شكلت عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، بمثابة فتح لملف تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، إثر أسر المقاومة لعشرات الإسرائيليين يوم 7 تشرين أول/أكتوبر الجاري.
وشكل إعلان أبو عبيدة المتحدث العسكري باسم القسام عن وجود قرابة 250 أسيرًا إسرائيليًا أو يزيد لدى المقاومة الفلسطينية بصيص أمل لأكثر من 6000 أسير وأسيرة فلسطينية في السجون الإسرائيلية، الذين باتوا يشعرون بقرب تدشين صفقة جديدة بعد صفقة وفاء الأحرار عام 2011.
وتمتلك المقاومة بالأساس 4 جنود منذ عام 2014، وهم هشام السيد وأبرهام منغستو وهدار غولدين وشاؤول أرون، إلا أن الاحتلال تنصل من جميع المفاوضات التي جرت لإبرام صفقة تبادل بالرغم من العروض التي قدمتها المقاومة في أكثر من مناسبة.
وشكل أسر هذا العدد الكبير من الأسرى غير المسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بمثابة فتح لملف التبادل على مصراعيه للمرة الأولى منذ قرابة 9 سنوات في ظل تجاهل حكومات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المتتابعة أو حكومة المعارضة السابقة التي تناوب على رئاستها كل من نفتالي بينيت أو يئير لابيد.
ومنذ اللحظات الأولى للإعلان عن هذا الكم من الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، بدأ الملف يفرض نفسه على الساحة من خلال التلويح الإسرائيلي الأولي بتشكيل فريق لاستعادته أو استخدام المقاومة له للضغط على الاحتلال حال لم يوقف مجازره وجرائمه بحق المدنيين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تجاوز ذلك ليصل إلى حد طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من دولة قطر التوسط لدى حركة حماس للإفراج عن الأسرى الأمريكيين لديها ممن كانوا يتواجدون في غلاف غزة لحظة تنفيذ المقاومة لعملية “طوفان الأقصى”.
وبالتوازي مع ذلك كله، فقد حضرت منظمة الصليب الأحمر الدولية للمرة الأولى منذ وقت طويل في المشهد عبر الاستعداد للعب دور الوساطة أو المساهمة في تسليم الأسرى لا سيما المدنيين الذين أبدت المقاومة استعدادها لتسليهم لأسباب إنسانية.
تسلسل زمني.. خطوات إنسانية منذ اللحظة الأولى
بعد ساعات قليلة من إعلان المقاومة تفاصيل عملية “طوفان الأقصى” بادرت القسام لنشر فيديو فسر على أنه دعاية مضادة لما سعت المنظومة الأمنية والعسكرية تمريره بتعمد المقاومة ذبح الأسرى لا سيما النساء والأطفال ومحاولة الربط بين مقاومة الشعب الفلسطيني وتنظيم “داعش”.
وفيما يلي تسلسل المبادرات الإنسانية التي قامت بها القسام منذ 7 أكتوبر وحتى كتابة هذه المادة:
- 7 أكتوبر 2023: إطلاق سراح مستوطنة إسرائيلية وطفليها
- 13 أكتوبر 2023: مشاهد تظهر تعامل المقاتلين مع أطفال المستوطنين
- 16 أكتوبر 2023: مشاهد تظهر إجراء عملية جراحية لأسيرة والتعامل الإنساني معها
- 20 أكتوبر 2023: إطلاق سراح محتجَزتَيْن أمريكيتَيْن (أُم وابنتها)
- 21 أكتوبر 2023: الكشف عن قرار بالإفراج عن أسيرين لأسبابٍ إنسانيةٍ ودون مقابل؛ إلا أن حكومة الاحتلال رفضت استلامهما
- 21 أكتوبر 2023: إعلان كتائب القسام أنها على استعدادٍ أن تطلق سراح المحتجزتَين “نوريت” و”يوخفد” بنفس الإجراءات التي تم من خلالها إطلاق سراح المحتجزتَين الأمريكيتين.
ملف الأسرى.. شرارة لإطالة أمد المعركة
يشكل تعامل حكومة نتنياهو مع ملف الجنود الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة شرارة إطالة أمد المعركة لا سيما وأنه غير معني بهذا الملف بقدر ما هو معني بالتخلص من أكبر قدر ممكن من الأسرى لدى المقاومة لتخفيض أي ثمن يدفعه الاحتلال، فيما يبدو.
ومنذ بداية المواجهة لجأ الاحتلال الإسرائيلي لتفعيل إجراء “هانيبال” القائم على السماح بقتل الأسرى لدى الجهات الآسرة إن استدعى الأمر، وهو ما تسبب في مقتل 22 أسيرًا لدى المقاومة من بينهم حملة جنسيات أجنبية كما أعلنت كتائب القسام في عدة بلاغات صادرة عنها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وتوجيه هانيبال أو بروتوكول هانيبال، هو الاسم الكودي لتوجيه عسكري يطبقه الجيش الإسرائيلي ويتعلق بكيفية رد الوحدات الميدانية عندما يؤسر جندي من قوات معادية، يسمح هذا التوجيه باستخدام الأسلحة الثقيلة في حالة أسر أي جندي إسرائيلي لمنع الآسرين من مغادرة موقع الحدث.
ويمكن استخدام الأسلحة الثقيلة حتى لو شكل ذلك خطرًا على حياة الجندي المخطوف، وكانت أول صياغة لهذا التوجيه في عام 1986 من الجنرال أوري أور وجابي أشكنازي وقائد المنطقة الشمالية عمرام ليفين ورئيس مجلس الأمن القومي الجنرال احتياط يعقوف عامي درور.
وفي مارس/آذار 2018، أصدر مجلس مدققي الحسابات الحكومية، وهو هيئة حكومية إسرائيلية، تقريرًا ينتقد هذا التوجيه العسكري من عدة نواح، فقد أشار التقرير إلى أن هذا التوجيه العسكري لا يذكر بوضوح الحاجة إلى احترام مبدأين أساسيين في القانون الدولي وهما: استخدام القوة المتكافئة ضد التهديدات والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
ويعتبر جيش الاحتلال الإسرائيلي هو الجيش الوحيد عالميًا الذي يستخدم هذا الإجراء رغم الانتقادات الداخلية والتعليقات المتكررة من الجنود والضباط عليه، كونه لا يوفر الحماية للقوات العاملة ميدانيًا ويفضل إعدامهم على السماح لهم بالوقوع في الأسر.
ومنذ عام 2008 ومع تكرار المواجهات العسكرية مع قوى المقاومة الفلسطينية في غزة، فقد استخدم هذا الإجراء عدة مرات، ما تسبب في استشهاد المقاومين والجنود المأسورين في أكثر من مناسبة، وهو ما أفصحت عنه الأذرع العسكرية للمقاومة في أكثر من مناسبة.
خيارات المقاومة.. لا بديل عن الصفقة
منذ اليوم الأول للإعلان عن عملية “طوفان الأقصى” كان خطاب المقاومة الفلسطينية في غزة واضحًا أنه لا بديل عن صفقة تبادل جديدة يتم من خلالها تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى لا سيما وأن بعض الأسرى أمضى ما قرابته 4 عقود ويزيد في السجون.
وخلال السنوات الأخيرة تصاعد ضغط الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال المطالب لفصائل المقاومة الفلسطينية بتنفيذ عمليات أسر جديدة لعقد صفقات تبادل تنهي المعاناة التي يعيشها الأسرى وهو ما تعاظم أكثر مع تولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي.
وخلال عهد هذا الوزير واجه الأسرى سلسلة من الإجراءات والخطوات التصعيدية التي قام بها والتي تمثلت في سحب الكثير من الحقوق التي تحصل عليها الأسرى سابقًا فضلًا عن تقليص المياه وفرض إجراءات عقابية والسعي لإقرار قانون يجيز إعدام الأسرى.
وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية ورغم الضغوط الشديدة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي عبر التدمير الممنهج للبنية التحتية واستباحة المدنيين ومدنهم وأحيائهم وبيوتهم، ستبقى تتمسك بخيار الصفقة أولًا، ثم انتزاع المزيد من المكاسب السياسية الخاصة بالفلسطينيين ثانيًا.
يوسف سامي
المصدر: موقع نون بوست