انعاكاسات الحرب المحتملة بين حزب الله وإسرائيل على الجبهة الداخلية الإسرائيلية

Spread the love
image_pdfimage_print

في ظل التوترات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل، تتزايد المخاوف من اندلاع حرب شاملة قد تؤدي إلى تأثيرات جسيمة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، خصوصاً في المناطق الشمالية للاحتلال، حيث العديد من الشركات الخاصة والعامة، واستثمارات بالمليارات، وأزمة نقل السكان، ناهيك عن الأزمات الاجتماعية. لذا قد تكون لهذه الحرب المحتملة تبعات اقتصادية واجتماعية ربما تُدخل إسرائيل في نفق مظلم، فضلاً عن فتح أكثر من جبهة للقتال، وهو ما قد لا تتحمله إسرائيل بحسب المعطيات الراهنة على الأصعدة كافة.

طبيعة الشمال… ميدان الاستهداف الأول

في حال نشوب حرب واسعة بين حزب الله وإسرائيل، ستجد الأخيرة نفسها أمام ضائقة كبيرة في شمالها. ولكن قبل الحديث المفصل عن التحديات، يتبلور سؤال حول طبيعة الشمال وما يحتويه من مستوطنات ومقدرات اقتصادية وغيرها، لقياس حجم الضرر المحتمل حال نشوب حرب واسعة.

يحتوي الشمال على عدد كبير من المستوطنات والموشافيم والناحال. وبحسب التفسيرات اللغوية العبرية، كلمة مستوطنة تعني المقاطعة الكبيرة، والموشاف تشبه المنطقة الأصغر، أما الناحال فقرى صغيرة جداً، ومجموعها يتجاوز 170 بحسب المصادر العبرية الموثقة. لكن المستوطنات الكبيرة عددها 60 مستوطنةً تقريباً، والحديث يدور إجمالاً عن أكثر من 160 مستوطنةً. ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء المركزي لعام 2021، بلغ عدد سكان المنطقة نحو 1،469،424 مواطناً إسرائيلياً، في 419 مستوطنةً و”موشاف” و”ناحال”.

وفق مكتب الإحصاء الإسرائيلي، يتراوح عدد العاملين في شمال إسرائيل بين 600 و700 ألف شخص، في مختلف القطاعات مثل التكنولوجيا، الزراعة، الصناعة، والخدمات. ويساهم شمال إسرائيل بنحو 10 إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يتراوح بين 53 مليار دولار إلى 79.6 مليارات دولار. هل تغامر إسرائيل وتدخل حرباً ضد حزب الله وتعطّل كل هذا؟

ويدور الحديث عن وجود قرابة 677 شركةً في المجالات كافة. وبحسب المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي (CBS)، لعام 2024، يتراوح عدد العاملين في شمال إسرائيل بين 600 و700 ألف شخص. تشمل هذه الإحصائيات العاملين في مختلف القطاعات مثل التكنولوجيا، الزراعة، الصناعة، والخدمات، وتشير التقديرات إلى أن شمال إسرائيل يساهم بنحو 10 إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، لذا فإن حجم اقتصاد شمال إسرائيل يمكن أن يتراوح بين 53 مليار دولار إلى 79.6 مليارات دولار.

واستكمالاً لعرض طبيعة المجتمع المدني الإسرائيلي في الشمال، فإن هذا العدد من المستوطنات يحتوي على قرابة 1،500 مدرسة في المجالات والاتجاهات كافة، فضلاً عن المنشآت الإستراتيجية والحيوية مثل شركات الكهرباء ومحطاتها، والتي قد تكون جميعها في مرمى نيران الاستهداف حال نشوب الحرب.

تشير التقارير إلى أن الحرب المحتملة قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الحياة اليومية للإسرائيليين. في الآونة الأخيرة، تصاعدت الهجمات الصاروخية من قبل حزب الله، ما أدى إلى نشوب حرائق واسعة النطاق في مناطق شمال إسرائيل، مثل كريات شمونة، حيث أجبرت الحرائق والهجمات الصاروخية آلاف السكان على النزوح من منازلهم، والبحث عن مأوى في مناطق أكثر أماناً. و​تتطلب هذه الأوضاع إجراءات حكوميةً سريعةً لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، وقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عن خطط لإعادة تأهيل المناطق المتضررة بتكلفة تصل إلى 3.5 مليارات شيكل. وهذه الجهود تعكس حجم الدمار والاضطراب الذي يمكن أن تحدثه الحرب على المجتمع والاقتصاد المحلي.

خريطة تبيّن بعض مستوطنات الجليل في شمال إسرائيل والقريبة من مرمى النيران حال نشوب الحرب.

الانعكاسات الاقتصادية للحرب المحتملة

يعتمد الاقتصاد في شمال إسرائيل بشكل كبير على الزراعة والسياحة، لذا سيتعرض لضغوط كبيرة في حال اندلاع الحرب. الهجمات الصاروخية المستمرة قد تؤدي إلى تدمير البنية التحتية وإغلاق الأعمال التجارية، ما يفاقم من معدلات البطالة ويؤثر على دخل الأسر. بالإضافة إلى ذلك، الهجمات قد تؤدي إلى نزوح كبير للسكان، ما يزيد من الأعباء الاجتماعية والنفسية عليهم. والهجمات الصاروخية من قبل حزب الله، التي تضمنت إطلاق صواريخ “بركان” المدمرة، أدت إلى دمار واسع في البنية التحتية العسكرية والمدنية، وأثّرت بشكل كبير على الحياة اليومية لسكان المناطق الشمالية.

يشير إنبار بيزك، عضو الكنيست السابق والرئيس التنفيذي الحالي لشركة “الجليل” الاقتصادية، إلى أن الحرب المحتملة والتصعيد المتواصل أضرّا بشكل كبير بأربع صناعات أساسية، هي السياحة، والبناء، والزراعة، والصناعة التقليدية، والتي يعمل فيها آلاف المواطنين؛ مثلاً، يعمل 20% من سكان المنطقة في الصناعة، ومعظم المصانع يملكها أجانب، ما قد يضطرهم إلى المغادرة وسحب استثماراتهم، وهو ما ينعكس على تسريح تلك العمالة، لذا بدأت مصانع كثيرة بالتفكير في المغادرة أو على الأقل الانتقال إلى مناطق أخرى بعيداً عن الشمال.

وبحسب ما نقلته “جيروزاليم بوست”، عن بيزك، فإن هذه الشركات والمصانع تواجه ثلاثة تحديات كبيرة: الأول هو إجلاء العديد من عمالها ما يعني توقّفهم عن العمل، والثاني أن الموردين يجدون صعوبةً في توصيل المواد الخام إلى المصانع القريبة من الحدود، والأخير أن العديد من العمال لا يذهبون الى العمل في املناطق التي لا يشعرون بها بالإمان حتى ولو لم يتم إجلاؤهم رسمياً.

تحدث بيزك عن عدم قدرة الحكومة على التعامل مع هذا الملف بشكل حاسم، من ناحية التعويضات، سواء للشركات ومن تم إجلاؤهم، أو من ناحية إعانة البطالة أو توفير فرص عمل في أماكن أكثر أماناً، وهو ما سينعكس على أمن واستقرار المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين.

ويرى ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، في حديثه إلى رصيف22، أن الشركات الناشئة ستكون الأكثر تضرراً من نشوب هذه الحرب، فمنذ عملية “طوفان الأقصى”، لجأت شركات عدة منها إلى التوجه خارج إسرائيل، بعضها إلى الإمارات. ومع دخول إسرائيل حرباً شاملةً مع حزب الله، لن تصمد باقي شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة الأخرى، وسيضرر هذا القطاع بشكل بالغ، خاصةً أنه فخر الصناعة الإسرائيلية كما هو معلوم، بالإضافة إلى تضرر قطاع السياحة الذي أصيب بالشلل منذ دخول إسرائيل في حربها ضد غزة، وبالطبع سيموت إكلينيكياً، لو صممت إسرائيل على مواجهة حزب الله في حرب مفتوحة، كما أن قطاع البناء الذي يعتمد على العمالة الأجنبية سيتضرر بشكل كبير، بل قد يتوقف تماماً.

ويرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، في حديثه إلى رصيف22، أن إسرائيل تخسر يومياً قرابة 200 مليون شيكل في حربها ضد غزّة، فما بالنا بحربها مع حزب الله الذي يمتلك قدرات أكبر؟ ولو أقدمت إسرائيل على ذلك سينفجر السكان عن بكرة أبيهم في وجه الدولة، فضلاً عن شلل الاقتصاد بشكل تام، ولن تنفع التعويضات والدعم الأمريكي الحالي لحربهم ضد غزّة، حيث سيكون الأمر معقداً، خاصةً أن أمريكا تتحفظ على دخول إسرائيل في مثل هذه الحرب في الوقت الراهن، والوضع الحالي في الشمال كارثي، سواء من ناحية ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، أو إقبال المواطنين على شراء المواد الغذائية المعلبة بنهمٍ خوفاً من دخولهم في فترة طويلة من الاختباء داخل الملاجئ.

صمود الجبهة الداخلية الإسرائيلية بين الواقع والمأمول

تكاثرت التحليلات الإسرائيلية للإجابة عن سؤال مفاده: هل تصمد الجبهة الداخلية حال نشوب حرب واسعة مع حزب الله؟ أبرز التحليلات الحديثة في هذا الأمر، ما نشره “معهد دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي، في السادس والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، في دراسة واسعة بعنوان “كيف ستؤثر حرب واسعة النطاق مع حزب الله على صمود الجبهة المدنية في إسرائيل؟”، شارك فيها أربعة من كبار المحللين والدكاترة، منهم مئرير الران، أورنا مزراحي، أريئيل هيمان، وعنات شابيرا، وتحدثوا عن الغرض من الدراسة وهو تقييم حجم الأضرار التي يمكن أن تلحق بالجبهة الداخلية الإسرائيلية في حالة الحرب الشاملة مع حزب الله.

سلّطت الدراسة الضوء على إمكانات حزب الله، الذي يمكنه في حالة الحرب الواسعة إلحاق الضرر بالأهداف المدنية والعسكرية والوصول إلى المستوطنات كافة من خلال الصواريخ طويلة المدى وغيرها من الأسلحة المتقدمة، فضلاً عن أنظمة الإنترنت المتقدمة التي يمكن أن يشلّ بها الحياة المدنية، ويدمّر البنية التحتية وشبكة الكهرباء، حيث سينجح في إرهاق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية خاصةً في الأيام الأولى للحرب

أفادت الدراسة في بدايتها بأن الحرب ستكون طويلة الأمد وعواقبها وخيمة على الجبهة الداخلية، حيث أسفرت المناوشات أو ما أسمته الدراسة “حرب استنزاف حزب الله لإسرائيل”، عن مقتل 29 إسرائيلياً منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتسببت في زيادة الشعور باليأس بشأن مستقبل الحدود الشمالية، حيث هجر نحو 60 ألف شخص قرابة 28 مستوطنةً، حتى زاد التساؤل لدى سكان المستوطنات مثل كريات شمونة، عن موعد العودة إلى منازلهم؟

وسلّطت الدراسة الضوء على إمكانات حزب الله، الذي يمكنه في حالة الحرب الواسعة إلحاق الضرر بالأهداف المدنية والعسكرية والوصول إلى المستوطنات كافة من خلال الصواريخ طويلة المدى وغيرها من الأسلحة المتقدمة، فضلاً عن أنظمة الإنترنت المتقدمة التي يمكن أن يشلّ بها الحياة المدنية، ويدمّر البنية التحتية وشبكة الكهرباء، حيث سينجح في إرهاق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية خاصةً في الأيام الأولى للحرب. وعدّت الدراسة الحرب تهديداً مدنياً وعسكرياً لإسرائيل، وسيتعين على الأخيرة الدفاع عن ثلاثة أهداف، هي المواقع العسكرية ثم البنى التحية، ثم الأهداف المدنية، حتى أن الملاجئ ستكون مهددةً، وقد ينجح حزب الله في إلحاق أضرار جسيمة بشبكات الاتصالات، والنقل البري والبحري والجوي وسلاسل التوريد من خارج إسرائيل وداخلها، كذلك تهديد منصات إنتاج الغاز، التي قد تتوقف عن الإنتاج لأسباب دفاعية، ما قد يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي. وخلصت الدراسة إلى أن هذا السيناريو ستكون له عواقب وخيمة على استمرارية العمليات، وأداء الاقتصاد الوطني، وسيلقي بظلال وخيمة على كل مواطن في إسرائيل.

القدرة على الحفاظ على الاستمرارية التشغيلية المدنية الدنيا في الحرب تُعدّ عنصراً أساسياً في الحفاظ على الصمود الوطني، وهي المنصة الرئيسية لضمان التعامل المدني الفعال مع التهديدات على المستويات الوطنية والاجتماعية والشخصية. كما أن المخاطر الكامنة في الحرب متعددة الجبهات، وخصوصاً إذا حدثت بالتزامن مع استمرار الحرب في قطاع غزة، تنطوي على تحديات كبيرة للبنية التحتية الحيوية وللمدنيين معاً، إلى جانب العقبات المستمرة التي تعترض التعافي من أضرار الحرب في المجالات المادية والنفسية.

وأشارت الدراسة إلى أن استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي، توضح أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة في القدرة المجتمعية الإسرائيلية على الصمود، وهناك انخفاض كبير في مستوى التضامن والثقة بمؤسسات الدولة، مثل الجيش، وفي مستوى التفاؤل والأمل لدى أغلبية الإسرائيليين، كذلك زيادة حدة الانقسامات الاجتماعية المتعمقة، والخلافات السياسية التي تمزق المجتمع، والخطاب العام المليء بالكراهية، وبات هناك شك في مدى استعداد المجتمع الإسرائيلي، نفسياً ومادياً، لحرب صعبة وطويلة على الحدود الشمالية مع حزب الله.

وفي حال اندلاع حرب طويلة الأمد ومتعددة الجبهات ضد حزب الله وشركائه، من المتوقع أن يكون الضرر باستمرارية الأداء من نصيب عدد كبير من المواطنين. ولهذا عواقب وخيمة على قدرة معظم مكونات الجبهة الداخلية على التعافي ومدته التي من المتوقع أن تمتد أعواماً. هذا الأمر له آثار صعبة على القدرة الإسرائيلية على الصمود، خصوصاً في ظل الخلافات السياسية المرهقة التي تتصاعد في نطاقها ومظاهرها.

وتماشياً مع سيناريو حتمية الحرب وتداعياتها على الجبهة الداخلية، دعت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، في الثامن عشر من حزيران/ يونيو الماضي، الدولة والمواطنين إلى ضرورة الاستعداد لهذه الحرب على مستوى الجبهة الداخلية وضرورة البدء بالإعداد لها، حيث سيتم إطلاق آلاف الصواريخ من حزب الله. وشددت الصحيفة على أن الخطر الأكبر سيكون في غزو القوات الخاصة لقوات حزب الله بعض المستوطنات، لتنفيذ عمليات ضد المنشآت والسكان.

هل ستكون هناك حرب؟

يتضح من المعطيات السابقة أن خوض حرب ضد حزب الله أمر ليس بالسهل، وهو ما تحدث عنه المحلل العسكري في “القناة 13” الإسرائيلية، ألون بن دافيد، في مقالته المنشورة في صحيفة “معاريف” بعنوان “ما لا يجرؤ الجيش الإسرائيلي على قوله: الجيش غير مستعد لحملة واسعة في لبنان”. عبّر بن دافيد في مقالته سابقة الذكر عن قلقه بشأن إحصائية تفيد بأن 46% من الإسرائيليين يعتقدون بأن إسرائيل عليها أن تشنّ حرباً ضد حزب الله في لبنان، حتى مع استمرار القتال في غزّة، وهذا في نظره يعبّر عن فجوة في توقعات الجمهور لقدرات الجيش، لذا يجب القول بأن الجيش ليس لديه ما يكفي من القوات للدخول في هذه الحرب. ويرى بن دافيد، أن الاحتمال الأرجح أن تجد إسرائيل نفسها في حرب استنزاف طويلة الأمد، ستشلّ الحياة في معظم أنحاء البلاد، مشيراً إلى أن الجيش لم يدخل أبداً حرباً مدتها تسعة أشهر، هي الحرب الحالية، فكيف سيكون الوضع لو طال الأمر بالدخول في مواجهة أطول مع حزب الله؟

ثم تحدث الكاتب عن معاينته للإجهاد والتعب لدى الجنود بسبب الحرب الحالية في غزة، لذا في حال استدعائهم لمواجهة جديدة مع حزب الله لن يكونوا في أفضل حالاتهم. ونشر بن دافيد تفاصيل رسالة لضابط كبير في سلاح الجو مطّلع على الخطط الحربية، مفادها أن الجيش غير مستعد لهذه الحرب، وستكون العواقب كارثيةً أكثر من حرب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ويعتقد الدكتور طارق فهمي، أستاذ الدراسات السياسية والإستراتيجية وخبير الشؤون الإسرائيلية، في حديثه إلى رصيف22، بأنه “في كل الأحوال ستكون هناك حرب ولكنها ستكون مرحليةً، وستمضي في إطار عمليات تصعيدية خصوصاً أن الداخل الإسرائيلي متفق برغم بعض الخلافات والتباينات والتجاذبات بين مجلس الحكومة المصغر والحكومة الموسعة وهيئة الأركان والمؤسسة العسكرية. هناك اتفاق جمعي على ضرورة تغيير قواعد الاشتباك الحالية، وبناء قواعد اشتباك جديدة لصالح إسرائيل، بما يرسم إستراتيجية مسار التحرك بصورة أو بأخرى في الفترة المقبلة”.

“في كل الأحوال ستكون هناك حرب ولكنها ستكون مرحليةً، وستمضي في إطار عمليات تصعيدية خصوصاً أن الداخل الإسرائيلي متفق برغم بعض الخلافات والتباينات والتجاذبات بين مجلس الحكومة المصغر والحكومة الموسعة وهيئة الأركان والمؤسسة العسكرية. هناك اتفاق جمعي على ضرورة تغيير قواعد الاشتباك الحالية، وبناء قواعد اشتباك جديدة لصالح إسرائيل، بما يرسم إستراتيجية مسار التحرك بصورة أو بأخرى في الفترة المقبلة”

ويضيف فهمي: “إذا حدثت الحرب، فإن هناك سيناريوهات لهذا الأمر؛ الصورة ليست خسائر اقتصاديةً أو تكراراً لنموذج غزّة فحسب. الأمر مختلف تماماً. هناك اتفاق كما أشرت، هو اتفاق جمعي على ضرورة الحرب مع تحمّل تكلفتها هذه المرة، فهم يتحدثون عن دفع التكلفة قبل الدخول في المواجهة لتأمين السكان الإسرائيليين وتأمين عودتهم إلى منازلهم وتأمين خطوط التماس وغيرها. صحيح أن هناك توقعات بخسائر اقتصادية كبيرة على المجتمع، لكنها ستكون أفدح إذا استمرت الأمور وتكرر 7 تشرين الأول/ أكتوبر لبنانياً. وعليه، الخسائر نستطيع أن نرصدها، وعلينا ألا ننسى أن هناك تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة في هذا التوقيت من خلال المؤسسات المانحة في الولايات المتحدة والمؤسسات التطوعية التي تحركها كبرى المنظمات اليهودية في واشنطن. فنعم صحيح ستقع خسائر اقتصادية، خصوصاً في المناطق الصناعية والمناطق الإستراتيجية، ولكنها ليست بالصورة التي يحكى عنها”.

وحول انعكاسات ذلك على الجبهة الداخلية، يرى فهمي أنه سيكون هناك تغيير في توجه الجمهور الإسرائيلي خلال الأشهر القادمة قبيل الانتخابات الأمريكية، والسيناريو الأسوأ المتوقع هو ثورة المواطنين في إسرائيل حال اندلاع الاشتباكات، بسبب الخسائر المتوقعة سواء في الأرواح أو المنشآت. لكن برغم ذلك لن ينعكس الأمر على توجهات الجمهور في اختيار الحكومة، فبنية المجتمع الحالية غالبيتها تفضّل الائتلاف الحالي، لكنهم أيضاً منقسمون، بين مؤيد ومعارض والاحتكام إلى آلية الصندوق، وفي كل الأحوال الجبهة الداخلية في إسرائيل ستواجه أحد خيارين؛ خيار التماسك والاستمرارية نتيجةً لوجود خطر يهدد بقاء الدولة في محيطها، وخيار التصعيد وتغيير قواعد اللعبة.

وحول كارثية الوضع حال المواجهة المحتملة، يرى الدكتور أحمد فؤاد أنور، رئيس قسم اللغة العبرية وأستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة الإسكندرية، أن إسرائيل لو فتحت جبهةً في الشمال من المتوقع أن يسقط نحو 15 ألف إسرائيلي في المعركة، لذلك هناك أصوات تنادي بأن تكون العملية محدودةً تصل إلى بيروت، وبعدها استيعاب رد حزب الله مهما كان، فهناك مخاوف من تمرّس حزب الله وتنامي قدراته، إذ أصبحت لديه مسيّرات قوية كما رأينا المسيّرة هدهد التي استطاعت تصوير أهداف عسكرية إسرائيلية لمدة تسع دقائق بجودة عالية. كما أن لحزب الله مطاراً يزيد من قدراته القتالية، وتالياً لن تكون الحرب نزهةً للجيش أو الحكومة او حتى لسكان الشمال، لذلك ستكون هناك مراجعة وتفكير لدى إسرائيل قبل الدخول في هذه الحرب التي ستضعف الجبهة الداخلية بشكل كبير.

وبرغم ضبابية المشهد حال اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل ومدى تضرر المدنيين هنا وهناك، إلا أن التقديرات منقسمة بين زيادة احتمال حدوث الحرب، ومحاولات إقليمية ودولية للتهدئة، فالولايات المتحدة تحذر وبشدة من خطر هذه الخطوة التي قد تؤدي إلى حرب شاملة، لذا فالخيار الأمريكي المفضّل هو القيام بعملية محدودة لإبعاد حزب الله بضعة كيلومترات عن السياج الحدودي، كما أشار أمير تيفون، في صحيفة “هآرتس”، وهو ما حذّر منه كذلك رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال تشارلز براون، بقوله إن الجيش الأمريكي سيواجه صعوبةً في حماية إسرائيل في حالة نشوب صراع عسكري واسع النطاق مع حزب الله.

محمد وازن

موقع رصيف 22