نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريرا حول ما قالت إنها تقلبات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الشرق الأوسط والحرب في غزة ولبنان. وتساءلت عن إمكانية لعبه دور الوسيط الموثوق به.
وقالت سيليا كولكات، إن تصريحات الرئيس الفرنسي عن غزة وإسرائيل تقوض نهجه من المنطقة. وتساءلت: “أين يقف إيمانويل ماكرون من الشرق الأوسط؟ ففي الوقت الذي يحضّر فيه ماكرون لعقد مؤتمر دولي عن الأزمة في لبنان، إلا أن موقعه المتعرج من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يثير تساؤلات حول فعاليته كوسيط إقليمي”.
وقال دبلوماسي فرنسي سابق: “بعض المسؤولين حوله من المؤيدين الأشداء لإسرائيل، وهناك البعض من مؤيدي فلسطين” و”عادة ما نشعر أن الرئيس نطق بآخر ما قيل له” من نصائح المستشارين حوله.
وتقول المجلة إن العلاقة بين فرنسا وإسرائيل معقدة وتعود إلى الفترة التي كانت فيها فرنسا وبريطانيا إمبراطوريتين قامتا برسم الشرق الأوسط حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي السنوات الأخيرة، خاصة بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحرب التي أعقبتها على غزة، فقد أصبحت سياسة باريس من المنطقة موضوع شد وجذب، حسب مسؤولين ودبلوماسيين نقلت المجلة عنهم. فمن جهة، هناك المجموعة المؤيدة لإسرائيل والتي يصف أفرادها أنفسهم بـ”المحافظين الجدد”. وعلى الجانب الآخر، هناك المسؤولون الذين لديهم حساسية تجاه القضية الفلسطينية. ويقولون إن الرئيس الفرنسي يتقلب إلى الأمام والخلف بين المعسكرين.
فقد كان رد ماكرون الأولي على هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو “التضامن بدون تحفظ” مع إسرائيل، حيث اقترح تشكيل تحالف لمحاربة حماس، وهي فكرة رفضها المجتمع الدولي مباشرة. إلا أن ماكرون أبدى انتقادات لإسرائيل وطريقة إدارتها للحرب في غزة، خاصة بعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والدمار شبه الكلي لقطاع غزة، ولكنه لم يكن ناقدا مستمرا.
وقال الدبلوماسي الفرنسي السابق: “إنها تتقلب، وبعد أكثر من عام على 7 أكتوبر، لم تتغير وما زلت لا أعرف ما يفكر فيه الرئيس حقا”.
لكن ماكرون شدد من موقفه في الأسابيع الماضية ضد إسرائيل، وتبادل الانتقادات اللاذعة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الخسائر بين المدنيين، واستهداف إسرائيل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) في لبنان.
كما دعا الرئيس الفرنسي الدولَ الغربية إلى وقف نقل الأسلحة لإسرائيل، قبل يومين من الذكرى السنوية لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وعندما رد نتنياهو، حاول ماكرون لململة الأمر، وأكد على الدعم الفرنسي الذي لا يتزعزع لإسرائيل، مشيرا لوجود خلافات بينهما.
وفي الأسبوع الماضي، نقلت الصحافة الفرنسية عن ماكرون قوله إن على إسرائيل “عدم تجاهل قرارات الأمم المتحدة”، وذلك في لقاء مغلق لحكومته، وفي تعبيرات قوية أكدها وزير خارجيته. ولكنه تراجع واتهم الإعلام بعدم نقل ما قاله بدقة.
وردّ المسؤولون التأرجح في مواقف ماكرون إلى غياب السياسة القوية تجاه المنطقة. وقال الدبلوماسي السابق: ” قناعات ماكرون تعتمد على من يتحدث معه”، و”عندما يتحدث إلى الدول الصاعدة، فهو مؤيد للفلسطينيين، وعندما يتحدث إلى نتنياهو، فهو مهتم بأمن إسرائيل”.
وفي مؤتمر صحافي يوم الخميس، سئل عن تعليقاته المتزايدة وإن كانت قد أضرت بنفوذ فرنسا بالمنطقة، فردّ بأن الوضع “معقد بما فيه الكفاية” وأنه “يزن كلماته في كل مرة منذ بداية” الحرب.
وترى المجلة أن مواقف ماكرون المترددة والمتضاربة نابعة من الخلافات في الرأي بين المسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية، وما يطلق عليها “الخلية الدبلوماسية” في قصر الإليزيه، حيث يحدد الرئيس السياسة الخارجية للبلاد.
ولأن فرنسا تعيش فيها أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في أوروبا، فإن موضوع إسرائيل- فلسطين حساس. ومن الناحية التقليدية، فقد عُرفت دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط (أمو) بوزارة الخارجية بأنها “مؤيدة للقضية الفلسطينية، وتريد وضع الضغوط على إسرائيل والحد من صادرات الأسلحة إليها” حسب الدبلوماسي الفرنسي الثاني السابق. وبلغت هذه المدرسة ذروتها في ظل رئاسة جاك شيراك الذي تبوأ مكانة النجم في العالم العربي عندما تشابك مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين أثناء زيارته لإسرائيل عام 1996.
وزاد في الفترة الأخيرة تأثير التيار المعروف بـ”المحافظين الجدد” في ظل رئاسة نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند وماكرون.
وبحسب دينيس بوتشارد، السفير الفرنسي السابق في الأردن، فقد زاد تأثير المحافظين الجدد و”هيمنوا” على وزارة كاثرين كولونا وستيفان سجورنيه. وقال بوتشارد: “همّشوا أمو التي نُظر إليها باعتبارها الشارع العربي المعادي لإسرائيل”.
وبحسب كاميل لونز، مديرة مكتب باريس في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية فإنه “في السنوات الأخيرة، انتقل مركز الجذب لموقف المؤيدين لإسرائيل”.
ومنذ بداية الجولة الأخيرة من الأعمال العدائية، أصبح الموقف الفرنسي أكثر نقدا لإسرائيل، خاصة بعد سقوط الضحايا في غزة، ومقتل أكثر من 42,000 فلسطيني، في وقت فشلت إسرائيل في إنقاذ الأسرى أو التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار.
وزادت حدة النقد بعد غزو إسرائيل لبنان في أيلول/ سبتمبر، حيث زادت المخاوف من أن تؤدي الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله إلى حرب موسعة. وكان الهجوم نكسة لجهود ماكرون الذي كان يحاول خفض التوتر. وقرر نتنياهو الغزو في وقت اعتقدت باريس أنها قريبة جدا من صفقة لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوما.
ويتوقع المسؤولون أن يستمر التقلب في السياسة الفرنسية بعد تبادل النقد والاتهامات مع نتنياهو. وقال المسؤول السابق: “يمكن أن تتغير سياسة ماكرون في نفس اليوم، وهذا يعتمد على من يهمس في أذنه”.
مجلة بوليتيكو الاميركية
ترجمة ابراهيم درويش