الالتهاب الرئوي الحاد يفتك بأطفال غزة

Spread the love
image_pdfimage_print

أربعون يوماً هو الآن عمر طفلة صغيرة ولدت بعد شهرٍ ونصف الشهر من اندلاع الحرب على غزة. كانت أمُها إحدى الحوامل اللاتي عانين الأمرين في ولادتِها دون تخديرٍ ولا غرفة عمليات مجهّزة.
تقول والدتها ريهام رشوان: «حين وُلدت ابنتي تالا لم تأخذ تطعيماتها الأساسية نظراً لنفادها وعدم إدخالها ضمن المساعدات الطبية، وتعطلت المستشفيات عن الخدمة، في ظل الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. فأصيبت الفتاة بالالتهاب الرئوي».
وتتساءل: «ماذا تفعل طفلتي صاحبة الـ 40 يوما بين نزوح ألقي بها معنا في خيمة معبأة بدخان الحطب ومرض لا نجد له علاجا؟!» قائلة: «طوال الليل لم تنم ابنتي جراء اشتداد الألم عليها بعد تعرضها للدخان والبرد الشديد ضمن خيمة لا تقينا من البرد، ولا توفر الدفء لنا».
الأم الموجوعة تواصل حديثها لـ«القدس العربي» بألم «الرضيعة التي تحارب مناعتُها للنجاة، كَتَب عليها الاحتلال أن تولد في بيئةٍ مسمومة، مليئة بالأدخنة والأوبئة ورائحة البارود».
وتضيف: «قال لي الأطباء هنا في مستشفى الكويتي إن الهواء الملوث سببَّ لها التهابًا رئويًا حادًا، خصوصاً مع اشتداد برد الشتاء، الذي بات يهدد حياتها في المهد».
وتتابع أن «أدنى قواعد الحياة الآدمية معدومة بسبب حرب قبيحة دخلت في يومها الـ 88 التي يريد الاحتلال الإسرائيلي أن ندفع فيها نحن المدنيين، وبخاصة الأطفال والنساء ثمن تخبطهم بين مطرقة وسندان المقاومة».
كحالِ هذه الطفلة يعاني عشرات الآلاف من الأطفال في غزة الالتهاب الرئويَ والنزلات المعويّة الحادّة، نظراً لازدحام الخيام والبرد القارس وتفشّي الأوبئة، فالدكتور عماد الهَمص مشرف الطوارئ في المستشفى الكويتي التخصصي في مدينة رفح أكد استقبال المستشفى آلاف الحالات خاصةً من الأطفال.
وأشار لـ «القدس العربي» إلى اضطرارهم لتحويل الحالات الخطرة التي تتخطى سبعة أيامٍ دون شفاء إلى مستشفى أبو يوسف النجار في المدينة لمزيدٍ من الرعاية المركزة.
وحذر من كارثة إنسانية في حال استمرار الوضع على ما هو عليه.
وحسب منظمة الصحة العالمية يعاني حوالى مئة وثمانين ألف شخص في غزة من التهابات في الجهاز التنفسي العلوي، بينما تم تسجيل مئة وستة وثلاثين ألفًا وأربعمئة حالة إسهال، نصفها من الأطفالِ دون سن الخامسة. بينما تم تسجيل خمسةٍ وخمسين ألفًا وأربعمئة حالة إصابةٍ بالقُمل والجَرَب، وخمسة آلاف وثلاثمئة وثلاثينَ إصابةٍ بجدري الماء، واثنينِ وأربعين ألفًا وسبعمائة إصابةٍ بالطفح الجلدي.
أما تيس إنغرام، المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» فأشارت إلى أن الإسهال يعد ثاني أكبر قاتلٍ للأطفال دون سن الخامسة في جميع أنحاء العالم، موضحةً أن أحد الأشياء الخطيرة المتعلقة بالإسهال هو أنه يمكن أن يتفاقم مع سوء التغذية وشُح مياه الشرب النظيفة مثلما هو الحال في غزة.
ولأن الأطفال هم الأكثر عرضة في أي مجتمع لانتشار الأمراض، أعرب وكيل الأمين العام للشؤونِ الإنسانية منسق الإغاثة في حالات الطوارئ للأمم المتحدة مارتن غريفيث عن قلقه البالغ، واصفاً الوضع في غزة «بأنه كارثة صحية عامة في طور التكوين».
أما مدير العيادة الصحية في مدارس النازحين في مدينة رفح، سهيل موسى، فقد وصف إحصاءات منظمة الصحة العالمية حول الوضع الصحي في غزة «بالأرقام المرعبة».
وأكد لـ «القدس العربي» أن «خطر انتشار الأمراض المعدية والصدرية في قطاعِ غزة، تزايد مع استمرار نزوح المواطنين بشكل هائل على امتداد جنوب قطاع غزة».
وبين أسباب أخرى لانتشار الأمراض في غزة قائلاً: «اضطرار بعض العائلات للنزوحِ أكثرَ من مرة، واتخاذ الكثيرين من منشآتٍ صحية مكتظة ملجأ لهم، مع تواصل إصابة الأشخاص الذين يعيشون في ملاجئ بأمراض». وقال: «في ظل انعدام تام للأدوية، ليس بيدنا سوى الدعاء» مناشدا الدول بالتدخل لإنقاذ غزة وأهلها، خصوصا بعد إقرار مجلس الأمن الدولي ضرورة توسيع نطاق المساعدات النافذة إلى قطاع غزة».
وتابع «لكن مع تذييلِ القرار باللمسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، والتي تمثلت في جملة «بعد تهيئة الظروف المناسبة لذلك» ما جعله قرارًا دوليًا مع إيقافِ التنفيذِ كالعادة».
واعتبر الطبيب موسى أن «انتشار الأمراض في غزة يأتي في ظل انتهاج قوات الاحتلال سياسة الإبادة الجماعية مكتملة الأركان، بعدما أجبر وما زال يجبر الأهالي على النزوح من مدنِهم نحو الجنوب».
وذكر أن جيش الاحتلال «كدس المواطنين في مدينة خان يونس، وبدأ تركيز عملياته على المدينة، ليجبر الجميع على النزوح إلى رفح، الخط الأخير والمحطة التي تنتهي عندها حدود قطاع غزة».

المصدر: صحيفة القدس العربي