صحيفة عبرية: “كرة ثلج متدحرجة”.. ما الذي تخافه إسرائيل من “لاهاي”؟

Spread the love
image_pdfimage_print

إن قرار إرسال أهرون باراك للبحث في محكمة العدل الدولية ليس أقل من دراما؛ فهو يدل على أن حكومة إسرائيل في مشكلة قانونية وإعلامية خطيرة للغاية، لدرجة أنها مستعدة لتطلب ممن اعتبرته أحد عظماء خصومها أن يمثلها في البحث إياه.

 البحث نفسه، الذي سيجرى يومي الخميس والجمعة من هذا الأسبوع استمراراً للالتماس الذي رفعته جنوب إفريقيا، هو بحث ذو مغزى كما ينعكس في البحث الجماهيري في إسرائيل. عملياً، ربما يكون البحث الأخطر الذي تصدت له إسرائيل منذ الأزل. وهو يجري في محكمة العدل الدولية في لاهاي (وليس في محكمة الجنايات)، استناداً إلى ميثاق منع الإبادة الجماعية من العام 1948. إسرائيل موقعة بالطبع على هذا الميثاق، الذي تعود جذوره إلى الحرب العالمية الثانية والكارثة، كما أنها موقعة على المادة التي تسمح لكل دولة برفع دعوى حتى لو لم تكن طرفاً مباشراً في النزاع، مثلما فعلت جنوب إفريقيا الآن. وهذا هو السبب الذي جعل إسرائيل تشارك في البحث ولا تقاطعه، مثلما درجت من قبل فيما يتعلق بمداولات محكمة الجنايات.

إخراج المدافع الثقيلة

 تبحث المحكمة في الالتماسات بهيئة كاملة من 15 قاضياً من العالم كله. وتتواصل المداولات نفسها لسنوات، لكن جنوب إفريقيا طلبت أيضاً إغاثة مؤقتة: أمر احترازي يأمر إسرائيل بوقف القتال فوراً. احتمال هذا ليس واضحاً، وقد تصدر للمحكمة مرسوماً أكثر “نحافة” يأمر إسرائيل بوقف الأعمال التي تعرض مدنيين للخطر، ومعناه العملي مشابه.

 لا معنى مباشراً لمثل هذا الأمر، لكن استمراراً له ستطلب دول من مجلس الأمن فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على إسرائيل. ربما ترى فيه دول ومنظمات مختلفة تأكيداً على أن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية بحق الفلسطينيين كي توقف اتصالات سياسية واقتصادية معها. هذه كرة ثلج خطيرة لا بد أن يستغلها أعداء إسرائيل، في الوسائط الإعلامية المختلفة وفي الجامعات؛ لخلق رأي عام مناهض لإسرائيل. ثمة تخوف حقيقي من أن يؤثر هذا الضغط على الإدارة الأمريكية بتقييد بيع وسائل قتالية لإسرائيل، وقد يؤدي أيضاً إلى تحقيق في محكمة الجنايات في لاهاي يتقرر في ختامه رفع دعاوى بحق سياسيين وضباط إسرائيليين كانوا مشاركين في القتال.

 لقد عرض هذا التحليل في الأيام الأخيرة أفضل الخبراء في البلاد على القيادة السياسية – الأمنية، وإلى جانب ذلك توصية واضحة: إرسال المدافع الأثقل إلى لاهاي. إلى جانب استئجار المحامي اليهودي البريطاني البروفيسور مالكولم شو ليمثل إسرائيل في البحث، تقرر إرسال قاض للجلوس في هيئة القضاة، وذلك وفقاً للنظام الذي يسمح للدولة موضع الدعوى (وكذا للدولة المدعية) للمشاركة في الهيئة من قبل قاض من قبلها.

اختيار ناجح

 اختيار باراك ناجح لثلاثة أسباب: الأول، أنه رجل قضاء رفيع المستوى يعرف أكثر من غيره كيف يمثل إسرائيل على النحو الأفضل. الثاني، لأنه يحظى بالاعتبار والاحترام لدى منظومة القضاء الدولية لا يملكه إسرائيلي غيره. والثالث، لأن خلافه العميق مع الحكومة ومع رئيسها يدل على أن الحديث يدور عن موضوع عموم إسرائيلي لا ينتمي لمثل هذه الحكومة أو غيرها.

 لن يكون تحدي باراك بسيطاً. جنوب إفريقيا أعدت دعوى جدية، تستند إلى جملة تصريحات لشخصيات عامة إسرائيلية دعت لإبادة/هدم/قصف/تهجير غزة. ستدعي إسرائيل أن هذه الأقوال لا تمثل موقفها الرسمي، لكنها ستكون مطالبة بأكثر من هذا: بإيضاحات واضحة مثلاً من جانب رئيس الوزراء بأن السياسة المقترحة من الوزيرين سموتريتش وبن غفير بتهجير مواطني غزة ليست بناء على رأيه وعلى رأي الحكومة، مثلما تطالب الولايات المتحدة، التي تستعين بها إسرائيل الآن في جهد جبار لكبح قرار محتمل من المحكمة ضدها.

 إن لاختيار أهرون باراك جانباً آخر أيضاً. ليس هناك من عانى مثله في هجمات تامة وممنهجة من أعضاء حكومة وأعضاء كنيست ومن آلة سم كاملة عملت بتكليف منهم، بما في ذلك صحافيون كثر. لم يتعرض أحد لمثل ما تعرض له سوى الباراك الثاني، إيهود، في محاولة لشرعنة التشريع القضائي الذي مزق إسرائيل في السنة الأخيرة.

 باراك من عظماء المدافعين عن جهاز الأمن الإسرائيلي ومن وقع على جملة قرارات محكمة شرعنت إجراءات أمنية كانت موضع خلاف. في عالم سليم النظام، فإن من خرجوا ضده –وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو ويريف لفين وسمحا روتمان وآخرون- كانوا سيطلبون المغفرة بالتأكيد، لكن للأسف، لن يعرفوا كيف يقدمون الشكر ليهودي مسن ناج من الكارثة وضع كل شيء جانباً وسيخرج هذا الأسبوع إلى لاهاي كي يدافع عن بلاده ضد أعدائها.

 يوآف ليمور

المصدر: صحيفة إسرائيل اليوم 

ترجمة: صحيفة القدس العربي