الاحتلال يحارب لقمة عيش الفلسطينيين عبر التنكيل بالعمال

Spread the love
image_pdfimage_print

تعمّد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه المتواصل على الفلسطينيين إبادة مصادر رزقهم وتجويعهم، وبات من لم يمت بالرصاص في مواجهة الموت جوعاً.

وفي هذا الإطار، كشف رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد، لـ”العربي الجديد” عن أن مئات الآلاف من العمال في الضفة والأراضي المحتلة فقدوا أعمالهم بسبب العدوان الإسرائيلي، مؤكداً أن الكارثة الكبرى في قطاع غزة، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 100% تقريباً. 

حكايات مأساوية للعمال 

بعد جهد جهيد، تمكن عبيدة حداد من مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية المحتلة من العمل سائقاً في مكتب للنقليات في المدينة، بعد نحو خمسة أشهر على فقدانه لعمله في مجال الاعتناء بالحدائق البيتية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، عقب أحداث الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

الرجل الذي ناهز الستين من عمره يعمل في هذا المجال في الداخل المحتل منذ أكثر من أربعين عاماً، ولا يجيد عملاً آخر غيره، وهذا النوع من الأعمال لا يلقى اهتماماً في الضفة الغربية، لذلك لم يكن أمامه كي يواصل الإنفاق على أسرته الكبيرة المكونة من ثمانية أشخاص، من بينهم طالبان جامعيان، أحدهما يدرس الطب البشري والآخر الهندسة، إلا البحث عن عمل يمكنه القيام به وهو في هذه السّن المتقدمة، فكان الحل بأن يعمل سائقاً لنقل الركاب، كما يؤكد لـ”العربي الجديد”.

أما ياسر بدران، من مدينة طولكرم، فقد خسر عمله في مجال الخياطة، وسرّح ثلاثة من العمال كانوا يعملون معه، بعد أن أغلق مشغله المتواضع، عقب بدء العدوان على غزة، وهو اليوم يقف على بسطة لبيع الخضار وسط السوق.

يقول بدران لـ”العربي الجديد”: “حتى قبل هذه الأحداث كان قطاعنا في أسوأ أحواله، فكيف بعد الإغلاقات وتوقف إرسال الملابس التي نحيكها للتجار في الداخل المحتل؟!

ويواصل قائلا: ” للأسف، سوق الضفة الغربية مغرق بالملابس الرخيصة المستوردة من الصين وتركيا، ونادراً ما تجد متجراً يعرض ملابس من إنتاج محلي، لذلك كنّا نتعاقد مع مشاغل خياطة ضخمة وشركات ملابس إسرائيلية، ترسل إلينا القماش لنعيده إليها ملابس جاهزة، كالقمصان والسراويل وغيرها. ولكن تلك الجهات توقفت عن التعاقد معنا منذ معركة طوفان الأقصى”.

بطالة مئات الآلاف 

أسوة بحداد وبدران، فقد أكثر من ربع مليون عامل فلسطيني حسب اتحاد نقابات عمال فلسطين مصادر دخلهم التي كانوا يتحصلون عليها جراء عملهم في قطاعات كثيرة مثل البناء والزراعة والخدمات لدى أرباب العمل “الإسرائيليين”، وهؤلاء كانوا يضخون ملايين الشواكل (عملة إسرائيلية) في السوق الفلسطينية، ويحركون عجلة البيع والشراء بشكل ملحوظ.

في حين يقدّر الاتحاد على لسان رئيسه شاهر سعد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن أكثر من 100 ألف عامل فقدوا أعمالهم كلياً أو جزئياً في الضفة الغربية للأسباب ذاتها.

ويقول سعد: “بالتالي، نحن نتحدث عن أكثر من 350 ألف شخص باتوا عاطلين من العمل بصورة أو بأخرى. أما الكارثة الكبرى، فهي في غزة، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 100% تقريباً بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر”.

وحسب الاتحاد، هناك 190 ألف عامل فلسطيني من الضفة وغزة يعملون بشكل رسمي بسوق العمل الإسرائيلية، ونحو 60 ألفاً يدخلون عبر طرق التفافية، وجميعهم تقريباً توقفوا عن العمل بسبب العدوان.

كذلك أُلغيَت تصاريح 19 ألف عامل من غزة، في وقت اعتقلت إسرائيل أكثر من 4600 عامل من القطاع، كانوا يتواجدون بأماكن عملهم ونكلت بهم واعتدت عليهم، وقتلت 3 منهم إثر التعذيب خلال التحقيق معهم، كذلك قتلت عاملاً يعمل في قطاع النقل في الخليل، إضافة إلى قتل المستوطنين عاملاً فلسطينياً في أثناء عمله بقطاف الزيتون قرب نابلس.

وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى وجود أكثر من 651 ألف عاطل من العمل في فلسطين، منهم 393 ألفاً في قطاع غزة، و258 ألفاً في الضفة الغربية في عام 2023. 

توقف عجلة الاقتصاد 

ويرجع سعد أسباب فقدان عمال الضفة لأعمالهم، إلى “توقف عجلة الاقتصاد، وضعف عمليات البيع والشراء، وإغلاق عشرات المؤسسات لأبوابها، نتيجة اعتداءات الاحتلال المستمرة وإغلاقه للمدن والقرى بالحواجز العسكرية، وتوقف دخول المتسوقين من المناطق المحتلة عام 1948 لأسواق الضفة الغربية.

وهؤلاء كان لهم دور كبير في الإنفاق على شراء المستلزمات وإشغال قطاع الخدمات تحديداً مثل المطاعم والفنادق وأماكن التسوق والتنزه والسياحة”.

فعلى سبيل المثال، يشكل قطاع السياحة 11% من سوق العمل الفلسطينية، وقد تعطل بالكامل، حيث توقف خمسة آلاف عامل عن أعمالهم، فيما تراجع قطاع البناء في الضفة الغربية بنسبة 35%، حيث كان يعمل فيه 120 ألف عامل قبل الحرب، وفق سعد.

والعمال من أكثر المتضررين، حيث يقول سعد: “هناك من العمال من تراكمت عليه أجرة البيت أو قسط الشقة التي اشتراها، واضطر إلى إرجاع الشيكات التي كتبها على نفسه، وهناك من دفعته الظروف إلى تأجيل تسجيل أبنائه في الجامعات.

معظمهم لم يجد عملاً حتى اليوم، ومن حالفه الحظ افتتح مشروعاً صغيراً، كأكشاك بيع المشروبات الساخنة، والباردة، والأطعمة الشعبية، أو العمل في مجال غير تخصصه لينفق على عائلته”. 

عجز الحكومة الفلسطينية 

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي سامح العطعوط لـ”العربي الجديد” أن “الحكومة الفلسطينية لم تفعل أي شيء تجاه ما يمكن أن أصفه بالكارثة الاقتصادية التي حلّت علينا جراء هذه الأرقام المفزعة للبطالة وفقدان مئات الآلاف لمصادر دخلهم، سواء في الداخل المحتل أو الضفة الغربية”، فيما يلفت إلى أن الحال في غزة لا يمكن وصفه في ظل مواصلة العدوان الإسرائيلي.

ويتابع العطعوط: “مررنا بحالة مشابهة، وإن كانت أقلّ حدة وتأثيراً، خلال جائحة كورونا، عندما وصلت البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وأصاب الشلل الغالبية العظمى من القطاعات، حينها قدمت الحكومة حلولاً ركيكة للأزمة تمثلت بتأسيس صندوق (وقفة عز) الذي وفر مبالغ مالية بسيطة جداً لنسبة معينة من العمال، لكننا اليوم نشهد غياباً تاماً للجهات الرسمية حتى بعد مرور هذه المدة الطويلة، فلم نسمع عن خطط لاستيعاب الأيادي العاملة الماهرة، كافتتاح مشاريع أو توفير عقود تشغيل مؤقتة، أو حتى إقراض العمال، وبالتالي ترك العامل وحيداً يواجه مصيره”.

ويلفت العطعوط إلى أن فاتورة أجور العمال الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني تتجاوز شهرياً 1.5 مليار شيكل (نحو 400 مليون دولار)، إذ يعدون أهم مورد مالي للأسواق الفلسطينية، حيث يبلغ متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني هناك قرابة 300 شيكل (نحو 81 دولاراً)، وهو أكثر بكثير من أجرة الذي يعمل لدى رب عمل فلسطيني.

أحدث تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، أول من أمس، يقول إن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وسياسات الاحتلال في الضفة سيرفعان معدل البطالة بين الفلسطينيين إلى أكثر من 50%

ويقول العطعوط: “رغم الأثر الكبير لغياب هذه المبالغ عن أسواقنا، لم تحرك السلطة الفلسطينية ساكناً، واكتفت بالمناشدات لمساعدتها في تجاوز الأزمة”. 

شلل سوق العمل 

وإذا أنتقلنا إلى التقارير العالمية نجد أن أحدث تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، أول من أمس، يقول إن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وسياسات الاحتلال في الضفة سيرفعان معدل البطالة بين الفلسطينيين إلى أكثر من 50%.

وأظهر التقرير أن أكثر من نصف مليون وظيفة فقدت بالفعل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما بدأت إسرائيل الحرب على قطاع غزة. وأنه إذا استمر الصراع حتى نهاية مارس/ آذار، فإن معدل البطالة سيرتفع إلى 57%.

وقالت المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية، ربا جرادات، إن تدمير البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والأعمال التجارية في غزة “دمّر قطاعات اقتصادية بأكملها، وأصاب نشاط سوق العمل بالشلل، مع تداعيات لا توصف على حياة الفلسطينيين وسبل عيشهم لأجيال قادمة”.

وفي غزة، فُقدت نحو 200 ألف وظيفة، وهو ما يمثل نحو ثلثي إجمالي العمالة في القطاع.

وتوقع تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر أول من أمس، تفشي المجاعة من الآن إلى مايو/ أيار في شمال قطاع غزة. وجاء في التقرير المستند إلى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى “كارثياً من الجوع” في جميع أنحاء قطاع غزة ارتفع إلى 1.1 مليون، بما يمثل نحو نصف السكان.

في حين أكد مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم الاثنين، خلال اجتماع لوزراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل أن “غزة كانت قبل الحرب سجناً مفتوحاً. باتت اليوم أكبر مقبرة مفتوحة”.

سامر خويرة

المصدر: صحيفة العربي الجديد