تخلفت إثيوبيا رسمياً عن سداد أعباء ديون خارجية بقيمة 33 مليون دولار قيمة فوائد مستحقة على سندات دولية، كما تخطط لبدء محادثات لإعادة هيكلة سندات اليورو البالغة مليار دولار المستحقة العام المقبل، مما يطرح تساؤلات حول أسباب وصول أديس أبابا إلى هذا الوضع الأقرب للتعثر، رغم نجاحها في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة خلال العقد الأخير.
وكانت وكالة “بلومبيرغ” قد كشفت، أول من أمس الاثنين عن أن إثيوبيا تخلفت في 11 ديسمبر/ كانون الأول الجاري عن سداد 33 مليون دولار فائدة على سندات أصدرتها.
وطلبت الحكومة من حاملي السندات جدولة الديون المستحقة عبر تمديد فترة استحقاق الدين من يوليو/تموز 2028 إلى يناير/ كانون الثاني 2032، وخفض معدل الفائدة إلى 5.5% من 6.625% الحالية. وتسعى إثيوبيا إلى إعادة التفاوض بشأن التزاماتها من خلال الإطار المشترك لمجموعة العشرين، لإعادة هيكلة ديونها.
بداية جدولة الديون
لم تبدأ فكرة جدولة ديون إثيوبيا خلال العام الحالي، بل تم التوافق عليها بسبب ما مرت به البلاد من تداعيات جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإثيوبي، حيث بدأت فكرة جدولة وإلغاء ديون بعض الدول الفقيرة بمبادرة من صندوق النقد والبنك الدوليين مع مجموعة العشرين وكانت إثيوبيا إحدى تلك الدول.
وتوصلت إثيوبيا إلى اتفاق مبدئي مع الدائنين الثنائيين عبر مجموعة العشرين، لتعليق مدفوعات الديون، بعد أن سعت إلى إعادة صياغة التزاماتها منذ عام 2021.
وكانت الصين أول دائني إثيوبيا الذين وافقوا على تجميد جديد لخدمة الديون في 2021، قبل أن يتبعها آخرون في نادي باريس، الذي يضم معظم الدائنين من البلدان المتقدمة.
ووقعت إثيوبيا وصندوق النقد الدولي في كانون الأول/ ديسمبر 2020 اتفاقية تسهيل ائتماني ممدد بقيمة 2.9 مليار دولار مقابل تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي، يتضمن التوسع في برنامج الخصخصة.
ثم تم تجديد الاتفاق في نوفمبر/ تشرين القاني الماضي، لكن الدائنين من نادي باريس حددوا يوم 31 مارس 2024 موعداً نهائياً لعقد اتفاق مع الصندوق، وإلا فإنهم سيعلنون بطلان قرار تعليق خدمة الديون بشكل مؤقت، الذي اتُفق عليه الشهر الماضي.
وتحاول السلطات الإثيوبية تأمين برنامج لصندوق النقد الدولي يحدد مقدار تخفيف الديون الذي تحتاجه الدولة، ومن المقرر أن تزور البعثة أديس أبابا في أوائل عام 2024.
كما طالبت إثيوبيا حاملي السندات المقرر سدادها في ديسمبر/ كانون الأول 2024 بجدولة الديون البالغة نحو مليار دولار، على غرار ما قامت به مع الدائنين الثنائيين (حكومات الدول).
وقالت وزارة المالية في وقت سابق من الشهر الجاري إن قرار إثيوبيا بوقف دفع قسيمة ديسمبر على سنداتها الأوروبية “ينبع من نية معاملة جميع دائنيها الخارجيين بشكل عادل”.
لم تكن تداعيات الجائحة وحدها هي التي أثرت على الاقتصاد الإثيوبي، بل تعرض لأزمات متراكمة خلال السنوات الماضية، أوصلت إثيوبيا إلى قرارها بجدولة الديون أو عدم سدادها.
وأهم هذه العوامل إلى النزاعات المسلحة الداخلية، والتوسع في مشاريع البنية التحتية دون عائد سريع أو مباشر على الاقتصاد رغم أهمية بعضها على المدى المتوسط والبعيد، مما دفعها إلى التوسع في الاقتراض الخارجي خاصة من الصين.
ديون قياسية للصين
تعد الصين الدائن الأكبر لإثيوبيا بنحو 14 مليار دولار من إجمالي الديون البالغة نحو 28 مليار دولار، حيث تتركز معظمها في قطاع البنية التحتية التي توسعت فيها إثيوبيا خلال السنوات الماضية.
ووفقاً لتقرير مجلة منبر الدفاع الأفريقي (ADF) الصادرة عن القيادة العسكرية الأميركية لقارة أفريقيا في مارس 2021، فإن “إشكاليات الشفافية في القروض الصينية تتجلى في قروض الشركات المملوكة للدولة، كمحطات الكهرباء والموانئ، وقد لا يرد ذكرها ضمن المديونية الرسمية للدولة”.
وأضافت المجلة، نقلاً عن خبراء، أنه “من المحتمل أن تفوق مديونية إثيوبيا المبالغ المعترف بها رسمياً، ممَّا يؤزم خطة تخفيف ديونها في إطار مبادرة خفض وجدولة الديون”.
وأشارت إلى أنه “يحق للبنوك الصينية المطالبة بالمشاريع التي تمولها كضمان لديونها، لذا يمكن أن يتسبب التخلف عن السداد أو التقدم بطلب لتخفيف الديون في دفع البنك إلى الاستحواذ على الطرق السريعة أو حصة إثيوبيا في موانئ دول الجوار، أو أي مشروع آخر مولته عوضاً عن السداد”.
ولمَّا كانت الصين عضواً في مجموعة العشرين، فهي جزء من مشروع المبادرة، لكنها لم تخفف حتى الآن إلَّا عن القروض الصغيرة المُعفاة من الفوائد التي أصدرتها الحكومة مباشرة، وليس البنوك الصينية، مثل بنك الاستيراد والتصدير الذي يدين إثيوبيا بأكثر من 7 مليارات دولار.
مشاريع ضخمة للبنية التحتية
مما فاقم نقص العملة الأجنبية، قيام الحكومة الإثيوبية باستثمارات ضخمة في مشاريع للبنية التحتية على مدار السنوات العشر الماضية، حيث ضخت الحكومة مليارات الدولارات في السدود الكهرومائية والمجمعات الصناعية والسكك الحديدية والطرق السريعة.
وفضلاً عن مشروع سد النهضة الذي شرعت إثيوبيا في بنائه في 2011، وكلفها أكثر من 4 مليارات دولار، ولم يحقق عائدات مالية تذكر حتى الآن، فإن البلاد أعلنت التوسع في بناء المزيد من السدود بدعوى توليد الكهرباء.
وتتوقع الحكومة الإثيوبية أن يدر سد النهضة عائدات سنوية تقدر بنحو 580 مليون دولار سنويًا من خلال بيع حوالي 2000 ميغاواط إلى البلدان المجاورة. كما تتوقع أن يغطي احتياجات الكهرباء لنحو 65% من السكان، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة تغطية احتياجات السكان من الكهرباء إلى نحو 54% حتى نهاية عام 2021 وفقاً للبنك الدولي.
وفي ديسمبر الجاري، استعرض رئيس الوزراء أبي أحمد التقدم المحرز في مشروع كويشا للطاقة الكهرومائية، وهو ثاني أكبر محطة للطاقة الكهرومائية بعد سد النهضة الإثيوبي الكبير، بقدرة توليد كهربائي تبلغ 1800 ميغاواط.
ويقع السد جنوب غربي إثيوبيا، على بعد 560 كم من العاصمة أديس أبابا، وأبدى أبي أحمد سعادته “بإتمام 62% من بناء المشروع حتى الآن”.
وفي أغسطس/ آب 2016، كشف وزير الري، موتوما مكاسا، عن شروع بلاده في بناء السد بتكلفة تصل إلى 2.2 مليار يورو (2.45 مليار دولار).
كما تخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سدّ النهضة، وهي سدود “كارداوبة” و”بيكو أبو” و”مندايا”، والتي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه.
وفي 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسدّ مائي جديد بتكلفة تبلغ 5 مليارات بير (127 مليون دولار)، وطاقة تخزينية تصل إلى 55 مليون متر مكعب من المياه. ويقع السد في منطقة شمال شوا، في إقليم أمهرة، ويصل ارتفاعه إلى 45.5 متراً، وطوله 372 متراً.
كما أنشأت إثيوبيا 4 سدود على نهر الأواش المشترك مع جيبوتي بغرض توليد 124 ميغاواط من الكهرباء، وسدّين على نهر شبيلي المشترك مع الصومال لتوليد 150 ميغاواط، و3 سدود على نهر أومو المشترك مع كينيا لتوليد 2475 ميغاواط.
ولم تقتصر عملية التوسع في مشروعات البنية التحتية على السدود الضخمة، بل امتدت أيضاً إلى إنشاء طرق كبرى تربط البلاد بموانئ 4 من دول الجوار بمبالغ ضخمة، حيث تمتلك حصة منها لتسهيل عمليات التجارة الخارجية.
وافتتح أبي أحمد في ديسمبر 2020 طريقاً سريعاً بطول نحو 500 كم يربط جنوب إثيوبيا للوصول إلى موانئ كيسنا في مومباسا ولامو، وهو جزء من مشروع “لابسيت” الذي يربط الدولتين مع جنوب السودان عبر مجموعة من الطرق السريعة والسكك الحديدية والمطارات وخطوط أنابيب النفط ومصافي النفط ومحطات توليد الطاقة، وتبلغ تكلفته الإجمالية نحو 24 مليار دولار.
وخلال منتدى مبادرة الحزام والطريق في الصين أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقع رئيس الوزراء الإثيوبي 12 مذكرة تفاهم بشأن التعاون في إطار المبادرة في قطاعات عدة أهمها البنية التحتية.
كما مولت الصين بناء خط السكة الحديد بين أديس أبابا وجيبوتي بقيمة 4.5 مليارات دولار أميركي، والذي انتهت من أعماله في 2016.
حروب أهلية
لم تتأثر إثيوبيا فقط بالتوسع في مشاريع البنية التحتية، بل لم تتوقف الدولة التي تضم نحو 80 عرقية عن وجود نزاعات داخلية تستنزف اقتصاد البلاد وتهدد الاستقرار ومن ثم تبعث برسائل مقلقة للراغبين في الاستثمار أو توسعة استثماراتهم في البلاد.
ومع وصول أبي أحمد لسدة الحكم في 2018 توقع كثيرون أن يكون رئيس الوزراء القادم على رأس ائتلاف واسع، وهو أول رئيس وزراء من قومية الأرومو التي تمثل القومية الأكبر عدداً في البلاد، ومع مساعيه لتصفير المشاكل مع دول الجوار وداخل البلاد استبشر الإثيوبيون، ومن خلفهم الدول الكبرى ومؤسسات الإقراض، خيراً.
لكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ بدأت حرب بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيغراي استمرت عامين حتى تم توقيع اتفاق سلام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ثم اندلعت اشتباكات مسلحة بين الجيش الإثيوبي ومليشيات “فانو” في إقليم أمهرة منذ إبريل/ نيسان الماضي، علماً بأن قوات أمهرة حليفة للحكومة الفيدرالية في حربها ضدّ السلطات المنشقة في منطقة تيغراي.
كما تدور اشتباكات من وقت لآخر في إقليم أورومو بين الجيش الحكومي وجيش تحرير أورومو، وهو جماعة محظورة منشقة عن جبهة تحرير أورومو التي تشارك في السلطة، وسط مخاوف من توسعها على غرار الحرب في تيغراي.
وتمتد منطقة شعب أورومو من الوسط إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، على نحو ثلث أراضي إثيوبيا، ويعيش فيها ثلث سكان.
إمكانات كبيرة واقتصاد ضعيف
تبلغ مساحة إثيوبيا حوالي 1.1 مليون كم مربع، وبلغ عدد سكان نحو 123 مليون نسمة في 2022، بمعدل نمو سنوي يبلغ نحو 2.5%، وتبلغ نسبة البطالة لمن هم في سن العمل نحو 4%، كما يدخل سوق العمل سنوياً نحو مليوني شخص، بينما تبلغ نسبة الفقر نحو 27% من السكان.
لكن رغم المساحة وعدد السكان، إلا أن أنها دولة حبيسة لا تُطل على بحار أو محيطات، كما أن الناتج القومي الإثيوبي يعتبر ضعيفاً بالنسبة لعدد السكان، حيث وصل إلى 126.78 مليار دولار، وفقاً للبنك الدولي، وتصنف ضمن البلدان منخفضة الدخل، بينما قدّره أبي أحمد في نوفمبر الماضي بنحو 164 مليار دولار، من 85 مليار دولار منذ 5 سنوات.
وتوقع صندوق النقد الدولي تحقيق معدل نمو 5.7% في عام 2023، بينما بلغ متوسط دخل الفرد سنوياً في عام 2022 نحو 1000 دولار وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ويبلغ الدين الخارجي، وفقاً لأحدث بيانات البنك الدولي، نحو 28.6 مليار دولار حتى نهاية عام 2022 تمثل نحو 22.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما قدرها أبي أحمد في يوليو/ تموز الماضي بنحو 38% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، مؤكداً أن الحكومة تستهدف تخفيضها إلى 30%.
وتبلغ قيمة صادرات البلاد نحو 3.6 مليارات دولار سنوياً، من بينها 2.8 مليار دولار صادرات زراعية تمثل نحو 80% من إجمالي الصادرات.
وتستهدف الحكومة رفع قيمة الصادرات إلى نحو 5 مليارات دولار في 2024. بينما بلغت قيمة الواردات أكثر من 18 مليار دولار سنوياً، وتمر معظم صادراتها ووارداتها عبر موانئ دول الجوار، مما يمثل عبئاً على الاقتصاد.
وقال وزير الصناعة ملاكو البل في أكتوبر الماضي إن قيمة واردات بلاده من السلع والخدمات وصلت خلال عام إلى نحو 18 مليار دولار، بينما تتراوح قيمة الصادرات بين 4 و5 مليارات دولار.
ويبلغ الاحتياطي النقدي الأجنبي، وفقاً لآخر أرقام متاحة حتى نهاية 2021، نحو 1.6 مليار دولار فقط، أي أنه يغطي نحو شهر واحد فقط من الواردات، وهو أقل من الحد الأدنى عالمياً المقدر بنحو 3 أشهر.
وتضاعف سعر الدولار أمام العملة المحلية لإثيوبيا خلال 5 سنوات من 28 بير للدولار إلى نحو 56 بير للدولار في العام الحالي.
وبلغ معدل التضخم، وفقاً للبنك الدولي في 2022، نحو 33.9%، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 29% في 2023.
وقال أبي أحمد في يناير/ كانون الثاني الماضي إنّ اقتصاد بلاده يحقق مؤشرات نمو جيدة، رغم التحديات التي واجهها خلال العامين السابقين.
(الدولار= 56 بير إثيوبياً تقريباً)
المصدر: صحيفة العربي الجديد