في “اليوم التالي”: أمريكا مع “سلطة جديدة” والسيسي مع “حكومة خبراء” وإسرائيل بلا خطة.. ماذا عن أبو مازن؟

Spread the love
image_pdfimage_print

بدون تصريحات علنية وبيانات رسمية، التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لـ “تنسيق المواقف قبل اللقاءات مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن”. حسب تقارير واردة من القاهرة، تناقشا في وضع القطاع واتفقا على رفض قاطع لهجرة الفلسطينيين خارج القطاع. في المناسبة نفسها، هنأ محمود عباس السيسي لفوزه في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، وتمنى له النجاح في مهمته. لم يكن على محمود عباس ابن الـ 88 سنة أن يكلف نفسه عناء السفر إلى مصر من أجل هذا الاتفاق؛ كان يكفي إجراء مكالمة هاتفية وحتى بيان في “واتساب”.

 مصر ليست بحاجة لدعم من عباس كي ترفض أي فكرة، إسرائيلية أو أمريكية، تقول إن عليها استيعاب مئات آلاف سكان غزة على أراضيها. أوضح السيسي بكل الصيغ الممكنة أنه يفضل عدم طرح هذه الفكرة على مسامعه. ستواصل مصر مساعدة سكان غزة، التي ترسل إليهم قوافل الغذاء كل يوم، من قبلها أو التي تصل من دول أخرى عبر مطار العريش. ستكون مستعدة للمشاركة في إعمار غزة ومواصلة الوساطة في صفقة المخطوفين، ما دامت صفقات كهذه؛ لكن لن يمر أي فلسطيني عدا المرضى والمصابين ومن لديهم الجنسية المصرية من القطاع إلى أراضيها.

 لقد كان للرئيسين شأن مستعجل آخر للانشغال به، وهو إدارة غزة. على المدى القريب، وربما الآني – إزاء الضغط الأمريكي للسماح بعودة حوالي مليون غزي هاجروا من شمال القطاع، إلى بيوتهم – تظهر حاجة ملحة لتشكيل أجهزة مدنية لمعالجة احتياجات العائدين الضرورية؛ مثلاً، إقامة مساكن متنقلة أو وضع خيام. تم تدمير معظم المباني في الشمال، وهناك حاجة لإعادة إقامة بنى تحتية حيوية، منها شبكة المياه والمولدات، ثم الربط بشبكة كهرباء ما، وإعادة ترميم الخدمات الصحية على الفور.

 لا تملك حكومة إسرائيل الآن أي خطة حول الطريقة التي ستدار فيها عودة حوالي مليون شخص إلى أماكن سكنهم السابقة، ولا قرار حول من سيدير المنطقة التي ستبقى تحت سيادة الجيش الإسرائيلي الأمنية. فهي ليست مسألة تقنية فحسب؛ لأن ي قرار يتخذ في هذا الشأن، حتى لو اعتبر “ترتيباً مؤقتاً”، قد يتحول إلى ترتيب دائم. تعمل في القطاع تنظيمات محلية ولجان أحياء تهتم بتوزيع المواد الغذائية التي تصل بقوافل مساعدات إنسانية؛ لكنها لا تملك أدوات أو قدرة على إدارة المدن أو عدد كبير من السكان مثل شمال القطاع. لذلك، مطلوب تنسيق معقد، سواء مع مصر أو مع الدول المانحة الأخرى، أو مع إسرائيل التي ستحتفظ بصلاحية إعطاء المصادقة على أي نشاطات مدنية تجري في القطاع.

 ستحتاج هذه الأجهزة المحلية إلى قوة حماية، الشرطة والحفاظ على النظام، حتى لو من أجل منع المواجهات التي قد تنشأ بين المواطنين على الأراضي والسيطرة على المباني التي بقيت أو على الأنقاض. ثمة تجربة لأحداث مشابهة في دول أخرى مثل العراق وسوريا، تعلم بأن قوة الحماية مطلوبة للتعامل مع العصابات المحلية التي سيطرت على الممتلكات أثناء الحرب وفرضت الرعب على الأحياء السكنية وتصادمت مع السلطة الحاكمة. لا توجد في غزة الآن سلطة مركزية، سواء شرطة أو مراقبون أو منظمون. حتى وإن وجدت إسرائيل منظمات فلسطينية مدنية توافق على التعاون معها في إدارة منظومة إعادة الإعمار الأولية، فستضطر لتكون هي الشرطي المحلي الذي سيهتم بأمنهم.

       لا تمويل مع الاحتلال

كان رؤساء مدن ومخاتير وأصحاب مناصب إدارية أخرى، من رجال حماس أو أشخاصاً غير مؤيدين لأيديولوجيا حماس فيظهرون إخلاصهم ليحافظوا على مناصبهم. إذا كان لإسرائيل نية “تطهير” غزة من حماس، عسكرياً ومدنياً بالطبع، فعليها القيام بعملية تمشيط وغربلة كل جهاز أو تنظيم أو مؤسسة، وعليهم إدارة القطاع. يعيش في القطاع آلاف الموظفين الذين كانوا يحصلون على رواتبهم من السلطة الفلسطينية، على الأقل حتى الفترة التي قررت فيها إسرائيل خصم أموال ضريبة التي للسلطة، المبلغ المقدر الذي تحوله رام الله لدفع رواتبهم، وتمويل جزء من الخدمات العامة في القطاع مثل الصحة والمياه والكهرباء.

 هؤلاء الموظفون يشغلون عدداً من المناصب والوظائف التي شغلها موظفو حماس، لكن ستبقى فجوة كبيرة بين الاحتياجات والعرض المهني. عندما يعود هؤلاء إلى أماكن عملهم ستقرر إسرائيل من الذي سيمول وكيف نشاطات عشرات آلاف الموظفين. في الوضع الذي تعدّ فيه إسرائيل القوة الحاكمة في القطاع، حتى لو لم تعتبر وجودها في القطاع احتلالاً بل مقاتلة ضد حماس، فمشكوك فيه العثور على مصدر تمويل دولي أو عربي ثابت ويوافق على إعفاء إسرائيل من العبء الاقتصادي لإدارة القطاع. هذا التمويل لن يكون ممكناً إلا إذا حكم غزة نظام فلسطيني.

 للإدارة الأمريكية موقف واضح في هذه القضية: “سلطة فلسطينية محدثة”، هي الجسم الذي يجب ويمكنه تحمل مسؤولية ذلك. أما إسرائيل فلها موقف حازم بهذا الشأن؛ لن تسمح لأي سلطة فلسطينية، محدثة، مجددة، محسنة أو مصقولة، بدخول القطاع. لا يعتبر هذا رفضاً لأسباب أمنية تنبع من اعتبار السلطة الحالية “مؤيدة للإرهاب” أو منظمة إرهابية كما يعتبرها بعض أعضاء الحكومة وحتى رئيسها. وسيطرة أي سلطة فلسطينية، مهما كانت نقية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولها تأثير واضح في شرقي القدس أيضاً، يعني أنه بات لفلسطين للمرة الأولى منذ العام 2007 قيادة واحدة تمثل كل أجزاء الدولة التي تنوي إقامتها.

 ومعنى ذلك انهيار كامل لاستراتيجية أوجدها نتنياهو لوقف أي عملية سياسية، التي تفيد بأنه ما لم يوجد تمثيل فلسطيني موحد ومعترف به وسيطرة فلسطينية كاملة على كل مناطق الدولة المستقبلية، فليس هناك ما نجري المفاوضات بشأنه. حماس خدمت هذه الاستراتيجية، التي صيغ من أجلها مفهوم مشوه يقول بأن تحويل الأموال لحماس هو الذي سيجلب الهدوء. عندما تتوقف حماس عن حكم القطاع نهائياً، فسيختفي شريك نتنياهو الاستراتيجي، ولن يبقى إلا تهديد فظيع يفيد بأنه إسرائيل في ظل السلطة الفلسطينية، الحالية أو المحدثة، لن تستطيع استخدام ذريعة عدم وجود تمثيل كملاذ من أي عملية سياسية في المستقبل.

 يبدو أنه مفترق طرق يطلب تدخل الولايات المتحدة لتحديد الشروط التي ستجعل السلطة الفلسطينية مشروعة من أجل إدارة القطاع؛ وما هي طلبات الفلسطينيين المستعدة لتنفيذها لهذا الغرض. مثلاً، عقد مؤتمر دولي لمناقشة قضية حل الدولتين. لكن إغلاق هذه الدائرة ما زال بعيداً.

 تركزت محادثات السيسي مع عباس أمس حول هذا الأمر. يدور الحديث عن ضرورة تشكيل مبنى معقد يستند إلى طبقتين: في الطبقة الأولى سيتم تشكيل م.ت.ف موسعة ومحدثة، تضم أعضاء من جميع التنظيمات الفلسطينية، ضمن ذلك حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى. ومعنى ذلك تكوين تنظيم أعلى تعترف كل مكوناته بالقرارات الدولية والاتفاقات التي وقعتها م.ت.ف “القديمة” مع إسرائيل؛ من بينها “أوسلو”.

 ستولد من هذا الجسم الموسع سلطة فلسطينية لا تضم أعضاء من حماس أو “الجهاد الإسلامي”، وسيكون أعضاؤها “تكنوقراط” غير حزبيين. كانت هذه نظرية استخدمها السيسي حين عرض خطة المراحل الثلاث لإنهاء الحرب في قطاع غزة. ولكن تم شطب البند الذي يتناول تشكيل حكومة خبراء، بطلب من عباس. بدون ذلك، تصعب رؤية كيف سيتم تشكيل سلطة فلسطينية متفق عليها حسب الخطة الأمريكية، التي هي أيضاً ما زالت تعاني من غموض كبير.

تسفي برئيل

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية

ترجمة: صحيفة القدس العربي