فيليكس تشيسيكيدي… «وريث المعارضة» الطامح إلى ولاية ثانية رغم التحديات

Spread the love
image_pdfimage_print

تفشّي «العنف» يلاحق رئيس الكونغو الديمقراطية

وسط مجموعة من مؤيديه احتشدت في ساحة ملعب رياضي بمدينة غوما، حاملين الأعلام ومرتدين قبعات وملابس بيضاء، وقف رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي حاثاً الشعب على انتخابه لولاية ثانية من أجل «تعزيز إنجازاته»، ومحذّراً من «العودة إلى نقطة الصفر». يطمح تشيسيكيدي «وريث المعارضة التاريخية» في أن يمدّ حكمه 5 سنوات أخرى، ويبقى على رأس الكونغو الديمقراطية، في قلب أفريقيا، التي يعاني سكانها البالغ عددهم نحو 112 مليون نسمة من الفقر، إلى جانب اضطرابات أمنية، خصوصاً في شرق البلاد. ويتنافس في الانتخابات، المقرّر إجراؤها يوم 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أكثر من 20 مرشحاً، بينهم مويس كاتومبي رجل الأعمال والحاكم السابق لولاية كاتانغا، الذي سبق أن مُنع من الترشّح في انتخابات 2018، والسياسي المعارض مارتن فايولو، وحامل جائزة «نوبل» للسلام دينيس موكويغي. ومع أن بين المرشحين شخصيات سياسية بارزة، فإن افتقار المعارضة لـ«وحدة الصف» ربما يعزز استمرار تشيسيكيدي.

أثار وصول فيليكس تشيسيكيدي إلى الحكم في جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل 5 سنوات آمالاً عريضة، بناءً على جذوره المعارضة، وكونه جاء في أول انتقال سلمي للسلطة في الكونغو منذ استقلالها عن بلجيكا عام 1960، غير أن قوى المعارضة تطالب اليوم بإعادة النظر في ما حقّقه كرئيس، ومراجعة وعوده بالحد من البطالة واستعادة الأمن قبل منحه ولاية ثانية.

نشأة سياسية معارضة

ينتمي فيليكس أنطوان تشيسيكيدي لإثنية اللوبا (البالوبا)، في إقليم كاساي بوسط جنوب الكونغو. بيد أنه ولد عام 1963 في العاصمة كينشاسا لعائلة منخرطة في المعارضة. وهو الابن الثالث بين 5 أبناء للسياسي المعارض إتيان تشيسيكيدي وا مولومبا، الذي أسّس حزب «الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدّم الاجتماعي» (يسار الوسط)، وخدم كرئيس وزراء لـ3 فترات قصيرة خلال تسعينات القرن الماضي.

في سنّ التاسعة عشر، تبع فيليكس، الذي يلقبه أصدقاؤه بـ«فاتشي»، والده المُلاحَق من قبل الرئيس اليميني الأسبق موبوتو سيسي سيكو إلى قريته في كاساي، حيث عاش مع عائلته تحت الإقامة الجبرية. وفي الثانية والعشرين من عمره، وتحديداً عام 1985، لجأ تشيسيكيدي وعائلته إلى بلجيكا، وهناك يُقال إن «فاتشي» مارس عدة مهن واعتاد التردد على النوادي الليلية، بيد أنه سرعان مع عاد إلى عالم السياسة مرة أخرى وأصبح من أهم المؤيدين لحزب والده. وهذا التأييد دفعه للدخول في صراع مع مقربين من موبوتو، ومع الشرطة البلجيكية نفسها إثر منع والده من العودة لكينشاسا.

حصل فيليكس في العاصمة البلجيكية بروكسل على شهادة في الأعمال والاتصالات، أثيرت شائعات بشأن صحتها، وهو متزوج وله 5 أبناء. وفي ظل والده، دخل معترك السياسة في سن صغيرة واختبر العمل كمعارض في ظل نظام قمعي، مشاركاً والده النضال ضد موبوتو. وأيضاً في ظلّ والده، تدرّج في مناصب عدة بـ«الاتحاد من أجل الديمقراطية». إذ انتخب عام 2011 نائباً عن منطقة مبوجي مبايي (بكوانغا، سابقاً) لكنه لم يدخل مجلس النواب احتراماً لوالده الذي عارض إعادة انتخاب جوزيف كابيلا في العام نفسه، مدعياً تزوير فوزه.

أيضاً رفض فيليكس تشيسيكيدي عام 2013 منصب مقرر اللجنة الانتخابية في الكونغو، وقال آنذاك: «لا أريد أن أجمد مسيرتي السياسية وأضعها رهن الانتظار». لكنه في نهاية عام 2016، وقبل وقت قصير من وفاة والده عام 2017، شارك في مفاوضات بين السلطة والمعارضة تحت رعاية الكنيسة، أثمرت اتفاق «سان سيلفستر»، الذي بموجبه تأجلت الانتخابات.

استفاد تشيسيكيدي وما زال من شعبية والده، وانتخب رئيساً لحزب «الاتحاد من أجل الديمقراطية» خلفاً له. ولكن بينما كان الأب «عنيداً ومعتزاً بنفسه» يرى مراقبون أن الابن «أكثر دبلوماسية، فهو مستمع جيد للآخرين ومهذب». وقبيل انتخابه في الولاية الأولى أثناء زيارة للولايات المتحدة، أجرى حواراً سئل خلاله عما إذا كان يمتلك قدرة ليحل محل والده، فأجاب بلغة فرنسية واضحة إنه «ليس لديه طموح لمنافسة والده. فهو سيدي… ولا أحد يرغب في منافسة سيده». في المقابل، يرى منتقدو فيليكس تشيشيكيدي أنه «اعتمد على شعبية والده وتاريخه، لكنه يفتقر إلى الخبرة ومؤهلات القيادة». وعلى هذا الكلام يدافع عن نفسه بأنه لا يمتلك خبرة في الحكم السيئ أو نهب ثروات البلاد، لكنه خبير في احترام حقوق الإنسان.

مواقف حادة

عُرف فيليكس تشيسيكيدي بصلابته ومواقفه الحادة. إذ وقف على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، مطالباً بالانسحاب التدريجي لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، واصفاً ذلك بأنه «مرحلة ضرورية لتعزيز التقدم الذي حققته بلاده بالفعل».

وقال تشيسيكيدي إن «الشعوب الأفريقية في كثير من الأحيان لا تفهم الموقف الملتبس والمعايير المزدوجة في العمل، والغموض والمماطلة التي تتسم بها الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن بشأن بعض الأزمات السياسية والأمنية، التي تعصف بأفريقيا… ولقد آن الأوان لتتولى بلادي مصيرها بالكامل».

في الواقع، أسست بعثة الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية «مونوسكو» عام 1966. وفي المقابل، أصدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بالتزامن مع تصريحات تشيسيكيدي، بياناً أعرب خلاله عن «القلق البالغ بشأن مقتل 43 شخصاً على الأقل، بمن فيهم شرطي، وإصابة 56 بجراح أثناء مظاهرات في غوما». وهي مظاهرات خرجت ضد بعثة الأمم المتحدة للسلام. ويرجح مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقرير حديث أن يطالب أي حاكم للكونغو الديمقراطية بانسحاب بعثة حفظ السلام الأممية «استجابة لمشاعر الإحباط والغضب الشعبي إزاءها».

دولياً، تثير تصريحات فيليكس تشيسيكيدي الجدل والتوتر. ففي مارس (آذار) الماضي، إبان زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعاصمة الكونغولية كينشاسا، تكلم تشيسيكيدي في مؤتمر صحافي مشترك عن «ازدواجية المعايير في التعامل مع أفريقيا، والكلام عن تسويات سياسية عندما يتعلق الأمر بأفريقيا، بينما لا يحدث ذلك إذا ما شابت الانتخابات في أميركا أو أوروبا مخالفات». وأضاف مخاطباً ماكرون: «هذا يجب أن يتغير… انظروا لنا بطريقة مختلفة … انظروا لنا كشركاء، وليس بنظرة أبوية وإملاءات». جاء هذا الموقف تعقيباً على كلام لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق جان إيف لودريان، عام 2019، ورد فيه أن نتائج انتخابات الرئاسة في الكونغو الديمقراطية كانت «بترتيب مسبق».

تساؤلات الشرعية

وحقاً، أثار إعلان فوز تشيسيكيدي بالانتخابات الرئاسية عام 2018 تساؤلات عدة، بشأن شرعية الفوز، ولا سيما أن مؤيدي منافسه مارتن فايولو اتهموه بـ«التواطؤ مع الرئيس السابق جوزيف كابيلا في انقلاب انتخابي». ودعم هذه الاتهامات تحليل أجرته «مجموعة أبحاث الكونغو» و«الفاينانشال تايمز» ادعى «فوز فايولو»، مع أن المحكمة أيّدت فوز تشيسيكيدي. كذلك عزز تلك الادعاءات ما تكشف لاحقاً عن «صفقة» عقدت بين تشيسيكيدي وجوزيف كابيلا، الرئيس المنتهية ولايته بعد 18 سنة من الحكم، فيها أعلن الأخير دعمه لتشيسيكيدي، داعياً شعب الكونغو إلى «التوحد خلفه». وهكذا استقر تشيسيكيدي في «قصر الأمة»، المقر الرئاسة الحالي على ضفة نهر الكونغو.

ملامح الصفقة ترجع إلى «اتفاق سياسي» وقّعه الطرفان يحصل بموجبه كابيلا وأنصاره على مناصب وزارية تجعله شريكاً في الحكم. الأمر الذي أثار شكوكاً إزاء النتيجة، دفعت فرنسا للإعراب عن قلقها مما وصفته بـ«نتيجة غير مطابقة للحقيقة». إلا أن باريس سرعان مع عادت فاعترفت بالرئيس الجديد أسوة بالاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي حين تطرق تشيسيكيدي عام 2017 إلى تشكيل «لجنة حقيقة ومصالحة» لمحاسبة كابيلا، حال استلامه السلطة، فإنه بعد إعلان فوزه بالرئاسة أشاد بكابيلا، عادّاً إياه «شريكاً».

مواجهة العنف المسلح

في مجال آخر، ورث فيليكس تشيسيكيدي بلداً غارقاً في الأزمات والصراعات، سبق له أن عانى ويلات حربين أهليتين. واتسمت فترته الرئاسية الأولى بصعوبات اقتصادية، فاقمتها جائحة «كوفيد 19»، ووباء «إيبولا». ويضاف إلى كل ذلك انعدام الأمان، خصوصاً في شرق البلاد، الذي شهد تصاعداً لأحداث العنف منذ عام 2022. وبالفعل، تشهد مناطق شرق الكونغو نشاطاً لما لا يقل عن 120 جماعة مسلحة، أهمها حركة «23 مارس». ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، فإن «نحو 500 ألف شخص أجبروا على النزوح خلال الشهرين الماضيين». وعليه، يعتقد مراقبون أن «مخاطر الصراع بعد الانتخابات ستكون أكبر».

في المواجهة ضد حركة «23 مارس» يضع تشيسيكيدي جمهورية رواندا، «جارة الكونغو الصغيرة» (إلى الشمال الشرقي)، في منزلة العدو الأول، مستعيداً نزاعاً قديماً بين الدولتين غزت خلاله رواندا الأراضي الكونغولية. وكانت حكومتا الدولتين قد اتفقتا في محاولة لرأب الصراع بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبوساطة أميركية، على تقليص الوجود العسكري على حدودهما المشتركة. غير أن العداء السياسي تجدّد منذ 9 ديسمبر الحالي، بعدما شبّه تشيسيكيدي نظيره الرواندي بول كاغامي بـ«هتلر»، مع العلم أن تشيسيكيدي الذي كان في طليعة وعوده في الولاية الأولى استعادة الأمن… وقف بعد 5 سنوات ليشير إلى «انعدام الأمن بشرق البلاد». وأمام البرلمان، حاول خلال الشهر الماضي الدفاع عن سياسة الحصار التي فرضها على المنطقة الشرقية عام 2021، قائلاً إنها «سمحت للسلطات بخنق مصادر تمويل المتمردين». ولكن على الأرض كانت حركة «23 مارس» توسّع سيطرتها، بينما سبّب الحصار «تفاقم حالة حقوق الإنسان». وإضافة إلى حركة «23 مارس»، تواجه الكونغو الديمقراطية هجمات من جماعات مسلحة متحالفة مع «داعش»، ولا تزال علاقاتها مشحونة مع «جارتيها» الشرقيتين الأخريين؛ بوروندي وأوغندا.

إنجازات وتحديات

في الحملة الرئاسية الحالية، يركز فيليكس تشيسيكيدي على «الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها إدارته»، بدلاً من التركيز على الوضع الأمني في شرق البلاد. وحقاً، على الصعيد الاقتصادي، رغم انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للكونغو إبان جائحة «كوفيد 19»، فإنه حقق انتعاشاً متواضعاً، ليرتفع إلى 8.92 في المائة عام 2022، مقارنة بـ6.20 في المائة عام 2021.

ولتعزيز النمو الاقتصادي سعى الرئيس الكونغولي لتعزيز العلاقات التجارية مع دول الجوار. ولكن رغم ذلك لا يبدو سجله الاقتصادي «إيجابياً بشكل كامل». إذ يتوقع البنك الدولي أن تؤدي الانتخابات إلى اتساع العجز المالي للبلاد ليصل إلى 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، خصوصاً مع انخفاض قيمة الفرنك الكونغولي بنسبة 20 في المائة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فيتباهى تشيسيكيدي بإنجازاته في قطاع التعليم، حيث أقرّ مجانية التعليم الابتدائي في سبتمبر (أيلول) 2019، وما تلا ذلك من زيادة في عدد المدارس والطلاب. غير أن تحقيقاً أجري عام 2020 «كشف مخالفات في قطاع التعليم، وتحدث عن مدارس وهمية وموظفين وهميين».

وعود جديدة

في مطلق الأحوال، فإن تشيسيكيدي، الذي وصل إلى السلطة بمساعدة كابيلا، كرّس الكثير في بداية حكمه سعياً إلى تقليص نفوذ سلفه. ومع أنه نجح في ذلك إلى حد كبير، ظل انعدام الأمن في مناطق شرق الكونغو، يستنزف موارد البلاد. ولكن، في الحصيلة النهائية يعدّ مراقبون التزام تشيسيكيدي بإجراء الانتخابات في موعدها «أمراً إيجابياً» في حد ذاته، ولا سيما أن البعض كان يخشى أن يعتمد سياسة المماطلة التي انتهجها سلفه كابيلا. كذلك، وفق مراقبين متابعين، قد تحول الظروف الأمنية دون إقبال كثيرين على صناديق الاقتراع… لكن في ما يخص تشيسيكيدي فهو يخوض السباق الرئاسي طامحاً بالحصول على فرصة أخرى لتنفيذ تعهداته السابقة، وتحقيق وعوده بـ«مستقبل تُتاح فيه الفرصة أمام كل الكونغوليين للتمتع بالازدهار».

فتحية الدخاخني

المصدر: صحيفة الشرق الاوسط