إسرائيل تصعّد من “إبادة العائلات”.. نازحو غزة يتحدثون لـ”القدس العربي” عن الغارات الدامية والجثث تحت الأنقاض والأوبئة

Spread the love
image_pdfimage_print

تتصاعد في هذه الأوقات الغارات الإسرائيلية الدامية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الكثير من مناطق قطاع غزة، خاصة مدينة غزة والشمال، اللتين تخضعان لحصار إسرائيلي مشدد، ومنع التغطية الصحفية، ما أدى خلال الـ 48 ساعة الماضية، لارتكاب العديد من المجازر أبيدت خلالها عوائل بأكملها، وخلفت كذلك مئات الإصابات بينهم أطفال باتوا أيتام.

إبادة العائلات

ولوحظ أن الغارات الجوية الإسرائيلية لم تعد محصورة، كما الأيام الماضية، على مناطق التوغل البري الكبير في مدينة خان يونس جنوب القطاع، حيث صعد جيش الاحتلال من هجماته الدامية على العديد من المناطق، خاصة في مدينة غزة وشمالها، اللتين لا تتوفر فيهما تغطية صحفية بالقدر الكافي، بسبب الحصار الإسرائيلي وعملية التوغل البرية في كثير من تلك المناطق، خاصة أحياء النصر والشيخ رضوان بمدينة غزة ومناطق الغرب من المدينة، ومناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شمال القطاع.

كما استهدف جيش الاحتلال بالغارات العديد من الأحياء في المنطقة الوسطى، ودمّر مباني سكنية فوق رؤوس ساكنيها.

أكثر الغارات الدامية التي كشفت تفاصيلها بعد ساعات من حدوثها، كانت في مدينة غزة، وتحديداً في حي الصيرة، حين استهدفت غارة جوية منطقة سكنية تقطنها عائلة “دغمش”، فأسفرت، حسب الأرقام الرسمية عن استشهاد 109 أشخاص من هذه العائلة، بينهم أطفال ونساء ورجال مسنّون وشبان.

ولوحظ من أسماء الشهداء أن هناك أسراً كاملة من هذه العائلة، تضم الزوج والزوجة والأبناء، بمن فيهم الأطفال، والأعمام والأجداد، قضوا في هذه الغارات التي ضربت الحي.

ولم تكن هذه الغارة هي وحدها التي أوقعت عدداً كبيراً من الشهداء، حيث كشفت وزارة الصحة أن مجازر عدة اقترفتها قوات الاحتلال في منطقة جباليا شمال القطاع، أسفرت خلال الساعات الـ 48 الماضية عن استشهاد 151 مواطناً، وسقوط 313 جريحًا.

وسقط مجمل هؤلاء الشهداء، وبينهم عائلات بأكملها، في غارات استهدفت أحياء عدة في جباليا، بعد أن أعادت قوات الاحتلال استخدام أسلوب “الحزام الناري” في الاستهدافات، والتي تكون على شكل غارات تضرب عدة مناطق مجاورة في آن واحد.

فقدان الاتصال

وخلال الساعات الـ 24 الماضية، ركّزت قوات الاحتلال على استهدافات أخرى دامية طالت حي الدرج وسط مدينة غزة، وهو من الأحياء التي طلب الاحتلال سابقاً من سكان المدينة النزوح إليها.

ووفق المعلومات الشحيحة التي ترد من هناك، فقد استهدفت قوات الاحتلال بالقصف الجوي والمدفعي العديد من المنازل تعود لعوائل البيطار وحجازي وخلف.

ويدور الحديث عن أن تلك الغارات على هذا الحي المشهور في المدينة، ويعدّ من الأحياء القديمة، خلّفت عدداً من الشهداء، فيما تؤكد عوائل من الحي، نزحت إلى مناطق وسط القطاع، أنها فقدت الاتصال بذويها الذين يقيمون هناك، من خمسة أيام.

وقال أحمد كميل لـ “القدس العربي” إنه يحاول، منذ خمسة أيام، التواصل مع شقيقاته، دون أن يصل إليهن، بسب انقطاع الاتصالات في بادئ الأمر، وسوء جودتها في الوقت الحالي، لافتاً إلى أنهم لا يعرفون مصير أقاربهم، في ظل توارد الأنباء عن الهجوم الدامي الجديد على الكثير من مناطق مدينة غزة، وتحديداً حي الدرج.

كذلك قامت قوات الاحتلال باستهدافات أخرى طالت العديد من المشافي، خلال اليومين الماضيين، استهدف أحدها مشفى “الشفاء” بمدينة غزة، وأخرى استهدفت مشفى ناصر بمدينة خان يونس، في ظل استمرار حصارها لمشفى “العودة”، بعد أن ارتكبت مجزرة أخرى طالت النازحين في مشفى كمال عدوان شمال القطاع، حيث داست بالدبابات والجرافات على النازحين.

وقد أدت المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مجمع الشفاء، لاستشهاد 28 نازحاً، ووقوع عشرات الجرحى، في غارات استهدفت بوابة المشفى وسيارة كانت تقلّ مصابين، كما أسفر الاستهداف عن إصابة العشرات من المواطنين، وأدى قصف آخر لمشفى “ناصر” لاستشهاد الطفلة دنيا أبو محسن وهي على سرير العلاج.

وكما هو الحال في شمال القطاع، شهدت مناطق الوسط والجنوب أيضاً غارات مماثلة، أدت إلى استشهاد عوائل بأكملها، وهو أمر حصل مع عوائل القطشان وأبو غرقود في مخيم النصيرات وسط القطاع، وعدد من العوائل التي قضت في استهدافات مدينة خان يونس التي تتعرض غالبية أحيائها لعملية توغل بري، وحصار مشدد.

وامتلأت ساحة مشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، بجثث شهداء تلك الغارات، وأدت عائلة القطشان صلاة الجنازة على نحو 20 فرداً من الأسرة، بينهم أطفال.

جنازات جماعية

وكتبت على أكفان هؤلاء الشهداء أسماء الضحايا، وظهر أن في بعض الأكفان جثث لأطفال وأمهاتهم، حيث نقلوا جميعاً، بسبب عددهم الكبير، على دفعتين في صندوق عربة كبير إلى المقبرة لمواراتهم الثرى، في مشهد محزن.

وبكى هناك أقارب الضحايا الذين نجوا لعدم التواجد في المنزل لحظة الاستهداف بحرقة كبيرة، فيما قال رجل مسن من العائلة، كان يستقبل التعازي في ساحة المشفى بالضحايا، بصوت مرتفع: “شو ذنبهم، شو ذنب الأطفال”.

وقضى أفراد عائلة أبو القطشان، الذين انتشلوا من تحت الركام، في غارة قوية استهدفت منزل العائلة، فسوّته بالأرض، حيث واجهت طواقم الإسعاف والإنقاذ مصاعب في انتشال الجثث من تحت الركام، بعد أن تحوّل المنزل إلى كومة من القطع الخرسانية.

وذات الأمر حصل مع عائلة أبو غرقود في مخيم النصيرات، التي قضى أفرادها في غارة جوية دامية استهدفت منزل العائلة، الذي يضم رجالاً ونساء وأطفالاً، بينهم الصحفية حنين أبو غرقود.

والجدير ذكره أن قوات الاحتلال لجأت، منذ اليوم الأول للحرب على غزة، إلى استهداف عوائل وقتل جميع أفرادها، في غارات جوية ضربت منازل متعددة الطبقات، تضم وحدات سكنية تؤوي أشقاء وأبناءهم، ما أدى إلى مسح مئات العوائل بشكل كامل من السجل المدني.

وفي بعض الحالات نجا أطفال من غارات أدت إلى استشهاد والديهم وأشقائهم، وباتوا وحيدين في هذا العالم، حيث يوجد بعض منهم في المشافي يتلقى العلاج من إصابات خطرة، وآخرون يقيمون عند أقارب لهم، تبنّوا تربيتهم بعد وفاة والديهم.

ومع تضاعف أعداد الأيتام جراء الحرب على غزة، قررت الحكومة الفلسطينية تولي المسؤولية الكاملة عن الأطفال الأيتام، الذين فقدوا عائلاتهم خلال العدوان الإسرائيلي، وتوفير كل ما يلزم لهم في وطنهم فلسطين.

ولوحظ أن هذه الاستهدافات تصاعدت خلال اليومين الماضيين، بما يدلل على استمرار قوات الاحتلال في نهجها القائم على إيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوف المدنيين لا سيّما الأطفال.

وتقول علا كساب، التي تقطن حالياً في منطقة تقع غرب مدينة خان يونس، لـ “القدس العربي”، إنهم يسمعون أصوات الغارات والقصف المدفعي في تلك المنطقة على مدار الساعة، وتشير إلى أن أصوات الغارات يدلل على قوتها، وقربها من مناطق سكنها.

والمنطقة التي تقطنها علا ليست من ضمن المناطق التي طلب جيش الاحتلال من سكانها النزوح القسري، وتشير إلى أن تلك المناطق التي تركتها غالبية سكانها تشهد استهدافات على مدار ساعات النهار والليل، وأن الاستهدافات في المدينة تعدّت مناطق الاجتياح أيضاً، وتشير علا، وهي من سكان غزة ونزحت في بادئ الأمر لوسط خان يونس، بناء على تهديد جيش الاحتلال في بداية الحرب، ومن هناك لغرب المدينة، بعد الاجتياح البري، إنها تخشى من نزوح ثالث إلى مكان آخر، وتؤكد أنه لا يوجد في غزة مناطق آمنة.

أوضاع صعبة

وفي دلالة على حجم الغارات الدامية التي تصاعدت خلال اليومين الماضيين، يقول الدكتور أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت 16 مجزرة وجرائم إبادة جماعية في كافة مناطق قطاع غزة، خلال هذه الفترة.

وأشار إلى أن ذلك ترافقَ مع تعمّد قوات الاحتلال تصفية الوجود الصحي شمال غزة، بتدمير المستشفيات واعتقال كوادرها، ما يعتبر قراراً بإعدام نحو 800 ألف نسمة هناك، لافتاً إلى أن مئات الآلاف من الجرحى والحوامل والأطفال والمرضى المزمنين شمال غزة بلا خدمات صحية.

 كما تطرق إلى الوضع الصحي الصعب في مستشفيات جنوب غزة، ووصفه بـ “الكارثي والمعقد”، نتيجة عدم توفر الإمكانيات السريرية والطبية والبشرية المناسبة لحجم أعداد ونوعية المصابين، ويشير إلى أن غرف العمليات في مستشفيات جنوب غزة مكتظة، حيث لا تستطيع الاستجابة للأعداد الكبيرة من الإصابات الحرجة والخطيرة والمعقدة، ما يؤدي إلى فقدان حياة العديد وهم ينتظرون.

وشدد، في ذات الوقت، على ضرورة إسعاف الجرحى بشكل عاجل، وإخراج 5000 منهم للعلاج في الخارج، قبل فوات الأوان، بسبب وضعهم الصحي الحرج.

كذلك تواصل قوات الاحتلال استهداف الطواقم الطبية، وتعيق عملها، ويقول الدكتور القدرة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستمر في اعتقال 93 كادراً صحياً على رأسهم مدراء مستشفيات شمال غزة الدكتور محمد أبو سلمية، والدكتور أحمد الكحلوت، والدكتور أحمد مهنا، في ظروف غير إنسانية، والاستجواب تحت التعذيب والتجويع والبرد القارس، لافتاً إلى أن الحرب أدت إلى استشهاد 310 كوادر صحية، وتدمير 102 سيارة إسعاف، فيما خرجت 22 مستشفى و52 مركزاً صحياً عن الخدمة.

وتحدث عن أوضاع صحية أخرى سيئة، منها استمرار نفاد تطعيمات الأطفال في قطاع غزة، ما يفاقم الوضع الصحي للأطفال المواليد، وخاصة في مراكز النزوح، مؤكداً أن الوضع الصحي والإنساني في “مراكز الإيواء” يعدّ “كارثياً وغير إنساني” نتيجة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وسوء التغذية وقلة مياه الشرب والنظافة الشخصية وعدم توفر الرعاية الصحية.

وأكد أن الطواقم الصحية رصدت 350 ألف حالة مصابة بالأمراض المعدية في “مراكز الإيواء”، وقال: “هذا العدد هو الذي استطاع الوصول للمراكز الصحية، ونرجح أن يكون العدد أكبر بكثير”.

وطالب، في ذات الوقت، الجهات المعنية بالعمل الفوري على توفير كل المستلزمات الطبية، كما طالب الدول والمؤسسات الدولية بإقامة مستشفيات ميدانية شمال غزة لإنقاذ الجرحى والمرضى، وإقامة نقاط طبية وعيادات متنقلة لتوفير الرعاية الصحية للنازحين في المناطق الغربية لخان يونس ورفح، وانتقد أيضاً الصمت الدولي على جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي

جدير ذكره أن آخر إحصائية لوزارة الصحة أشارت إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة، منذ بداية الحرب، إلى 19.453 شهيداً، و 52.286 إصابة، فيما هناك أعداد أخرى من الضحايا لا زالوا تحت ركام المنازل التي تعرضت للقصف الجوي.

أشرف الهور

المصدر: صحيفة القدس العربي