلاستيكية وأنابيب الري بالقرب من بلدة العامرة، ووجدوا أنفسهم عالقين في انتظار الطقس الجيد وموافقة المهربين. وهم على استعداد لرمي أنفسهم في البحر على متن قوارب محفوفة بالمخاطر.
يشكو التونسيون الذين يعيشون في المزارع المحيطة من أنهم لم يعودوا قادرين على قطف الزيتون لأن الخيام المؤقتة تمنعهم من القيام بذلك. الملاجئ والقمامة تتناثر على الأرض مربعا تلو الآخر، تُشير “لوفيغارو”.
على مشارف هذا القطاع من الأراضي الصخرية، ترى المهاجرين الذين يتم استئجارهم باليوم للمساعدة في بناء المنازل وحفر الخنادق، مقابل أقل من 2 يورو في اليوم ووجبة الغداء. ويروي أحد الإيفواريين مرعوباً: “حتى أنهم يجعلوننا ندفع ثمن المياه في موقع البناء”.
يشكو سكان البلدات الصغيرة من ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن. ويقول صاحب مقهى من قرية العامرة: “السود لديهم المال. وبسببهم ارتفعت أسعار الحليب والزيت والسجائر وغيرها”.
غير أن وجود هؤلاء الأفارقة هو تجارة مربحة بالنسبة للبعض الآخر من التونسيين. فالعمل مربح للتجار والمهربين الذين يطلبون نحو 500 يورو لكل مكان على متن قارب دون ضمان. ويحصل المهاجرون على المبالغ عن طريق التحويل من عائلات المهاجرين في الوطن، الذين يعلقون عليهم كل آمالهم، تقول “لوفيغارو”.
تشير بعض التقارير إلى وجود 100 ألف شخص من جنوب الصحراء الكبرى على طول هذا الساحل التونسي الواقع على بعد أقل من 150 كيلومترا من إيطاليا. ومن المستحيل التحقق من هذه الأرقام، التي تعتبر تقريبية لدرجة يصعب تصديقها. وهكذا، فإنها تعطي وزناً لطلبات تونس للحصول على التمويل. ومن أجل إدارة هذه التدفقات، حصلت تونس على 105 ملايين يورو من المفوضية الأوروبية العام الماضي في إطار اتفاقها الخاص بالهجرة، لاسيما من أجل تجهيز الحرس الوطني التونسي بشكل أفضل، الذي قام بتجنيد أفراد خارجين عن القانون. والشهادات ساحقة بخصوص هذا الموضوع، توضح “لوفيغارو”.
فالنساء -سواء الحوامل أو غير الحوامل- والفتيات الصغيرات، يتعرضن في أغلب الأحيان للاغتصاب على أيدي هؤلاء الرجال الذين يرتدون الزي العسكري، فيقومون باعتقالهن أو بيعهن لمتاجرين عديمي الضمير. فمعظمهم لا يحترمون حقوق الإنسان الأساسية، كما تقول الصحيفة الفرنسية.
“لوفيغارو” تضيف أن الشهادات تؤكد أن أفراد الحرس الوطني هم من يستأجرون القوارب، ويعيدون بيع المحركات للمهربين لإيقاف المهاجرين في البحر وتشغيل ماكينة صرف النقود الخاصة بهم. وتروي إحدى المهاجرات: “عندما أوقفونا الأسبوع الماضي، طلبت منا الشرطة أن نعطيه 9 علب من البنزين. كيف عرفوا أن لدينا 9 بالضبط؟”، تقول مارا، المفعمة بالحيوية والتي تبدو دائما مستعدة للضحك على مأساتها.
يقول العديد من المهاجرين الذين لا يملكون الحق في السفر، إنهم على استعداد للعودة إلى ديارهم في جنوب منطقة الصحراء، توضح “لوفيغارو”، مُشيرة إلى أن المفوضية الأوروبية خصصت ظرفاً لإعادة 6 آلاف أفريقي إلى بلدانهم الأصلية.
في ظل هذه الظروف، أصبحت هناك حالة من القلق على الصعيد الأوروبي إزاء قصص الانتهاكات والاغتصاب والضرب بالهراوات التي يُزعم أن الحرس الوطني التونسي ينفذها، مع الإفلات التام من العقاب، بما في ذلك بفضل ضرائب دافعي الضرائب الأوروبيين، توضح “لوفيغارو”.
فقد ورد هذا الأمر في مقال بصحيفة الغارديان، مما أثار حفيظة السلطات التونسية التي شددت قبضتها على الصحافيين الأجانب. وتستخدم وزارة الداخلية التونسية حجة إحصائية للرد. فمنذ بداية عام 2024، وحتى 14 يوليو/ تموز، تم اعتراض أكثر من 74464 مهاجرا أثناء محاولتهم عبور الحدود البحرية نحو أوروبا.
وفي غضون ستة أشهر، أصبحت عمليات الاعتراض الواسعة هذه أكثر أهمية مما كانت عليه في عام 2023، عندما تم القبض على حوالي 70 ألف شخص، تُشير “لوفيغارو”.
صحيفة لوفيغارو الفرنسية