كانت صدمة فشل 7 تشرين الأول ستجعل الحكومة تركز على معالجة الحرب وتقليص الأضرار التي تسببت بها هي نفسها منذ إقامتها، بالأساس منذ اللحظة التي بادر فيها وزير العدل إلى الانقلاب النظامي. ولكن الحجم الكبير للفشل أدى إلى نتيجة معاكسة. فدافع نتنياهو وليفين لمواصلة الانقلاب هو الغالب؛ فالآن لا يكفيهما الإمساك بزمام السلطة، بل ويريدان السيطرة على رواية ما حدث في ذلك السبت اللعين – من تجاهل علامات التحذير، ومن غفا في نوبة الحراسة، ومن هو المذنب.
الرواية التي يرغب بها نتنياهو واضحة؛ أن الجيش و”الشاباك” مذنبان، وأن الحكومة ورئيسها أفضل الناس. للتحكم بهذه الرواية، بات مطلوباً عدة إجراءات، على رأسها السيطرة على تعيين رئيس وأعضاء لجنة التحقيق الرسمية التي ستحقق في الفشل. إذا كان لنتنياهو وليفين قبل 7 أكتوبر أسباب لضعضعة ثقة الجمهور بالمحكمة العليا وتغيير تشكيلتها، فقد أصبح لهما سبب آخر مهم جداً.
اقتراح “الحل الوسط” الذي طرحه ليفين بتعيين القاضي يوسف الرون رئيساً للمحكمة العليا حتى موعد تقاعده بعد سنة، ثم يخلفه الشخص الذي يكرهه، القاضي إسحق عميت، رئيساً للمحكمة، هو مناورة نتنة. حسب أسلوب الأقدمية، فإن عميت هو الذي يجب انتخابه رئيساً. ولكن، هل سيوافق ليفين (وهو الذي يعارض ذلك بكل حزم) على حدوث ذلك بعد سنة؟ شاهدنا الدمار الذي حدث في تسعة أشهر بسبب ثمل القوة منذ لحظة انطلاق الانقلاب النظامي وحتى 7 أكتوبر. يمكن تخيل حجم الضرر الذي سيتسبب به ليفين إذا حصل على رئيس للمحكمة العليا كما يريد لمدة سنة. هو أيضاً يريد تعيين قاض آخر من قبله، أحد مهندسي الانقلاب، الدكتور افيعاد بكشي أو الدكتور رافي بيتون.
يدور الحديث عن تغييرات تضمن السيطرة على تعيين لجنة التحقيق الرسمية، وتعيينات شخصية مشوبة بتضارب المصالح لقضاة في المحكمة العليا، وتسييس المعقل الأخير للديمقراطية الإسرائيلية المتعثرة.
قضية ليفين ليست حلاً وسطاً أبداً، بل وصفة لتدمير المحكمة العليا، وتدمير المؤسسة الأخيرة التي للجمهور في الدفاع أمام سلسلة من الوزراء الضارين والأفكار التدميرية. الحكومة ورئيسها يتجاهلون مواقف مهنية تتخذها المستشارة القانونية، بدءاً بتعيينات مشكوك فيها وانتهاء بقرارات يتخذها نتنياهو في مواضيع أمنية حساسة من ربما تؤدي إلى حرب دون التشاور مع الكابنيت السياسي الأمني، ومن خلال الاعتماد على رأي سكرتير الحكومة يوسي فوكس، الذي أصبح مستشاراً قانونياً بديلاً. في الوقت الذي يدير فيه الوزراء ورئيس الحكومة معركة استنزاف ضد غالي بهراف ميارا، ولا يبقون للجمهور إلا المحكمة العليا كمخرج أخير، فهذا ليفين يعمل من ساحته على إضعاف هذا المخرج الأخير. يسمون ذلك انقلاباً نظامياً، هم يريدون لأنفسهم المزيد من القوة أكثر مما أعطاهم إياه الناخب، ويتجاهلون الأضرار والدمار الذي يلحقونه في الطريق. والآن، يريدون التأكد من أنهم هم الذين سيروون كيف ولماذا كان هذا الدمار.
هذا يلقي على قضاة المحكمة العليا مسؤولية ثقيلة وتاريخية لصد هذه العملية بكل الطرق. القضاة: ياعيل فلنر وعوفر غروسكوفيف واليكس شتاين، حذروا ليفين بأنهم سينتهجون سياسة الإجبار إذا لم يعقد لجنة تعيين القضاة لتعيين رئيس واثنين من القضاة ضمن التشكيلة القائمة. هذا التحذير يدل على أن قضاة يعتبرون محافظين (فلنر وشتاين) باتوا يعرفون خطورة وزير العدل. مرت أربع سنوات ونصف منذ قالت رئيسة المحكمة العليا السابقة استر حيوت، بأنه “لن يسقط أي حصن”. طريق ليفين المتعرجة والمغلقة والكوارث التي حدثت منذ ذلك الحين، تلزم القضاة بوقف أكثر الحكومات الإسرائيلية خطورة وفشلاً من أجل عدم سقوط الحصن.
سامي بيرتس
صحيفة هآرتس الاسرائيلية
ترجمة صحيفة القدس العربي