هآرتس: “ترانسفير بغطاء الحرب”.. هذا ما يفعله المستوطنون بحق تجمعات الرعاة في 16 موقعاً بالضفة الغربية

Spread the love
image_pdfimage_print

عندما هبطنا بصعوبة في منحدر الشارع الصخري، المليء بالحواجز الحجرية التي وضعها المستوطنون والتي كان يجب إزالتها من الطريق، شاهدنا من بعيد شخصين وهما يهددان ويقتربان منا. وصلا من الشارع الرئيسي، الأول يرتدي زي الجيش الإسرائيلي ويحمل بندقية، ذو سوالف طويلة. والآخر يرتدي الزي المدني. ركاب السيارة الفلسطينيون الذين رافقونا تأهبوا. لم يكن هنا خوف من المستوطنين مثل هذا.
المستوطن الذي يرتدي الملابس المدنية قفز على غطاء محرك السيارة بجسده ومنع تقدمنا. وضع هاتفه على بعد مسافة كي يصور ويهدد وكأنه ضبطنا بالجرم المشهود. بعد ذلك، وضع الصخور على الشارع لمنعنا من التقدم. صديقه الذي يحمل السلاح ويرتدي الزي العسكري، سألنا بشكل مهذب: ما الذي نفعله؟ وطلب رؤية بطاقات الهوية وكأنه سيد المنطقة. كنا في طريق العودة من تجمع الرعاة الأخير الذي لم يهرب للنجاة بنفسه حتى الآن، وهو خربة التيران جنوب الظاهرية في جنوب جبل الخليل. قبل يوم من مجيئنا، حصل السكان هناك على تهديد بالإخلاء وإلا سيتم قتلهم.
اجتزنا حاجز الصخور بطريقة ما مع تجاهل طلب وقح من الجندي – المستوطن بأن نقول له ماذا نفعل هناك. وواصلنا السير نحو الشارع الرئيسي. المسافرون معنا في السيارة لاحظوا أن الجندي هو أحد المستوطنين الأكثر عنفاً في المنطقة، وهو الآن عضو في فرقة الطوارئ، وهي المشكلة الأخيرة التي نزلت على رأس تجمعات الرعاة هنا. “كنا نعرف ما نفعله وما يجب أن نحذر منه مع المسؤولين السابقين عن الأمن”، قال نصر نواجعة، وهو باحث في “بتسيلم” ويعيش في سوسيا القريبة. “فرق الطوارئ تعتقل من تريد وتفعل ما تشاء”. في شوارع جبل الخليل الفارغة تشاهد دائما سيارات عليها مصابيح صفراء، وهي سيارات فرق الطوارئ التي ازدادت هنا في فترة الحرب، التي يتطاول تحت غطائها المستوطنون هنا مثلما لم يتطاولوا من قبل. أكواخ جديدة فوق كل جرف صخري، علم إسرائيل يرفرف عليها، قريباً ستأتي البؤرة الاستيطانية، المستوطنون مسلحون ويرتدون الآن الزي العسكري بدلاً من الملابس المدنية. “مجرمون بالزي العسكري”، هكذا سماهم النواجعة.
كل الشوارع التي تؤدي إلى تجمع الرعاة والقرى الأخرى هنا مغلقة في الأسابيع الأخيرة بواسطة الصخور التي وضعها المستوطنون. سوسيا مثلاً، قرية تعيش فيها 32 عائلة، 300 نسمة، أغلقت في أماكن كثيرة بما في ذلك حقولها، ولم يعد هناك أي طريق للوصول إليها في السيارة. “حتى الذبابة لا يمكنها الوصول”، يقول النواجعة بالعبرية. حسب بيانات بتسيلم، فإن 16 تجمع رعاة هربت في أرجاء الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب، 6 منها في جنوب جبل الخليل، الآن في الضفة 149 عائلة هربت للنجاة، الذين لم يعد بإمكانهم العودة إلى قراهم مرة أخرى. ترانسفير بغطاء الحرب.
يقول السكان إنه أسلوب يتكرر في كل قرية؛ يأتي المستوطنون ليلاً، أحياناً بالزي العسكري أو ملثمين، وينشرون الرعب، وأحياناً يصوبون مسدساً لرأس طفل ويحطمون سيارات أو يفتحون صنابير المياه ويسكبون المياه منها ويثقبون أكياس الأعلاف ويفرغونها ويخيفون الأغنام ويمزقون ويخربون كل شيء أمامهم، ويبلغون السكان الخائفين بأنه إذا لم يخلوا القرية خلال يوم فسيعودون ثانية ليلاً ويمسّون بهم.
سكان هذه القرى الصغيرة هم الأكثر ضعفاً وعجزاً في سلسلة الغذاء الفلسطينية، وليس أمامهم خيار عدا عن الاستسلام والهرب من المكان الذي ولدوا فيه ويعيشون فيه في ظروف تشبه عصر التوراة تقريباً. لا أحد يحميهم من المستوطنين الآن، ولا من يدافع عن حياة أولادهم وممتلكاتهم. هنا في هذه الأرض المشاع، لا يوجد جيش أو شرطة إسرائيلية أو فلسطينية أو أي جهة أخرى تدافع عنهم.
زعران المستوطنين دائماً هم أبطال على الضعفاء، يستغلون ضعفهم لتوسيع الترانسفير وتطهير كل جنوب جبل الخليل ومناطق أخرى من السكان الفلسطينيين أبناء المكان. بعيداً عن عيون الجميع، في ظل الحرب في غزة، أصبح النجاح واضحاً على الأرض. في المناطق جنوب قرية السموع والظاهرية وفي مسافر يطا شوهدت في هذا الأسبوع قرى من خيام متروكة يعلوها علم الاحتلال.
في البداية طردوا سكان قرية زنوتة، 27 عائلة، وقرية عنيزان، 5 عائلات. المستوطنون الذين نفذوا الطرد جاءوا من مستوطنة “حفات متريم” التي تشكل الرعب للسكان هنا، أو من بؤر استيطانية أخرى في المنطقة. أما قرية رازيم الواقعة قرب السموع فقد تم إخلاؤها بعد تهديد سكانها من قبل المستوطنين، فقد غادروها خوفاً على حياتهم. ولكن في ليلة الإخلاء جاء المستوطنون بالجرافات ودمروا الخيام فوق الأثاث الذي فيها، 10 أطنان من الشعير تم تدميرها.
وإن آخر سكان تجمع رازيم، وهو عيسى صافي (77 سنة)، فقد اضطر أخيراً إلى الإخلاء بعد ازدياد التهديد على حياته. في إحدى الليالي، اتصل وهو يبكي، مع النواجعة من “بتسيلم”، وفي اليوم التالي غادر. الحمير التي كانت له سرقها مستوطن من “عشهال”. أما تجمع مقتل امسالم فلم يعد موجوداً. الراعي عمار عويوي (38 سنة) هرب مع عائلته؛ لقد طرده المستوطنون وأجبروه على المشي حافي القدمين فوق الأشواك، حسب ما قاله النواجعة، وتعرض لتنكيلات أخرى إلى أن هرب. يقول النواجعة إن هذه القرى صغيرة، عائلتان أو ثلاث عائلات في كل تجمع، وليس لهم أي خيار آخر عدا الهرب. كانت تعيش أربع عائلات في قرية عتيرية، أما الآن فيرفرف علم إسرائيل هناك فوق الأكواخ بجانب الشارع.
الأخوان توفيق ورفيق الزعارين، يعيشان في خربة التيرام، كل منهما عنده 12 ولداً، ولهما 500 رأس أغنام. الخيمة الرئيسية في القرية ملفوفة بمنشور ضخم مكتوب عليه “بنكك يهتم بقرضك السكني. عدم تسديد القرض قد يجر إلى دين بفائدة تأخير التسديد وإجراءات التنفيذ، طبقاً لشروط البنك”.
“حفات يهودا” مستوطنة تطل على الخيام، و”حرشات راع” تطل من الجرف المقابل. يعيش في تجمع تيران خمس عائلات تشمل 100 نسمة تقريبا. عودة أبو شرخ، الذي عمره 75 سنة والده ولد هنا قبل 110 سنوات. وحتى الآن، لم يحصل على تهديد، أما الجيران توفيق ورفيق فقد حصلا.
السبت الماضي، 11 تشرين الثاني، في الساعة العاشرة صباحاً، وصل مستوطنان مسلحان فجأة إلى القرية، يستقلان سيارة تندر ويقودانها بشكل وحشي واخترقا القطيع لتخويفه. قفز أحدهما من السيارة، وحسب أقوال رفيق، صوّب المسدس على رأس أحد أبناء العائلة وصرخ: “اذهب من هنا، معكم 24 ساعة لمغادرة المكان”. وقد سألا الأولاد عن أصحاب البيت، وعادا للتهديد بأن يغادروا القرية خلال يوم وإلا سيصيبهم السوء. لذلك غادروا.
أما سوسيا، التي جربت المعاناة، فقد تم طرد سكانها قبل بضع سنوات من المراعي والكهوف التي ولدوا فيها بعد أن سيطر عليها المستوطنون. والآن لا يمكن الدخول إلى هناك بواسطة السيارة. يضطر النواجعة إلى إيقاف سيارته على بعد نصف كم عن بيته، ويقوم بتحميل أغراضه على حمار إلى البيت. المستوطنون أعادوه هو أيضاً إلى العصر الحجري.
جدعون ليفي

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية