على خيط رفيع بين الردود المحدودة والمشاركة الشاملة، يسير حزب الله منذ طوفان الأقصى بعد عبور حماس من غزة. تزداد وتيرة التصعيد ويتمّ دفع الحدود إلى أبعد يومًا بعد يوم. يؤكد حزب الله عبر الدبلوماسيين والمواقف العلنية والسرية أنه جاهزٌ لأي سيناريو في أي معركة. وتكثر التحليلات حول ما هي حسابات حزب الله في التدخّل الواسع، وما هي أولوياته. وبرقاب مشدودة، يترصّد الجمهور الشاشات بانتظار إعلان موعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ليقول لهم: أنظروا إليها تحترق”، وإعلان الحرب الكبرى. وفيما يرى البعض أن على حزب الله أن يستغلّ اللحظة التاريخية الاستراتيجية للتخلّص من إسرائيل، ينتظر آخرون انتهاء كلّ حلول الأرض قبل اتخاذ قرار الحرب حقنًا للدماء.
وتوقعًا لاحتمال انخراطٍ أكبر للحزب من شأنه تغيير المعادلات الحالية، ترسل الولايات المتحدة، قوة ضاربة لحاملات طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ومساعدات أخرى فيما وصفه مسؤول دفاعي بأنه “إشارة رادعة لحزب الله“. فمن شأن هذا الاحتمال أن يضمن حربًا إقليمية من المؤكد أنها ستتسبب في خسائر فادحة، وتجذب جماعات أخرى سنية وشيعية من جميع أنحاء المنطقة.
وعلى الجبهة الشمالية، لم يكن الاعتراف بالقتلى الجنود معتادًا لدى الإسرائيليين. لكن رسائل إسرائيل لتحييد الحزب، تعمد إلى الاعتراف ضمنًا وعلنًا، أنهم غير معنيين بالتصعيد على هذه الجبهة، قتلنا لكم ثلاثة وقتلتم لنا مثلهم، فلنعد إلى قواعد الاشتباك مجدّدًا.
فلنتذكّر قواعد الاشتباك. 40 عامًا من المواجهة بين حزب الله والكيان المؤقت على جانبي الحدود، أدّى إلى تفاهم غير مكتوب قد تطوّر بين الجانبين، يحدد الإجراءات المسموح بها دون إثارة التصعيد. وأدى إلى فهم أفضل لنوايا بعضهما البعض. إنها لغة النار. فماذا تقول نيران إسرائيل؟ وماذا تردّ عليها نيران الحزب.
بحسب الوتيرة المتصاعدة، من المحتمل أن تكون إسرائيل قد شرعت في حملة شاملة في لبنان نظرًا لأنها هي من ابتدأت القتال. لكنها في الوقت نفسه، تبدي إجراءات ضبط النفس. ويُفترض أنّ ذلك بسبب رغبتها في التركيز على الحملة في قطاع غزة. لكن، لما ابتدأت الهجوم في الأساس؟
لدى العدوّ من النرجسية والغطرسة ما يجعله يعتقد أنّ بإمكانه أن يشرع في حملة ضدّ حزب الله، خاصة بعدما تحمّس بايدن للوهلة الأولى وأعطى حكومة نتنياهو الضوء الأخضر. لكن وصول بلينكن وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع لويد أوستن في هذه المدة القصيرة، لم يكن مجرّد تعبير عن التضامن. الآلاف من الجنود الإسرائيليين يتأهبون في غلاف غزة، لكن الاجتياح لم يحصل بعد. لم تحصل إسرائيل بعد على تفويض مطلق من الأمريكيين لترضي نرجسيتها. وعليه، ستحتاج إسرائيل إلى مرحلة متقدمة من ضبط النفس، حتى تتمكن من قيادة الجبهة الشمالية بدون أن ترى جنود حزب الله يتوغلون في الجليل.
في المقابل، كيف يستجيب حزب الله؟ توسيع رقعة الحدود في قواعد الاشتباك، تشي أن حزب الله يعمل باستراتيجية المشاغلة التي ستخفف بالطبع من زخم التحشيد العسكري للجبهة الجنوبية مع غزة، وتزداد الرقعة لدى تصعيد الاعتداء على غزّة، وهو الأمر الذي يستدعي أن يسأل الإسرائيلي نفسه، هل دخل حزب الله الحرب دون أن يعلن ذلك؟ إنها الحرب النفسية.
في كتب التاريخ، ولدى سرد أحداث الحرب العالمية الأولى والثانية، ومن باب المقارنة، يمكن ملاحظة أنّ سرد الأحداث يبدأ من أول طلقة، على أيه جبهة. وسواء تدحرجت كرة النار إلى الحرب الكبرى، أم تمكنت الأطر الدبلوماسية من خفض التصعيد وانهاء الصراع، فإنّ المحللين العسكريين سيدرسون للتاريخ، كيف انخرط حزب الله في طوفان الأقصى واستطاع تغيير المعادلات وتحقيق الردع.
زينب عقيل
المصدر: موقع الخنادق