يميل الخبير الاستراتيجي العسكري الأردني الفريق قاصد محمود إلى قراءة متأنية سياسية قبل الاعتبارات العسكرية لما يحاول العدو الإسرائيلي أن يفعله ويقوله في ملف الهجوم على مدينة رفح معتقدا بأن العملية العسكرية الجارية الآن في رفح أقرب إلى تصعيد مدروس له أهداف سياسية بتفويض أمريكي وشبه توافق مع مصر.
في تحليل الفريق محمود الذي يتابع بعين تشخيصية دقيقة تفاصيل العدوان الإسرائيلي ثمة اعتبارات سياسية داخلية وأخرى عربية وأمريكية ودولية للعملية العسكرية في رفح، موقنا بأن حكومة بنيامين نتنياهو ستغادر المسرح بكل تأكيد وتجر معها خيبتها الاستراتيجية بعد عملية رفح وبصرف النظر عن النتائج.
يتوقع الفريق قاصد محمود نائب رئيس الأركان الأردني سابقا مشهدا بعد عملية رفح يلقي فيه نتنياهو خطاب الانسحاب السياسي والضمور متذاكيا ويهدف للتمهيد للمستقبل والإفلات قدر الإمكان من تحمل المسؤولية عبر الادعاء بتحملها شخصيا.
السيناريو الذي يفترضه محمود في شرح مفصل لـ”القدس العربي” أن نتنياهو سيعلن تحمله المسؤولية السياسية ثم الاستقالة بعدما يراهن على المراوحة ما بين جناحين في اليمين الإسرائيلي أحدهما متطرف جدا والأخر متطرف بكل حال، حيث الحالة السياسية الداخلية الإسرائيلية تشير إلى نضوج حالة صدام بين جناحي اليمين فيما يلعب نتنياهو على الحبلين ويراهن على اليمين المعتدل نسبيا لإنقاذ نفسه والمغادرة بأقل الخسائر.
في الحسابات السياسية الإسرائيلية الداخلية معركة رفح “ضرورة ملحة” ومهمة وتحظى بغطاء أمريكي وآخر عربي مع أنه في المجتمع الدولي لم يعد ثمة موقف أوروبي فأوروبا منقسمة ومشتتة.
في مقايسات الجنرال محمود معركة رفح ضرورة عسكرية لكنها لن تقود إلى إنجاز عسكري مهم فالمعركة برمتها لن تنتج حالة نصر حقيقية وما تريده المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الآن في معركة الفصل الأخير هو ضرب عصفورين بحجر واحد.
العصفور الأول هو البحث عن بعض رمزيات الانتصار والسيطرة وهذا يحققه للعسكر التواجد على الحدود مع مصر ورفع علم إسرائيل على المعبر قبل الوقوف على محطة الاتفاق على صفقة تبادل.
والعصفور الثاني هو ذلك المتمثل بأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في رفح تحاول عزل نفسها عن الفشل الاستراتيجي ويمكنها أن تقول بعد رفح إنها احتلت ودمرت غزة بالكامل وإنها مضت بالمشوار إلى نهايته وبأن المؤسسة العسكرية امتثلت للمستولى السياسي.
المؤسسة العسكرية، برأي محمود، تحتاج لأن تقول للداخل والخارج إنها امتثلت ونفذت ما تريده المنظومة السياسية وبالتالي لاحقا قد يسمح ذلك بالقول إن الجيش ليس مسؤولا عن الفشل بل إنه قاتل حتى النهاية وقتل ودمر امتثالا للمستوى السياسي.
عملية رفح برأي الجنرال محمود محدودة ولن تكون واسعة جدا وتحظى بغطاء أمريكي مادامت بهذه المواصفات لأنها بوضعها الحالي ضرورة أيضا في إطار الحساب الانتخابي للإدارة الأمريكية الحالية.
واحدة من الميكانيزمات الأساسية في معركة رفح هو أنها قد تؤدي ضمن الاحتمالات إلى نجاح أو انتصار مزعوم وما يراهن عليه الإسرائيلي هو تحقيق هذا الزعم في رفح الآن إما بالإعلان عن تدميره ما تبقى من أنفاق أو تدمير أنفاق رفح تحديدا التي تعتبر أساسية عملياتيا خصوصا في تهريب السلاح والذخائر والتزويد أو عبر اصطياد أسير ما هنا أو هناك أو تحرير رهائن.
وبمعنى آخر يتوقع الجنرال محمود أن يشتغل جيش الاحتلال الإسرائيلي هندسيا وسيزعم الإسرائيليون لاحقا بأنهم يحققون إنجازات في مسألة الأنفاق وضرب بنية كتائب المقاومة بهدف حفظ ماء وجه اليمين المتشدد فيما المطلوب أن يبدأ اليمينيون معا بالتلاوم.
ويريد الجيش أن يقول إنه التزم بتنفيذ التوجه السياسي حتى أنه أعاد احتلال غزة كلها فيما عدم وجود حسم وانتصار عسكري واضح لتنفيذ الأهداف مسألة مرتبطة بإخفاق المستوى السياسي الذي لم يحدد أهدافا معقولة للحرب.
تلك الرمزيات التي يبحث عنها الإسرائيليون في رفح برأي الفريق محمود لا قيمة لها استراتيجيا طالما بقيت المقاومة موجودة في قطاع غزة وقادرة على الضرب والاشتباك مع ملاحظة أن القيادة السياسية في حركة حماس والمقاومة تلاعب النتائج والوقائع في إطار توظيف سياسي معقول وتحقق اختراقات.
والمقاومة برأي محمود عموما صمدت، واستراتيجيا مع ما يشهده العالم اليوم هي التي كسبت بالتأكيد والقضاء على المقاومة لم ولن يحصل والمستوى الاستراتيجي حسم لصالحها وما بقي أمام حكومة نتنياهو بعد رفح هو المغادرة بأقل الخسائر والترتيب الواضح أمريكي وإسرائيلي وعربي لا علاقة له بالمقاومة.
“سلاح المقاومة موجود وبنيتها التحتية متعافية وبالتالي لن تخسر استراتيجيا”.
ويقدر الخبير الفريق محمود أن عملية رفح محدودة ومن الصعب أن تتطور إلى عملية واسعة جدا إلا إذا وجدت “لقية” غير متوقعة والمقصود نجاحات خارج التوقع ففي مثل هذه المرحلة ستبدأ إسرائيل بعملية أضخم والإشارة الأبرز على أنها محدودة هو أن التكتيك العسكري المستخدم حتى الآن في رفح له مقاصد توظيف سياسي داخليا لأنه لم يستخدم تقنية إسرائيل المعتادة في الصدمة الكبرى عسكريا.
وبالتالي بعد رفح المحدودة المشار إليها ستختلط كل أوراق البانوراما الداخلية الإسرائيلية فنقاشات اليمين في بعضه البعض انتهت بسيناريو مفترض بالإفراج عن الرهائن بصفقة وهو إنجاز بالمواصفة الإسرائيلية المطلوبة سينتهي بأن يستقيل نتنياهو بصيغة متذاكية تحافظ على الممكن من مستقبله السياسي.
خلاصة القول بالنسبة للفريق محمود: “المقاومة حققت مكاسب استراتيجية كبيرة.. لا نقاش في ذلك”.
المصدر: صحيفة القدس العربي