بعد أسبوع على مذبحة حماس في الغلاف، صعدت عائشة العزة (19 سنة) من الخليل إلى سطح بيتها. وقف أمامها شخص شخصت وجهه – أحد الجيران المستوطنين. ولكن في اليوم نفسه، ظهر عليه شيء آخر؛ كان يرتدي الزي العسكري ويحمل بندقة إم16. “بدأ يشتمني ووصفني بالكلبة، وذخّر سلاحه”، تذكرت. “رمى عليّ الحجارة عليّ أيضاً”. حسب قولها، استمر في رمي الحجارة حتى بعد نزولها عن السطح. قبل شهر تقريباً، أثناء عودتها إلى البيت من الحاجز، التقت مع مستوطن آخر يعيش قرب بيتها، كان الآخر يرتدي الزي العسكري. وطلب منها إظهار بطاقة الهوية، وبعد ذلك هاتفها. عندما رفضت إعطاءه الهاتف، هدد باعتقالها. “المستوطنون جنوداً أقسى بكثير من هؤلاء الجنود العاديين”، قالت. “الآن هم المسؤولون هنا”.
جيران العزة هم من بين المستوطنين الذين تجندوا للاحتياط عند اندلاع الحرب. بالإجمال، تم تجنيد 5500 من سكان المستوطنات لكتائب “هغمار” (الدفاع القطري)، من أجل الخدمة في المستوطنات وقرب القرى الفلسطينية. عقب تجنيدهم، توسعت صفوف “هغمار” بخمسة أضعاف، والآن يخدم فيها 7 آلاف شخص تقريباً، كما قال مصدر عسكري تحدث مع “هآرتس”، من بينهم أيضاً أعضاء في فرق الطوارئ داخل المستوطنات، الذين تم تجنيدهم من خلال الأمر 8. إضافة إلى التجنيد الواسع، وزع الجيش الإسرائيلي 7 آلاف قطعة سلاح تقريباً للكتائب وللمستوطنين الذين يستحقون ذلك.
وقال الجيش إن الحاجة إلى تجنيد واسع من أجل حماية المستوطنات ثارت عقب نقل القوات من الضفة إلى جبهة الجنوب والشمال. لا ينفون تجنيد المستوطنين بهذه السرعة، لكن في حالة واحدة على الأقل تم تجنيد وتسليح مستوطن، اعترف في السابق في إطار صفقة ادعاء بارتكاب جرائم اعتداء على فلسطينيين وعلى ناشط في اليسار. في حالة أخرى، تم إعطاء السلاح العسكري لمستوطن، اعترف في إطار صفقة ادعاء بسرقة ومهاجمة فلسطينيين. باستثنائهما، تم تجنيد مستوطنين يعرفهم الفلسطينيون ونشطاء يساريون من أحداث سابقة. منذ انضمام هؤلاء المستوطنين لصفوف الاحتياط في الضفة، بدأت تتراكم توثيقات وشهادات على تورطهم في أعمال العنف والتهديد وتخريب ممتلكات الفلسطينيين. في بعض الحالات، رد الجيش الإسرائيلي بفصلهم أو مصادرة سلاحهم، واكتفى أحياناً بتشديد الإجراءات.
“في السابق، كنا إذا شاهدنا مستوطناً تجند للخدمة في الجيش هنا، وكان يعيش قربنا، نحتج، فيبعدوهم”، قال عيسى عمر من الخليل، الذي قال للصحيفة إن الجنود اعتقلوه في اليوم الأول للحرب، وشخصهم كمستوطنين يعيشون قربه. وحسب قوله، كبلوه بشدة وعصبوا عينيه وضربوه وهددوه لعشر ساعات. “اعتقدت أنهم سيقتلونني، “كانت التجربة الأسوأ في حياتي. يمكنني التعامل مع الجنود حتى لو كانوا متعصبين، لكن المستوطنين الذين يرتدون الزي العسكري أمر غير محتمل”، قال.
لديك يوم لتهدم بيتك بنفسك
في الأيام العادية، كتائب “هغمار” في المستوطنات هي المسؤولة عما يسمى “مجال حماية المستوطنة”، وهو مفهوم غامض يتغير معناه فعلياً من مكان إلى آخر. ولكن منذ توسيع صفوفه، يبدو أن نشاط بعض هذه الكتائب بدأ ينزلق نحو العنف والإزعاج والتهديد للفلسطينيين سكان المنطقة. في 16 تشرين الأول مثلاً، دخل جنود من كتيبة هغمار ومستوطن معروف للسكان إلى قرية سوسيا برفقة جرافة بعد الظهر. شخص الفلسطينيون سائق الجرافة أنه مستوطن يعيش في بؤرة استيطانية مجاورة.
حسب شهاداتهم، هدم الجنود والمستوطن بيوتاً وبنى تحتية وحقولاً، وأغلقوا طرقاً تؤدي إلى القرية، وخلال ذلك منعوا السكان من الخروج من بيوتهم. وعندما خرج السكان اكتشفوا هدم ثلاث آبار للمياه، وتحطيم أنابيب مياه وبناية، وإغلاق مغارة وطرق تؤدي إلى القرية، واقتلاع أشجار زيتون وكروم عنب. المحامية قمر مشرقي، من جمعية “حقل”، توجهت في الوقت الحقيقي للإدارة المدنية لاستيضاح ما إذا كان تم إعطاء تعليمات لهدم بيوت في القرية. الجواب “لا”. بعد ذلك، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن القوة تجاوزت المهمة التي أرسلت إليها. وأضاف بأن الحادثة قيد الفحص.
بعد أسبوعين، شهدت القرية حادثة أخرى. حسب شهادة أحمد جابر، الذي يعيش هناك، اقتحم الجنود بيته ليل 28 تشرين الأول، وكان بينهم ملثمون. أيقظوه هو وأبناء عائلته، وأرعبوا بناته، في جيل 7 و8 سنوات. وقال إنهم أخرجوه من البيت وضربوه. “أخبرني: أمامك 24 ساعة لتهدم بيتك بنفسك. وإذا عدتُ ورأيت البيت على حاله، فسأطلق النار عليك”، قال جابر للصحيفة.
قال جابر إن الجنود جاؤوا في سيارات مدنية بلون أبيض. وأصيب برأسه وظهره في هذا الاقتحام، كما قال، لكنه لم يذهب إلى المستشفى؛ لأن الطرق كانت مغلقة. وفي الرد على سؤال للصحيفة، أجاب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بأنه لا علم له بالتفاصيل. لذلك، هو لا يعرف أي قوة عسكرية كانت مشاركة في هذه الأعمال، أو إذا كان الأمر متعلقاً بكتائب “هغمار” أو بمدنيين تقمصوا دور الجنود أو جنود عاديين.
في نهاية المطاف، لم يهرب جابر، لأنه عقب الحادثة، بدأ نشطاء ينامون عنده في البيت، بهذا المعنى هو محظوظ. حسب معطيات “بتسيلم”، هرب سكان 16 قرية في مناطق “ج” منذ بداية الحرب، من جراء أعمال العنف والتهديد التي يمارسها المستوطنون والجنود. ورغم أن تدخل الجنود في نشاطات من هذا النوع يعتبر استثنائياً بشكل خاص، فإن بعض الحالات تم ذكرها في الالتماس الذي قدمته المحامية مشرقي للمحكمة العليا في تشرين الثاني، وطلبت فيه من الجيش حماية التجمعات الفلسطينية. كانت الاعتداءات في جنوب جبل الخليل، وضمن ذلك في قرية وادي جحيش وشعب البطم وتعلاه. أشير في الالتماس أيضاً، أن الفلسطينيين شخصوا الجنود كمستوطنين من المنطقة في بعض الحالات.
وجاء من الجيش الإسرائيلي أنه “منذ بداية الحرب، تم فتح تحقيقين في الشرطة العسكرية حول الاشتباه بارتكاب جريمة جنائية من قبل جنود كتيبة هغمار في مناطق قيادة المنطقة الوسطى”. وقال الجيش إنه بخصوص عملية تجنيد جنود هغمار، فقد جرت عملية “فحص سريع بقدر الإمكان بخصوص كل حالة، واتخذت قرارات التجنيد وفقاً للظروف الخاصة. وفي حالة وجود معلومات أخرى لم تكن في يد الجهة المقررة في وقت التجنيد، فستتم إعادة فحص الأمر، وستتخذ القرارات حسب ذلك”. وجاء أيضاً بأن “قائد لواء يهودا هو ضابط له قيم ومهني، وثمة حالات استثنائية في يهودا والسامرة وفي لواء يهودا بشكل خاص، يجري فحصها بشكل جذري وفوري ويتم علاجها حسب الظروف”.
هاجر شيزاف
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية
ترجمة: صحيفة القدس العربي