قالت صحيفة “الغارديان” في تقرير لمحررها الدبلوماسي باتريك وينتور، إن مصر لا تريد فتح معبر رفح الحدودي مع غزة بشكل كامل؛ بسبب المخاوف السياسية الكبيرة، فقد تعرض الرئيس عبد الفتاح السيسي لانتقادات لأنه سمح لبعض اللاجئين بالدخول، مشيرا إلى أن مصر تواجه ورطة منذ أسابيع بشأن فتح المعبر الوحيد لغزة على العالم، ومساعدة الجرحى الفلسطينيين الذين يحتاجون لعناية خاصة. لكن مصر أصرّت وبعناد على رفض التفكير بفتح الباب أمام خروج جماعي للاجئين الفلسطينيين واستقبالهم في سيناء.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في بداية الأسبوع: “نحن مستعدون للتضحية بملايين الأراوح مقابل كل حبة رمل في سيناء”.
ويقول وينتور إن المفاوضات لإخراج الجرحى الفلسطينيين وبعض المواطنين من حملة الجنسيات الأجنبية والتي أشرفت عليها قطر، ارتبطت بشكل لا ينفصم مع تدفق المساعدة من مصر إلى غزة عبر معبر رفح.
وقاد الرئيس الأمريكي جو بايدن مفاوضات من أجل عبور المساعدات عبر معبر رفح، إلا أن مستوياتها كانت منخفضة مقارنة مع ما يحتاجه القطاع.
ودعا منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، إسرائيل مرة أخرى لفتح معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه في الطرف الجنوبي للقطاع.
وانتقد البعض الرئيس المصري الديكتاتوري لعدم فتحه معبر رفح أمام الفلسطينيين. وقال السيسي في قمة السلام بالقاهرة التي انعقدت في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، إنه يجب ألا يوافق أبدا على استخدام المعاناة الإنسانية وتحويلها لتشريد. وقال إن مصر أكدت وكررت رفضها الشديد لتشريد الفلسطينيين ونقلهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، لأنها ستعني الرمق الأخير لتصفية القضية الفلسطينية وتمزق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وتضيع كفاح الشعب الفلسطيني وكذا الشعوب العربية والمسلمة المستمر منذ 75 عاما.
وتكشف التسريبات من داخل الحكومة الإسرائيلية، وعلى شكل ورقة مفاهيم لوزارة الاستخبارات أعدت هذا الشهر، أن هذه فعلا كانت بالتأكيد خطط إسرائيل لطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من غزة وإجبارهم على الرحيل إلى سيناء، بذريعة إقامة مؤقتة هناك.
ويخشى الفلسطينيون أن يكون ذلك تكرارا لنكبة جديدة، مثل تلك التي أدت لترحيل أكثر من 700 ألف فلسطيني عام 1948 بعد إنشاء إسرائيل.
ويبدو أن مصر لا تريد تكرار تجربة لبنان والأردن اللذين استقبلا اللاجئين الفلسطينيين منذ عقود. ويعتقد السيسي أن استقبال مليون فلسطيني في خيام على أراضيه، خطر سياسي لا يستحق العناء.
وفي بعض التظاهرات التي سمحت بها الحكومة المصرية، هتف المشاركون بشعارات الربيع العربي مثل: “خبز، حرية، عدالة اجتماعية”، ولكن السيسي يريد أن يحرف المزاج المصري المؤيد للفلسطينيين لصالحه.
وتقول الصحيفة إن ذكر الترحيل الجماعي إلى سيناء يثير مخاوف السيسي، فقد تم تعليق عمل الموقع الإخباري المستقل “مدى مصر” لستة أشهر، وأحيل المحررون فيه إلى النائب العام بعدما نشروا تقريرا حول خطة تشريد الفلسطينيين في غزة إلى سيناء.
وفتح معبر رفح يوم الأربعاء أمام عدد من الجرحى الفلسطينيين ومئات من حملة الجوازات السفر الأجنبية، لكن أحدا لا يعرف المدة التي ستستمر فيها عملية فتح المعبر، كما أن عملية التفاوض التي تجري بين قطر ومصر حول من يخرج غامضة، ويمكن للسفارات الأجنبية الضغط من أجل خروج مواطنيها لكن لا تملك القول الفصل.
وتخشى مصر أن يتحول التدفق القليل إلى انهيار ثلجي، ونشر السيسي أعدادا كبيرة من الدبابات على الجانب المصري من الحدود لمنع هذا الأمر.
ومن المتوقع أن يصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن للمنطقة يوم غد الجمعة، ويأمل باستمرار الخروج المنظم للأجانب وحملة الجنسيات الأجنبية من غزة، وربما الإفراج عن عدد من المحتجزين لدى حماس، إلى جانب تدفق المزيد من الدعم، وتوقف إنساني للحرب وخلق دائرة دبلوماسية.
وقالت الأمم المتحدة في يوم الثلاثاء، إن 59 شاحنة تحمل المياه والطعام والأدوية دخلت غزة عبر رفح، وهي أكبر قافلة مساعدات منذ 21 تشرين الأول/ أكتوبر، مما يرفع العدد إلى 217 شاحنة.
وتهدف الأمم المتحدة لأن يرتفع عدد الشاحنات إلى 100 بنهاية الأسبوع. وكان عدد قوافل الشاحنات التي تدخل غزة قبل الحصار الذي فرضته إسرائيل ما بين 500 إلى 800 شاحنة في اليوم، مما يظهر حجم الكارثة الإنسانية في القطاع.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين الإسرائيليين بدأوا بالتأكيد في تغريداتهم على الدعم الإنساني الذي يصل إلى غزة من أجل الاستهلاك الدولي، ولكن الوقود الذي تحتاجه المستشفيات لتشغيل المعدات التي تنقذ الحياة لا يزال ممنوعا.
وفي مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أكد بلينكن لإسرائيل أن من مصالحها الأمنية السماح لمصر بأن ترسل المساعدات لغزة. وقال إن “تقديم الدعم المباشر والحماية للمدنيين الفلسطينيين في النزاع، أساس ضروري للعثور على شركاء في غزة لديهم رؤية عن المستقبل مختلفة عن حماس، وممن لديهم الاستعداد لتحقيقها، ولن نعثر على هؤلاء لو استهلكتهم الكارثة الإنسانية ونفروا من موقفنا اللامبالي بمحنتهم”.
المصدر: صحيفة الغارديان البريطانية
ترجمة: إبراهيم درويش