قبل موته “تحت التعذيب”: الطبيب الفلسطيني عدنان البرش ورحلة الإجرام الإسرائيلي

Spread the love
image_pdfimage_print

من بين الحالات التي اعتقل فيها فلسطينيون في قطاع غزة، الذين سُحبوا إلى المعتقلات وماتوا تحت الحراسة إسرائيلية، حالة الدكتور عدنان البرش، الذي يثير موته أسئلة كثيرة بشكل خاص. في البيان الذي نشرته هيئة الأسرى الفلسطينيين، قيل إن البرش، وهو متخصص في جراحة العظام، مات في 19 نيسان في سجن عوفر. ظروف موته غير معروفة، والسلطات الإسرائيلية لم تسلم أي بلاغ حول الموضوع لأبناء عائلته. الجهات المرتبطة بالتحقيق معه وباعتقاله في إسرائيل، الجيش الإسرائيلي وسلطة السجون، رفضت إعطاء الصحيفة أي تفاصيل حوله. الأشخاص الذين التقوا البرش أثناء الاعتقال، قالوا إن وضعه الصحي كان متدنياً، وأبناء عائلته على قناعة بأنه مات بسبب التعذيب. وحسب هيئة الأسرى، ما زال جثمانه لدى إسرائيل.

كان البرش مدير قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء في قطاع غزة، الذي كان فيه بداية الحرب. وعندما وصلت المعارك إلى هناك، انتقل البرش إلى المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا. وعندما أصبح هذا المستشفى ساحة حرب، واصل الطريق إلى مستشفى العودة في مخيم جباليا.

زوجة البرش، ياسمين، قالت في محادثة مع مراسلين فلسطينيين إن زوجها لم يعد إلى بيته في جباليا منذ بداية الحرب، باستثناء أيام الهدنة التي تم فيها إطلاق سراح أسرى وسجناء، التي عاد إلى عمله في نهايتها. “لقد كان يتصل معي كلما أمكن، ويسأل عن أولادنا الستة”، قالت. “طلبت منه العودة، ولكنه صمم على البقاء مع المرضى”.

اعتقل البرش في كانون الأول 2023 في ظروف لم يتم توضيحها. وحسب الشهود الذين تحدثوا مع أبناء عائلته، فإنه عندما وصلت قوات الجيش الإسرائيلي إلى مستشفى العودة، طُلب منه النزول إلى ساحة المستشفى، ومنذ ذلك الحين لم يُشاهد في القطاع. قال الجيش للصحيفة بأنه تم اعتقاله بتهمة المشاركة في الأعمال الإرهابية.

حسب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، تم احتجاز البرش في منشأة اعتقال للجيش الإسرائيلي في 19 كانون الأول، وفي اليوم التالي نقل إلى معتقل “كيشون” للمعتقلين الأمنيين، القريب من حيفا. “منذ ذلك الحين لم يعد تحت مسؤولية الجيش الإسرائيلي”، قيل. وحسب مصدر أمني تحدث مع “هآرتس”، فإنه بعد أن أخضعه “الشاباك” للتحقيق في المعتقل، تم نقله إلى سجن عوفر تحت مسؤولية مصلحة السجون. وأضاف المصدر نفسه، بأن البرش لم يمت أثناء التحقيق.

رفضت مصلحة السجون تأكيد أو نفي أي معلومة تتعلق بالبرش، وقالت إن “مصلحة السجون” لا تتطرق إلى ظروف موت المعتقلين أو السجناء الأمنيين الذين ليسوا من مواطني إسرائيل. ولم تُقدم أي إجابة على سؤال إذا كانت جثة الطبيب أرسلت للتشريح، كما هي العادة بعد موت معتقل في السجن الذي تديره “المصلحة”. في رد المصلحة الرسمي، جاء أنه “يجب التوجه إلى الجهة المسؤولة”.

ثمة شهادات حول وضع البرش في الاعتقال قدمها معتقلون فلسطينيون أطلقت إسرائيل سراحهم وعادوا إلى القطاع بعد التحقيق معهم، من بينهم أطباء تحدثوا مع أبناء عائلته ومع “هآرتس”. وحسب أقوالهم، فقد التقوا معه في منشأة الاعتقال في بئر السبع. “بصعوبة تعرفنا عليه”، قال أحد الأطباء. “كان من الواضح أنه مر بجهنم، تعذيب وإهانة وعدم نوم. لقد عانى من الألم ونقص شديد في التغذية. حاولنا التحدث معه وتهدئته، لكنه كان مصدوماً وظهر خائفاً ومتألماً. لم يكن الشخص الذي عرفناه، بل ظله”. نفس هذا الطبيب قال إنه قبل اعتقاله لم يكن البرش يعاني من مشكلات صحية، وحتى أنه حرص على ممارسة السباحة والحفاظ على لياقته. لذلك هو على قناعة بأنه مات نتيجة ظروف الاعتقال.

“كنا نعتبر الدكتور البرش رمزاً لنا، نموذجاً للتقليد ومصدر إلهام”، قال صديقه. “فجأة، رأينا شخصاً محطماً، بصعوبة يتحدث ويفهم ما الذي يحدث حوله. بعد ذلك، وصلنا بيان غامض بأنه توفي”. كان البرش قريب مدير عام وزارة الصحة في القطاع، الدكتور منير البرش، الذي أبلغ منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” بأنه حاول الحصول على معلومات حول مصيره بعد اعتقاله. والمعلومة الوحيدة التي تم الحصول عليها هي موت البرش عن طريق هيئة الأسرى الفلسطينيين، التي ارتكزت إلى معلومة مصدرها هيئة التنسيق والارتباط الفلسطينية التي تعمل بالتنسيق مع قسم منسق أعمال الحكومة في “المناطق” [الضفة الغربية].

كان البرش اختصاصياً في جراحة العظام، لا سيما علاج المرافق والكسور المعقدة. قال أصدقاؤه إنه منذ اندلاع الحرب، كرس كل وقته لمعالجة المصابين نتيجة إصابتهم بالانفجارات في القطاع، التي أوصلت جهاز الصحة إلى شفا الانهيار. هو نفسه أصيب إصابة طفيفة في هجوم على المستشفى الإندونيسي، وعاد إلى العمل بعد تلقي العلاج.

حسب وزارة الصحة في غزة ووزارة الصحة في رام الله، فإنه منذ اندلاع الحرب قتل 496 طبيباً وأعضاء من الطواقم الطبية والإسعاف الأولي وأصيب 1500 وتم اعتقال 309 أطباء. نشرت “هآرتس” أنه في فترة الحرب توفي حوالي 30 معتقلاً غزياً في منشآت الاعتقال في إسرائيل، 27 منهم ماتوا في المعتقلات العسكرية، مثل منشأة “سديه تيمان”، 6 منهم على الأقل تم إجراء تشريح لهم بعد وفاتهم؛ لفحص ظروف موتهم. اثنان آخران، أحدهما البرش، ماتا عندما كانا في مصلحة السجون. قالت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين إنها توجهت إلى الأمم المتحدة والصليب الأحمر وطلبت منهم العمل فوراً ضد ما اعتبرته “سلوكاً إجرامياً” تمارسه السلطات الإسرائيلية بخصوص المعتقلين الفلسطينيين، ومن بينهم الأطباء.

جاكي خوري – بار بيلغ

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية

ترجمة: صحيفة القدس العربي