زيارتان في توقيت متزامن لرئيس الدوما الروسي وقائد أفريكوم الأمريكية للجزائر

Spread the love
image_pdfimage_print

ما إن غادر رئيس مجلس الدوما الروسي الجزائر في زيارة استعرض فيها تطوير العلاقات بين البلدين، حتى حلّ قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بالبلاد. ورغم عدم وجود ما يوحي بأن هذا التزامن كان مُرتبا، إلا أنه يكشف من جانب آخر تنافس البلدين على توطيد علاقاتهما مع الجزائر ومن ورائها منطقة الساحل.

وقد حظي المسؤولان الروسي والأمريكي، باستقبال على أعلى مستوى، من قبل الرئيس عبد المجيد تبون. كما كان لهما تبادل مع نظرائهم، حيث التقى رئيس مجلس الدوما الروسي مع رئيس المجلس الشعبي الوطني، وأجرى قائد أفريكوم محادثات مع رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، تم خلالها استعراض جوانب التعاون العسكرية.

وفي تصريحاته، أكد رئيس مجلس الدوما الروسي، فولودين فياتشيسلاف فيكتوروفيتش، حرص بلاده على الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستويات أعلى. وذكر عقب استقباله من قبل الرئيس تبون: “تجمعنا بالجزائر مواقف متطابقة ومتقاربة فيما يخص مختلف المسائل الدولية والإقليمية ونحن نعتبر الجزائر دولة صديقة وشريكا استراتيجيا، كما أننا نحرص على أن ترتقي علاقاتنا إلى مستويات أفضل”.

وبعد أن تحدث عما اعتبرها الزيارة “التاريخية” التي قام بها الرئيس الجزائري الى روسيا العام الماضي والتي “أعطت دفعا قويا لتطوير علاقاتنا في شتى المجالات”، أوضح فيكتوروفيتش أن لقاءه مع الرئيس تبون كان “مهما ومثمرا”، تم خلاله مناقشة العديد من المواضيع التي “من شأنها تطوير علاقاتنا التي تعود إلى عهد الاتحاد السوفييتي”.

كما توقف، عند أهمية تطوير العلاقات البرلمانية بين الجزائر وروسيا، في ظل إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة الموقع من قبل الرئيسين عبد المجيد تبون وفلاديمير بوتين السنة الفارطة بموسكو. وقال في ذات الصدد :”يجب أن تساهم العلاقات البرلمانية في تطوير باقي الجوانب من علاقاتنا الثنائية التي تتطور بشكل ديناميكي ملحوظ”.

وفي لقائه الآخر مع رئيس المجلس الشعبي الوطني، ابراهيم بوغالي، قال أكد فيكتوروفيتش سعي بلاده لتطوير علاقاتها مع الجزائر عن طريق اتخاذ خطوات عملية لترجمة الاتفاق الاستراتيجي الموقع من طرف رئيسي البلدين على أرض الواقع، مؤكدا أن بعد المسافة لا يمكن أن يكون عائقا أمام الإرادة السياسية لتعزيز هذه العلاقات في ظل آفاق التعاون الواعدة.

وعلى الرغم من العلاقات القوية التي تجمع الجزائر بروسيا، التي تعتبر أكبر مصدر سلاح للبلاد، إلا أن خلافات برزت في الفترة الأخيرة حول حضور ميليشيات فاغنر في دول الساحل وليبيا، وهو أمر سبق للجزائر أن عبرت عن رفضه، كونها تعتبر أي وجود أجنبي في المنطقة، محركا لمزيد من الأزمات والحروب الداخلية.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، ذكر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن بلاده فتحت رسميّا ملف تواجد قوات فاغنر خلف حدودها الجنوبية في منطقة الساحل الإفريقي مع روسيا. وذكر، في ندوة صحافية، أنه ناقش الأمر شخصيّا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

وأبرز عطاف أنه تم “إنشاء آلية مشتركة، تضم دبلوماسيين وأمنيين، برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية، لوناس مقرمان، عن الجانب الجزائري، وميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، والمبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، عن الطرف الروسي”. وأشار إلى أنّ اللجنة الثنائية المكلفة بمتابعة تواجد قوات فاغنر في الإقليم ستجتمع مرة أخرى في المستقبل القريب.

وكان الرئيس تبون في مقابلة له مع صحيفة لوفيغارو سنة 2022، قد انتقد بشكل غير مباشر وجود فاغنر في الساحل. وقال ردا على سؤال حول وجود رجال هذه الميليشيا بالقول “الأموال التي يكلفها هذا الوجود ستكون في وضع أفضل وأكثر فائدة لو ذهبت لتطوير منطقة الساحل”، في إشارة إلى عدم استساغة الجزائر وجود هذه القوات الأجنبية على الرغم من علاقاتها القوية مع روسيا.

وعلى الطرف الآخر، استقبل الرئيس تبون بصفته، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، الفريق أول مايكل لانجلي، حسب ما أورده بيان للرئاسة الجزائرية. ولم تتسرب تفاصيل عن اللقاء، إلا أن زيارات سابقة لقائد أفريكوم، كانت تتناول دائما مواضيع التعاون العسكري والاستخباراتي والأمن في منطقة الساحل ومكافحة الإرهاب، وغيرها من المسائل ذات الطابع العسكري التقني.

وفي شباط/فبراير 2023، أشاد رئيس أركان الجيش الجزائري لدى استقباله قائد أفريكوم “بمستوى التعاون العسكري الثنائي الذي ينعكس من خلال النشاطات المختلفة، المنفذة في إطار تبادل الخبرات المتعلقة بالإرهاب، وكذا تكوين مستخدمي الجيش الجزائري والمساعدة التقنية. وعبر عن الاستعداد التام للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، لترقية أكثر لمجالات التعاون العسكري الثنائي، خاصة أن الحوار العسكري المشترك، الذي شرع فيه سنة 2005، يحدد أهدافا جد طموحة في هذا المجال”.

وبخصوص القضايا الدولية، أكد شنقريحة أن الجزائر تتشبث بمبدأ عدم الانحياز، وهي غيورة على تاريخها الحافل بالأمجاد والبطولات، وغيورة أيضا على استقلالها وقرارها السياسي السيد، وتتعامل، في إطار خدمة مصالحها، مع دول صديقة كثيرة تربطها معها علاقات عسكرية واقتصادية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية”. كما عبّر عن وجود إرادة من أجل إرساء تعاون يكون في مستوى طموحات الطرفين، كون “بلدينا منخرطين في مسار تحسين الوضع الأمني في القارة الإفريقية، وبإمكانهما تقديم العون والمساعدة لبعض البلدان التي هي بحاجة إليها، من أجل الاضطلاع بمهامها السيادية، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالسلم والأمن”.

وكانت العلاقات الجزائرية- الروسية، موضع جدل في الكونغرس الأمريكي في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، حيث حاول نواب أمريكيون دفع واشنطن لإصدار عقوبات ضد الجزائر بسبب مشترياتها من السلاح الروسي، معتبرين أنها بذلك تساهم في تمويل روسيا في حربها ضد أوكرانيا. لكن تلك الدعوات لم تلق أي استجابة، وحافظ البلدان على مستوى مقبول من التعاون والتبادل، على الرغم من التصادم الذي ظهر في الأشهر الأخيرة بعد انضمام الجزائر لمجلس الأمن كعضو غير دائم، بخصوص الوضع في غزة، حيث عطلت الإدارة الأمريكية عدة مشاريع قرارات تقدمت بها الجزائر لوقف العدوان في القطاع ومحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي في هذه الهيئة الأممية.

صحيفة القدس العربي