البُعد الجيوستراتيجي للصراع على غزة

Spread the love
image_pdfimage_print

أضاف اكتشاف النفط والغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بُعداً جديداً إلى النزاع العربي – الإسرائيلي، كما أتاح هذا الاكتشاف فرصة لدعم التنمية الاقتصادية في الدول المُشاطئة للمنطقة، نظراً إلى الثروات الطبيعية المختزنة في المناطق الاقتصادية البحرية الخالصة في شرق المتوسط.

لا شك أنّ الأزمات والصراعات الجيوسياسية منذ عقود في الشرق الأوسط، خزان النفط للعالم، دفع بالشركات النفطية إلى تعزيز وتكثيف جهودها في تطوير التقنيات وتوزيع المصادر الهيدروكربونية الخاصة بها سواء في البر أو البحر.

في بلاد الشام أو الهلال الخصيب، ودول الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بالخصوص، لم يكن النفط عاملاً مباشراً في جيوسياسية المنطقة إلا من خلال قربها جغرافياً من مناطق إنتاج النفط والغاز في الخليج، لا كمنطقة إنتاج.

أما فلسطين، فتعاني شحاً في الموارد والثروات الطبيعية، علماً أنّ القليل المتوفر من هذه الموارد يمكنه أن يشكّل على المدى القصير، رافعة مهمة للاقتصاد والصمود الفلسطينييْن، لكن سياسات الكيان المحتل، وحرصه الدائم على السيطرة على جميع الموارد الطبيعية الموجودة في فلسطين من مياه ونفط وغاز وبوتاس، حالا دون استغلال هذه الموارد حتى الآن. وبناءً عليه بات الاقتصاد الفلسطيني معتمداً بشكل كامل على الواردات، وخصوصاً من الكيان المؤقت.

وجاءت الاكتشافات المتلاحقة بين أعوام 1999 و2010 قُبالة السواحل الفلسطينية الشمالية والجنوبية وعلى سواحل قبرص، حيث ثبُت من خلال المسوحات السيزمية الثنائية والثلاثية الأبعاد أنّ حوض “ليفانت” أو “حوض بلاد الشام”، وكذلك حوض “دلتا النيل”، يحتويان على احتياط وافٍ من الغاز الطبيعي والنفط.

في نيسان/أبريل 2010 أعلنت دائرة المسح الجيولوجي الأمريكي أنّ منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تحوي احتياطاً متوسطاً غير مكتشف من النفط يُقدّر بنحو 1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج تقنيا، مع أقصى احتمال قد يصل إلى 3.7 مليار برميل.

وتشمل منطقة حوض شرق البحر المتوسط، الشواطئ البرية لدول سوريا ولبنان وفلسطين والمياه الإقليمية لهذه الدول لغاية مياه قبرص الإقليمية.

أما فيما يخص الغاز في هذه المنطقة، فأشار تقرير الدائرة إلى أنّ الاحتياطي المتوسط القابل للاستخراج تقنياً هو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز.

إنّ العوامل الجيوسياسية والجيواقتصادية المترابطة بعضها ببعض تطغى على الدول المتشاطئة في منطقة حوض المتوسط، كما تشكّل “إسرائيل” خطراً على مصالح دول مصر وفلسطين ولبنان، فضلاً عن مصالح المجتمع الدولي ككل، ويهمنا هنا الإضاءة على واقع الموارد النفطية والغازية المكتشَفة والمتوقعة في الأراضي العربية المحتلة، وما تتعرض له من محاولات إسرائيلية لمنع الفلسطينيين من الاستفادة منها.

بعد عدة أعوام من الحفر في الأراضي المجاورة للخط الأخضر والقريبة من قرية رنتيس الفلسطينية، أعلنت الشركة الإسرائيلية “غفعوت عولام” للتنقيب عن النفط، ومسجلة في القدس، اكتشافاً تجارياً يُقدّر بـ980 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج من حقل مجد النفطي. وأُعلن في سنة 2010، عن المزيد من الاكتشافات بما يُقارب 1.5 مليار برميل في الحقل نفسه. من المؤكد أنّ هذه الحقول تمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي قامت السلطات الإسرائيلية بضمها لاحقا.

وفي سنة 2012، لفتت الانتباه الاتصالات التي جرت بين وزارة الخارجية البريطانية وقنصليتها في القدس إلى إمكان اكتشاف النفط قرب الخليل، وإمكانية العثور على حقول نفط برية بالقرب من بيرزيت، وكذلك منطقة غزة، علماً أنّ سلطات الاحتلال سبق وحفرت في شمالي غزة وجنوبها في سبعينيات القرن الماضي.

كما تمّ اكتشاف الغاز الطبيعي عام 1999، في حقل غزة مارين في المياه الفلسطينية، على عمق 600 متر من سطح البحر، وعلى بعد 30 كم من شاطئ غزة. بعد أن نجح ائتلاف بريتش غاز (بريتش غاز 60%، شركة اتحاد المقاولين 30% وصندوق الاستثمار الفلسطيني 10%) في الحصول على تصريح أمني من السلطات المختصة في “إسرائيل” حيث قام بالحفر على عمق 603 أمتار تحت سطح البحر [4]، وقُدّر احتياط الغاز المعلن بـ1.4 تريليون متر مكعب، رفضت الحكومة الإسرائيلية الاقتراح الأولي لـ”بريتش غاز” مدّ خط أنابيب التصدير لنقل الغاز من غزة مارين إلى منشآت الغاز الطبيعي المُسال في إدكو في مصر.

وفي سنة 2007، أدركت بريتش غاز أنّ جميع المحاولات للتفاوض مع كيان الاحتلال انهارت وانهار معها كل البروتوكولات والاتفاقيات، ولكن احتفظت بريتش غاز بالترخيص، وأغلقت مكاتبها في كانون الثاني/ يناير 2008، واحتفظت بمكاتبها في رام الله، وبامتياز حقول الغاز وانسحبت من المشروع.

يمتاز موقع غزة مارين البعيد 20 ميلاً بحرياً تقريباً عن سواحل فلسطين، بمزايا قيّمة تتعلق بتكلفة التطوير والإنتاج والتصدير، كما أنّ المياه الضحلة نسبياً توفر إنتاجية بتكلفة أقل، فضلاً عن أنّ قرب الإنتاج من اليابسة والميناء يوفر ميزة نسبية في كل من التسليم والسرعة التي يمكن نقله بهما إلى المستهلكين النهائيين في فلسطين، وكذلك على الصعيد الدولي.

يمثّل غزة مارين الاكتشاف الأول للغاز في المياه البحرية للأراضي الفلسطينية، ويجب ألا يكون مفاجئاً إذا استنتجنا أنّ احتمال حدوث مزيد من الاكتشافات الهيدروكربونية، بما في ذلك احتياط النفط، ممكن إلى حد كبير.

في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008، مع بداية الحرب على غزة، تمّ تقليص الأميال البحرية المتاحة للفلسطينيين قبالة غزة إلى 3 (5.5 كيلومترات) من أصل 6 أميال (10 كيلومترات).

وفي كانون الثاني/يناير 2011، افتتح بنيامين نتنياهو والسلطة الوطنية الفلسطينية محادثات بشأن عقد محتمل للغاز بعد خفض مصر حجم الغاز المُباع للكيان الصهيوني خلال ثورة فلسطين، وفي 4 شباط/فبراير أعلن نتنياهو أنّ الوقت حان لتطوير الغاز الفلسطيني، وكان ممثل اللجنة الرباعية طوني بلير إلى جانبه. يقول نتنياهو “.. الإيرادات من الحقول الفلسطينية ستذهب إلى السلطة الفلسطينية، والعائدات من الحقل الإسرائيلي ستذهب إلى الحكومة الإسرائيلية”.

ومنذ إحالة حقوق التطوير إلى تحالف بقيادة صندوق الاستثمار الفلسطيني عام 2018 وتكليفه التفاوض مع شريك دولي، لم تنجح الجهود في جذب شريك، نتيجة انعدام الأفق السياسي، وغياب الضمانات من “إسرائيل”، لكن مع بيان “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي أكدت فيه الدول الأعضاء بالإجماع بما فيها كيان الاحتلال، “على حقوق الفلسطينيين في مواردهم الطبيعية في البحر المتوسط وفي استغلالها”، وتأمل القائمون على الصندوق أن يسهّل ذلك عملية استقطاب شريك عالمي.

وقامت الحكومة الفلسطينية بالانضمام للمعاهدة الدولية للبحار، وإيداع صك في الأمم المتحدة لترسيم مناطقها البحرية بموجب القانون الدولي، بما في ذلك حقّها في استغلال الموارد الطبيعية في هذه المناطق البحرية، إضافة لمتابعة جهود ترسيم الحدود البحرية من قِبل وزارة الخارجية مع الدول المجاورة. كما وصادقت في 30 حزيران/يونيو 2020، على انضمامها رسمياً إلى منتدى غاز شرق المتوسط، فيما تغيبت عن المشاركة في حفل توقيع اتفاقية إطلاقه كمنظمة دولية في أيلول/سبتمبر 2020، بسبب الحضور الإسرائيلي. والجدير بالذكر، أنّ اتفاق باريس الاقتصادي 1994، يقضي بإعطاء كيان الاحتلال أولوية في أي عملية اكتشاف أو تنقيب عن الموارد الطبيعية.

يُعدّ استثمار حقول الغاز المكتشفة قبالة سواحل غزة حلماً كبيراً للمواطنين كافة؛ لأنّه سيسهم في الارتقاء بمستواهم الاقتصادي وتحقيق نهضة في جميع مناحي الحياة في قطاع غزة.

لكن للأسف، حتى الآن لم يتقدّم رسمياً أحد من الفلسطينيين بشكوى إلى محكمة العدل الدولية من أجل المطالبة بحقوق فلسطين المائية ومواردها السليبة؛ لكون فلسطين أصبحت منذ عام 2012 تحظى بصفة دولة مراقب، وهي غير عضو في الأمم المتحدة.

نسيب شمس

المصدر: موقع الخنادق