المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي خرج عن المألوف في إجابته في هذه المرة، فقد تطرق إلى قتل الصحافيين: حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا. اسمهما في قائمة أعضاء المنظمات المسلحة، “الجهاد الإسلامي” وحماس، التي تم العثور عليها أثناء الحرب، قال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، وأرفق صورة لوثيقة يبدو أن اسم الدحدوح مكتوب فيها. ولم يتم إرفاق صورة لوثيقة تضم اسم ثريا.
هذه الإجابة التي انتظرتها تقريباً يومين ونصف بعد إرسال سؤالي إليه، نشرت في نفس الوقت كبيان عام للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، ونشرته وسائل إعلام إسرائيلية كما هو. ثمة أسئلة أخرى أرسلتها للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي والتي موضوعها قتل جماعي ضد الفلسطينيين في هذه الحرب، فأجيب عنها بإجابات عامة ومتملصة. لذا، يجدر السؤال لماذا “حصلنا” هنا بالذات على إجابة مفصلة؟
السبت 6 كانون الثاني والأحد، تم تفجير بيت في قرية نصر شمالي رفح. كان في المبنى نازحون من عدة مناطق من القطاع، جميعهم من أبناء عائلة أبو النجا. يسمى المبنى “شاليه”، رغم أنه بني بالباطون. هكذا تعتبر مئات المباني الصغيرة المشابهة التي ظهرت في السنوات الأخيرة في مناطق مفتوحة نسبياً في قطاع غزة: استخدمتها عائلات أرادت الابتعاد لبضع ساعات عن اكتظاظ المدينة وعن مخيمات اللاجئين، والاستجمام على بعد 20 دقيقة عن البيت. هي قريبة من البحر أو مناطق زراعية جنوب شرقي هذا الجيب المغلق. اليوم يعيش فيها آلاف النازحين. بالمناسبة، كبار السن ما زالوا يسمون قرية نصر “موراج” (على اسم مستوطنة موراج التي أخليت في 2005). نُشر بيان في صفحة عائلة أبو النجا في الفيسبوك، لكن عن 15 شهيداً، هم: الحاج صالح أبو النجا، زوجته وأولاده السبعة وأحفادهما، وعن فتح بيت عزاء في ديوان العائلة الموسعة في حي الجندي بمدينة الزرقاء الأردنية.
عندما جاء المراسلون والمصورون قبل الظهر، كانت آخر الجثث لم يتم إخراجها بعد. حملها الجيران بالبطانيات إلى سيارة الإسعاف. مصطفى ثريا أطلق حوامة. وفي الساعة 11:00 صباحاً أطلق صاروخ من مسيرة إسرائيلية على مجموعة من المراسلين، انفجر الصاروخ قربهم، وأصيب اثنان منهم. افترض المراسلون أن الأمر يتعلق بصاروخ تحذير (مثل الصاروخ الذي يستخدم في “اطرق على السطح”)، ويطلب منهم الابتعاد. قال أحدهم للقناة البريطانية الرابعة إن الحوامة لم تتمكن من تصوير أكثر من أربع دقائق. وضع المصابون في سيارة الإسعاف مع الجثث، ثم اتجهت مسرعة إلى رفح. سافرت وراءها سيارة من نوع “سكودا” سوداء، كان فيها باستثناء السائق، ثلاثة مراسلين. فجأة، أصاب السيارة صاروخ آخر أطلقته المسيرة الإسرائيلية في شارع عمر بن الخطاب برفح. السائق قصي سالم قتل ومعه اثنان من المراسلين الثلاثة، ثريا وحمزة الدحدوح، وأصيب المراسل الثالث.
تعرض القناة الرابعة في التقرير بياناً للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي باللغة الإنجليزية في اليوم نفسه، الذي يفيد بأنه تم تشخيص ومهاجمة مخرب قام بتشغيل طائرة عرضت قوات الجيش الإسرائيلي للخطر. لم أعثر على مثل بيان كهذا في يوميات الحرب في الإنترنت للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي باللغة العبرية. ولم أجد أيضاً بياناً يرمز إلى قصف بيت أبو النجا وذريعة ذلك. كسر قتل الصحفيين هذه المرة حتى سقف التجاهل الإسرائيلي. الدحدوح هو الابن البكر لوائل الدحدوح، مراسل قناة “الجزيرة” المخضرم. في تشرين الأول، قتلت قنبلة إسرائيلية زوجة وائل وابنه وابنته وحفيده. في الأسبوع الماضي، انشغلت وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والدولية، بمأساته الشخصية وبحقيقة أنه عاد إلى البث على الفور بعد الجنازة. لذا، سألت المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن رده حول استنتاج كثير من الصحفيين بأن الجيش الإسرائيلي ينتقم من الدحدوح من خلال قتل أبناء عائلته.
في بيان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي الأربعاء، كتب أنه قبل مهاجمتهم شغل القتيلان حوامات شكلت خطراً على قواتنا. أجابني المتحدث بشكل شخصي أن الادعاء بمهاجمة الجيش الإسرائيلي للهدف على سبيل الانتقام هو ادعاء لا أساس له من الصحة. ثم سألته أيضاً عن قصف بيت أبو النجا، فأجاب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بنفس الإجابة التي سألت فيها عن القتل الجماعي لأبناء عائلة في بيتهم: “لا نعرف عن مهاجمة بيت في حي النصر، كما وصف في الشكوى. عندما نحصل على تفاصيل أخرى “سنفحص” الأمور. أقدر أن البيان بشأن قتل الصحافيين والكشف عن سبب قتلهما بشكل مفصل جداً جاء بسبب الضجة الإعلامية. ولكن هناك سبباً آخر، وهو اعتبار أن “الضرر الجانبي” صغير- السائق “فقط”. في الوضع الروتيني في هذه الحرب؛ أي قصف البيوت على رؤوس سكانها، يفضل الجيش الإسرائيلي الحفاظ على الضبابية التي تخفي حجماً كبيراً لـ “الضرر الجانبي” الذي يسمح به، والذي يخفي هوية الهدف.
نقابة الصحافيين الفلسطينيين شككت في صحة ادعاءات إسرائيل بأن الدحدوح وثريا كانا عضوين في “الجهاد” وحماس. ولكن في هذا التشكك نوع من قبول ادعاء إسرائيل الذي يفيد بتبرير قتل أي فلسطيني غير مسلح وغير مشارك في أعمال القتل، لكن له صلة بتنظيمات فلسطينية مسلحة. ووفقاً لهذا اللامنطق، سيأتي اليوم الذي سيبرر فيه الفلسطينيون في إحدى المحاكم الدولية قتل جنود إسرائيليين غير مقاتلين.
عميرة هاس
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية
ترجمة: صحيفة القدس العربي