المقاطعة مستمرة… آن للشعوب أن تكون مؤثرة في المشهد

Spread the love
image_pdfimage_print

أظهرت الشعوب العربية منذ بدء العدوان الإسرائيلي الهمجي الشرير على الشعب المحاصر في قطاع غزة، حين خرجت في مظاهرات عارمة في عدد من البلاد العربية وعبّرت عن تضامنها رقميًا على شبكات التواصل، أن القضية الفلسطينية عمومًا وقضية شعب غزة خصوصًا هي في ضميرها ووعيها ووجدانها.

ورغم خذلان الأنظمة العربية وإدارة ظهرها للشعب المكلوم في غزة، إلا أن الشعوب الحية بذلت جهدًا في التعبير عن إرادتها رغم القمع، قوًلا وفعلًا، وإن كان ذلك لا يكفي مع استمرار الحملة البربية التي تشنها “إسرائيل” على الأبرياء في غزة.

والمقاطعة، مناصرة تصاعدية للتعبير عن الاحتجاج والضغط على داعمي دولة الاحتلال لتحييدهم ورسالة قوية لكل الشركات أن مناصرة الاحتلال والوحشية لها ثمن. ويمكن تلخيص جدوى المقاطعة بأمرين:

  • الضغط الاقتصادي: المقاطعة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على أسهم الشركات المستهدفة بالحملة وسمعتها، ما يمكن أن يجبرها على إعادة التفكير في دعم الاحتلال. كما يشجع الشركات المحايدة (أو حتى المستهدفة) على تقديم مساعدات للشعب الفلسطيني المنكوب لتحسين سمعتها.
  • رفع الوعي: المقاطعة تساعد في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية عمومًا وما يحدث في غزة خصوصًا من انتهاكات خطيرة ووحشية ترتكبها قوات الاحتلال بلا تمييز. يمكن أن تجذب هذه الحملات الاهتمام الإعلامي وتشجيع أطياف واسعة من الناس على التخلي عن منتجات الشركات المستهدفة واستبدالها بمنتجات شركات داعمة للقضية الفلسطينية أو محايدة.

أبرز الشركات المستهدفة بالمقاطعة

لم يقتصر الدعم الغربي للكيان الإسرائيلي على الحكومات فحسب، وإنما شمل شركات كبرى أيضًا، إذ أعربت العديد من الشركات منذ بداية العدوان عن دعمها دولة الاحتلال، وقدمت له المساعدات المالية والغذائية.

هذا الدعم دفع الكثير من القوى الحية في الدول العربية والإسلامية، إلى مقاطعة منتجات هذه الشركات وجرى توسيع القائمة فيما بعد لأغلب الشركات التي تؤيد الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وتناصر العدوان على الفلسطينيين.

وانتشرت مؤخرًا حملات المقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وإكس وتيك توك)، وتدعو هذه الحملات إلى الامتناع عن شراء منتجات الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، بجميع فروعها في الدول العربية والإسلامية.

على رأس الشركات المستهدفة بالمُقاطعة نجد الأمريكية التي أظهرت دعمًا سخيًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ومنها “ماكدونالدز” للوجبات السريعة، وكانت هذه الأخيرة قد أعلنت تقديم أكثر من 4 آلاف وجبة سريعة يوميًا للجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود في مستوطنات غلاف غزة والمستشفيات، إلى جانب تقديمها خصومات وتخفيضات بنسبة 50% للجنود الصهاينة وقوات الأمن والشرطة الذين يزورون مطاعمها في “إسرائيل”، حسب ما ذكره موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي.

كما أشارت شركة “ماكدونالدز،” في أحد منشوراتها، إلى أنها فتحت 5 مطاعم للوجبات السريعة داخل “إسرائيل”، بهدف تقديم المساعدة المجانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في المستشفيات والملاجئ الصهيونية، وانتشرت صور ومقاطع فيديو تظهر تسلّم جنود الاحتلال الصهيوني وجبات مجانية من الشركة.

ضمن الشركات المعنية بالمقاطعة أيضًا، نجد سلسلة المطاعم الأمريكية “بابا جونز”، التي قدمت الآلاف من وجبات البيتزا بشكل مجاني لعناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاق العدوان على غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كما انتشرت دعوات لمقاطعة سلسلة المتاجر الفرنسية “كارفور” منذ أن أعلن فرعها في “إسرائيل” توزيع المواد الغذائية على جنود جيش الاحتلال، وتشير الكثير من التقارير إلى تواطؤ مجموعة كارفور في الجرائم التي يرتكبها نظام الاستعمار الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

شملت المقاطعة أيضا شركة “ستاربكس”، صاحبة سلسلة المقاهي الشهيرة، على خلفية انتقاد الشركة تضامن نقابتها مع ما أسمته “هجوم حماس الإرهابي” على المدنيين الإسرائيليين، فيما أطلقت عليه المقاومة الفلسطينية اسم عملية “طوفان الأقصى”.

على رأس الشركات المُقاطَعة أيضًا، نجد شركة “كوكا كولا” التي تملك أكبر مصنع لها في الشرق الأوسط بـ”إسرائيل”، وتقدّم الشركة الدعم المالي للحكومة الإسرائيلية وعدد كبير من الجمعيات والحركات اليمينية المتطرفة داخل كيان الاحتلال.

بدورها أعلنت شركة “أمازون” دعمها للكيان الإسرائيلي، وقالت إن لديها خطة طوارئ لإبقاء خدمات أمازون ويب متاحة للعملاء في “إسرائيل”، ما جعلها ضمن الشركات المستهدفة بالمقاطعة، خاصة أنها سبق وأعلنت دعمها للإسرائيليين في العديد من المرات.

تأثير واضح

سرعان ما ظهرت نتائج المقاطعة، إذ بدت محلات هذه الشركات في المنطقة العربية والإسلامية خالية بشكل ملحوظ من المستهلكين والرواد، على خلاف العادة قبل أقل من شهر، وفي المقابل ذاع صيت العديد من المنتجات المحلية التي تعوض منتجات هذه الشركات.

وأقدمت بعض الشركات على تخفيض أسعارها وتقديم بعض العروض التجارية لإغراء المستهلكين وكسر المقاطعة، لكن المزاج الشعبي العام مع المقاطعة رغم خفض الأسعار، خاصة مع تواصل المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وقصف الوحدات السكانية ودور العبادة والمستشفيات.

ولا توجد معطيات دقيقة عن حجم الخسائر التي تكبدتها هذه الشركات نتيجة المقاطعة حتى الآن، لكن مسارعة الكثير من الفروع التابعة للشركة العالمية في عدة دول عربية وإسلامية، إلى نفي العلاقة بينها وبين الفرع الموجود في “إسرائيل”، يؤكد أن التأثير كبير.

وتخشى هذه الشركات من زيادة زخم موجة المقاطعة التي تتسع رقعتها يومًا بعد آخر، خاصة أنها تعلم جيدًا حجم وتأثير هذا السلاح حال استخدامه بالشكل الجيد، ذلك أن الدول العربية والإسلامية تمثل سوقًا كبيرًا لا يستهان به.

وإلى جانب الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق شباب متمرسون في مجال التكنولوجيا، مواقع إلكترونية مخصصة وتطبيقات على الهواتف الذكية تحدد المنتجات التي يطالبون بمقاطعتها، ويعمل ملحق لمتصفح “غوغل كروم” سمي “باقة فلسطين” PalestinePact، على إخفاء منتجات واردة في إعلانات عبر الإنترنت في حال كانت مدرجة على قائمة المقاطعة.

كما انتشرت المعلقات واللافتات في شوارع العواصم وكبرى المدن العربية التي تدعو للمقاطعة وأُرفقت الصور بشعار يقول “هل قتلت اليوم فلسطينيًا؟” مع هاشتاغ “مقاطعون”، في رسالة موجّهة إلى المستهلكين الذين لم ينضموا إلى حملة المقاطعة بعد.

ويأمل المقاطعون أن تساهم حملتهم في دفع هذه الشركات الغربية لتعديل موقفها من كيان الاحتلال الإسرائيلي، ذلك أن الخسائر الاقتصادية المتوقعة لها أن تثنيها عن مواصلة دعمها اللامحدود لقتلة الأطفال الفلسطينيين.

حملات سابقة

هذه الحملة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن قامت الشعوب العربية والإسلامية بحملات مقاطعة لكل من له علاقة بالكيان الإسرائيلي، وتقود هذه الحملة الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” التي تعرف اختصارًا بـ”بي دي إس”.

تسعى هذه الحركة العالمية التي تأسست سنة 2005 على يد قوى مدنية فلسطينية، إلى كشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وفضح عنصريته، فضلًا عن وقف كل أشكال التطبيع معه، كما تدعو إلى مقاطعة الشركات الداعمة للكيان الإسرائيلي، معتمدة على 3 ركائز أساسية هي: المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات.

https://twitter.com/AlaHamdann/status/1720179888647188891?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1720179888647188891%7Ctwgr%5E59d362bad3f10fd547d4872667117a36ff74267f%7Ctwcon%5Es1_c10&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.noonpost.com%2F179211%2F

ولم تتعلق حملات المقاطعة بالكيان الإسرائيلي فقط، إنما مست دول غربية أخرى على غرار الولايات المتحدة وفرنسا، فقبل 3 سنوات شنّ نشطاء عرب ومسلمين حملة مقاطعة كبرى للمنتجات الفرنسية على خلفية حملات الإساءة للنبي محمد “صلى الله عليه وسلم” والتصريحات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين.

دفعت هذه الحملة، وزارة الخارجية الفرنسية لإصدار بيان تناشد فيه الشعوب بوقف مقاطعة السلع الفرنسية، ومن ثم خروج الرئيس إيمانويل ماكرون في مقابلة تليفزيونية على قناة الجزيرة القطرية وتقديمه اعتذارًا غير مباشر للمسلمين حتى يتم تجاوز موضوع المقاطعة والعدول عنها.

شعوب حية

أثبتت المظاهرات المتواصلة في أغلب المدن والقرى العربية والإسلامية والفعاليات المخصصة للتضامن مع الشعب الفلسطيني والتنديد بالاعتداءات الصهيونية المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية وباقي فلسطين المحتلة، أن الشعوب العربية ما زالت حية وأنها معنية بقضايا الأمة.

حاول الغرب طيلة عقود مضت إبعاد الشعوب العربية والإسلامية عن قضاياهم المركزية والمراهنة على كي وعيه، وجعل اهتمامهم منكب على قضايا هامشية وإراقهم بهموم الحصول على رغيف الخبز، لكن في كل مرة تثبت الشعوب العربية والمسلمة أنها معنيّة بقضاياها، وواعية لما يُحاك لها.

أظهرت الأسابيع الأخيرة فشل محاولات الغرب وحلفائهم في بلادنا، في التأثير على اهتمامات الشعوب، وكشفت أن القضية الفلسطينية في القلب من تلك الاهتمامات التي توحدهم وتجمعهم.

عائد عميرة

المصدر: موقع نون بوست