فساد الشرعية اليمنية… تبرعات للمشاريع الخدمية جراء نهب الإيرادات الحكومية

Spread the love
image_pdfimage_print

يكشف تحقيق “العربي الجديد” الاستقصائي، ثمن فساد حكومة الشرعية وتبعاته على الحياة اليومية للمواطن اليمني، إذ ينهب مسؤولون الإيرادات الحكومية، ويتجاهلون تسليمها للبنك المركزي، لينفق الأهالي على المشاريع الخدمية.

– غزت علامات التوتر وجه الثلاثيني اليمني عبد الكريم قاسم، قبل يوم من سفره على طريق تعز- التربة – عدن جنوبيّ اليمن، جراء الإهمال وعدم صيانة الحكومة الشرعية للطريق الذي يُعَدّ بديلاً يمكن السفر عبره، بعد فرض جماعة الحوثي حصاراً على طريق عدن – العند – تعز جنوب غربيّ البلاد منذ عام 2015.

يسافر قاسم بانتظام، وفي كل مرة يخشى تعرّضه لحادث بسبب ضيق الطريق كما يقع لآخرين يومياً، قائلاً: “الشرعية لم تكلف نفسها صيانة أو توسعة الطريق وإيجاد حلول للحد من مخاطر السيول في موسم الأمطار التي تجرف السيارات وتودي بحياة المسافرين”، ويضيف متسائلاً:” أين تذهب إيرادات الضرائب والجمارك وغيرها من موارد الدولة؟، أليس من المفترض أن تُستخدَم خدمياً”.

ويجيب تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق بشأن ما أثير من مخالفات في قطاعات الكهرباء والنفط والاتصالات والجوانب المالية، عن سؤال قاسم، إذ يكشف الكتاب الموجه إلى رئيس الوزراء السابق الدكتور معين عبد الملك (ترأس الحكومة خلال الفترة من 15 أكتوبر/ تشرين الأول حتى الخامس من فبراير/ شباط 2024) في 25 أغسطس/ آب 2023، عن وقوع “اختلالات كبيرة وإهدار للمال العام وعدم تحصيل الموارد المالية للدولة والتصرف ببعضها بشكل عبثي والإنفاق من الموارد مباشرةً، وعدم تطبيق القانون المالي، ما أدى إلى تدنٍّ في الإيرادات وازدياد مطّرد في المصروفات، وعدم قدرة وزارة المالية على تسديد الالتزامات الحتمية والضرورية”.

ويستدل التقرير بما حدث في مجال الكهرباء التي يصفها بـ”الثقب الأسود” في ابتلاع المال العام نتيجة تفشي ظاهرة الفساد والاختلالات القائمة، الأمر الذي أرهق كاهل الدولة والمواطنين جراء عدم توافر الحد الأدنى من التيار الكهربائي، إذ ارتفعت نسبة العجز إلى 75%، وخرجت 80% من منظومة التوليد في الآونة الأخيرة، ووصل معدل الإطفاء إلى 18 ساعة يومياً، رغم إنفاق الحكومة ما بين 100 و150 مليون دولار شهرياً قيمةً للوقود والطاقة المشتراة للمحطات”، مؤكداً “أن الحكومة لم تقم بأي معالجات لوقف حالة التدهور في إنتاج الطاقة وتوفير الوقود لضمان استمراريتها”.

الفساد يدمر ما تبقى لليمنيين

يُعَدّ قاسم واحداً من بين خمسة مواطنين يشتكون من تأثير فساد المسؤولين الحكوميين في حياة سكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، بحسب ما تكشفه وثائق التحقيق التي تكشف عن جوانب الفساد والنهب للمال العام، وعدم تسليم الإيرادات للبنك المركزي وفقاً للقانون المالي نتيجة لتدخل السلطات المحلية في بعض المحافظات.

اختلالات كبيرة وابتلاع المال العام بسبب تفشي الفساد
اختلالات كبيرة وابتلاع المال العام بسبب تفشي الفساد (موقع مجلس النواب التابع للحكومة الشرعية)

ومن وقائع الفساد، امتناع السلطة المحلية بمحافظة المهرة شرقيّ البلاد عن توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، وفق مذكرة رقم 122 موجهة من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد التابعة للحكومة الشرعية إلى رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الملك في الأول من يوليو/ تموز 2019، والتي طالبت بـ”إلزام السلطة المحلية والمؤسسات الحكومية بمحافظة المهرة بإيداع إيرادات الحكومة في الحسابات الخاصة بها في البنك المركزي وعدم الصرف منها، لكون الصرف يحصل بالمخالفة للضوابط والإجراءات، ودون خضوعها لرقابة البنك المركزي حسب الإجراءات القانونية والتعليمات المنظمة لذلك”.

و”لم تلتزم السلطة المحلية في محافظة عدن بتوريد الإيرادات (رسوم ضريبية وجمركية وعوائد أخرى) المحصلة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى حساب الحكومة العام، وتقدَّر بـ 28 ملياراً و310 ملايين و285 ألف ريال يمني (15 مليوناً و172 ألف دولار أميركي وفق سعر الصرف في مناطق الشرعية)”، بحسب مذكرة (رقم 1182) الموجهة من وزير المالية التابعة للحكومة الشرعية سالم صالح بن بريك إلى محافظ عدن أحمد حامد لملس في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

امتناع السلطات المحلية في المحافظات عن توريد الإيرادات للبنك المركزي في عدن
امتناع السلطات المحلية في المحافظات عن توريد الإيرادات للبنك المركزي في عدن

الوقائع السابقة يؤكدها اعتراف رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الملك، بأنّ “بعض المحافظين أخذ جزءاً من الإيراد العام لعمل مدرسة أو طريق، لكن البعض كان ينهب المال العام”، مؤكداً في حوار منشور على الموقع الرسمي للحكومة في العاشر من أكتوبر 2021، أن “تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة توضح وجود نهب غير مسبوق من قبل محافظ سابق”، فضلاً عن “إنفاق 10 مليارات ريال (خمسة ملايين و555 ألف دولار) على سيارات لمحافظة واحدة”، ويضيف: “من المهم أن يدخل إيراد الدولة لحساب الحكومة العام ويُعاد عكسه لحساب السلطة المحلية ليُنفَق على مشاريع بنية تحتية”.

امتنعت السلطة المحلية في عدن عن توريد 27 مليار ريال

ويعيد أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، معين علي، سبب الفساد وإهدار الإيرادات إلى غياب الدور الرقابي وعدم فعالية هيئة مكافحة الفساد، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “الحكومة تفتقر إلى الإدارة الرشيدة التي تمكّنها من استغلال الموارد المحدودة، بحيث تخصص جزءاً منها للمشاريع الخدمية، وتنعكس على حياة المواطنين، وفي الوقت نفسه تواجه تحديات صعبة في ضبط الاقتصاد اليمني وتحديد الأولويات من خلال وضع خطط تنموية تُطبَّق على أرض الواقع”. لكن فيصل العواضي، مستشار وزارة الإعلام التابعة للحكومة الشرعية، يقول لـ”العربي الجديد” إن الأجهزة الرقابية بدأت تفعل دورها، وإن كان بشكل ضئيل، إذ تُحال قضايا فساد على نيابة الأموال العامة.

الفساد يدمر ما تبقى لليمنيين

يُعَدّ قاسم واحداً من بين خمسة مواطنين يشتكون من تأثير فساد المسؤولين الحكوميين في حياة سكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، بحسب ما تكشفه وثائق التحقيق التي تكشف عن جوانب الفساد والنهب للمال العام، وعدم تسليم الإيرادات للبنك المركزي وفقاً للقانون المالي نتيجة لتدخل السلطات المحلية في بعض المحافظات.

اختلالات كبيرة وابتلاع المال العام بسبب تفشي الفساد
اختلالات كبيرة وابتلاع المال العام بسبب تفشي الفساد (موقع مجلس النواب التابع للحكومة الشرعية)

ومن وقائع الفساد، امتناع السلطة المحلية بمحافظة المهرة شرقيّ البلاد عن توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، وفق مذكرة رقم 122 موجهة من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد التابعة للحكومة الشرعية إلى رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الملك في الأول من يوليو/ تموز 2019، والتي طالبت بـ”إلزام السلطة المحلية والمؤسسات الحكومية بمحافظة المهرة بإيداع إيرادات الحكومة في الحسابات الخاصة بها في البنك المركزي وعدم الصرف منها، لكون الصرف يحصل بالمخالفة للضوابط والإجراءات، ودون خضوعها لرقابة البنك المركزي حسب الإجراءات القانونية والتعليمات المنظمة لذلك”.

و”لم تلتزم السلطة المحلية في محافظة عدن بتوريد الإيرادات (رسوم ضريبية وجمركية وعوائد أخرى) المحصلة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى حساب الحكومة العام، وتقدَّر بـ 28 ملياراً و310 ملايين و285 ألف ريال يمني (15 مليوناً و172 ألف دولار أميركي وفق سعر الصرف في مناطق الشرعية)”، بحسب مذكرة (رقم 1182) الموجهة من وزير المالية التابعة للحكومة الشرعية سالم صالح بن بريك إلى محافظ عدن أحمد حامد لملس في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

امتناع السلطات المحلية في المحافظات عن توريد الإيرادات للبنك المركزي في عدن
امتناع السلطات المحلية في المحافظات عن توريد الإيرادات للبنك المركزي في عدن

الوقائع السابقة يؤكدها اعتراف رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الملك، بأنّ “بعض المحافظين أخذ جزءاً من الإيراد العام لعمل مدرسة أو طريق، لكن البعض كان ينهب المال العام”، مؤكداً في حوار منشور على الموقع الرسمي للحكومة في العاشر من أكتوبر 2021، أن “تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة توضح وجود نهب غير مسبوق من قبل محافظ سابق”، فضلاً عن “إنفاق 10 مليارات ريال (خمسة ملايين و555 ألف دولار) على سيارات لمحافظة واحدة”، ويضيف: “من المهم أن يدخل إيراد الدولة لحساب الحكومة العام ويُعاد عكسه لحساب السلطة المحلية ليُنفَق على مشاريع بنية تحتية”.

امتنعت السلطة المحلية في عدن عن توريد 27 مليار ريال

ويعيد أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، معين علي، سبب الفساد وإهدار الإيرادات إلى غياب الدور الرقابي وعدم فعالية هيئة مكافحة الفساد، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “الحكومة تفتقر إلى الإدارة الرشيدة التي تمكّنها من استغلال الموارد المحدودة، بحيث تخصص جزءاً منها للمشاريع الخدمية، وتنعكس على حياة المواطنين، وفي الوقت نفسه تواجه تحديات صعبة في ضبط الاقتصاد اليمني وتحديد الأولويات من خلال وضع خطط تنموية تُطبَّق على أرض الواقع”. لكن فيصل العواضي، مستشار وزارة الإعلام التابعة للحكومة الشرعية، يقول لـ”العربي الجديد” إن الأجهزة الرقابية بدأت تفعل دورها، وإن كان بشكل ضئيل، إذ تُحال قضايا فساد على نيابة الأموال العامة.

وبالفعل “المبادرات المجتمعية هي التي رصفت بعض الطرق وسهلت الحصول على الخدمات الصحية الأولية”، وفق بندر سالم أحد المستطلعة آراؤهم، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “لا وجود للمشاريع الحكومية ونعتمد على المبادرات المجتمعية”.

ويردّ العواضي على ما سبق بالقول إن تعذر إعداد خطة وموازنة حكومية سنوية خاصة بالمشاريع، سببه انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، لكنه يردف: “هذا لا يعني أن الحكومة لا تعمل أو أنها لا تمتلك رؤية لتنفيذ مشاريع خدمية”، مضيفاً أن الحكومة نفذت مشاريع تنموية وتعمل على تنفيذ أخرى حالياً”، ولدى سؤال مُعدّ التحقيق عن نوع تلك المشاريع، امتنع العواضي عن الرد.

900 مبادرة خدمية وتنموية وتعاونية

“تُعَدّ المبادرات قيمة مضافة للجهود التنموية والإنسانية التي تسهم في التخفيف من معاناة الفقراء والنازحين، فعلى سبيل المثال قام ألفا شاب (45% منهم إناث) من برنامج روافد (حصلوا على تأهيل من الصندوق الاجتماعي للتنمية ليصبحوا مناصرين للتنمية الاجتماعية في مناطقهم الريفية) خلال عام 2017 بتيسير تنفيذ أكثر من 900 مبادرة خدمية وتنموية وإنسانية وبجهود مجتمعية تعاونية في أكثر من 160 مديرية موزعة على 15 محافظة يمنية، وفق ما نشره موقع البنك الدولي في 15 فبراير 2018، بعنوان “اليمن: شباب يتحدون ويتطوعون من أجل التنمية”.

وخلال الفترة من عام 2018 وحتى 2022 كوّن برنامج روافد 1200 مبادرة في عدة محافظات، حسب تأكيد الدكتورة جميلة مرشد، ضابط برنامج روافد التابع لفرع الصندوق الاجتماعي والتنمية في تعز، قائلة لـ”العربي الجديد”: “البرنامج يعمل على تأهيل الشباب وتدريبهم قبل تمكينهم من النزول الميداني للعمل الطوعي وتكوين مبادرات لتنمية المجتمع المحلي”.

وتنامت المبادرات عقب الحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف عام 2015، بحسب إفادات الناشطين المجتمعيين، ومنهم المهندس خير الله العمري، أحد المشرفين على المبادرات التنموية في مديرية جبل حبشي غرب مدينة تعز، والتي تشهد إلى جانب مديريات مشرعة وحدنان، الوازعية، الشمايتين، والمعافر الخاضة للشرعية، 80 مبادرة، 71 منها تعمل في شق طرقات ورصفها، وتوزعت البقية على القطاعين الصحي والتعليمي.

ومن أجل جلب التمويل، يلجأ القائمون على المبادرات إلى مواقع التواصل الاجتماعي ويخاطبون التجار والمغتربين للحصول على الدعم المادي، وكذلك حث المواطنين على المشاركة بالجهد البدني، كما يقول مدير مشروع رصف أحد الطرق في جبل حبشي، مساعد الحمودي، مضيفا لـ”العربي الجديد”: “الأهالي يتطوعون في أعمال الرصف، والأموال التي يتم جمعها نشتري بها الإسمنت”.

نواف الحميري

صحيفة العربي الجديد