تستعرض هذه الورقة المواقف الإيرانية من عملية طوفان الأقصى، كما تحاول الورقة الخروج عن الإطار التحليلي التقليدي في محاولة فهم طبيعة العلاقة المعقدة بين حركة حماس وإيران. وفي الختام، تطرح الورقة ثلاثة سيناريوهات محتملة للتدخل العسكري الإيراني في الصراع الحالي، هذه السيناريوهات التي تحكمها احتمالية تدخل لاعبين دوليين إلى جانب إسرائيل مثل الولايات المتحدة.
نحا كثير من الدراسات إلى توصيف علاقة حماس بإيران ضمن إطار كلاسيكي قائم على علاقة الوكيل بالأصيل، هذه العلاقة التي تحكمها محددات الدعم المادي وطابع القيادة القائم على الهرمية من أعلى إلى أسفل. هذا التحليل يمنع فهم بنية شبكة المجموعات المسلحة غير الحكومية التي تدعمها طهران في الإقليم وتمنع كذلك فهم عدم المركزية والاستقلالية التي تربط بين إيران وحلفائها خارج الحدود.
إن علاقة حركة حماس بإيران هي علاقة معقدة قائمة على الشراكة الإستراتيجية التي تؤمِّن لحماس استقلالية نسبية أمام داعمتها إيران. هذه الاستقلالية التي ظهرت على أقل تقدير خلال حربين خاضتهما حماس ضد إسرائيل (عملية حجارة سجيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وعملية العصف المأكول في يوليو/تموز 2014) دون أي دعم من إيران أو حزب الله بسبب موقفها من الأحداث في سوريا.
تحظى حركة حماس بدعم رسمي كامل من قبل إيران، إلا أن إيران شأنها شأن العديد من الدول الإقليمية والدولية تفاجأت من حيث حجم ودقة وطريقة تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، وهي راضية تمامًا عن النتائج التي حققتها حركة حماس. في أعقاب عملية حماس، عملت طهران على خفض حدة التوتر وحاولت منع تحول الحرب إلى صراع مفتوح من خلال نفيها المشاركة أو دعم عملية طوفان الأقصى.
الموقف الرسمي الإيراني
يتسم الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية بشكل عام ومن طوفان الأقصى بشكل خاص، بالثبات والوحدة؛ فلا خلاف بين المؤسسات والشخصيات المؤثرة في النظام السياسي الإيراني حول التأييد القاطع للقضية الفلسطينية.
أيد المسؤولون في إيران عملية طوفان الأقصى بوصفها إحدى بوادر تحقق توقعات المرشد الإيراني الذي أشار في أكثر من مرة إلى أن إسرائيل إلى زوال. عند مراجعة موقع الخامنئي الإلكتروني والذي يجمع فيه عادة خطاباته ولقاءاته، نجد أن الصفحة الأولى مخصصة لطوفان الأقصى؛ حيث أعيد نشر خطابه الذي أجراه قبل أيام مع مسؤولي النظام وبعض سفراء الدول الأجنبية وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية. عبَّر خامنئي بكل صراحة عن أن إسرائيل إلى زوال وأن الشباب الفلسطيني والحركة الفلسطينية هي أكثر نشاطًا وتصميمًا على مقاومة الاحتلال واستبداده(1).
وأما إبراهيم رئيسي فقد بادر بعد يوم واحد من بدء عملية طوفان الأقصى بالاتصال بكل من زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. وأشاد رئيسي بالعملية وأوضح أن العملية الناجحة التي نفذها المجاهدون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة كانت تحقيقًا لأمل الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية الذي دام 70 عامًا(2).
وخلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، دعا وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي لدعم فلسطين. ووصف عبد اللهيان طوفان الأقصى بالعملية العفوية التي قامت بها فصائل المقاومة، وذكَّر بأنها جاءت ردًّا مشروعًا على سنوات من القتل والجريمة وتدنيس المقدسات الدينية واحتلال الأراضي الفلسطينية من قبل النظام الصهيوني غير الشرعي(3).
وأما القيادات العسكرية في البلاد فلم تخرج عن سياق تأييد عملية طوفان الأقصى؛ حيث كتب اللواء باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، أن عاصفة الأقصى حوَّلت كابوس انهيار النظام الصهيوني إلى واقع لدى القادة من هذا النظام.
وقال قائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي: إن عملية اقتحام الأقصى ستكون بمنزلة ولادة فلسطين جديدة، كما أن هذه العملية أدخلت الرعب في بيوت الصهاينة وكشفت قوتهم الوهمية. قصة الاحتلال الغاصب تقترب من نهايتها، بحسب وصف سلامي(4).
وقال اللواء صفوي المستشار الأعلى للقائد العام: نحن نؤيد عملية اقتحام الأقصى المفخرة، ونحن على يقين أن جبهة المقاومة تدعم هذه القضية أيضًا(5).
ووصف نائب القائد العام للحرس الثوري، العميد علي فدوي، عملية “طوفان الاقصى” بأنها خطوة تاريخية قامت بها حماس والجهاد الاسلامي، والتي سحقت القوة الزائفة للكيان الصهيوني في المنطقة(6).
وباشر أعضاء مجلس الشورى الإسلامي الإيراني استعراض تفاصيل مشروع قانون خطة التنمية السابعة بترديد شعار “الموت لأميركا والموت لإسرائيل”. وخلال الجلسة، أشار ما لا يقل عن 13 نائبًا إلى نجاح عملية طوفان الأقصى التي نفذتها جبهات المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، وهنأوا شعب فلسطين ومسلمي العالم على هذه العملية التي وصفوها بالعظيمة.
كما عبَّر العديد من الإصلاحيين والمعتدلين عن دعمهم لعملية حماس، وقد جاء على رأس هذه القائمة الرئيس الإصلاحي الأسبق، محمد خاتمي، الذي اعتبر عملية “طوفان الأقصى” أهم تطور في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، واصفًا نتائج العملية بأنها “إنجاز فلسطيني عظيم”(7).
وكتب محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق، على شبكة التواصل الاجتماعي إكس (تويتر سابقًا)، في إشارة إلى التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها وزير الحرب الإسرائيلي بالقول بأنه سيقطع الماء والكهرباء عن غزة وبأن إسرائيل تتعامل مع حيوانات على هيئة بشر: “إن تصريحات إسرائيل وأفعالها الشبيهة بالنازية لن تعيد إحياء الشعور بأن النظام الإجرامي لا يقهر لكنها ستوفر أساسًا متينًا لتوجيه الاتهامات بارتكاب جرائم حرب”(8).
كما بحثت الصحف والمواقع الإخبارية الإيرانية عملية “طوفان الأقصى وأثرها على عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل؛ إذ كتب موقع “اقتصاد نيوز” أن أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف بقيادة نتنياهو، بعد عملية طوفان الأقصى، لا يستطيعون حتى التفكير في تقديم تنازلات للفلسطينيين. ولذلك يمكن القول: إن اتفاق السلام بين الرياض وتل أبيب أصبح ضحية للحرب بين إسرائيل وحماس(9).
كما عنون موقع تسنيم المقرب من الحرس الثوري الإيراني متسائلًا: “هل ستدفن عملية “طوفان الأقصى” اتفاق التطبيع السعودي مع الصهاينة؟”(10)
وكان القائد الأعلى في إيران، علي خامنئي، قد حذر بعض الدول دون أن يسميها من المراهنة على الحصان الخاسر في إشارة إلى الدول التي تجري مباحثات تطبيع مع إسرائيل. واعتبر خامنئي أن وضع إسرائيل لا يشجع أحدًا على الاقتراب منها وكرر في ختام حديثه أن إسرائيل إلى زوال(11).
وأما على المستوى الشعبي، فقد شهدت العاصمة، طهران، احتفالات ليلية احتفاءً بعملية حماس، وتم إطلاق الألعاب النارية وتوزيع الحلوى في شوارع المدينة، كما تم نصب جدارية ضخمة في ساحة ولي العصر في قلب العاصمة طهران كتب عليها “طوفان الأقصى”، كما تمت إضاءة برج أزادي الشهير غرب العاصمة بالعلم الفلسطيني وسط تجمع كبير احتفالًا بعملية حماس.
وأما عن بعض الشعارات التي تطلق ضد القضية الفلسطينية، فلا يمكن اعتبارها مخالفة بنيوية لأصل القضية الفلسطينية بقدر ما هي انتقاد للسياسات الحكومية الإيرانية سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسة الخارجية. وشهدت الجمعة مسيرة ضخمة وسط طهران تأييدًا لحماس.
إستراتيجية دعم لا مركزي توفر إمكانية النأي بالنفس
هناك على ما يبدو محاولة للتشكيك باستقلال حماس عن إيران؛ حيث عملت الأوساط الأكاديمية والإعلامية على تصوير حماس وغيرها من الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران خارج حدودها على أنهم جميعًا وكلاء لإيران، وتحاول بعض وسائل الإعلام تأطير علاقة حماس بإيران ضمن هذا الإطار من حيث إن الوكيل موظف برعاية مصالح الأصيل الداعم، وإن قرار الحرب والسلم هو بيد الأصيل.
وفي أحدث الأمثلة عن هذا الربط، أصدر جوزيف ليبرمان، رئيس التحالف ضد إيران النووية، ومارك والاس، الرئيس التنفيذي لهذه المنظمة، بيانًا مشتركًا يدعوان فيه إلى شن هجوم عسكري على مواقع الحرس الثوري الإيراني داخل إيران. ويعتبر البيان الذي أصدرته هذه المنظمة أنه لولا دعم إيران لما كان هناك منظمة باسم حماس وأنه لولا الدعم لما استطاعت حماس أن تهاجم إسرائيل بهذه الطريقة. ويحث البيان حكومة واشنطن وإسرائيل وحلفاءهما على: “شن ضربات ضد أهداف عسكرية واستخباراتية في إيران، بما في ذلك مواقع الحرس الثوري الإسلامي، وقواعد الصواريخ والطائرات بدون طيار؛ حيث يتم تدريب وكلاء وشركاء إيران”(12).
هذا التعميم السطحي للعلاقات التي بنتها إيران في منطقة الشرق الأوسط وأطلقت عليها اسم “محور المقاومة”، يجعل من الصعب فهم طريقة عمل هذه الجماعات وديناميكيات تحركها في الشرق الأوسط.
يمكن تصنيف حماس على أنها شريك إستراتيجي لإيران، بحيث لا تقوم الأخيرة بتوجيه حركة حماس ولا تعطيها الأوامر ولا تمنحها الضوء الأخضر (كما يروج حاليًّا)(13)، هناك التقاء مصالح ووحدة في القضية يستوجبان التعاون والتمويل ونقل الخبرات والتكنولوجيا العسكرية والسيبرانية.
يرى الباحث حميد رضا عزيزي، والباحثة نانسي عز الدين أن “محور المقاومة” يتحول الآن من شبكة هرمية تتمحور حول إيران إلى بنية أفقية لا مركزية تعمل على تسهيل قدر أعظم من الاستقلال لأعضائها. ويعزو الباحثان أسباب التحول إلى عدم المركزية في محور المقاومة والتمتع بالاستقلال الذاتي إلى ثلاثة عوامل، هي أولًا: ازدياد حجم المحور وقوة أعضائه بشكل كبير؛ وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لطهران للحفاظ على مجموعة من المبادئ الأيديولوجية والأولويات السياسية عبر هذه الشبكة. ثانيًا: جعل التنظيم المركزي للشبكة عرضة للتعطيل بسبب اغتيال كبار القادة مثل اللواء قاسم سليماني. وثالثًا: بالنسبة لشركاء إيران، جلبت السلطة السياسية تحديات جديدة أيضًا. وحيث انضموا إلى الائتلافات الحاكمة، كما هي الحال في لبنان والعراق، أصبحوا جزءًا من الأنظمة السياسية الفاسدة، ويُنظر إليهم على أنهم متواطئون في الظلم الذي زعموا أنهم يقاومونه(14).
في الحقيقة، وإن كانت هذه العوامل الثلاثة أسهمت في تعزيز عدم المركزية والابتعاد عن الهرمية، إلا أن التحولات التي طرأت على إستراتيجية الدفاع المتقدم والحروب غير المتكافئة الإيرانية هي السبب الرئيسي في ظهور عدم المركزية. بدأت فكرة عدم المركزية للجماعات غير الحكومية بالتوسع بعد احتلال العراق، فمع تزايد احتمالية شن حرب مباشرة لإسقاط النظام في إيران، بدأت طهران بتغيير سياسة دعم الجماعات المسلحة من المنظور الأيديولوجي إلى المنظور البراغماتي الساعي لخلق موازنة التهديد مع الحفاظ على الأيديولوجية الدينية كوسيلة لجذب الحلفاء غير الرسميين. ورسمت إيران إستراتيجيتها الإقليمية الكبرى القائمة على دفع خطر الهجوم العسكري على أراضيها أو تدمير مفاعلاتها النووية من خلال التأكيد على ضرورة طرد الولايات المتحدة وقوات الناتو من الإقليم بشكل كامل(15) ومواجهة الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة ومحاصرة إسرائيل في حدودها القريبة. هذه الإستراتيجية أكدها خامنئي من خلال ما يعرف بالمرحلة الثانية للثورة الإسلامية؛ حيث قال: “التحدي اليوم هو وجود إيران قوية في حدود الكيان الصهيوني وتفكيك النفوذ غير المشروع لأميركا في منطقة غرب آسيا ودعم الجمهورية الإسلامية للمجاهدين الفلسطينيين في قلب الأراضي المحتلة والدفاع عن حزب الله والمقاومة في جميع أنحاء هذه المنطقة”(16).
إن المزيد من الاستقلال الذاتي (لمحور المقاومة)، يمنح إيران القدرة على الإنكار المعقول والنأي بنفسها عن تحركات شركائها بينما يمكنها طلب دعمهم عند الحاجة(17). وعليه، فقد استفادت طهران من اللاهرمية والابتعاد عن المركز في إنكارها لأي دور لها في عملية طوفان الأقصى؛ وذلك لأن طهران تنظر إلى مساعي ربطها بالعملية كمقدمة وتبرير لشن هجوم عسكري مباشر ضدها، وهي تتذكر تمامًا كيف أن احتلال العراق تم بناء على اتهامات كاذبة تم تلفيقها بامتلاك العراق أسلحة نووية. لذا، فإن إيران تفهم جيدًا أن التصريحات الأميركية والإسرائيلية التي تشير إلى عدم وجود أدلة على تدخل إيران في العملية العسكرية ضد إسرائيل، ما هي إلا محاولات لإبقاء طهران وحزب الله الحليف الإستراتيجي لها محايدين. وترى أن تغير موقف طهران أو حزب الله من الحرب في غزة، يمكن أن يُنتج حملة دبلوماسية عامة لإقناع الرأي العام العالمي بتوجيه ضربة مباشرة إلى إيران بوصفها شريكًا رئيسيًّا في عملية طوفان الأقصى ضد إسرائيل.
بناءً على ما تقدم، نفت طهران عبر مرشدها الأعلى أي علاقة لها بعملية طوفان الأقصى؛ حيث نفى خامنئي وجود أي صلة لطهران بعملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد إسرائيل، لكنه أشاد بها ورحَّب بما وصفها بالهزيمة العسكرية والمخابراتية التي لحقت بإسرائيل.
وقال خامنئي، في كلمته التي ألقاها خلال حفل تخرج ضباط بكلية عسكرية إيرانية: إن من وصفهم بأنصار النظام الصهيوني نشروا إشاعات خلال الأيام الثلاثة الماضية تقول: إن إيران تقف وراء عملية حماس، لكنهم مخطئون(18).
وفي حين أشاد بهجوم حماس باعتباره عملية حاسمة ومثالًا حقيقيًّا للدفاع المشروع ضد نظام إجرامي، إلا أن علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد علي خامنئي، والذي عمل أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حتى مايو/أيار 2023، وصف حماس “بالحركة المستقلة”(19).
موقف المعارضة الإيرانية في الخارج
يبدو أن هناك شبه إجماع بين فئات المعارضة الإيرانية في الخارج، على دعم إسرائيل في وجه حركة حماس. وتسعى المعارضة الإيرانية من هذا التأييد غير المشروط لإسرائيل إلى تحقيق هدفين رئيسيين، الأول: هو الحصول على دعم مستقبلي من إسرائيل في مواجهة النظام الحاكم في إيران، والهدف الثاني هو محاولة تصوير حركة حماس كوكيل لإيران وأن عملية طوفان الأقصى تمت بناء على توجيهات من الحرس الثوري الإيراني، وذلك لإحياء المحاولات السابقة التي قامت بها المعارضة في سبيل إقناع الدول الأوروبية بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية.
أحد أبرز وجوه المعارضة الإيرانية هو ابن الشاه السابق “رضا بهلوي” والذي سافر في أبريل/نيسان 2023 إلى إسرائيل والتقى برئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، هناك، كتب على موقع إكس قائلًا: “اليوم تتعرض الدولة اليهودية مرة أخرى لهجوم من قبل إرهابيين ذوي أيديولوجية قاتلة، ويجب إيقاف قوى الشر هذه وضامنيها، ولا يمكن إنكار دعم الجمهورية الإسلامية لحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وغيرهما من الجماعات الإرهابية. إن احتفال مسؤولي النظام في طهران بالأخبار الحزينة اليوم هو دليل آخر على أنهم غير نادمين على دعم الإرهاب والعنف ضد المدنيين”(20).
واتهمت مسيح علي نجاد، التي تحظى بدعم مالي وسياسي غربي، الحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء هذه الحرب وطالبت كلًّا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا بتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية(21).
وتحدثت دريا صفائي، عضو البرلمان البلجيكي إيرانية الأصل، والتي قادت حملة في الاتحاد الأوروبي لتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية وكذلك عملت على عرقلة صفقة تبادل السجناء بين بلجيكا وإيران، للتليفزيون البلجيكي قائلة: إن عملية طوفان الأقصى هي حرب أخرى بالوكالة يشنها النظام الإيراني بأذرعه العسكرية الطويلة في المنطقة، من أجل محو إسرائيل من الخريطة. تمامًا كما يعلن خامنئي ذلك دائمًا”(22).
ويبدو أن هناك تصريحات متضاربة صدرت عن حزب كوملة الكردي المعارض. فبينما وصف الأمين العام لحزب كوملة الكردستاني والعضو السابق في ائتلاف المعارضة الإيرانية “ائتلاف منشور مهسا أميني”، عبد الله مهتدي، طوفان الأقصى بالهجمة الإرهابية وبأن إيران تدعم حماس بالمال والسلاح، فقد كتب إبراهيم علي زادة، السكرتير الأول لهذا الحزب قائلًا: “إن حقيقة أن حماس هي التي بدأت هذا الصراع، وأن الجمهورية الإسلامية تدافع نفاقًا عن حقوق الشعب الفلسطيني وتدعم حماس، لا شيء من هذا يقلِّل من شرعية مقاومة الشعب الفلسطيني ضد دولة إسرائيل الإجرامية والدينية والعنصرية(23).
ويبدو أن وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، وبضغوط من جماعات المعارضة الإيرانية عادت لتقود حملة إقناع وضغط على رئيس الوزراء البريطاني لإقناعه بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الجماعات الإرهابية، بالاستناد إلى صلات حماس بالحرس الثوري الإيراني، بحسب صحيفة التايمز(24).
خاتمة
بنت طهران خلال سنوات عديدة شبكة واسعة ومعقدة من الجماعات المسلحة غير الحكومية امتدت من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين. كما عملت على منح هذه الجماعات استقلالية خاصة وشجعت كذلك على التعاون والتشاركية بين هذه المجموعات. هاتان الخاصيتان توفران لإيران منفعة مزدوجة تتمثل، أولًا، بمنع نشوب حرب مباشرة مع القوى الإقليمية والدولية وتوفر كذلك إمكانية النأي بالنفس عن أعمال هذه المجموعات كلما اقتضت الضرورة ذلك.
تعتبر حماس الحركة الأكثر استقلالية من بين باقي المجموعات، وتتخذ علاقتها مع طهران طابع عدم المركزية المفرطة وتدخل هذه العلاقة ضمن ما يعرف “بالشريك الإستراتيجي” وذلك بسبب التفاوت الأيديولوجي وظروف صراع الحركة مع إسرائيل.
هناك شبه إجماع رسمي داخل إيران على دعم عملية طوفان الأقصى ولا تنفي طهران أو حماس تلقي دعم مادي وعسكري وتدريبي من إيران، إلا أن عملية طوفان الأقصى تم التخطيط لها وتنفيذها بقرار فلسطيني بحت.
بينما تقف المعارضة الإيرانية في الخارج على النقيض تمامًا من الموقف الرسمي، وهي من خلال الوقوف إلى جانب إسرائيل، ووصف حركة حماس بالإرهابية، تسعى إلى تحقيق مكاسب في صراعها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتستخدم هذه العملية للدفع بإدراج الحرس الثوري ضمن المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا.
طهران تفاجأت بالهجوم العسكري لحماس والنتائج الاستثنائية التي ترتبت عليه، وهي راضية جدًّا عن النتائج بوصفها مقدمة لما تقول: إنه “زوال إسرائيل”. ولذلك لا ترغب طهران في الوقت الحالي بتصعيد النزاع أو تحويله إلى صراع أوسع. وبناء على ذلك، قرأت طهران عبر مرشدها الأعلى المساعي إلى ربطها بهذه العملية كمقدمة محتملة لتوسيع إطار النزاع وإدخال أطراف دولية فيه كالولايات المتحدة واستخدامه مبررًا لشن هجمات ضد أراضيها، ولذلك فقد سارع خامنئي بشكل واضح وصريح إلى نفي أي علاقة لطهران بهذه العملية.
هناك ثلاث مراحل للتدخل الإيراني العسكري في الصراع مع إسرائيل تعتمد هذه المراحل جميعها على مواقف وتدخلات أطراف أخرى في الصراع:
السيناريو الأول: إن هجوم حماس الكبير والمفاجئ والذي كسر جميع معادلات الردع الإسرائيلية وأسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي، دفع حكومة نتنياهو إلى التفكير بردٍّ عسكري غير محدود ومدمر يصيب المدنيين قبل العسكريين. وهذا ما دفع حزب الله (الجماعة الأكثر قوة وحلقة الوصل فيما يسمى محور المقاومة وإيران) إلى التحرش بطريقة محسوبة بإسرائيل في حدودها الشمالية. يرسل حزب الله، عبر إفساح المجال للجماعات الفلسطينية الموجودة في لبنان للتسلل إلى الأراضي المحتلة من الجنوب اللبناني من جهة وإطلاقه بعض الصواريخ والقذائف إلى المستوطنات الإسرائيلية والقواعد العسكرية الإسرائيلية، رسالة مفادها أن الحزب من الممكن أن يتدخل في الحرب إذا قامت إسرائيل بتنفيذ عملية برية واسعة في قطاع غزة.
السيناريو الثاني: لقد أرسلت الولايات المتحدة حاملة طائراتها “جيرالد فورد” إلى سواحل المتوسط وقدمت مساعدات عسكرية ولوجستية إلى إسرائيل. وبناء على مفهوم التعاون والتشارك وتقسيم الأدوار بين جماعات ما يسمى “محور المقاومة”، فقد أرسلت الجماعات الشيعية المسلحة العراقية المرتبطة بإيران وجماعة أنصار الله الحوثي في اليمن تهديدًا واضحًا وصريحًا إلى الولايات المتحدة بأن أي تدخل عسكري من جانبها سوف يواجه بعمليات واسعة في الأراضي العراقية ومياه الخليج أو البحر الأحمر وسوف يتم استهداف أي وجود عسكري أميركي في المنطقة(25).
السيناريو الثالث: عملت طهران على تفادي أي صراع مباشر على أراضيها وعملت منذ الحرب العراقية-الإيرانية على نقل الصراع إلى خارج إقليمها الجغرافي. وعليه، فإن أي استهداف مباشر للأراضي الإيرانية أو البنى التحتية والقواعد العسكرية وقواعد تخزين الصواريخ البالستية أو استهداف المفاعلات النووية، يعني تفعيل جميع الجبهات المرتبطة بإيران ويعني كذلك دخول إيران على خط المواجهة. هذا السيناريو سيتضمن تفعيل جبهة الجنوب اللبناني وتفعيل الجبهة العراقية واليمنية والسورية ضد القوات الأميركية وإذا ما تدخلت الولايات المتحدة في الصراع بشكل مباشر فستقوم إيران بضرب القواعد الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط.
محمود البازي – باحث متخصص بالشؤون الإيرانية
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
مراجع
1) رژیم رفتنی (إسرائيل إلى زوال)، الموقع الإلكتروني للمرشد علي خامنئي، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3QeOy44
2) گفتوگوی رئیسی با زیاد النخاله و اسماعیل هنیه درباره عملیات طوفان الاقصی (اتصال هاتفي بين رئيسي وزياد النخالة وإسماعيل هنية بخصوص عملية طوفان الأقصى)، دنياي اقتصاد، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023): https://bit.ly/46p0Kor
3) امیرعبداللهیان خواستار اقدام کشورهای اسلامی برای کمک به فلسطین شد (أمير عبد اللهيان يدعو إلى تحرك الدول الإسلامية لمساعدة فلسطين)، وكالة أنباء دفاع مقدس، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3LY5R6P
4) عملیات طوفان الاقصی تولد فلسطین جدید است (عملية طوفان الأقصى ولادة جديدة لفلسطين)، وكالة أنباء مهر، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3RWnbx0
5) واکنشها به «طوفان الاقصی» (ردات الفعل حول طوفان الأقصى)، وكالة أنباء فارس، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3rL3v4p
6) نائب القائد العام للحرس الثوري: “طوفان الأقصى” سحق قوة الكيان الصهيوني الزائفة، وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا بالعربي)، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3LYQ2N0
7) واکنش سیدمحمد خاتمی به طوفان الاقصی / زور و اشغال منشأ مشروعیت نیست (رد فعل السيد محمد خاتمي على عملية طوفان الأقصى/القوة والاحتلال ليستا مصدرًا للشرعية، دنيايي اقتصاد، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/4089Wvf
8) الصفحة الرسمية لوزير الخارجية السابق، جواد ظريف، على موقع إكس، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/46uiOxA
9) قربانی بزرگ جنگ اسرائیل و حماس (الضحية الكبرى للحرب بين إسرائيل وحماس)، اقتصاد نيوز، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3Qb9OYe
10) توافق عادیسازی عربستان با صهیونیستها در «طوفان الاقصی» دفن میشود؟ (هل ستدفن عملية “طوفان الأقصى” اتفاق التطبيع السعودي مع الصهاينة؟)، وكالة أنباء تسنيم، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/48ONomS
11) بیانات در دیدار مسئولان نظام، سفرای کشورهای اسلامی و میهمانان کنفرانس وحدت (تصريحات المرشد خلال لقاء مسؤولي النظام وسفراء الدول الإسلامية وضيوف مؤتمر الوحدة)، الموقع الإلكتروني للمرشد علي خامنئي، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3RVuZyI
12) UANI Calls For Decisive Military Response Against IRGC Targets In Iran Following Attack On Israel, United Against Nuclear Iran, 9 October, 2023 (Last accessed: 11 October, 2023): https://bit.ly/3ZQ2lkI
13) Iran Helped Plot Attack on Israel Over Several Weeks, The Wall Street Journal, 8 October, 2023, (Last accessed: 11 October, 2023): https://on.wsj.com/3rMWqQK
14) Nancy Ezzeddine and Hamidreza Azizi, Iran’s Increasingly Decentralized Axis of Resistance, War On Rocks, 14 July, 2022 (Last accessed: 9 October, 2023): https://bit.ly/3tujPXE
15) محمود البازي، الجغرافيا السياسية والعلاقات الأفغانية-الإيرانية: قليل من التصعيد ومزيد من إدارة الخلاف، مركز الجزيرة للدراسات، 19 أبريل/نيسان 2022 (تاريخ الدخول: 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3XqKtdQ
16) بیانیه «گام دوم انقلاب» خطاب به ملت ایران (بيان الخطوة الثانية للثورة الموجه إلى الشعب الإيراني)، موقع المرشد علي خامنئي، 1 فبراير/شباط 2019 (تاريخ الدخول: 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/46OvzT5
17) Nancy Ezzeddine and Hamidreza Azizi, Ibid.
18) خامنئي ينفي صلة إيران بطوفان الأقصى ويصفه بالزلزال المدمر، الجزيرة نت، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/46pFi2p
19) هشدار جدی شمخانی به آمریکا بعد از حمله حماس به اسرائیل (تحذير شمخاني الخطير لأميركا بعد هجوم حماس على إسرائيل)، موقع خبر أونلاين، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3PN3a9g
20) الصفحة الشخصية لرضا بهلوي على موقع إكس، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/46p6U7T
21) الصفحة الشخصية للصحفية، مسيح علي نجاد، على موقع إكس، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3FeSlI5
22) الصفحة الشخصية لدريا صفائي على موقع إكس، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3LWefDT
23) پیرامون درگیری اسرائیل و حماس (حول الاشتباكات بين إسرائيل وحماس)، راديو زمانه، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023): https://bit.ly/3QeTYvW
24) Suella Braverman pushes for IRGC to be designated a terror organization, The Times, 10 October 2023 (Last accessed: 12 October 2023): https://bit.ly/3tyzjKs
25) Deep Dive: Armed groups in Iraq, Yemen warn US of multi-front response to Gaza war, Amwaj Media, 11 October 2023 (Last accessed: 12 October 2023): https://shorturl.at/aCLQ6