على الرغم من بدء الاحتجاجات ضد الطاقة النووية في ألمانيا، مطلع سبعينيات القرن الماضي؛ فإن تخلي البلاد عن هذه الطاقة قبل الفحم أثار انتقادات نشطاء البيئة؛ لاعتبارات تتعلّق بتحول الطاقة إلى المصادر المتجددة.
وكانت ألمانيا قد أوقفت تشغيل آخر 3 محطات للطاقة النووية لديها، قبل عام واحد من الآن، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي مواجهة تغير المناخ، والدعوات لتسريع الاستغناء عن الوقود الأحفوري، وأزمة الطاقة التي تفاقمت بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، أثار تحرك برلين للتخلي عن الطاقة النووية قبل مصادر الطاقة كثيفة الكربون مثل الفحم انتقادات كبيرة من جانب مجموعات حماية البيئة.
وبحسب مقالٍ نُشر حديثًا، يمكن فهم هذا القرار في سياق التطورات الاجتماعية والسياسية خلال مرحلة ما بعد الحرب في ألمانيا؛ حيث سبقت مناهضة الأسلحة النووية الخطاب المناخي العام.
مناهضة الطاقة النووية في ألمانيا
بدءًا من الكتاب الأكثر مبيعًا في ألمانيا الغربية عام 1971، الذي يحمل عنوانًا مثيرًا للذكريات: “السلام يتحوّل إلى كارثة.. توثيق محطات الطاقة النووية”، إلى الاحتجاجات الضخمة التي شارك فيها مئات الآلاف، حظيت الحركة المناهضة للطاقة النووية بالاهتمام الوطني وتعاطف واسع النطاق.
وأصبحت هذه الحركة قوة سياسية كبرى حتى قبل وقوع كارثة تشيرنوبيل في عام 1986، بحسب مقال للباحث لدى مركز كامبريدج للبيئة والطاقة وإدارة الموارد الطبيعية تريفيليان وينغ، نشره موقع ذا كونفرسيشن (The Conversation) المعني بتغطية التحليلات الإخبارية والتقارير البحثية.
وتضمّنت دوافعها ما يلي: عدم الثقة بالتكنوقراطية، والمخاوف البيئية والسلامة، والشكوك في أن الطاقة النووية يمكن أن تؤدي إلى انتشار الأسلحة النووية.
وبدلًا من ذلك، دافع الناشطون عما عدّوه بدائل متجددة أكثر أمانًا وأكثر مراعاةً للبيئة، ويسهل الوصول إليها مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتبنّوا وعدهم بتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، والمشاركة المجتمعية، وتمكين المواطنين (ديمقراطية الطاقة).
تحول الطاقة في ألمانيا
يُعد التناقض مع حركة “فرايدايز فور فيوتشر” التي أطلقتها ناشطة المناخ السويدية غريتا تونبرغ وشعارها “استمع إلى الخبراء” لافتًا للنظر.
لقد رفض جيل الناشطين الأكبر سنًا -عمدًا- الخبرة السائدة في ذلك الوقت، التي كانت تنظر آنذاك إلى الطاقة النووية المركزية بصفتها “المستقبل”، ورأوا أن النشر الشامل لمصادر الطاقة المتجددة الموزعة حلمًا بعيد المنال.
وكانت هذه الحركة المبكرة مفيدة بإنشاء حزب الخضر في ألمانيا -وهو الحزب البيئي الأكثر نفوذًا في العالم حاليًا- الذي ظهر عام 1980 ودخلت الحكومة الوطنية لأول مرة في المدة من 1998 إلى 2005 شريكًا للحزب الديمقراطي الاجتماعي.
وحظر هذا التحالف المفاعلات الجديدة، وأعلن إغلاق المفاعلات القائمة بحلول عام 2022، وأصدر مجموعة من التشريعات التي تدعم الطاقة المتجددة.
وهذا بدوره أدى إلى تعزيز النشر الوطني لمصادر الطاقة المتجددة، التي ازدادت من 6.3% من إجمالي استهلاك الكهرباء المحلي عام 2000 إلى 51.8% عام 2023.
تجدر الإشارة إلى مشكلة سياسية مستمرة أخرى تتمثّل في مكان تخزين النفايات النووية بالبلاد، وهي قضية لم تتمكن ألمانيا من حلها مطلقًا.
ولم يوافق أي مجتمع على استضافة مثل هذه المنشأة، وقد شهدت المناطق المُخَصصة لهذا الغرض احتجاجات واسعة النطاق.
وبدلًا من ذلك، خُزِّنَت النفايات المشعة في مرافق مؤقتة قريبة من المفاعلات القائمة، وهو ما لا يُشكِّل حلًا طويل الأمد.
الطاقة النووية لا تحظى بشعبية
تؤكد استطلاعات الرأي الوطنية النفور الراسخ من الأسلحة النووية. وحتى في عام 2022، خلال ذروة أزمة الطاقة الأخيرة، وجد استطلاع أن 52% يعارضون بناء مفاعلات جديدة، على الرغم من أن 78% يؤيدون التمديد المؤقت للمحطات القائمة حتى صيف 2023.
ويعتقد 51.6% من الألمان، حاليًا، أن هذا كان سابقًا لأوانه، واعتُبر التأجيل الإضافي غير ممكن سياسيًا؛ نظرًا إلى المناهضة الشديدة للطاقة النووية لدى حزب الخضر وقطاعات كبيرة من السكان.
من ناحية أخرى، لم تتحقق التوقعات بأن الخروج النووي من شأنه أن يجعل ألمانيا مضطرة إلى استعمال المزيد من الفحم ومواجهة ارتفاع الأسعار ومشكلات العرض، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وفي مارس/آذار 2023 -وهو الشهر الذي سبق التخلص التدريجي- كان توزيع توليد الكهرباء في ألمانيا بنسبة 53% من الطاقة المتجددة، و25% من الفحم، و17% من الغاز، و5% من الطاقة النووية. وفي مارس/آذار 2024، كانت نسبة الطاقة المتجددة 60%، والفحم 24%، والغاز 16%.
وشهد العام الماضي إنتاجًا قياسيًا للطاقة المتجددة على مستوى البلاد، وأدنى مستوى في استعمال الفحم منذ 60 عامًا، وتخفيضات كبيرة في الانبعاثات، وانخفاض أسعار الطاقة.
نوار صبح
المصدر: منصة الطاقة المتخصصة