القطار الجوي المحدث لكبار الشخصيات الأمريكية التي تزور إسرائيل منذ الخميس الماضي، سيوفر قدراً أكبر من الوضوح بخصوص استمرار القتال في قطاع غزة. ورغم أن الطرفين يمتنعان عن إعطاء تفاصيل علنية فمن الواضح ظهور موعد هدف للانتقال إلى مرحلة أخرى في محاربة حماس. يتوقع حدوث هذا قبل منتصف كانون الثاني القادم. بعد ذلك، يتوقع تغيير وتقليص النشاطات الهجومية في القطاع. وحتى موعد التغيير، ربما تتسع العملية وتصل إلى مناطق أخرى. المشكلة أن هذه العمليات تجري تحت غيمة آخذة في زيادة أثمان الحرب. فدعم الجمهور الواسع للعملية البرية، الذي تعزز في البداية على خلفية الضربات التي تلقتها حماس، أصبح مختلطاً الآن مع القلق والشك. ورغم توسيع النشاطات والخسائر التي تجبى من العدو، فإننا نقترب من وضع خطير يتمثل في المراوحة في المكان.
في شمال القطاع، يستكمل الجيش الإسرائيلي السيطرة على حي الشجاعية شرق مدينة غزة وعلى مخيم جباليا للاجئين. هذه هي المناطق التي تتركز فيها كتائب حماس في الشمال. لذا، جرت فيها معارك قاسية التي استمرت مدة أطول بشكل لم يتوقعه القادة.
أما في الجنوب فتجري عملية على مستوى الفرق في خان يونس مع تقدم بطيء والحذر حول شبكة الأنفاق العميقة. الآن يتم فحص إمكانية توسيع العملية إلى مناطق أخرى. وبصورة استثنائية خلافاً لحروب سابقة، فالجيش الإسرائيلي لا يعمل حسب جداول زمنية ثابتة للتقدم.
الجيوش في العادة تتحدث بمفاهيم تقدير أهلية العدو. عندما يحصي الجيش الإسرائيلي كتائب حماس التي تمت هزيمتها، ويتحدث عن أقل من النصف، فهو يستخدم المفاهيم العسكرية. ولكن حماس تتصرف بشكل مختلف، وهي في أغلبية الحالات تبحث عن احتكاك مباشر مع القوات المهاجمة التي لها تفوق مطلق عليها من حيث قوة النيران والمعلومات والتكنولوجيا. حتى لو تحطمت سلسلة قيادة الكتيبة وسيطرتها إلى شظايا، فإنها تحاول الاعتماد على الخلايا الصغيرة التي يمكنها العمل وقضم ذيل القوات الإسرائيلية المتفوقة.
هذا ما يحدث في الوقت الحالي على الأرض. قائد كتيبة في لواء “كفير”، التي تقاتل في الشجاعية، أحسن وصف تعقد القتال في مقابلة مع قناة تلفزيونية في الأسبوع الماضي. “استكملنا مهمة الاحتلال التي تم تكليفنا بها”، قال. “حتى الآن، العدو يلفنا بـ 360 درجة، لكننا لا نراه لأن رجاله يختبئون”.
بعد استكمال الاحتلال الأولي، تنتقل الوحدات إلى إطار الوجود الطويل والتمشيط. يقول الجنود إنهم يعثرون في كل مكان على فتحات للأنفاق وسلاح ووسائل قتالية. ولكن مع مكوثهم الطويل على أرض معادية، تصبح القوة العسكرية مكشوفة وقابلة للإصابة، ويتم نزع الأفضلية النسبية منها، التي تكمن في التحرك بوتيرة عالية، مع حجب صورة المعركة التي يخوضها العدو.
في حرب العصابات، يبدو أن الوحدة التي هُزمت من قبل تستعيد قدرتها المتبقية على الأداء، التي تعني جباية الثمن من الجيش النظامي. هناك الكثير من المواجهات التي يكون فيها مخربان أو ثلاثة يواجهون قوة للجيش الإسرائيلي بشكل مفاجئ ويحاولون العثور على نقاط الضعف. معظم هذه المواجهات تنتهي بالتصفية أو التشويش على الهجوم، ولكن لا بد من مصابين إسرائيليين يومياً.
منذ فترة طويلة والوضع في غزة يصبح مشابهاً للمرحلة المتأخرة في حرب لبنان الأولى في 1982 بعد احتلال بيروت. وتتعلق الأمور هنا أيضاً بالتغيير في المزاج العام بالنسبة للحرب. الأسبوع الأخير كان صعباً بشكل خاص بسبب الحادثين في الشجاعية: الأول، الكمين الذي قتل فيه 9 جنود. والثاني قتل المخطوفين الثلاثة بالخطأ على يد الجنود. استمرار القتال في الإطار الحالي سيكون مرتبطاً على الأقل ببعض البشائر السيئة عن قتل جنود. بعد مذبحة 7 أكتوبر، انطلق الجيش الإسرائيلي للعملية البرية التي كانت أمراً مختلفاً عليه لمدة عقدين. وحشية حماس والعدد الكبير من خسائر إسرائيل في اليوم الأول للحرب أوجدت شعوراً بأنه لا خيار عدا الغزو البري للقطاع، الذي هدفه هزيمة حماس بشكل مطلق. وانطوى هذا على نوع من الإذن من الجمهور الإسرائيلي، للمرة الأولى منذ سنوات، بأن يقتل ويُقتل.
مثلما في 1982، يتعلق هذا الاتفاق بشرطين، تبددا بالتدريج في لبنان: الهدف الواضح للحرب والإدراك بأن الانتصار قابل للتحقق. الخطر في غزة مع مرور الوقت سيظهر عندما تتعزز الشكوك في تحقق هذين الشرطين. إضافة إلى ذلك، أي تغير محتمل في صورة العملية في الشهر القادم سيثير الشك حول تحقيق أهداف العملية المعلنة، وهي هزيمة حماس وقتل كبار قادتها، وخلق شروط لإعادة المخطوفين، وتمهيد الطريق لعودة السكان إلى مستوطنات الغلاف.
المتحدثون بلسان حماس يطلبون انسحاباً كاملاً لإسرائيل من القطاع ووقفاً كاملاً لإطلاق النار شرطاً لاستئناف المفاوضات. هذا لا يشكل موقفاً افتتاحياً من قبل إسرائيل، لكن القلق على مصير المخطوفين يزداد إزاء ظروف الأسر والإدراك المتزايد بأن كل يوم آخر يمر يقلل احتمالية إنقاذهم سالمين من الجحيم. رئيس الحكومة نتنياهو، الذي يواصل تملصه من طلب عائلات المخطوفين الالتقاء معه، فضل أمس قراءة رسالة في بداية جلسة الحكومة من “منتدى البطولة”، وهي عائلات ثكلت أبناءها في الحرب وتطلب منه مواصلة القتال إلى حين هزيمة حماس.
عاموس هرئيل
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية
ترجمة: صحيفة القدس العربي