أزمتا المياه والكهرباء تتفاقمان في غزة وتعيدان السكان عشرات السنين إلى الماضي

Spread the love
image_pdfimage_print

لا يعقد سكان قطاع غزة آمالا بأن تساهم المساعدات الضئيلة التي دخلت من معبر رفح، في حل أزماتهم الكبيرة التي خلقتها الحرب الإسرائيلية الشرسة التي دخلت أسبوعها الثالث. فإلى جانب نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية من المشافي، هناك أزمة كبيرة يواجهها السكان في الحصول على الماء والطعام.

واقع جديد مع شح المياه 

بسبب ظروف الحرب، تبدلت عادات السكان الذين كانوا بالأصل يعانون من قلة إمدادات المياه، إذ وضعت العائلات التي تصلها في هذه الأوقات كميات قليلة من المياه بشكل متقطع وغير منتظم مرة كل يومين أو ثلاثة، خططا لاستخدام هذه الكميات، تستند إلى الترشيد بصورة كبيرة جدا.

مساعدات غزة الطارئة لا تفي احتياجات منكوبي الحرب

وفي هذا الوقت، يكون وفير الحظ من السكان، من يحتفظ بأوعية مياه ذات حجم كبير أو أي أوعية أخرى، لملئها عند وصول الإمدادات عبر الخطوط الأرضية، لحملها إلى منزله، وهناك يضعها في دورات المياه أو في المطابخ، لاستخدامها من خلال ما تعرف في غزة باسم “كيلة المياه”، حيث لم تعد تمديدات المياه العادية تعمل كما كانت في السابق.

وهذه التمديدات تعتمد على وصول المياه أولا إلى خزانات أعلى البنايات، من خلال ضخها من الخط الرئيس بمواتير تعمل الكهرباء، ومن ثم تنهمر من خراطيم بلاستيكية إلى صنابير المياه في المنازل.

وفي هذا الوقت لا يوجد تيار كهربائي، ما يحول دون عمل دورة المياه بشكل طبيعي، وهو ما أجبر الأسر الغزية على هذه الطرق البدائية في استخدام المياه، وبشكل مقنن للغاية.

وكانت دولة الاحتلال قطعت خطوط إمداد الطاقة والمياه عن القطاع في اليوم الأول للحرب، ومنعت أيضا دخول شاحنات الوقود المخصصة لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة، والتي في حال عملت بكل طاقتها، توفر التيار الكهربائي لقطاع غزة لمدة أربع ساعات فقط في اليوم.

ويقول سعيد النجار، رجل في العقد الخامس من عمره، إنه وأبناءه ينتظرون وصول المياه إلى منطقة سكناهم وسط قطاع غزة، ليقوموا على الفور بملء ما يملكون من أوعية مياه، ورفعها إلى منزله في الدور الثالث في بناية سكنية متعددة الطوابق، ويقول إن هناك جيرانا يحملون تلك الأوعية لأدوار أعلى، وأن الأمر يحتاج إلى بذل جهد وتعب كبيرين.

ويؤكد أن ما يملكه من أوعية مياه لا تكفي لاحتياجات منزله لعدة ساعات بالشكل الطبيعي، غير أن الحاجة وقلة توفر هذه المياه، تجعلهم يحرصون على تقنينها بشكل غير متوقع، ويؤكد هو وجيرانه أن ما يقومون بتخزينه ينفد قبل وصول كميات مياه جديدة من البلدية، والتي تعمل وفق خطة طوارئ.

وفي المنزل، لا تقوم النساء بغسل أطباق الطعام بالشكل المعتاد، ولجأت ربات البيوت إلى طرق بدائية تقوم على وضع تلك الأطباق في وعاء واحد مليء بالصابون لإزالة فضلات الطعام، ومن ثم ينقلن أدوات الطعام إلى وعاء آخر مليء بالماء لغسل الأواني.

وهناك بعض الأسر وهي قليلة ممن يتوفر لديها المال، لجأت إلى استخدام أوانٍ بلاستيكية لمرة واحدة، لتوفير المياه خاصة في “غسل الأواني”.

كما امتنعت ربات البيوت عن غسل الملابس إلا للضرورة القصوى، وعبر طرق بدائية، حيث لا توجد كهرباء لتشغيل الغسالات، كما لا تتوفر المياه بالشكل المعتاد.

وتؤكد سيدة ممن تقيم في أحد المراكز المخصصة لمن فرّوا من مناطق الحدود، أو من المناطق التي أنذرت بالقصف، أنها تكتفي فقط بإزالة الأتربة من ملابس أطفالها، وأنها تقوم بهذه العملية مرة في الأسبوع، بعد أن كانت تحافظ على تغيير تلك الملابس المتسخة من الأطفال مرة كل يوم.

وينطبق أمر الترشيد هذا في الحمامات أيضا، ويخشى السكان من الوصول إلى يوم تقلص أو تقطع عنهم إمدادات المياه نهائيا، ما سيحوّل حياتهم إلى جحيم، خاصة في ظل شكوى مناطق كبيرة في مدينة غزة وشمالها من انقطاع إمدادات المياه منذ عدة أيام، ولجوئهم إلى شراء المياه بأثمان مرتفعة من بعض الموزعين، والذين لا يتوفرون بشكل سهل.

كما يشتكي سكان يقطنون جنوب القطاع، وتحديدا في مدينة خانيونس، من نقص حاد في إمدادات المياه، وهناك لجأ البعض في بداية الأزمة لتشغيل آبار الري للحصول منها على المياه، قبل أن يضطروا إلى التوقف الإجباري عن هذه العملية، لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولدات الضخ.

السكان يتساءلون متى تتوقف الحرب ويتوقف مسلسل المجازر وابادة العائلات 

ومنذ عدة أيام توقفت معظم الشاحنات التي تبيع المياه المخصصة للشرب، بسبب نفاد الوقود المخصص لتشغيلها وتشغيل محطات التحلية، ويضطر السكان في مناطق القطاع للاصطفاف في طوابير طويلة أمام محطات تعمل بطاقة قليلة من خلال الاعتماد على تيار كهرباء من الطاقة الشمسية، لملء غالونات مياه أكبرها بسعة 20 لترا. وهذه المحطات لا تعمل إلا لساعات محدودة فقط، وتحديدا عند انتصاف النهار وسطوع الشمس، وتتوقف عند انخفاض درجة الحرارة

وفي حال كان الجو ملبدا بالغيوم لا تعمل هذه المحطات، وهو أمر ينذر بسوء الأوضاع في قادم الأيام، في حال لم يتم حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي، مع اقتراب حلول فصل الشتاء.

أزمة الطاقة خطيرة 

وإلى جانب أزمة المياه، هناك أيضا أزمة الكهرباء، حيث أعادت السكان عشرات السنين إلى الوراء، فباتت معظم الأسر تبيت ليلها في ظلام دامس، فيما تضطر بعضها إلى إشعال الشموع رغم مخاطر ذلك. كما لجأت بعض الأسر إلى تحضير الطعام على مواقد النار، بسبب نفاد كميات غاز الطهي، وتوقف التيار الكهربائي، في ظل اعتماد غالبية الأجهزة المنزلية على الكهرباء.

وفي تفاصيل هذه الأزمة، فإن سكان قطاع غزة حاليا، يبذلون جهدا كبيرا لشحن هواتفهم النقالة، أو البطاريات المخصصة للإضاءة، وهي أنوار تضيء بطاقة قليلة جدا.

ويضطر أرباب المنازل لشحن الهواتف المحمولة لهم ولأسرهم وكذلك بطاريات الكهرباء، عن طريق الطاقة الشمسية التي تتوفر فقط إما في المحال التجارية الكبيرة أو عند عدد قليل من الجيران، ويحتاج ذلك إلى الاصطفاف في طابور طويل، وقد تغيب شمس النهار دون تمكنهم من ذلك.

وفي مدينة دير البلح وسط القطاع، وضع صاحب محل تجاري وصلة كهرباء بها عدة منافذ خصصها لشحن هواتف الجيران، ويشير إلى أن السكان يصلون إليه مع بداية ارتفاع حرارة الشمس وبدء عملية توليد الطاقة.

وكانت في جميع مناطق قطاع غزة، مولدات يملكها تجار تولد الطاقة وتبيعها قبل الحرب بأثمان أعلى من تلك التي تباع من قبل شركة التوزيع، غير أن هذه المولدات توقفت عن العمل، بسبب نفاد كميات الوقود المخزنة قبل أسبوع، مع استمرار منع التوريد من قبل سلطات الاحتلال.

وتواصلت “القدس العربي” مع أحد ملاك هذه المولدات، وأكد أنه يمكن أن تخفف هذه الأزمة القائمة، وإمداد السكان وبعض المؤسسات الحيوية بالطاقة، في حال وصول شحنات وقود للقطاع، وإيصال جزء منها له ولأقرانه في قطاع غزة.

وهذه الأزمة الخاصة بإمدادات الطاقة والوقود وغاز الطهي، أصابت في مقتل أيضا العديد من المؤسسات الحيوية، وعطلت من عمل البلديات التي تقوم بأعمال توصيل المياه وضح مياه الصرف الصحي، كما حدّت بشكل كبير من عمل الكثير من المخابز، وعطّلت بعضها لأيام.

واضطر بعض أصحاب المخابز إلى التوقف عن العمل لعدة أيام، حتى توفرت لديهم كميات من غاز الطهي. ويؤكد المسؤولون في غزة، أنه يجري توزيع هذه الكميات وفقا لخطة طوارئ تراعى فيها الاحتياجات الأساسية للسكان.

وعلى الرغم من دخول مساعدات قليلة عبر معبر رفح، إلا أن السكان في القطاع لا يعقدون أي أمل بأن تحل أزمتهم، خاصة وأن أول الشاحنات خصصت للمشافي لاحتوائها على أدوية ومستلزمات طبية، في ظل معاناة المشافي من نقص حاد في المستلزمات الطبية، دفع خلال الأيام الماضية الأطباء إلى إجراء عمليات بدون تخدير، وإجراء عمليات على أضواء الهواتف النقالة، وفي غرف غير معقمة، بعد انشغال جميع غرف العمليات.

مساعدات لا تفي بالحاجة 

وحتى في حال دخلت شاحنات أغذية بالوتيرة الحالية، فإن الأزمة ستظل قائمة بشكل كبير، في ظل حاجة السكان والنازحين إلى كميات تفوق بأضعاف تلك التي تدخل عب معبر رفح، إلى جانب حاجتهم أيضا لأشياء أخرى لحل الأزمة، ومن أبزها الوقود والكهرباء، حيث لا تزال سلطات الاحتلال تمنع إدخال الوقود ضمن شحنات المساعدات.

وكان مدير المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، قال إن القافلة الأولى التي ضمت 20 شاحنة كانت محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية والمياه والمعلبات، في وقت كان يدخل القطاع يوميا قبل الحرب 500 شاحنة، مؤكدا أن هذه القافلة والعشرات منها لن تلبي حاجات القطاع حاليا كمّا وكيفا.

وقالت وزارة الصحة عقب دخول أول شحنة مساعدات، إن استثناء إدخال الوقود ضمن المساعدات الإنسانية سيبقي الخطر قائما على حياة المرضى والجرحى واستمرار الخدمات المنقذة للحياة، وذكرت أن ما دخل السبت من مساعدات يمثل 3% فقط مما كان يدخل للقطاع الصحي يوميا، وأشارت إلى أن هناك 130 من الأطفال الخدج يواجهون خطر الموت.

وفي غزة، هناك حاجة كبيرة لمستلزمات أساسية أخرى، كالملابس والأغطية، وتؤكد العوائل التي تركت منازلها قسرا في مناطق الحدود أو في غزة وشمالها، أو تلك التي دمرت منازلها بفعل الغارات، أنها لم تخرج وقت النزوح القسري سوى بما عليها من ملابس، دون حمل أي من الأغطية، ما عرضها للإصابة وأطفالها بنزلات البرد.

وفي أحد مراكز الصحية في مخيم النصيرات وسط القطاع، قال طبيب إن معظم حالات الإصابة بالإنفلونزا من الأطفال، وأضاف أنه يخشى من زيادة عدد المرضى في قادم الأيام، مع انخفاض درجات الحرارة، كما يخشى من نفاد الأدوية في حال بقيت أزمة المعابر على حالها.

وكانت الأمم المتحدة أعلنت أنها تقف على أهبة الاستعداد على الحدود المصرية مع قطاع غزة لإيصال المساعدات المنقذة للحياة، وقالت إنه يوجد هناك أطنان من الإمدادات على الجانب المصري من معبر رفح.

وقد أعلنت عدة دول عن إيصال امدادات جديدة، وأعلنت أخرى عن استعدادها لإرسال المساعدات المخصصة لإسعاف أهل غزة.

لكن في غزة يتساءل كل من تقابله “متى تتوقف الحرب؟”، ويقولون إنهم يأملون في سماع هذا النبأ، وأن تتوقف عمليات القتل الجماعي والمجازر، أكثر من سماع نبأ دخول المساعدات.

أشرف الهور

المصدر: صحيفة القدس العربي