يصعب على المرء إهمال الصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي أمس، والكتابات التي علقها المخطوفون الثلاثة على المبنى الذي كانوا فيه. “هتسيلو” (النجدة) كتبوا ببقايا الطعام على أمل أن يراها أحد ما وينقذهم.
أما التتمة المأساوية فمعروفة: خرج المخطوفون بلا قمصان وهم يرفعون قماشة بيضاء، فقُتلوا بإطلاق النار عليهم. وأظهر التحقيق سلسلة طويلة من المشاكل الأدائية والقيادية، وعلى رأسها خروج عن الأمر الذي يحظر إطلاق النار على من يستسلم. مشكوك أن ينتبه أحد ما لو كان القتلى فلسطينيين، لكن قتل المخطوفين حتماً سيكترث له الجيش الإسرائيلي.
خيراً فعل رئيس الأركان الفريق هرتسي هليفي، حين فضل الوصول أمس بالذات إلى غزة ليقول الأمر المسلم به. لا تطلق النار على من يرفع علماً أبيض. خيراً يفعل أيضاً حين أوضح ما المسموح وما المحظور في جوانب أكثر اتساعاً: من كتابات الحيطان المختلفة في غزة (وفي الضفة) وحتى استخدام مكبر صوت المؤذن.
ظاهراً، لا صلة بين الأمور، أقول ظاهراً فقط. من اللحظة التي تدور فيها الزوايا وتستخف فيها بالأوامر، قد نصل إلى أماكن خطيرة. ربما كان الجيش سينحي قادة ويعاقب مقاتلين في ظروف أخرى. ولكن هذا لن يحصل، لأن الحديث يدور عن ظروف قتال وإحساس ذاتي بالخطر الذي شعر به المقاتل الذي كان أول من أطلق النار ثم المقاتلين من بعده. كان محقاً رئيس الأركان حين قال إنه يمكن ويجب أن نأخذ ثانية أو اثنتين أخريين للتفكير وللتأكد من عدم الوقوع في الخطأ.
تم تأكيد الأوامر عقب هذا الحدث، بينما مشكلة المخطوفين نفسها بعيدة عن الحل. لو أنقذ الثلاثة وهم على قيد الحياة، للاقى تأكيد الادعاء الإسرائيلي بأن الضغط العسكري يخلق ظروفاً أفضل لإعادة المخطوفين. أما قتلهم فيخلق إحساساً معاكساً: في كل يوم يمر يزداد الخطر على حياتهم. هذان الادعاءات جيدان بالقدر ذاته، وشرعي أن يفضل كابينت الحرب الطريق العدواني.
الأقل شرعية هو الموقف الذي تتلقاه عائلات المخطوفين؛ فقد تراكمت الأيام الأخيرة شهادات مقلقة كثيرة جداً على أن يداً خفية تخوض حملة ضدهم. هذا معيب ومثير للحفيظة؛ لأن الحديث يدور عن مواطنين (وجنود) تركوا لمصيرهم في 7 أكتوبر. ويشعرون بأنهم متروكون لمصيرهم الآن أيضاً. واجب على قادة الدولة أن يعانقوهم، حتى لو لم تستجب الدولة لمطالبهم. فامتناعها عن ذلك سيفيد بأنهم أصبحوا أداة لعب في معركة سياسية تهكمية على نحو خاص.
لقد أقسمت إسرائيل على هدفين في هذه الحرب: القضاء على قدرة حماس السلطوية والعسكرية، وإعادة المخطوفين إلى الديار. وهي بعيدة عن الهدف في كليهما. آخر التقديرات هي أن القتال في شمال القطاع سينتهي حتى نهاية الشهر، بينما القتال في جبهة خانيونس سيستمر إلى كانون الثاني. يأمل الجيش في هذه المدة المتبقية بتعميق الضربة للبنى التحتية في شمال القطاع، وجباية ثمن من حماس في الجبهة الجنوبية – بالنشطاء وبالسلاح وربما القيادة أيضاً.
لن ترفع حماس علماً أبيض في هذا الجدول الزمني، واحتمال عودة كل المخطوفين حتى ذلك الحين طفيف جداً. لما كانت إسرائيل تتعهد (أمام الأمريكيين أيضاً) بأن تغير شكل العمل والانتقال من الحرب إلى القتال في الشهر القادم، يجدر بها العمل على تنسيق التوقعات أيضاً مع الجمهور الإسرائيلي المقتنع بأن آلة الحرب لن تتوقف حتى النصر. وهذا مطلوب أيضاً حيال نية إعادة كل سكان الجنوب إلى بيوتهم في أثناء كانون الثاني، ممن يسكنون على مسافة أكثر من أربعة كيلومترات عن الحدود، وربما سيسمعون صافرات الإنذار في المستقبل المنظور أيضاً.
يوآف ليمور
المصدر: صحيفة إسرائيل اليوم
ترجمة: صحيفة القدس العربي