أجرت صحيفة صاندي تايمز البريطانية تحقيقا عن عائلتين تعيشان تداعيات الحرب على قطاع غزة، إحداهما عائلة فلسطينية تعيش ويلات القصف الإسرائيلي، والثانية عائلة مايكل ليفي الإسرائيلية التي تعاني بسبب أن لها قريبا في الأسر لدى حركة حماس هو أور ليفي شقيق مايكل، وتقول الصحيفة إنهما تتقاسمان الألم الناجم عن ثمانية أشهر من الصراع بين إسرائيل لكنهما منقسمتان بشدة على من يتحمل المسؤولية.
يقول مايكل إنه عندما ظهرت الأخبار بالأمس عن إنقاذ القوات الإسرائيلية لأربع رهائن من غزة، فإنه تابع الأمر بمشاعر مختلطة، وأوضح: “أنا سعيد للغاية من أجلهم ومن أجل جميع أحبائهم، لكن من الواضح أنه ليس من السهل معرفة أن أخي ليس بينهم… لا شيء من هذا سيكون أمرا سهلا”.
ويتذكر كيف عرف بأن أخاه صار أسيرا بعدما ذهب إلى الحفل الموسيقي قرب القطاع: “لقد أمضينا أياماً في البحث في المستشفيات قبل أن يخبرنا الجيش الإسرائيلي أنه تم أسره. وأخبرونا أنه أُخذ حياً ولم يُصب بأذى. لكن منذ ذلك الحين لم نسمع شيئا”. وتضيف الصحيفة: “لقد كانت هذه بداية ثمانية أشهر من العذاب، حيث تحولت حياة عائلته إلى دوامة من التقلبات – حيث ارتفعت الآمال مع الحديث عن محادثات التهدئة أو عمليات الإنقاذ، ثم تراجعت مع أنباء الوفيات بين الأسرى”.
وتنتقل الصحيفة إلى الحديث عن العائلة الفلسطينية فتقول: “وعلى بعد أقل من 40 ميلا، وفي أحد المنازل القليلة المتبقية في أحد الشوارع المدمرة شمال غزة، يتساءل محمد القطاوي (43 عاما) كل ليلة عما إذا كانت عائلته ستعيش حتى الصباح وكيف سيوفر لهم الطعام في اليوم التالي، فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، اضطر هو وزوجته ريهام وأطفالهما الثلاثة الصغار – راكان، 11 عاما، وغسان، 7 أعوام، ورزان، 6 أعوام – إلى النزوح 15 مرة.
وتعرض منزلهم الواقع غرب مدينة غزة، بالقرب من الجامعة الإسلامية في غزة، للقصف في 9 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن أسقطت القوات الإسرائيلية منشورات تطلب منهم التحرك، ولم يتبق لهم سوى الملابس التي يرتدونها والكمبيوتر المحمول الخاص بمحمد. لقد نزحوا من حي إلى آخر.
يقول قطاوي: وفي كل مرة تطلق الطائرات بدون طيار الصواريخ، ويتساقط الركام من السماء. تضيف الصحيفة: “على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، لجأوا إلى منزل صديق فر إلى الجنوب، ويتقاسم عشرة منهم الطابق الأرضي، بما في ذلك والدا زوجته وأخت زوجته الأرملة مع طفلها الرضيع وطفلها البالغ من العمر ثماني سنوات. قُتل زوجها برصاص قناص، كما قُتل أحد إخوة زوجته ريهام”.
ويضيف محمد “النوافذ في الغرفة مكسورة، ونورها الوحيد يأتي من مصابيح تعمل بالبطارية وكل ما حولها هو الدمار… يعلم الأطفال أن عليهم الاستعداد بحقائب الظهر الصغيرة وزجاجة المياه، وأخبرهم أننا ننتقل لأسباب أمنية، لكنهم يعرفون الآن أنه لا يوجد مكان آمن هنا”.
كان محمد يطمئن ابنته الصغيرة من خلال جعلها تلون صور الأميرات، وعندما شاهد تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي عن الرئيس بايدن وهو يقدم خريطة طريق للسلام، قال قطاوي: “كانت هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بنوع من الأمل في أننا قد نصل إلى بداية النهاية لهذه الكارثة”.
لكن على الجانب الآخر من الحدود، لا يتفاءل مايكل ليفي كثيرا، على الرغم من أن بايدن وصف الاقتراح بأنه صفقة إسرائيلية. ويقول ليفي: “لقد سمعنا مرات عديدة أن الأمر على وشك الحدوث، ونشعر بالخيبة في كل مرة”.
وتختم الصحيفة: ربما تعيش عائلة ليفي وعائلة قطاوي على جانبي الانقسام، لكن كلتا العائلتين وجدتا نفسيهما ضحايا أبرياء. ومع فشل السياسيين في التوصل إلى اتفاق، انقلبت حياتهم رأساً على عقب. يقول ليفي عن نفسه إنه بعد 7 أكتوبر صار شخصا مختلفا، فأحيانًا أنظر إلى نفسي في المرآة ولا أتعرف على الرجل الذي أراه”.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، ترك وظيفته في إدارة القسم الإسرائيلي لشركة دولية، وسافر حول العالم، حيث ذهب إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية وقابل البابا… يرتدي قميصًا عليه وجه أخيه. ويقول إن حماس هي المسؤولة عن هذا الحال ويوضح: “أقابل الكثير من الأشخاص لأشاركهم القصة حتى يتمكنوا من المساعدة في استعادة أخي الصغير”. “هذه هي حياتي 24/7 وهي أهم وظيفة سأحصل عليها على الإطلاق”.
وبالمقابل فإن محمد القطاوي أيضا لا يعرف نفسه ولكن لأسباب مختلفة. فلم يقتصر القصف الإسرائيلي على منزله ومدينته فحسب، بل إن شمال غزة، باعتباره أول مكان يتعرض للهجوم الإسرائيلي، قد انقطعت عنه المساعدات، مما ترك الناس على حافة المجاعة. ويقول: “لقد فقدت 35 كيلوغراما”، وهو يعرض صورا له اليوم وصورته السابقة. يعتذر عن صوت ضجيج الأطفال ونحن نتحدث عبر الهاتف، لكنه يوضح أنه موجود في غرفة واحدة بها ضوء، وبالتالي فإن ابنته وولديه، البالغين من العمر سبعة أعوام و11 عامًا، يعيشان معه، بالإضافة إلى بنات أخيه “وكالعادة في ذلك اليوم، تناولت الأسرة وجبتين فقط تتكونا من إفطار مع الشاي الأسود وقطعتين من البسكويت، ووجبة غداء/عشاء من حساء مع الأرز.
ويقول محمد: “إن الوضع الغذائي كارثي”. “لا يوجد شيء للأكل إلا من الإنزال الجوي الذي ليس من السهل الوصول إليه. لا أستطيع المخاطرة بحياتي للحصول على علبة واحدة أو طرد غذائي واحد. الناس يحصلون عليها ويبيعونها في السوق. عندما يكون هناك طعام تكون الأسعار مضخمة للغاية. تمكنت من الحصول على كيلو من الدقيق الأبيض هذا الأسبوع لكن سعره مرتفع جدا… نحن نحاول أن نتخلص من الأطعمة المعلبة. إذا حصلنا على الخبز نقسمه إلى ثلاث قطع تكفي لثلاثة أيام. وإلا فهو حساء أو أرز أو معكرونة. لا يوجد فاكهة أو خضار، ولا لحوم، ولا طعام للأطفال!
وترى الصحيفة أنه وبعد التفاؤل الدولي الأولي بشأن اقتراح بايدن، والذي يعني وقف القتال لمدة ستة أسابيع من أجل إطلاق سراح “الرهائن” يليه وقف لإطلاق النار، يبدو التوصل إلى اتفاق مرة أخرى غير مرجح على نحو متزايد. ويقول الفلسطيني محمد القطاوي: “على مدى ثمانية أشهر، عشت أنا وأطفالي وقتًا لا يمكن تصوره ولا يمكن محوه”.
وجاءت أسوأ لحظاته عندما كان يقيم مع عائلته في شقة في الطابق السابع، وحصل بمساعدة أحد أقاربه على مكان في الطابق الأرضي من أحد المباني لإيواء عائلته، ويقول: “لن أنسى أبدًا النداء اليائس من ريهام”. وقد أدت غارة جوية على مبنى مجاور إلى دفنها هي وابنتهما وابنهما الأصغر تحت الأنقاض. وتمكن من انتشالهم ونقلهم إلى مستشفى الشفاء. ولحسن الحظ أن إصاباتهم لم تكن خطيرة. ويقول: “قررت حينها أننا إذا واجهنا أي شيء، فإننا نواجهه معًا”، وواضح أن إسرائيل هي المسؤولة عن ما يحدث لهم، ويقول: “لا يمكنك أن تسمي هذه حربا، لأنها ليست معركة بين جيشين”. “منذ ثمانية أشهر وهم يذبحوننا أحياء. نشعر أنه لم يعد هناك ما يمكن تدميره، لقد دمروا منازلنا، ومدارسنا، ومستشفياتنا، والبنية التحتية، وحتى أرواحنا…”.
صحيفة صانداي تايمز البريطانية
القدس العربي