دليلك إلى أساليب “إسرائيل” في التضليل والخداع الإعلامي

Spread the love
image_pdfimage_print

حصدت الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أرواح الآلاف الفلسطينيين، لكن الحرب ليست على الأرض فقط، فوسط هذه الفوضى الدموية اندلع صراع آخر في العالم الافتراضي، سخّرت خلاله “إسرائيل” آلتها الدعائية لتشكيل الرأي العام حول العدوان الذي دخل أسبوعه السابع. 

ومنذ بدء العدوان على غزة، تكثفت المعلومات المضللة التي تنشرها حكومة الاحتلال اليمينية التي تعاني من مشكلة في مصداقيتها، وتنعم بالتأييد الدولي بأن تفعل ما تشاء بملايين الفلسطينيين بغير حساب أو عقاب، فلماذا إذًا تلجأ إلى حملات التضليل لحشد مزيد من التأييد لروايته وبيعها للرأي العام العالمي؟ 

فاتنات جيش الاحتلال.. وظائف أخرى على الجبهات

لمواجهة ردود الفعل العالمية العنيفة وتشويه الحقائق حول ما يجري في قطاع غزة، يلجأ الاحتلال الإسرائيلي ومؤيدوه في الغرب إلى أساليب وأدوات دعائية مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي لتبييض جرائمه، ويتصارع السياسيون الإسرائيليون والناشطون والمؤثرون ووسائل الإعلام للسيطرة على الروايات التي تحدد شكل الصراع.

أول هذه الأدوات تمثَّل في استخدام نساء جيش الاحتلال، فـ”إسرائيل” هي الدولة الوحيدة التي تفرض على كافة مواطنيها التجنيد الإجباري في الجيش، والوحيدة التي تجبر النساء على الخدمة العسكرية، والوحيدة أيضًا التي نصف سكانها في الجيش، الذي يُشتهر بكونه “جيش احتلال”، وينفرد بكون ثلث مقاتليه من النساء، الكثير منهنّ على الجبهة.

 ما تفعله مجندات جيش الاحتلال -مثل الرقص- يكسر نظرة الجمهور بشأن العنف المرتبط بالجندي الإسرائيلي الذي يرتدي معدّات عسكرية كاملة.

ورغم اعتراض المتدينين في “إسرائيل” على خدمة النساء، وارتفاع معدلات التحرش والاغتصاب داخل الجيش، حيث من بين كل 3 مجندات تعرضت واحدة منهن للتحرش مرة واحدة على الأقل من قبل الجنود الذكور، تصرّ “إسرائيل” على تجنيد الفتيات تحت شعار “الدفاع عن إسرائيل”، وبحجّة وجود تهديدات تستوجب عليهن القتال والسهر على الجبهات. 

ومع ذلك، لهؤلاء الفتيات وظائف أخرى بخلاف الرجال، فباستخدام صور الجميلات منهن، ومن خلال دعاية سوداء تغذيها أموال عاجزة عن تغيير الرأي العام الغربي، تتصدر صور وفيديوهات مجندات الاحتلال منصات التواصل الاجتماعي، لإحداث تغيير في آراء وعواطف واتجاهات وسلوك الأفراد المعنيين بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

خلال الفترة التي أعقبت هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدًا تيك توك، فيديوهات لمجندات وجنود إسرائيليين يرقصون ويغنون، كما انتشرت عشرات الفيديوهات التي تظهر جمال المجندات الإسرائيليات.

في الواقع، مثل هذه الفيديوهات كانت موجودة بالفعل حتى قبل عملية “طوفان الأقصى”، لكن انتشارها بكثافة خلال الأسابيع الأخيرة يثير تساؤلات حول كونهن جزءًا من حملات تضليل، للإلهاء عمّا يرتكبه جيش الاحتلال من مجازر بحقّ المدنيين في غزة.

هذا ناهيك عن أن مقاطع “الإغراء” هذه لا تندرج تحت قائمة المحظورات التي تنتهك سياسة منصات التواصل الاجتماعي، على عكس الصور ومقاطع الفيديو الداعمة للفلسطينيين، والتي تواجه قيودًا من قبل القائمين على المنصات المختلفة. 

ويسعى الاحتلال الذي يخوض حروبًا متكررة ضد المدنيين، من خلال ذلك، لتحسين صورته أمام الرأي العام العالمي، ونقل صورة مبهجة عن جيش الاحتلال، كما أن لإغراء المجندات دور في استقطاب المقاتلين الشباب للخدمة، وتحفيزهم على البقاء في الجيش. 

كما أن دورًا آخر تسعى له “إسرائيل” على أن ظهور مقاتلاتها الفاتنات موجّه للعرب، فهي تعمل على خلق انطباع لدى شباب العرب بأن جيشها ليس جيشًا إجراميًّا، وليس بجيش من القتلة والمجرمين. 

ويعني هذا، بحسب دراسة لجامعة كامبريدج البريطانية، أن ما تفعله مجندات جيش الاحتلال -مثل الرقص- يكسر نظرة الجمهور بشأن العنف المرتبط بالجندي الإسرائيلي الذي يرتدي معدّات عسكرية كاملة، ويخدع المشاهد من خلال قلب الدلالات البصرية والمادية للصراع نفسه، واقتراح نهاية مرحة غير تصادمية.

وتغيّر مقاطع الفيديو هذه، مع انتشارها الرقمي الواسع في الفترة الأخيرة، شكل العنف المتأصّل في البندقية والزيّ الرسمي والمباني المتهدمة، من خلال تحويلها من دلالات على العنف إلى أدوات للمرح والثقة المتبادلة، ويتم استخدام محتواها للتخفيف من التهم العسكرية والسياسية الملاصقة لجيش الاحتلال. 

حملات مدفوعة.. ساحة معركة وسائل التواصل الاجتماعي

في حين أن قصص أولئك الذين يتعرضون للقصف من قبل قوات الجيش الإسرائيلي في غزة يتم سردها في الغالب من قبل الصحفيين، والمؤيدين في الخارج، والفلسطينيين المحاصرين أنفسهم، فإن لـ”إسرائيل” وجودًا رسميًّا على وسائل التواصل الاجتماعي، في شكل عدة حسابات حكومية تتبنّى سردية الاحتلال، وتروّج لروايته عبر البيانات والصور والوسوم والدعوات لجمهور هائل عبر الإنترنت، لكن من يقف وراء هذه الحملة المتواصلة؟

تُدار الحسابات الإسرائيلية من قبل المكتب الرقمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وهو قسم يديره ديفيد سارانغا، وهو دبلوماسي إسرائيلي تضمّنت حياته المهنية منذ فترة طويلة إدارة الصورة العامة لـ”إسرائيل” في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك وسائل الإعلام الأمريكية. 

“إسرائيل” دفعت مقابل هذه الإعلانات ما لا يقل عن 7.1 ملايين دولار في منصتَي جوجل ويوتيوب فقط، بما في ذلك بعض مقاطع الفيديو المروعة التي تصف مقاتلي حماس بـ”الإرهابيين”.

وتخصص الوزارة موارد كبيرة للاستراتيجية الرقمية، فقد أخبر سارانغا مجلة “رولينغ ستون” أن فريقه “يتكون من حوالي 30 فردًا، بدءًا من رؤساء الأقسام إلى المستشارين الرقميين المتمرسين ومديري اللغات والمتدربين ومصمّمي الغرافيك”، ويديرون معًا “أكثر من 20 حسابًا بـ 6 لغات”.

تستخدم “إسرائيل” وسائل دعاية أخرى في حملة علاقات عامة ضخمة أغرقت وسائل التواصل بإعلانات مدفوعة، فبعد وقت قصير من عملية “طوفان الأقصى”، نشرت عشرات الإعلانات عبر الإنترنت، بما في ذلك مقاطع الفيديو المصورة لملايين الأشخاص، لحشد الدعم لروايتها التي تتبنّى سردية “الدفاع عن النفس”، لتبرير المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال كل يوم بحقّ الفلسطينيين، وتصوير المدنيين على أنهم “إرهابيون”.

في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جرى تداول صورة طفل ملطّخ بالدماء على موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، مصحوبة برسالة تقول: “هذه أصعب صورة نشرناها على الإطلاق، بينما نكتب هذا نرتجف، فكرنا كثيرًا بشأن نشرها لكننا بحاجة إلى أن يعرف الجميع”. 

هذه الصورة لم ينشرها مراسل يغطي الحرب، أو أحد الحسابات التي لا تعدّ ولا تحصى، والتي تشارك مقاطع فيديو مروعة لشيطنة المقاومة الفلسطينية، بل نشرها حساب رسمي موثَّق يحمل اسم “دولة إسرائيل”، ويتبع وزارة خارجية الاحتلال، مدفوعًا بإعلان مموَّل من قبل الحكومة الإسرائيلية ضمن حملة علاقات عامة ضخمة.

التقطت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية التغريدة ونشرتها على موقعها الإلكتروني، وأعادت نشرها على صفحتها الأولى في عددها الصادر يوم الجمعة 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وظهرت الصورة المروعة في الصفحة الثالثة من الصحيفة، وأرفقتها بالنص المصاحب لتغريدة الحكومة الإسرائيلية، ووصفتها بأنها “صورة لجثة طفل إسرائيلي ملطخ بالدماء، لا يزال يرتدي ثوبًا وحفاضًا، ملقى داخل كيس جثة صغير”.

وبحسب الصحيفة، فإن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أظهر صورة الطفل لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي زار “إسرائيل” يوم الخميس 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ووقع الوزير الأمريكي في فخّ الدعاية الإسرائيلية المضللة، واصفًا الصورة بأنها “تساوي مليون كلمة”، مضيفًا أنها “تذكّر بما فعله تنظيم “داعش” عندما كان في ذروة عنفوانه، والتي تم إيقافها لحسن الحظ”، حسب قوله. 

وتظهر قاعدة بيانات الشفافية الخاصة بجوجل أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تستهدف المستخدمين، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعشرات الإعلانات المدفوعة التي تمّ بثّها لأيام متتالية، بما في ذلك بعض الإعلانات المصورة بشكل خاص.

وعلى موقع يوتيوب، وجّهت القنوات التابعة لـ”إسرائيل”، ويحمل أغلبها صفة رسمية مثل وزارة الخارجية، عشرات الإعلانات المدفوعة إلى المشاهدين في الكثير من الدول حول العالم، وهذا يعني أنك إذا كنت قد تعرضت لإعلانات مدفوعة من هذه الجهة على موقع يوتيوب خلال الأسابيع الماضية، فأنت لست وحدك. 

يبدو الهدف من ذلك واضحًا وفقًا لتصريحات أدلى بها ديفيد سارانغا في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، في مقابلة مع صحيفة The Juish Insider الصهيونية، قال فيها: “عندما يتعلق الأمر بالأعمال العدائية مع حماس، فإن الشيء الأكثر أهمية هو إيصال الرسالة الإسرائيلية في أسرع وقت ممكن قبل أن يقدم الفلسطينيون رسالتهم”. 

وعلى عكس ما هو منشود من ضخّ الأموال لتحويل الرأي العام نحو وجهة نظر حكومة الاحتلال الإسرائيلي كما يعتقد سارانغا، قوبلت بعض الإعلانات عبر الإنترنت ببعض المعارضة من قبل المشاهدين الذين سعوا إلى إيجاد طرق لوقف استهدافهم من قبل وزارة الخارجية، لكن الخبراء في هذا المجال يقولون إن هذا هو الواقع الجديد لحملات العلاقات العامة المبنية على الحروب. 

وفقًا لتحقيق أجرته الصحفية الاستقصائية البريطانية صوفيا سميث غالر، فإن “إسرائيل” دفعت مقابل هذه الإعلانات ما لا يقل عن 7.1 ملايين دولار في منصتَي جوجل ويوتيوب فقط، بما في ذلك بعض مقاطع الفيديو المروعة التي تصف مقاتلي حماس بـ”الإرهابيين”، وهو ما يخالف سياسة هذه المنصات التي تقول إنها لا تسمح بالإعلانات التي تحتوي على لغة عنيفة، أو صور مروعة، ومع ذلك لا تزال بعض مقاطع الفيديو المصورة متاحة على قنوات يوتيوب التابعة للاحتلال.

بنظرة فاحصة على القناة التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يمكن رؤية اتساع الفجوة في عدد المشاهدات بين مقاطع الفيديو التي نُشرت قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وتلك التي نُشرت بعد هذا اليوم، ففي حين لم تتجاوز الأولى بضع آلاف المشاهدات، تجاوزت الأخرى مئات الآلاف من المشاهدات، رغم أن بعضها لا يتضمن سوى نصوص مكتوبة أو رسوم متحركة تقليدية، لكنها لم تخلُ من التحريض والتضليل. 

@sophiasmithgalerI kept being targeted with YouTube ads from Israel’s foreign ministry, and wanted to find out more. Using Semrush, I did! let me know if anyone has also targeted you with YT ads, and if they obey platform guidelines♬ original sound – Sophia Smith Galer

للتوصل إلى هذه التقديرات، استخدمت صوفيا أداة تحليلية تسمّى Semrush، وتقدم معلومات تحليلية حول ما أنفقته الحسابات على الحملات الإعلانية، ويظهر أن “إسرائيل” استهدفت الدول الأوروبية إلى حد كبير من خلال خطابها لكسب الدعم، حيث استحوذت فرنسا وبريطانيا وألمانيا على حصة الأسد من بين الدول المستهدفة بالإعلانات المدفوعة.

وفقًا لمركز شفافية الإعلانات التابع لجوجل، دُفع نحو 6.8 ملايين دولار من الإجمالي في الدول الثلاثة التي تمّ توجيه الإعلانات إليها، وحققت هذه الأموال من ناحية الناس الذين شاهدوها مليارات المشاهدات، كما استهدفت بعض البلدان الأخرى بـ 88 إعلانًا في الفترة من 7 إلى 19 أكتوبر/ تشرين الأول، من بينها عشرات الإعلانات التي وُجّهت باللغة الإنجليزية إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وزارة الخارجية الإسرائيلية تستهدف المستخدمين بمئات الإعلانات المدفوعة 

ولوحظ ظهور بعض مقاطع الفيديو واختفاؤها من مركز الإعلانات، حيث لا يعرض مركز الشفافية الإعلانات المحذوفة، ومن بينها مقطع فيديو يدّعي إظهار تشريح جثة طفل أُحرق حيًّا، ويعرض مقطع آخر طبيبًا يستعرض نتائج تشريح جثة شخص بالغ ادّعى أنه أُحرق حيًّا داخل منزله، لعدم تمكن مقاتلي حماس من إطلاق النار عليه. 

تعيدنا هذه المقاطع إلى ما يمكن أن نسمّيه “الكذبة الكبرى” التي روّجت لها وسائل الإعلام الغربية والمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي والقادة السياسيون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حين نشر عدة صور أخرى تظهر بقايا أطفال متفحّمة، وادّعى آخرون قطع مقاتلي حماس رؤوس 40 طفلًا، وانتشرت تلك الأكاذيب كالنار في الهشيم، وكأنها لاقت هوى لدى وسائل إعلام أمريكية وعالمية، فتناقلوها كأنها حقيقة مطلقة، بل ادّعى بعضهم أنهم رأوا الجثث بأمّ أعينهم.

ورغم تراجع وسائل إعلام عن تلك الرواية، واعتذار بعض الصحفيين عنها، استمر مسؤولون أمريكيون في ترديدها، وقد سبقهم جميعًا الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن تصريحاته، واستمرت “إسرائيل” في تقديم الرواية ذاتها عبر مقاطع دعائية في منصاتها التابعة لجهات رسمية مثل وزارة الخارجية. 

على سبيل المثال، في اليوم الرابع من الهجوم الذي شنّته حماس على “إسرائيل”، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية إعلانًا لمقطع فيديو على يوتيوب تجاوزت مشاهداته حتى اليوم المليون مشاهدة، وهو رقم مبالغ فيه بشكل غريب، رغم أن إجمالي عدد المشتركين في القناة لا يتجاوز 70 ألفًا، وهو ما يعني أنه مدفوع بحملات ترويجية ممولة. 

حمل مقطع الفيديو عنوان “لا يستطيع الرضّع والأطفال الصغار قراءة النص الموجود في هذا الفيديو، لكن والديهم يستطيعون ذلك”، ويناشد الآباء التعاطف مع أولئك الذين قُتل أطفالهم أثناء الهجوم على “إسرائيل”، وداخل الفيديو روّجت لمقتل الأطفال على يد من وصفتهم بـ”إرهابيي حماس الهمجيين”، وألحقت هذا الوصف بكلمة “داعش”، ومع ذلك ما زال المقطع متاحًا على منصة يوتيوب رغم أنه ينتهك إرشادات إعلانات يوتيوب. 

الأمر أسوأ بكثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، فبينما تنمو الحقيقة ببطء كشجرة راسخة، تتكاثر الأكاذيب عند جذورها كآفات وأعشاب ضارة، فالرواية الإسرائيلية المكذوبة لا تزال تنتشر مدفوعة بآلاف الحسابات، مراهنة على كثير من العوام الذين ينظرون أسفل أقدامهم، ويتعامون عن شجرة الحقيقة الباسقة. 

وخلال ما يزيد قليلًا عن أسبوع من عملية “طوفان الأقصى”، عرضت وزارة الخارجية الإسرائيلية على منصة إكس 30 إعلانًا شوهدت أكثر من 4 ملايين مرة، بينها إعلانات بمحتوى عنيف يخالف سياسات المنصة، بحسب رصد لصحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.

ووفقًا لبيانات المنصة، كانت مقاطع الفيديو والصور والنصوص المدفوعة التي بدأت بالظهور في 12 أكتوبر/ تشرين الأول، تستهدف البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 25 عامًا في بروكسل وباريس وميونيخ ولاهاي، وصورت مقاطع الفيديو المدفوعة حماس على أنها “جماعة إرهابية متطرفة” على غرار تنظيم “داعش””.

بشكل عام، إن حملات العلاقات العامة في الحروب وما حولها ليست جديدة، لكن الدفع مقابل الإعلانات عبر الإنترنت التي تستهدف بلدانًا وفئات سكانية محددة، أصبح الآن جزءًا من الاتجاه المتزايد للحكومات التي تستخدم حرب المعلومات عبر الإنترنت، لتشكيل صورتها وإيصال رسائلها إلى عدد أكبر من العيون، خاصة في أوقات الأزمات، ومع ذلك وسط هجمة المعلومات المضللة والمحتوى غير القانوني المرتبط بالهجمات، قد يكون الدفع الإسرائيلي عبر الإنترنت أكثر تعقيدًا.

وبينما تأتي جهود حكومة الاحتلال مدفوعة بدعم مالكي شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، تواجه حماس قيودًا على نشر دعايتها الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، كما تواجه حظرًا تامًّا على بعض المنصات، كما تفعل ذلك شركتا ميتا وجوجل، لكن تيليغرام، وهي شركة أسّسها رجل أعمال روسي المولد، ومقرّه الآن في دبي، قررت السماح للجماعة بمواصلة استخدام خدمتها.

عند تصفح الحسابات الشخصية لهؤلاء المؤثرين، يمكنك ملاحظة الكمّ الهائل من الدعاية الإسرائيلية السوداء التي يراد بها شيطنة وتشويه الضحية لتبرير قتله وسحقه بلا إنسانية.

وفرضت شركة إكس أيضًا حظرًا على حماس، وأزالت “المئات” من “الحسابات التابعة لها”، لكن الاتحاد الأوروبي أعلن في وقت سابق من الشهر الماضي أنه فتح تحقيقًا مع الشركة بشأن المعلومات المضللة والمحتوى غير القانوني المرتبط بالحرب بين “إسرائيل” وحماس، محذّرًا من إمكانية تغريمها المليارات إذا كانت تنتهك قانون الخدمات الرقمية، الذي دخل حيز التنفيذ بالنسبة إلى الشركات، بما في ذلك ميتا وإكس وتيك توك، في أغسطس/ آب الماضي، فيما بدا أن التحقيق يستهدف بالأساس المحتوى المؤيد لحماس.

ومع ذلك، ارتفع عدد متابعي حماس بشكل كبير على تيليغرام في الأيام التي تلت الهجوم على “إسرائيل”، وتضاعف عدد متابعي القناة الرسمية لكتائب القسام أكثر من 3 مرات، وبالمثل ارتفع معدل التفاعل على مقاطع الفيديو والمشاركات الأخرى على القناة، حيث حصل على أكثر من 10 أضعاف العدد المعتاد من المشاهدات، وفقًا لتحليل أجراه مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي.

استخدام المؤثرين.. عندما ينقلب السحر على الساحر

“أنا أتواصل معك نيابة عن مجموعة عالمية من الوكالات والمؤثرين ومنشئي المحتوى الذين يجتمعون معًا لرفع مستوى الوعي حول الوضع الصعب في إسرائيل”، هذا نصّ من رسالة بريد إلكتروني تم إرسالها إلى الشخصيات المؤثرة البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، من قبل الاحتلال الإسرائيلي وجماعات الضغط التابعة له في الغرب، لدعوتهم للانضمام إلى حملة التضليل.

وتأتي الحملة في الوقت الذي تزايدت فيه الشواهد حول الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر في الأيام الأخيرة، حيث يقوم الجميع، من وسائل الإعلام الرئيسية إلى المشاهير، بتنفيذ أوامر “إسرائيل” لدحض هذه الشواهد.

جيش الاحتلال يواصل الحرب على الجبهة السيبرانية، بتوظيف مؤثرين ومنشئي المحتوى لتبييض جرائم الحرب غير المبررة في قطاع غزة المحاصر.

واكتسبت الحملة زخمًا في أعقاب حملة القصف العشوائي التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي، فبعد أيام قليلة من هجوم حماس، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تسعى إلى استخدام شخصيات مؤثرة بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي في حملة مناصرة للتأثير على الرأي العام الدولي، حسبما ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.

كجزء من هذه الاستراتيجية، أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين مناقشات مع المؤثرين الرئيسيين عبر الإنترنت، وشجّعهم على الترويج والدفاع عن موقف “إسرائيل” على المسرح الدولي، كجزء من قرار الوزارة بتكثيف جهود العلاقات العامة على المنصات العالمية. 

وبحسب الصحيفة، كان من بين المؤثرين الذين استجابوا للدعوة أرسين أوستروفسكي، وهو محامٍ في مجال حقوق الإنسان والمدير التنفيذي للمنتدى القانوني الدولي، وتولى الدفاع عن “إسرائيل” في القانون الدولي ضد معاداة السامية وحركة المقاطعة (BDS)، والممثلة الإسرائيلية نوا توهار تشبي، وهن مازيغ، وهو إسرائيلي من أصول عراقية يظهر بانتظام على قنوات بريطانية، وجو زيفولوني، وهو شخصية مؤثرة على سائل التواصل الاجتماعي، وممثل متحمّس للمجتمع الأمريكي الإسرائيلي. 

يُضاف إلى هؤلاء المدير التنفيذي لمنظمة Stand With Us الأمريكية مايكل ديكسون، والذي تم إدراجه ضمن قائمة أفضل 15 يهوديًّا الأكثر تأثيرًا على تويتر، ومنظِّمة الأحداث وأخصائية وسائل التواصل الاجتماعي تالي إشكولي، والباحثة في معهد تل أبيب والمستشارة السياسية الإسرائيلية إميلي شريدر، وعضوة الكنيست السابقة والسياسية الإسرائيلية ميخال كوتلر ونش، وهي حاليًّا مبعوثة خاصة لمكافحة “معاداة السامية” في “إسرائيل”، ونائبة رئيس بلدية القدس المسؤولة عن العلاقات الخارجية فلور حسن ناحوم

عند تصفُّح الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لهؤلاء، يمكنك ملاحظة الكمّ الهائل من الدعاية الإسرائيلية السوداء التي يُراد بها شيطنة وتشويه الضحية لتبرير قتله وسحقه بلا إنسانية، وإمطار المدنيين بعشرات الأطنان من المتفجرات لهدم المنازل على رؤوس ساكنيها بمن فيهم النساء والأطفال، وكأن وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز قد بُعث حيًّا، لكنه انقسم لعشرات الإعلاميين والساسة وآلاف الحسابات عبر مواقع التواصل. 

زاد هؤلاء المؤثرون ذوو التوجهات اليمينية من تعكير صفو المياه من خلال نشر الصور المزيفة، والمعلومات المضللة التي تهدف إلى تحقيق أجندة الاحتلال الخاصة، ومن غير المستغرب أن يُقابل المحتوى الذي تقدمه هذه الحسابات في كثير من الأحيان بالازدراء، أو يُرفض باعتباره دعاية مضللة، أو يُسخر منه.

على سبيل المثال، قد تحصل بعض المنشورات على حساب يحمل اسم “Israel” على تطبيق تيك توك -مثل تلك التي تعرض لقطات من مظاهرة مؤيدة لـ”إسرائيل” في مدينة بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا- على آلاف الإعجابات، لكن ضعف هذا العدد يأتي في شكل تعليقات مؤيدة لفلسطين، بما في ذلك شعار “فلسطين حرة” أو الرموز التعبيرية للعلم الفلسطيني.

كما تعرّض عدد من المؤثرين الإسرائيليين على تطبيق تيك توك لانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد نشر مقاطع فيديو تسخر من محنة الفلسطينيين، وحقيقة تعرضهم للتجويع والقصف حتى الموت بينما تمطرهم القنابل في غزة. 

على سبيل المثال، تم تسليط الضوء على مؤثرة إسرائيلية تُدعى إيف كوهين على موقع إكس، لمشاركتها مقطع فيديو على تيك توك بدت فيه بوجه عربي وكأنها تسخر من الفلسطينيين، وتدّعي أن الأمهات الفلسطينيات يزيّفن موت أطفالهن.

عدد من المؤثرات الإسرائيليات يسخرن من محنة الفلسطينيين

ومع استمرار سكان غزة في العيش من دون كهرباء وماء، ظهر عدد من مقاطع الفيديو القصيرة، أظهرت مؤثرين آخرين يسخرون من محنتهم من خلال الاستخدام المفرط للكهرباء والمياه في مطابخهم وحمّاماتهم، في خطوة واضحة للتأكيد على حصولهم على ما يُحرم منه الفلسطينيون. 

وتظهر مقاطع أخرى مستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي يضعن مكياجًا أسود لتكثيف حواجبهن وتلوين أسنانهن أثناء ارتداء الحجاب، وتظهر في أحدها فنانة مكياج إسرائيلية ترتدي حجابًا مزيفًا، وتسخر من مظهر المرأة العربية وصوتها.

تعرّض عدد من المؤثرين الإسرائيليين على تطبيق تيك توك لانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي.

بخلاف ما هو معلن من حملات حكومية لدعم “إسرائيل” عبر الإنترنت، وبعد مواجهة الهزيمة الساحقة في ساحة المعركة، يبدو أن جيش الاحتلال يواصل الحرب على الجبهة السيبرانية، بتوظيف مؤثرين ومنشئي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في العالم العربي أو الغربي، لتبييض جرائم الحرب غير المبررة في قطاع غزة المحاصر.

لكن ما حصل أن الكثير من هؤلاء المؤثرين المستهدفين عمدوا إلى فضح “إسرائيل”، على سبيل المثال كشفت سارة واتسون، وهي شخصية بريطانية مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، على صفحتها على تيك توك، أن الاحتلال الإسرائيلي تواصل معها وعرض عليها رشوة، وحتى أجبرها على التراجع عن دعمها لفلسطين.

قالت واتسون إنه طُلب منها حذف منشور على موقع إنستغرام نشرته تضامنًا مع شعب فلسطين، ووُعدت بمبلغ ضخم، لكنها رفضت بصراحة، مشيرة إلى أن العلامة التجارية التي كانت تعمل معها أبلغتها بقرارها عدم العمل معها بعد الآن.

ونشر الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي سليمان أحمد، مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع على موقع إكس، لمؤثر أمريكي يُدعى جون فلين، كشف أن “إسرائيل تدفع 1000 دولار للمؤثرين مقابل كل فيديو داعم لإسرائيل ومناهض لحركة لحماس، وتصويرها على أنها شريرة ومتوحّشة وتقطع رؤوس الأطفال”.

وتحدّث البعض على مواقع التواصل الاجتماعي عن أن الاحتلال الإسرائيلي لم يتصل فقط بالمؤثرين ليطلب منهم الانضمام إلى حملة لدعم النظام، بل قام أيضًا “بتهديد شخصيات عامة” مثل فريال مخدوم زوجة الملاكم البريطاني الشهير أمير خان، وصانعة المحتوى دينا طوكيو، وهي من أبرز مدوّنات الموضة المحجبات في المملكة المتحدة، وكلتاهما تلقتا تهديدًا بالتوقف عن دعم فلسطين بدلًا من عواقب وخيمة.

ويبدو أن الآلية التي استخدمتها “إسرائيل” في هذا الصدد، تتعلق بإعطاء تعليمات لصانع المحتوى لدعم الاحتلال، بالإضافة إلى توجيه المؤثر إلى موقع ويب يضمّ مقاطع فيديو توضيحية، ومطالبته باستخدام الروابط الموجودة في منشوراته وإرفاقها بالوسوم التي تربط بشكل خاطئ مقاتلي حماس بإرهابيي “داعش”، مع حثّهم على السير على خُطى شخصيات مؤثرة بارزة قيل إنها انضمت بالفعل، مثل كيم كارداشيان وغال غادوت وكيسي نيستات ومادونا وآخرين. 

مع احتدام الحرب الدموية في غزة، صُدم عدد من المبدعين والمؤثرين البارزين المؤيدين لفلسطين عندما طُلب منهم الوقوف مع “إسرائيل”، ومن هؤلاء عيسى تويمة، وهو موسيقي أمريكي معروف باسمه المستعار “تويمز”، ولديه ما يقرب من 4.5 ملايين متابع على يوتيوب، نشر صورة لبريد إلكتروني تلقاه من مجموعة شعبية إسرائيلية تسمّى “منتدى الرهائن والعائلات المفقودة”، وهي مجموعة تمّ إنشاؤها في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على “إسرائيل”. 

كما صُدمت المؤثرة الأمريكية شومبا كبير، إحدى الطهاة على تطبيق تيك توك والتي شاركت رابطًا لجمع التبرعات لمساعدة غزة، عندما تلقت الرسالة ذاتها من “منتدى الرهائن والعائلات المفقودة”، وطُلب منها صناعة محتوى داعم لـ”إسرائيل” وإضافة وسوم معادية لحماس، بحسب قولها في مقطع فيديو نشرته على تيك توك.

@shompsz my jaw is on the literal floor right now. What kind of campaign is this? Just because im not palestinian im obliged to do this? I was a little scared of sharing this, but as someone who has been given the small platform i have, this should NOT be ignored. . . . . . #palestine#palestinetiktok#istandwithpalestine#gaza#freegaza????????#freepalestine#socialmedia#influencers#influencermarketing#middleeastern#israelpalestine#greenscreen♬ original sound – Shompa

وتُظهر الكلمات المستخدَمة في رسائل البريد الإلكتروني كيف أن الاحتلال الذي يقتل الأطفال ويقصف المستشفيات، عازم بشدة على تشويه صورة مقاتلي المقاومة الفلسطينية، حيث تطلب الوثيقة المشاركة في حملة عبر الإنترنت من أجل “زيادة الوعي بالوضع الصعب في إسرائيل” و”الحرب ضد الإرهاب”، باستخدام وسوم مثل “HamasisISIS”.

ومع ذلك، أظهرت حرب البروباغندا جهل بعض المؤثرين الذين استجابوا لحملة التضليل الإسرائيلية، أو عدم رغبتهم في البحث عن الحقيقة، فهناك من نشروا صورًا من فلسطين ليتضامنوا مع “إسرائيل”، على سبيل المثال نشر المغني الأمريكي الشهير جاستن بيبر صورة، وعلق عليها “الصلاة من أجل إسرائيل”، ثم حذفها بعد أن اكتشف أنها لقصف غزة.

كما نشرت الممثلة الأمريكية جيمي لوكارتس صورة لأطفال ينظرون إلى أعلى، لتظهر تعاطفها مع أطفال وعائلات الاحتلال، وكتبت عليها “إرهاب من السماء”، لتسارع بحذفها لاحقًا بعدما اكتشف أنها لأطفال فلسطينيين من غزة. 

يشير كل ما سبق إلى محاولات “إسرائيل” للضغط على أصحاب النفوذ على وسائل التواصل الاجتماعي ومنشئي المحتوى، للمشاركة في حملة تضليل لتبييض جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وحتى قصف مستشفى المعمداني أو ذبح الأطفال في منازلهم، تمّ الدفاع عنهما من قبل المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

في هذا الصدد، يمكن الحديث عن وجود مروجين رئيسيين للرواية الكاذبة حول “قطع رؤوس الأطفال”، وصلت تغريداتهم إلى ملايين المشاهدات في غضون ساعات، في قلب هؤلاء المروجين يأتي المؤلف الإسرائيلي هن مازيغ، ولا يزال يروّج للرواية ذاتها.

وتبيّن أن أكثر التغريدات تفاعلًا تعود لأفراد يعملون أو مرتبطون بحكومة الاحتلال، وكان أول المروجين من خارج “إسرائيل” غابرييل نورونها، وهو موظف سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، وإيما ويل من قناة “جي بي نيوز” البريطانية ذات الميول اليمينية. 

وبشكل عام، معظم التغريدات البريطانية والأمريكية مرتبطة بشكل رئيسي بالأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، لكن المثير للدهشة أن منصة إكس لم تضع ملاحظات على تلك التغريدات كما تفعل عادة في الأخبار الكاذبة. 

في المقابل، آلاف الأطفال الفلسطينيين قُتلوا بشكل مؤكد، لكن “العالم الغربي الحر” هو من يعيد تصنيف البشر ويثمِّن دماءهم، أيها تستحق التنديد بإراقتها والدفاع عنها كما في حالة أوكرانيا، وأيها يمكن تجاهلها أو الاكتفاء بإبداء القلق حيالها في أحسن الأحوال.

إسراء سيد

المصدر: موقع نون بوست