في شباط 1992 اغتالت إسرائيل عباس موسوي أمين عام “حزب الله” بغارة جوية. كان موسوي إرهابياً، وكانت الفرحة كبيرة، إلى أن تبين بأن الشاب الذي حل محله، ويدعى حسن نصر الله، أكثر أهلية وخطراً منه.
صالح العاروري كسب عن حق مكانه في قائمة المرشحين للتصفية. حتى لو لم يكن مشاركاً شخصياً في تخطيط وتنفيذ المذبحة في 7 أكتوبر، فإن موجة الإرهاب الحماسية في الضفة مسجلة كلها على اسمه. مثل يحيى السنوار، زميله وخصمه في غزة، كان يعتمر قبعتين على رأسه: قبعة سياسية وأخرى عسكرية. كان في كلتيهما عدواً وحشياً وابن موت.
ينبغي الافتراض أن جهاز الأمن فرح أمس عقب تصفية العاروري. قبل كل شيء، صفّي الحساب الدموي: ليس هناك ما هو أكثر إنسانية وطبيعية من رغبة الثأر ممن هو مسؤول عن قتل عشرات، وربما مئات، الإسرائيليين؛ ثانياً، علّمت التصفية قادة حماس بأن الإعلانات على لسان محافل إسرائيلية عن استئناف التصفيات جدية وقابلة للتنفيذ؛ ثالثاً، تبين لنصر الله حتى بعد ضربة 7 أكتوبر، أن إسرائيل تعرف كيف تدخل عقر بيته، إلى قلب الضاحية الشيعية في بيروت؛ رابعاً، هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الشرق الأوسط: من يأتي لقتلك اسبقه واقتله. لكن التصفيات المركزة لا تختبر في الضربة التي يتلقاها العدو فقط. السؤال هو: ما الذي تقدمه لنا مثل هذه الخطوة، ثمناً حيال مقابل، كلفة مقابل منفعة؟ من قرروا تصفية العاروري في بيروت افترضوا بأن رداً عنيفاً سيأتي من حماس و“حزب الله” أيضاً.
الأكثر إقلاقاً من كل الردود حماس المحتملة يتعلق بالمخطوفين. لا أعتقد أن أحداً ما من أصحاب القرار في إسرائيل يؤمن بأن التصفية ستلطف حدة مواقف السنوار وستدفع قدماً بصفقة إضافية. هذه قصص نرويها لأنفسنا. الأكثر معقولية هو أن التصفية ستؤخر، بل وربما تعرقل استمرار المفاوضات.
صحيح أن احتمال الصفقة كان صغيراً حتى قبل التصفية في بيروت، لكن كل تأخير ربما يكون حرجاً فيما يتعلق بحياة المخطوفين. أي تصفية قد تؤدي إلى تصفية مقابله. ليس مريحاً الاعتراف بذلك، لكن القرار بالتصفية رهان على حياة المخطوفين. ستنبئنا الأيام إذا ما كان هذا الرهان مبرراً.
قد تحاول حماس الثأر من خلال عمليات إرهاب في الضفة والقدس ورشقات صاروخية من المناطق التي تسيطر عليها في غزة، ولا جديد في هذا. لقد أمل السنوار في أن تجر أحداث 7 أكتوبر إسرائيل إلى حرب في ثلاث جبهات. لم يحصل هذا. ربما يوقظ موت العاروري آماله من جديد.
سيرد “حزب الله” آجلاً أم عاجلاً. مجال الرد لديه أكبر من حماس. قد يخرق قواعد اللعب المتفق عليها في هذه اللحظة في تبادل النار في الشمال فيخاطر بحرب على نطاق كامل؛ وقد يهاجم سياحاً إسرائيليين أو مراكز يهودية في الخارج؛ وربما يسمح لمحافل إرهاب فلسطينية في لبنان أن تثأر ثأرها على الحدود فيما ينتظر اللحظة المناسبة بصبر.
إن تصفية العاروري لم تكن لتحسن المفاوضات التي أجراها الأمريكيون والفرنسيون في الأسابيع الأخيرة في لبنان. لقد شجعت إسرائيل هذه الاتصالات. وكان الأمل تحقيق تسوية بوسائل دبلوماسية، تمنع حرباً وتسمح للسكان بالعودة إلى بيوتهم. وكان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن خطط لزيارة إلى هنا مع نهاية الأسبوع ويدفع بالاتصالات إلى الأمام. أما أمس، في أعقاب التصفية، فقد أعلن إلغاء زيارته. أمر واحد مؤكد: موت العاروري ومساعديه سمير فندي وعزام الأقرع سيمس في المدى القصير بأعمال فرع حماس في بيروت، لكنه لن يغير الواقع. فحماس منظمة إرهاب أكبر من أي من شهدائها المحتملين، بمن فيهم السنوار أيضاً.
ناحوم برنياع
المصدر: صحيفة يديعوت أحرونوت
ترجمة: صحيفة القدس العربي