تناولت صحيفة “إنفورماسيون” الدنماركية في عددها الصادر اليوم الأربعاء، دعوى جنوب أفريقيا بحق دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بشأن انتهاك قواعد الحرب وارتكاب إبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
ورأت الصحيفة، من خلال مقابلة مع أستاذ القانون الدولي في جامعة كوبنهاغن، مارك شاك، أن “دعوى جنوب أفريقيا أمام أعلى محكمة في الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، قد تغير قواعد اللعبة في الحرب على غزة”.
وذهب شاك إلى الاعتقاد بأن “اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية يعد تحولا مذهلا لناحية انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة، التي اعتمدت في العام 1948 بعد الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية”.
الشيء المثير للانتباه برأي الخبير في القانون الدولي، أن الأمر يتعلق بأسوأ ما يمكن أن تتهم به إسرائيل “لأنها دولة تم إنشاؤها بالأصل على أساس الإبادة الجماعية”. واعتبر شاك أن الدعوى ليست فقط مهمة من الناحية القانونية “حيث ستتحقق محكمة العدل الدولية مما إذا كانت إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية” بل لأنه “تحقيق يمس بالشرعية السياسية لدولة إسرائيل، وما إذا كان بإمكان الدول الأخرى الاستمرار في دعمها إسرائيل”.
دعوى جنوب أفريقيا من 84 صفحة: تصرفات إسرائيل تتخذ طابع الإبادة الجماعية
وبحسب طلب جنوب أفريقيا المكون من 84 صفحة، إن المطلوب هو فحص المحكمة لتصرفات إسرائيل على أساس أنها “تتخذ طابع الإبادة الجماعية”، ومن حيث إنها مرتكبة بقصد “إبادة الفلسطينيين في غزة، الذين هم جزء من المجموعة الوطنية والإثنية الفلسطينية الأوسع”. وتؤكد جنوب أفريقيا بحسب ما تنشره “إنفورماسيون”، أن أعمال إسرائيل تشمل “قتل الفلسطينيين في غزة، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي الخطير بهم، وإخضاعهم لظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسدياً”.
ووفقا لخبير القانون الدولي شاك، فإن أهمية دعوى جنوب أفريقيا “هي الأكثر إثارة في السياق الدولي ويراقبها الجميع عن كثب، لأنها تقول الكثير عن العلاقات بين الدول، وعن القواعد والمبادئ، وبشكل عام عن العالم الذي نجد أنفسنا فيه حاليا. فبرأيه تشكل الدعوى كسرا للقوالب المتعلقة بالصراع “بحيث يصير هذا الصراع الأكثر مناقشة في العالم، والموضوع الأكثر تفجرا، حتى وصل الأمر إلى الإبادة الجماعية، التي لا يفوقها شيء مهما تطور هذا الصراع”.
وبعبارات أخرى، وبناء على آراء قانونيين دوليين ينظرون إلى محكمة العدل الدولية باعتبارها “المحكمة العالمية”، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول العالم “لا يمكنها تجاهل أحكامها أو رفضها، فإسرائيل التي تجاهلت تاريخياً صلاحية المحاكم الدولية، هي نفسها من الدول الموقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية”. وكدولة عضو، إن إسرائيل “تلزم نفسها بقضاة محايدين يتخذون القرارات”، وفقا لآراء هؤلاء التي تنقلها الصحيفة الدنماركية، إنفورماسيون، التي تعد وسط هستيريا الانحياز للاحتلال من بين أكثر الصحف في الشمال الأوروبي توازنا ومهنية في نقل الحرب على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك رفض السردية الصهيونية التي سرت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويذهب مارك شاك إلى توضيح ما ورد أعلاه بالقول إنه “على النقيض من المحكمة الجنائية الدولية، حيث لا يمكنك إجراء محاكمات إذا كانت الدولة المتهمة لا ترغب في تسليم الأشخاص الذين تدور حولهم المحاكمات، فإن الأمر في المحكمة الدولية (محكمة العدل) ليس في أيدي إسرائيل، ولا يمكن لها أن توقف العملية (النظر في القضية المرفوعة) ويجب أن تترك الحيز لعمل القضاة، الذين هم في نهاية المطاف “مستقلون وموضوعيون”.
وتسمي الصحيفة هذا الأمر الذي طرحه شاك “فقدان إسرائيل للسيطرة”، وأن مسألة نظر المحكمة بجرائم الإبادة ليست أمرا بسيطا للاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أن المؤسسة الأمنية ومكتب المدعي العام (في دولة الاحتلال) “يشعران بالقلق إزاء دعوى جنوب أفريقيا، التي يمكن أن تكون لها عواقب قصيرة وطويلة المدى”. وأوضحت “إنفورماسيون” أنه على المدى القصير هناك احتمال كبير “بأن تضطر إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، لأن إسرائيل ملزمة بقرارات المحكمة”، أما على المدى البعيد فإن “الإجراء يهدد بتعزيز الادعاءات بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى عزلة دبلوماسية أو فرض عقوبات ضد إسرائيل أو الشركات الإسرائيلية”.
في الإطار نفسه، أشار مارك شاك إلى أن العملية برمتها تمر بمرحلتين “إذ على المدى القصير جدا هناك عملية تسمى التدابير المؤقتة، ويتعلق الأمر بكبح أي انتهاكات قبل حتى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت هناك انتهاكات فعلية للقانون الدولي”.
والتفسير القانوني لهذه المرحلة، قصيرة الأجل، وفقا للخبير القانوني شاك، يتعلق بتدابير تعتمد على إثباتات “وإن كانت ضعيفة”، بحيث تقدم جنوب أفريقيا ما لديها مما يسمى “حجة معقولة”، لأجل إجراءات قضائية حيال الانتهاكات المحتملة التي يمكن وقفها عن طريق إصدار أمر مؤقت لوقفها من أجل البحث فيها”. ووفقا لتقديرات شاك فإن “الأمر لن يتطلب سوى بضعة أسابيع قليلة لأجل البحث في معقولية الحجة المقدمة من جنوب أفريقيا، ولإصدار محكمة العدل الدولية أمرا باتخاذ تدابير مؤقتة، وذلك يعني أن “الهدف الرئيس لجنوب أفريقيا هو الحصول على أمر مؤقت ينص على أنه “يتعين على إسرائيل وقف العملية العسكرية”، وفقا لشاك الذي يعتقد أنه “من المحتمل جدا أن تحقق جنوب أفريقيا ما تريده”.
ومع أن تصريحات ساسة الاحتلال تسير في اتجاه “مواصلة العقاب الجماعي والدعوة إلى التدمير الشامل والتهجير القسري للفلسطينيين في غزة، بحجة أنهم يتعاطفون جميعا مع حماس، فإن مفهوم الإبادة الجماعية سيحتاج إلى إثباتات أخرى”، برأي شاك، الذي لفت إلى أن الحرب على غزة، والعقاب الجماعي للفلسطينيين يُعدان جريمة حرب، وإذا كان الهدف هو جعل غزة غير صالحة للسكن، بحيث يغادر الفلسطينيون غزة “طواعية”، فسيكون ذلك بمثابة تطهير عرقي. إما إذا كان الهدف هو قتل الفلسطينيين وجعل استمرارهم في العيش بيولوجيا أمرا مستحيلا، فهي إبادة جماعية، مشددا في نهاية المطاف على أن معرفة الأهداف جميعها ستتطلب سنوات، بينما خلال الأسابيع القادمة سيتعين على المحكمة بدء النظر في القضية، وربما إصدار أمر لوقف العدوان على غزة، وهو أمر يصعب على الاحتلال وداعميه الهروب منه. ويختم شاك بالقول إنه “في ضوء الوضع المتدهور بشكل ملحوظ والدمار واسع النطاق وخاصة الوضع الإنساني الخطير في غزة، أعتقد أنه من المعقول في هذا الوقت التحذير من خطر الإبادة الجماعية”، بالرغم من اتهام دولة الاحتلال جنوب أفريقيا بأنها “تشعر بالاشمئزاز” من دعواها، حيث اتهمتها “بالتعاون مع منظمة إرهابية”.
ناصر السهلي
المصدر: صحيفة العربي الجديد