أولويات نتنياهو: كرسي الحكم واستمرار الحرب في غزة وإبقاء “حزب الله” ساحة ثانوية.. و”المخطوفون” لاحقاً

Spread the love
image_pdfimage_print

سلسلة المتضررين بالاغتيالات في هذا الأسبوع (القيادي الرفيع في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، وقائد حماس إسماعيل هنية في طهران وزميله محمد ضيف الذي تمت تصفيته في خان يونس، وأمس تم التأكد نهائياً من موته) أدت إلى هزة إقليمية جديدة. إخراج هؤلاء الثلاثة من العمل سجل في أرجاء الشرق الأوسط كإنجاز لإسرائيل، حتى لو لم يمحُ الانطباع الذي تسببت به مذبحة 7 تشرين الأول. والآن تستعد إسرائيل لصد، بدرجة معينة احتواء، هجوم رد على هذه الاغتيالات من إيران وحزب الله وحماس والحوثيين في اليمن. احتمالية استكمال صفقة التبادل، رغم دعم واضح من القيادة الأمنية، تبدو ضئيلة إزاء تغير جدول الأعمال الإقليمي.
تهديدات طهران وبيروت بالانتقام أدت لرفع جاهزية الأجهزة ذات الصلة في الجيش الإسرائيلي. أعلن أول أمس عن إلغاء جميع الإجازات في الوحدات الحربية. يتوقع أن تكون خطوة إيران وشركائها منسقة. ربما يتعلق الأمر بعدة موجات من الهجمات على مدار بضعة أيام، ومن المرجح أن ترد عليها إسرائيل. ولأن أعضاء المحور يريدون الانتقام على قتل هؤلاء القادة وليس بسبب المس الجماعي بالمدنيين، يمكن التقدير بأن عملياتهم ستوجه لمنشآت عسكرية أو استراتيجية. وهذه المنشآت تنتشر أيضاً في مركز البلاد وفي الشمال؛ اختيار أهداف في حيفا أو في “غوش دان” قد يعتبر رداً مناسباً على الأحداث الأخيرة.
إن اغتيال شكر وهنية، الذي نسبته إيران لإسرائيل في فترة زمنية هي سبع ساعات، أشعل خلافات صاخبة جداً. الأول يتناول جدوى الاغتيال في طهران، والثاني يجدد النقاش المتواصل حول صفقة المخطوفين بدرجة أشد. لم يكن أي خلاف حول اغتيال شكر. حزب الله عرف أنه تجاوز قواعد اللعب غير المكتوبة عندما قتل 12 طفلاً وفتى في قرية مجدل شمس الدرزية في الجولان. وجد حزب الله نفسه في حالة محرجة حتى أمام الطائفة الدرزية في لبنان (لذلك، كذب ونفى بشكل استثنائي مسؤوليته عن الإطلاق). وضربة إسرائيلية محسوبة لهدف عسكري مميز (رئيس أركان الحزب) لا تبدو عملية قد تدهور الطرفين إلى حرب.
لكن جاء اغتيال هنية بعد ذلك، وهذه المرة في إيران، بصورة ستضم حماس إلى هذا التوتر خلال الاتصالات حول عقد صفقة التبادل. يعتبر هذا أصبعاً في عين النظام؛ لأن هنية كان ضيفاً في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. هي تضع إيران في بؤرة التخبط فيما يتعلق بعملية الرد. وليس من الغريب أن الزعيم الأعلى خامنئي عني بتسريب أمر بتوجيه ضربة مباشرة إيرانية نحو إسرائيل. مع ذلك، أكد متحدثون في كل أجزاء المحور مؤخراً بأنهم غير معنيين بحرب شاملة.
بخصوص الصفقة، يتبين شيئاً فشيئاً وجود سلم أولويات خاص برئيس الحكومة نتنياهو، وإعادة المخطوفين لا تقف في مكان مركزي فيه. نتنياهو معني بتواصل الحرب في القطاع بدون تغيير حجم القوات العاملة ضد حماس وبدون الانسحاب من ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا اللذين يسيطر عليهما الجيش الإسرائيلي. المواجهة مع حزب الله في منطقة الشمال ما زالت تحتل أولوية ثانوية لديه؛ فهو لا يريد التورط في حرب إقليمية، ولا في مواجهة كبيرة مع حزب الله. الوضع على الحدود في الشمال -حسب رأيه- ربما يبقى ثابتاً حتى وقت طويل، رغم الخسائر المتراكمة والسكان الذين تم إخلاؤهم.
المشكلة أن القليل من ذلك قيل للجمهور في إسرائيل. نتنياهو يقلل من ظهوره، ولا يظهر أمام الجمهور إلا حين يجني مكاسب على نجاحات عسكرية منها، في حين أن الكوارث والأخطاء أمور يجب على الجيش الإسرائيلي تفسيرها. المتملقون لديه لم يعودوا يهتمون بالدفاع عنه أمام انتقاده في هذا الشأن. فبالنسبة لهم، هذا هو الواقع وليمت الحاسدون. في تصريحاته، ينثر رئيس الحكومة ضبابية بشكل متعمد. في الأسبوع الماضي، عندما كان في زيارة لواشنطن لإلقاء خطاب في الكونغرس، أصدر إشارات لعائلات المخطوفين بأن هناك تقدماً في المحادثات حول الصفقة. وفي الوقت نفسه، شدد طلباته في المفاوضات بشكل يضمن جمودها. الضبابية موجهة أيضاً نحو الجيش الإسرائيلي؛ فالضباط الكبار يشعرون بأنهم مقاولو تفجيرات. لا تهمه مواقفهم.

بعد موت هنية انتشر اعتقاد بأن رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، سيؤخر المحادثات – حتى كعقاب على عملية الاغتيال، ولأنه سيطبق خطته الأصلية في حالة اشتعال إقليمي ولا مصلحة له في إنقاذ إسرائيل من تورطها. في المقابل، يطرح رؤساء جهاز الأمن ادعاء معاكساً. فحسب رأيهم، أصبحت حماس بعد الاغتيالات في نقطة حضيض. السنوار هو الشخص الأخير بعد أن قتل معظم أصدقائه (وخصومه) في قيادة حماس في الاغتيالات. تحقيق صفقة قد يجعل الوضع يستقر بدرجة ما، ويعيد إلى البلاد بالتدريج المخطوفين إلى جانب جثث المخطوفين الذي ماتوا في الأسر، وتمكين الدولة والجيش من إعادة البناء على أمل تحقيق اتفاق مؤقت على الأقل على الحدود مع لبنان.
يقول وزير الدفاع غالنت هذه الأمور علنياً كل يوم تقريباً. جميع رؤساء الأجهزة يشاركونه رأيه في النقاشات الداخلية. نتنياهو يتآمر على إقالة غالنت واستبداله بجدعون ساعر. العمليات الأخيرة تحسن مكانة نتنياهو في الاستطلاعات بشكل قليل، وفي القريب قد يقوم بهذه المقامرة.
السؤال الذي يحلق منذ فترة طويلة هو: متى ستأتي اللحظة التي يقف فيها رؤساء الأجهزة علناً إلى جانب غالنت ويقولون رأيهم بشأن السياسة وطريقة اتخاذ القرارات؟ الحديث لا يدور فقط عن خلاف استراتيجي؛ فثمة جدال أخلاقي حول مستوى التزام الدولة بمواطنيها وجنودها الذين اختُطفوا نتيجة الفشل الأمني – السياسي الأخطر في تاريخها.
بعيدون عن الحل
الخلاف حول صفقة التبادل ليس السبب الوحيد للتوتر الجديد بين نتنياهو والقيادة الأمنية العليا، ورئيس الأركان هرتسي هليفي بشكل خاص. رئيس الأركان قطع مؤخراً خططه مرتين وسارع إلى ساحتين جعلته يصاب بالصدمة، كل واحدة بطريقتها. السبت، ذهب إلى مجدل شمس بعد بضع ساعات على سقوط الصاروخ الذي أطلقه حزب الله وقتل الأطفال. المشاهد التي رآها هناك كانت فظيعة، لكنه استقبل بتقدير كبير. الدروز في هضبة الجولان كانوا بحاجة إلى احتضان من الدولة، وهليفي قدمه لهم. نتنياهو كلف نفسه عناء الذهاب إلى القرية بعد يومين وأطلق شعارات فارغة؛ بعض السكان رافقوه بهتافات الاستخفاف.
الإثنين، اقتحم نشطاء اليمين المتطرف منشأة “سديه تيمان” وبعد ذلك معسكر “بيت ليد” احتجاجاً على اعتقال تسعة من جنود الاحتياط المشتبه فيهم بالتحرش الجنسي القاسي لشاب فلسطيني. وزراء وأعضاء كنيست شجعوهم، وبعضهم قادوا الاقتحام الأول. وصل رئيس الأركان إلى “بيت ليد” ووجد نفسه مع جنود كتيبة الدورية التابعة للواء المظليين، الذين اضطروا إلى صد اقتحام زعران “لافاميليا” بأيدهم، وهي منظمة مشجعي “بيتار القدس”. الضباط هناك قالوا بأنهم لم يروا أمراً كهذا. وأصدر نتنياهو خلال يومين إدانات ضعيفة، في واحدة قارن بنية واضحة بين أعمال الشغب المهذبة جداً لليمين وبين إغلاق الشوارع المهذب لمتظاهري كابلان.
الفجوة بينه وبين جهاز الأمن ستتسع وتبرز كلما اقتربنا من الذكرى السنوية للمذبحة، وكلما تم نشر المزيد من تحقيقات الجيش الإسرائيلي. قبل الذكرى السنوية، من المرجح أن يزداد ضغط الجمهور على هليفي للانسحاب (إذا لم تندلع حرب شاملة). مع ذلك، سلوك نتنياهو في هذا الأسبوع يطرح ادعاءات أيضاً في الاتجاه المعاكس. انسحاب هليفي ورئيس “الشاباك”، رونين بار، قد يفتح الطريق أمام محاولة تعيين مقربين من هذين المنصبين، لا سيما إذا أزيح غالنت من الطريق لصالح بديل خاضع أكثر.
النجاح العملياتي والاستخباري الذي سجلته إسرائيل مؤخراً، والتقديرات حول ضائقة حماس ووعود نتنياهو الفارغة بالنصر المطلق، كل ذلك لا يجب أن يشوش الجمهور في إسرائيل. مرت عشرة أشهر منذ الهجوم المفاجئ في الغلاف والورطة التي وجدت إسرائيل نفسها فيها بعيدة عن الحل. ربما لم يكن من مناص من ذلك، منذ اللحظة التي تفاجأنا فيها. العمليات التي عملت إيران وشركاؤها عليها لسنوات تم تسريعها دفعة واحدة ونضجت، بصورة تضع أمام الدولة تحديات غير مسبوقة. نتنياهو لا يبلور استراتيجية واضحة ولا يعرضها على المنظومة التي تخضع له. هدفه الأساسي والواضح هو ضمان بقائه في الحكم مع إبطاء (تطلع نحو التحييد) الإجراءات القانونية ضده. في حين بقي الميزان الإقليمي على حاله، وفي هذا الوقت هو غير مشجع من ناحية إسرائيل رغم الإنجازات المحددة المثيرة للانطباع. قناني الشمبانيا قد تنتظر.
عاموس هرئيل

صحيفة هآرتس الاسرائيلية

ترجمة صحيفة القدس العربي