تنمية الطاقة المتجددة في لبنان… ضرورة في مواجهة التحديات

Spread the love
image_pdfimage_print

يعاني لبنان، منذ سنوات، أزمة خانقة في قطاع الطاقة الكهربائية، فمنذ بدء الانهيار الاقتصادي أواخر عام 2019، اعتاد اللبناني أن تتفاوت ساعات التغذية التي تصله بين فترات “العتمة الشاملة” إلى ثلاث أو أربع ساعات يومياً في أحسن الأحوال، يتوقّف هذا الأمر على توفّر مادة الفيول في المعامل، وتوفّر الأموال لاستيرادها.

في ظل الوضع القائم، وغياب الحلول الجادة في الأفق، بدأت الأسر اللبنانية والشركات والمصانع في السنوات الأخيرة باللجوء إلى الحلول المستدامة والاعتماد على الطاقة المتجددة لا سيّما ألواح الطاقة الشمسية التي غزت أسطح المنازل في القرى والبلدات اللبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت.

لا تُعتبر هذه الوسيلة ملجأً لتأمين الطاقة فحسب، بل أيضاً أحد أهم أسباب حماية البيئة ومواجهة التغيّر المناخي الذي يجتاح العالم، خاصة في بلد مثل لبنان تغطي سماءه سُحب الدخان الأسود الناتج عن تشغيل المولّدات طوال أيام السنة.

وفي سياق الطاقات المتجددة، شكّل مشروع المحطة الشمسية في بلدة “طير حرفا”، جنوب لبنان، الذي تعرّض لاستهداف من قبل الطيران الإسرائيلي في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، مشروعاً مهمّاً إذ جاء استجابةً للحاجة الملحّة إلى توفير المياه النظيفة لأهالي البلدة، خاصةً المزارعين، ونتيجة لارتفاع تكلفة الحصول على الكهرباء، والاعتماد الكبير على مولّدات الديزل لضخ المياه أو اللجوء إلى شراء المياه بأسعار مرتفعة.

يُشير المشرف على محطة الطاقة الشمسية في “طير حرفا”، ضمن مشروع Smart Power، أحمد عواضة، إلى أن “أحد الأسباب الرئيسية للاعتماد على الطاقة الشمسية كان صعوبة تأمين كميات كبيرة من المازوت لتزويد المنازل بالمياه، بالإضافة إلى التكلفة العالية لتشغيل مولّدات الكهرباء”، موضحاً أن هذا القرار اتُخذ بإجماع المجتمع المحلي والبلدية، حيث لاقت الفكرة حماساً وترحيباً من سكان البلدة.

ويؤكد عواضة أن مشروع الطاقة الشمسية صديق للبيئة، حيث يعمل على توفير الطاقة النظيفة دون أي مخلّفات تؤدي إلى تلوّث الهواء أو البيئة المحيطة به، مقارنةً بالمولّدات التي تساهم في تلوّث الهواء بسبب انبعاثات المازوت والزيوت، مردفاً بأن البلدة كانت تعتمد على مولّدات كهرباء ضخمة تعمل لساعات طويلة، وقد توقفت تقريباً بشكل كامل عن العمل، خاصةً خلال فترة الصيف. وبالتالي، يمكن القول إن هذا المشروع ساهم بشكل كبير في تقليل انبعاثات المولّدات وتأثيراتها السلبية على البيئة.

نوعان من المبادرات

بدورها، تقول المحامية والخبيرة القانونية في شؤون الطاقة، الدكتورة كريستينا أبي حيدر، إن هناك نوعين من المبادرات المتعلقة بالطاقة الشمسية التي تم تنفيذها في لبنان، “الأولى هي المبادرات الفردية، والتي ظهرت بشكل واضح في صيف 2021، عندما انتقلنا إلى ‘العتمة الشاملة’ مع انتهاء عقد شركة كهرباء لبنان مع الجزائر، وانقطاع إمدادات الفيول، إضافةً إلى الأحداث والأزمات المتتالية المترافقة مع الانهيار الاقتصادي وغياب المال لشراء الفيول لمعامل كهرباء لبنان”.

وتردف: “شهدنا في تلك الفترة فورة في التوجّه إلى الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، بحيث لم يكن أمام الناس إلا أن يتجهوا إلى حلول فردية بدون أي توجيه أو تنظيم”، مؤكدةً أنه لا يمكن لوم الأفراد في هذه الحالة، لا سيّما أنهم كانوا في سعي لإيجاد حلول فردية والهرب من فواتير المولّدات التي ارتفعت بشكل كبير، في الوقت الذي بقيت فيه الدولة عاجزة عن تأمين أي حلول فعلية.

أما النوع الثاني، فتخص به أبي حيدر المبادرات المحلية للبلديات في لبنان، مشيرةً إلى أن هناك توجهاً ملحوظاً من قبل البلديات، خاصة في المناطق الريفية، نحو الاستثمار في الطاقة الشمسية لأغراض مختلفة مثل توفير الكهرباء للمواطنين أو ضخ المياه، كما هو الحال في مشروع “طير حرفا”، متابعةً بأن مثل هذه المشاريع ورغم أهميتها تُعد حلولاً مؤقتة لتوفير الكهرباء، بحيث لا يمكنها تغطية احتياجات البلديات بالكامل على مدار الساعة نظراً للتكاليف العالية والاحتياجات الكبيرة للمساحات.

وتلفت أبي حيدر في هذا السياق إلى الشق القانوني لهذه المشاريع، موضحةً أن القوانين اللبنانية الحالية تحد من تنفيذها، “القوانين تمنع إنتاج وبيع ونقل الكهرباء بشكل مستقل، حيث تظل جميع هذه الأنشطة تحت احتكار مؤسسة كهرباء لبنان منذ تأسيسها عام 1946″، مؤكدةً أن عدم القانونية يشمل أيضاً مولّدات الكهرباء التي تشكل ضرراً كبيراً على البيئة وصحة الإنسان.

عجز الخطط الوطنية للطاقة النظيفة 

إلى ذلك، توضح أبي حيدر، التي عملت على مقترح قانون الطاقة المتجددة الموزعة الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2023، أن القانون كان يهدف إلى السماح للقطاع الخاص بتنفيذ مشاريع الحقول الشمسية وبيع الكهرباء مباشرةً دون الحاجة إلى إذن من أي جهة، مع إمكانية استخدام شبكة الدولة، مشيرةً إلى أنه “كان من المفترض أن يُمكِّن هذا القانون البلديات، إما بشكل مباشر أو عبر القطاع الخاص، من تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية. ولكن، للأسف، تم ربط تنفيذ هذا القانون بإنشاء ‘الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء’، التي كان من المفترض أن تُعيّن في عام 2002”.

وفي ما يتعلّق بتأثير هذه المبادرات على تلوّث الهواء والتغيّر المناخي، تلاحظ أبي حيدر أن معظم هذه المشاريع تركّز على تلبية الاحتياجات الفردية فقط في حين أن “الدولة لم تتبع خطة فعالة لتقليل الانبعاثات، بل اضطرت إلى إيقاف معاملها بسبب نقص الوقود، وهو ما خفض الانبعاثات بشكل غير مباشر، في وقت تستمر انبعاثات المولّدات، التي تُعتبر ‘قنابل موقوتة’ وتؤثر سلباً وبشكل كبير على البيئة دون إيجاد أي خطة فعلية للحد من انبعاثاتها”.

وتشدّد الأكاديمية اللبنانية على أن “مشكلة بيئية جديدة تنتظرنا” في ظل غياب خطة واضحة للتخلّص من البطاريات المستخدمة وتدويرها، مؤكدةً أن هذه المبادرات المحلية للطاقة الشمسية مفيدة كحلول مؤقتة، لكن تنفيذها بشكل قانوني وفعّال يحتاج إلى مزيد من الإجراءات التنظيمية والتخطيط الإستراتيجي.

على هامش مؤتمر COP 28، أُعلن أن لبنان ماضٍ قدماً في الوصول إلى مستهدف بنسبة 30% من إجمالي استهلاك الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بالإضافة إلى التزام الحكومة اللبنانية بخفض الانبعاثات بنسبة 30% بحسب اتفاق باريس، ويثير الواقع الراهن تساؤلات عديدة حول مدى تحقيق هذه الأهداف. وعليه تستعرض أبي حيدر القضايا الأساسية التي تواجه قطاع الطاقة المتجددة في لبنان، قائلةً: “كل ما فعلته الدولة هو دفع المواطنين إلى البحث عن حلول فردية لمشاكل الطاقة والانبعاثات، دون وجود خطة وطنية ملموسة وشاملة لتحقيق هذه الأهداف”. 

كما تشدد أبي حيدر على أن العديد من المشاريع الوطنية للطاقة المتجددة، لم تنفذ بالرغم من الإعلان عنها وأخذ المناقصات، مثل مشروع “مزارع الرياح”، موضحةً أن هذه المشاريع لم تُنفذ بذريعة الانهيار المالي، رغم أن التراخيص كانت قد منحت في عام 2017، أي قبل حدوث الانهيار. “السبب الفعلي وراء عدم التنفيذ هو أن المشاريع كانت تعتمد على تمويل من الدولة، التي أصبحت غير قادرة على توفير التمويل”، على حد قولها. وهي تلفت إلى أن استمرار وزارة الطاقة والمياه في إطلاق المناقصات – في ظل عدم توفر المال وإفلاس الدولة – هو مجرد تصريحات إعلامية في ظل غياب خطوات منطقية وملموسة.

وفي ما يتعلّق بالأرقام التي تُعلنها وزارة الطاقة والمياه حول إجمالي استهلاك الكهرباء من الطاقة الشمسية، تستغرب أبي حيدر التصريحات بشأن تحقيق 1000 ميغاوات من الطاقة الشمسية، دون تقديم تفاصيل دقيقة حول كيفية الوصول إلى هذه الأرقام، متسائلةً: “كيف يمكن للوزارة أن تُصرّح بمثل هذه الأرقام دون تقديم بيانات واضحة؟ خاصة أنه لا يوجد نظام موحد موصول بشبكة كهرباء لبنان، ما يجعل من الصعب تتبع الأرقام بدقة”.

وعليه، تؤكد أبي حيدر أن الحكومات والمسؤولين المتعاقبين على وزارة الطاقة في لبنان لم يستثمروا بشكل فعّال في الطاقات المتجددة، رغم أن لبنان يمتلك موارد طبيعية غنيّة مثل المياه، لافتة إلى أن ما يحدث حالياً لا يتجاوز كونه تصريحات دون تنفيذ فعلي. “نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية ونية جادة في تطبيق القوانين الحالية وتحقيق الانتقال الطاقوي من خلال استثمارات منظمة وفعّالة. لكن في الواقع، لا توجد نية حقيقية لحل مشكلة الكهرباء، خاصة في ظل استمرار الاعتماد على ‘بيزنس’ المولّدات”، تختم.

في لبنان… “نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية ورغبة جادة في تطبيق القوانين الحالية وتحقيق الانتقال الطاقوي من خلال استثمارات منظمة وفعّالة. لكن في الواقع، لا توجد نية حقيقية لحل مشكلة الكهرباء، خاصة في ظل استمرار الاعتماد على ‘بيزنس’ المولّدات”

التعويل على المحطة الشمسية؟ 

ولم يكن مستغرباً أن تطالعنا شركة كهرباء لبنان، في منتصف شهر آب/ أغسطس 2024، بأن محطات الطاقة التابعة لها استنفدت احتياطياتها من الوقود، ما أدّى إلى توقّفها عن إنتاج الكهرباء حتى تأمين إمدادات جديدة. برزت هذه الأزمة كجزء من حلقة مستمرة من أزمات الكهرباء التي يعاني منها سكان لبنان، في ظل تكرار رفض العروض المتاحة وغياب الخطط الفعّالة التي يمكن أن تعالج هذه المشكلة المزمنة المستمرة منذ عقود.

وترى خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان، أن العرض القطري قد يكون جزءاً من حل مشكلة قطاع الكهرباء في لبنان لتعزيز زيادة الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، ولكنه ليس حلاً شاملاً ومتكاملاً، لا سيّما أنه “اليوم، ومع التغيّرات الكبيرة في الاقتصاد والمؤسسات وحاجات البلاد بعد الانهيار، لم تعد الخطط القديمة التي وضعت عام 2010، وإن تم تحديثها، في عامي 2017 و2018، قابلة للتطبيق”. وكانت دولة قطر قد عرضت على لبنان، في عام 2023، بناء ثلاث محطات لتوليد الطاقة بقدرة 450 ميغاوات، أي نحو 25% من احتياجات البلاد، لكن لم تتلق الدوحة أي رد منذ ذلك الحين.

وتلفت هايتيان، في هذا الصدد، إلى ضرورة أن تعمل الحكومة اللبنانية، من خلال وزارة الطاقة، على وضع رؤية جديدة تتماشى مع الظروف الحالية للقطاع وتغيّرات البلاد. كما تشير إلى ضرورة التحوّل إلى طاقات أنظف ضمن ما يُعرف بالانتقال الطاقي العالمي حيث “ينبغي وجود خليط من الطاقة يشمل الغاز كخيار أقل تلوّثاً، إلى جانب الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية والهوائية والمائية”. 

وترى هايتيان أن المشروع القطري يجب أن يكون جزءاً من رؤية أوسع حول كيفية إنتاج وتوزيع الكهرباء، سواء من خلال القطاع العام أو عبر الشراكات، مشددةً على أهمية وضع رؤية شاملة للدولة في قطاع الكهرباء وتطبيق القوانين أولاً، ومن ثم التفكير في كيفية جذب الأموال لتنفيذ الخطط.

وتحذّر هايتيان من أن “هذه الحلول الفردية لا تكفي لتحقيق تحول طاقي شامل”، وأنه من الضروري الانتقال من الحلول الفردية إلى مبادرات جماعية ووطنية لضمان توزيع الطاقة بشكل عادل، لافتةً إلى أن “الحلول الفردية قد توفّر بعض الفوائد على المدى القصير، لكنها ليست عمليّة على المدى الطويل” خاصةً أن تجربة المولّدات التي بدأت مع الحرب الأهلية كحلول فردية، تطوّرت لتصبح قطاعاً غير شرعي.

وحديثاً، أطلق وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وليد فيّاض، عبر منصة الشراء العام، مناقصة جديدة لبناء محطة طاقة شمسية تعمل على الخلايا الفوتوفولتية بقدرة إجمالية تبلغ 8 ميغاوات، معلناً أنه “سوف يتم تمويل كلفة هذه المحطة من موازنة وزارة الطاقة والمياه وسيجري ربطها على الشبكة الوطنية لمؤسسة كهرباء لبنان”. وأشار أيضاً إلى أن هذه المحطة “ستُبنى على مجرى نهر بيروت في العاصمة اللبنانية، وستكون  أكبر مشروع طاقة شمسية يتم بناؤه في لبنان حتى تاريخه”.

ودعت الوزارة الشركات المتخصّصة في قطاع الطاقة الشمسية إلى المشاركة في هذا المشروع “لما له من أثر إيجابي، خصوصاً أنها قد حسّنت الشروط المالية للعقد، ما يسمح للمتعهّدين باستيفاء مستحقاتهم بحسب سعر الصرف في تاريخ الدفع، وبالتالي يحميهم من مخاطر تقلّبات العملة”. فهل تكون هذه الخطوة بارقة أمل لتأمين طاقة نظيفة وأكثر استدامة في لبنان؟

الفئات المهمّشة هي الأشد تضرّراً

ترك الاعتماد المفرط على المولّدات في تأمين الطاقة اللبنانيين في خطر كبير لا سيّما من الناحية الصحّية فقد بيّنت مادة نشرت في المجلة الشهرية للجامعة الأمريكية تحت عنوان “أزمة تلوّث الهواء في لبنان وما بعدها”، أنّ التعرض لتلوّث الهواء له تأثيرات صحّية عميقة بحيث ارتبط العيش بالقرب من الطرقات السريعة المزدحمة والمولّدات التي تعمل على الديزل بشكل كبير بأمراض القلب والأوعية الدموية وأيضاً ارتفاع ضغط الدم. وتُظهر الدراسات تركيزات الجسيمات الدقيقة والهيدروكربونات العضوية من الملوثات الرئيسية التي تسهم في زيادة دخول المستشفيات لحالات الطوارئ التنفسية والقلبية في بيروت، كما إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التعرض لهذه الجسيمات الدقيقة إلى زيادة خطر حدوث تشوهات خلقية بنسبة تصل إلى 15%.

الطاقة الشمسية في لبنان

تقول دكتورة الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حفظ البيئة في الجامعة الأمريكية في بيروت، نجاة عون صليبا، في اتصال معها، إن هناك علاقة مباشرة بين تلوّث الهواء والتأثيرات الصحية والبيئية الناتجة عنه، متابعةً “هناك أدلة عالمية كثيرة تؤكد هذه العلاقة، ولا حاجة لدراسة خاصة في لبنان لتأكيد المؤكد”.

وفي التوصيات للحد من التلوّث، تشير الدكتورة صليبا إلى أن معرفة مصدر التلوّث هو الخطوة الأولى للحد منه، وقد حدّدت الدراسة، التي أعدها باحثون في الجامعة الأمريكية في بيروت تحت إشراف صليبا، المصادر الرئيسية لتلوّث الهواء في لبنان في: مولّدات الديزل والسيارات. وللتقليل من هذه الانبعاثات الضارة. وتوضح صليبا أن هناك خطوات عملية يمكن اتباعها مثل التواصل مع النيابة العامة البيئية وتقديم الشكاوى، بالإضافة إلى توجيه أسئلة للوزراء المعنيين في وزارات الداخلية والبلديات والطاقة والبيئة، مشدّدةً على أن هذه جميعها من واجبات النائب أن يراقب للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين، مؤكدةً أن “الموضوع ليس بعدد القوانين بل في تطبيق القوانين الموجودة بشكل صارم”.

وحول تأثّر فئات أكثر من غيرها جرّاء الانبعاثات وانعكاس تغيّر المناخ، ترى العضوة في الهيئة الإدارية في منظمة “فيمايل” والمتخصصة في علوم البيئة وتقنيات الهيدروكربونات والنفط، رؤى دندشي، أن النساء وذوي الإعاقة هما في عداد أكثر الفئات تأثّراً، مضيفةً “مع تزايد عدد السكان وارتفاع الطلب على الطاقة، تزداد الانبعاثات مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت، وهي مواد سامة تؤثر على صحة الإنسان”.

تشرح دندشي أن هذه الانبعاثات تؤثّر بشكل خاص على النساء والأشخاص ذوي الإعاقة، خاصةً في المناطق القريبة من المصانع والمولّدات، حيث يكونون أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض التنفسية، متابعةً بأن النساء، بسبب الحمل والضغط على الرئتين، يواجهن تحديات صحية إضافية نتيجة هذه الانبعاثات. 

كذلك، يكون الأشخاص ذوو الإعاقة، خاصة الذين يعانون من إعاقة حركية، أكثر عرضة للتلوّث إذا كانوا يعملون أو يتواجدون في أماكن مغلقة قرب المصانع.

ترك الاعتماد المفرط على المولّدات في تأمين الطاقة اللبنانيين في خطر كبير لا سيّما من الناحية الصحّية، والتي تتضمّن الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأيضاً ارتفاع ضغط الدم، علاوة على زيادة حالات الطوارئ التنفسية والقلبية في بيروت، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان

وتسلّط دندشي الضوء على أن كلفة التلوّث، مثل تكاليف العلاج المرتفعة، تشكل عبئاً إضافياً على النساء غير العاملات والأشخاص ذوي الإعاقة في الأحياء الفقيرة. لذلك، تدعو إلى التحوّل إلى مصادر طاقة بديلة لتحسين الوضع البيئي والصحي. كما تؤكد على أهمية مشاركة النساء في صياغة السياسات المتعلقة بتغيّر المناخ والطاقة المتجددة، مشيرةً إلى أنهن يعانين بشكل مباشر من تأثيرات التلوّث. “تجربة النساء في التعامل مع التلوّث تختلف عن تجربة الرجال، لذا من الضروري أن يُؤخذ رأيهن في الاعتبار عند وضع السياسات”، تقول.

وتؤكد دندشي في ختام حديثها أن إشراك النساء ليس مجرد مسألة تمثيل، بل هو خطوة أساسية لضمان شمولية السياسات، ولتحقيق حلول فعالة، ما يتطلب تشجيع النساء على تولي أدوار قيادية في مجال الطاقة المتجددة، ودعمهن بالتمويل والتعليم اللازمين، مشيرةً إلى أهمية التعاون بين النساء لتحقيق استدامة المشاريع وتوسيع تأثيرها محلياً لمواجهة تحديات التغيّر المناخي بشكل أكثر فعالية.

تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “الإعلام والتغيّر المناخي والقضايا البيئية” بالتعاون بين مؤسسة مهارات ومشروع خدمات الدعم الميداني في الشرق الأوسط (الأردن ولبنان والعراق) والمنفذ من شركة كووتر انترناشونال، بتمويل من الشؤون الدولية الكندية.

جويل عبد العال

موقع رصيف 22