يلعب البحر الأحمر دوراً حيوياً في الشحن العالمي. وتتجلى هذه الأهمية في حجم الشحنات التي تمر عبر هذه المنطقة وطبيعتها الاستراتيجية. وتعتبر هذه المنطقة حلقة وصل بحرية استراتيجية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.
ويعد البحر الأحمر، وخاصة عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، حاسماً بشكل خاص لنقل النفط والغاز الطبيعي المسال للعالم بأسره.
ويمثل استهداف الحوثيين السفن الإسرائيلية وتلك المتوجهة إلى كيان الاحتلال ضغطاً كبيراً على الأسواق الإسرائيلية، بسبب طول الرحلات وارتفاع كلفة التأمين، ما يرفع الأسعار في الأسواق الإسرائيلية، ويهدد بعض السلع بانتهاء تاريخ صلاحيتها سريعاً، فيما تشكل هذه الهجمات ضغطاً أيضاً على اقتصادات الدول خاصة الكبرى منها.
يعد البحر الأحمر، وخاصة عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، حاسماً بشكل خاص لنقل النفط والغاز الطبيعي المسال للعالم بأسره
فالبحر الأحمر لديه قناة السويس في نهايته الشمالية ومضيق باب المندب الضيق في الطرف الجنوبي المؤدي إلى خليج عدن. وتعود الأهمية التاريخية للبحر الأحمر كطريق تجاري إلى العصور القديمة.
ويشرح موقع “مديوم” أنه قد استخدمته حضارات مصر وروما ومن ثم التجار العرب لربط أجزاء مختلفة من العالم.
على مر القرون، تطور دور البحر الأحمر في التجارة العالمية مع تطور التكنولوجيا البحرية والديناميكيات المتغيرة للتجارة العالمية.
وكان افتتاح قناة السويس في عام 1869 بمثابة لحظة محورية، حيث أدى إلى تقصير الرحلة البحرية بين أوروبا وآسيا بشكل كبير وجعل البحر الأحمر أكثر أهمية للتجارة الدولية.
وفي الأسابيع الأخيرة، صعّد الحوثيون المتمركزون في اليمن هجماتهم على سفن الشحن التجارية المتعاونة مع إسرائيل التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس. رداً على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
وقد تم استهداف الناقلات وسفن الشحن بهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ انطلقت من اليمن، وعلى الرغم من أن الأضرار الناجمة كانت ضئيلة في معظم الحالات، فإن التهديد وحده ترك طرق التجارة عبر البحر الأحمر في حالة توقف تام تقريباً.
أهمية البحر الأحمر
وتشهد قناة السويس عبور ما بين 50 و60 سفينة يومياً، وهو ما يمثل حوالى 19 ألف سفينة سنوياً، بما في ذلك ما يقرب من 30% من حركة الحاويات العالمية، وهو ما يمثل تريليون دولار من التجارة كل عام، وفق موقع “أتلانتيك كاونسل”.
في النصف الأول من 2023، مر نحو 12% من إجمالي النفط المنقول بحراً و8% من تجارة الغاز المسال العالمية عبر البحر الأحمر
علاوة على ذلك، ظل البحر الأحمر حيوياً بشكل خاص لنقل النفط والغاز الطبيعي المسال.
في النصف الأول من عام 2023، مر حوالي 12% من إجمالي النفط المنقول بحراً و8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية عبر البحر الأحمر، بحسب “ميديوم”.
ومن المعروف أنّ تطوير حقول النفط في الشرق الأوسط والطلب العالمي المتزايد على الطاقة جعل من البحر الأحمر شرياناً مهماً لشحنات النفط والغاز الطبيعي المسال من الخليج العربي إلى الأسواق في أوروبا وخارجها.
وغني عن القول إنّ الاعتماد الاقتصادي على البحر الأحمر للشحن، بخاصة لنقل النفط والغاز الطبيعي المسال والسلع الاستهلاكية والمواد الخام، هو اعتماد هائل.
وتشرح “ذا غارديان” البريطانية أن أهمية البحر الأحمر تبدأ من تكلفة البنزين عند الضخ إلى توفير أحدث الأجهزة الإلكترونية في الأسواق، إذ إن العالم يعتمد بشكل كبير على أمن المضيق المائي الضيق، الذي يبلغ عرضه 32 كيلومتراً فقط بين جيبوتي واليمن، وهو مضيق باب المندب.
ويمثل مضيق باب المندب، وهو من قنوات الشحن الأكثر كثافة في العالم، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، الذي يتصل بقناة السويس.
وقد أحدثت القناة ثورة في التجارة العالمية عندما افتتحت قبل أكثر من 150 عاماً، الأمر الذي أدى إلى خلق طريق مختصر بين الولايات المتحدة وأوروبا، والشرق الأوسط وآسيا. وتمر مليارات الدولارات من البضائع والإمدادات المتداولة عبر البحر الأحمر كل عام، مما يعني أن التأخير هناك يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في جميع أنحاء العالم.
وقال كبير مديري البيئة والتجارة في الغرفة الدولية للشحن، التي تمثل 80% من العالم، جون ستاوبرت، لموقع “فوا نيوز” إن كمية هائلة من إمدادات الطاقة الأوروبية، بما في ذلك النفط ووقود الديزل، تمر عبر هذا الممر المائي. وكذلك المنتجات الغذائية مثل زيت النخيل والحبوب، وكذلك أي شيء آخر يتم جلبه على متن سفن الحاويات، وهو معظم المنتجات المصنعة في العالم.
وتوقع المحللون أن يؤدي الانسداد إلى تعطيل حوالي 9.6 مليارات دولار من التجارة العالمية يومياً، وارتفاع أسعار النفط في أوروبا، بسبب المخاوف من نقص الإمدادات.
كيف يؤثر التعطيل في إسرائيل؟
ويتمثل التأثير الأكثر إلحاحاً لهجمات الحوثيين في ارتفاع تكلفة التأمين على السفن المستهدفة التي تمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر وصولاً إلى السوق الإسرائيلية.
إذ إن 6 شركات شحن وهي MSC، Maersk، Hapag Lloyd، CMA CGM، وYang Ming Marine Transport، وEvergreen قالت إنها ستحول جميع الرحلات المجدولة على الفور لضمان سلامة البحارة والسفن. وتمثل هذه الناقلات البحرية مجتمعة حوالي 60% من التجارة العالمية.
وقالت شركة إيفرغرين أيضاً إنها ستتوقف مؤقتاً عن قبول أي شحنة متجهة إلى إسرائيل، كما توقفت شركة Orient Overseas Container Line (OOCL)، وهي جزء من مجموعة COSCO Shipping Group المملوكة للصين، عن قبول البضائع الإسرائيلية.
ويشرح موقع “سي أن بي سي” أن “حوالي 30% من الواردات الإسرائيلية تأتي عبر البحر الأحمر على سفن الحاويات التي تُحجز مقدماً لمدة ما بين شهرين وثلاثة أشهر للمنتجات الاستهلاكية أو غيرها.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لغرفة الشحن الإسرائيلية، يوني إساكوف: “لن يكون الاستيراد من الشرق الأقصى مفيداً”.
وأضاف إيساكوف: “سيحتاج المستوردون إلى زيادة المخزون بسبب حالة عدم اليقين، ودفع المزيد، وسيخسر الآخرون أسواقهم، لأن الوقت المناسب للوصول إلى السوق ليس تنافسياً”.
وعادة، يجب على السفن إخطار شركات التأمين الخاصة بها عند الإبحار عبر مناطق عالية المخاطر ودفع قسط إضافي. وكانت علاوة المخاطرة التي دفعتها شركات الشحن 0.07% فقط من قيمة السفينة في بداية ديسمبر/ كانون الأول، لكنها ارتفعت إلى حوالي 0.5%-0.7% في الأيام الأخيرة.
ويتم تحويل بعض السفن حول رأس الرجاء الصالح، في الطرف الجنوبي من أفريقيا، مما يضيف ما يصل إلى أسبوعين من وقت الرحلة.
وفي يوم الاثنين، انضمت شركة بريتيش بيتروليوم BP إلى المجموعة عبر وقف جميع شحنات النفط والغاز عبر البحر الأحمر، بحسب “الغارديان”.
وقالت “سي أن بي سي” إن مجموعة ناقلات النفط “فرونت لاين” أعلنت أيضاً أنها تتجنب البحر الأحمر.
كذلك، أعلنت شركة “شيفرون” اليوم الثلاثاء، أنها ستواصل تقييم سلامة الطرق في البحر الأحمر وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط بشكل فعال، واتخاذ القرارات بناءً على آخر التطورات.
مدة الرحلة وارتفاع الأسعار
بدوره، قال نوام ريدان، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لـ “فوا نيوز” إن بعض السفن المرتبطة بإسرائيل بدأت في ما يبدو في سلوك الطريق الأطول حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح. وأضاف أن ذلك يطيل الرحلة من حوالي 19 يوماً إلى 31 يوماً اعتماداً على سرعة السفينة، وزيادة التكاليف، وزيادة التأخير.
وقال محرر التأمين في شركة Lloyd’s List Intelligence، ديفيد أوسلر، إن تكاليف التأمين تضاعفت بالنسبة لشركات الشحن التي تتحرك عبر البحر الأحمر، وهو ما يمكن أن يضيف مئات الآلاف من الدولارات إلى الرحلة.
وأضاف أنه بالنسبة لأصحاب السفن الإسرائيليين، فقد ارتفعت الأسعار أكثر، بنسبة 250%، وبعض شركات التأمين لن تغطيها على الإطلاق.
وفي حين أن شركات الشحن تطبق ما يسمى برسوم مخاطر الحرب التي تتراوح بين 50 إلى 100 دولار لكل حاوية على العملاء الذين يجلبون كل شيء من الحبوب إلى النفط إلى الأشياء التي تشتريها من أمازون، فإن هذه رسوم منخفضة بما يكفي لكيلا تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين العالميين، بحسب أوسلر.
المصدر: صحيفة العربي الجديد