رغم محاولة إيران وحزب الله ممارسة الضغط من خلال التصعيد على الحدود الشمالية، فإن الإسرائيليين مصممون على المواصلة الى المرحلة الثانية من الحرب في غزة: عملية برية بحجم أكبر مما في الحملات الكبرى التي دخلت فيها قوات برية الى المنطقة، في “الرصاص المصبوب” (2008)، وفي “الجرف الصامد” (2014).
الحرب الحالية في غزة لا تشبه في شيء الحملات البرية السابقة وهي كفيلة بان تستمر لأشهر طويلة حتى تحقيق الهدف، وهو القضاء على القدرات العسكرية والسلطوية لحماس، بينما هناك في التوازي إمكانية عالية للتصعيد مع حزب الله.
معركة “الجرف الصامد”، رغم الدخول الى أراضي غزة لا يمكن تصنيفها كحملة استخدمت فيها مناورة إلى عمق القطاع.
الغاية كانت إبادة الأنفاق التي تسللت إلى أراضي إسرائيل. سكون القوات في الميدان، والتي قامت بحماية عملية إبادة الأنفاق كان السبب المركزي للإصابات التي وقعت بالقوات في الميدان، في حملة استمرت أكثر من 50 يوماً. لكن في المقابل يجب تذكر أن القيادة السياسية أقرتها كحملة صغيرة النطاق في شمال القطاع فقط وليس في مدينة غزة حين كان قائد المنطقة هو وزير الدفاع اليوم يوآف غالانت.
مارست قيادة المنطقة الجنوبية في حينه ضغطاً للخروج إلى حملة كبرى، لوقف تعاظم قوة حماس بالسلاح وبالوسائل القتالية المتطورة، الصواريخ وكميات المتفجرات التي لا تدرك ودخلت عبر الطريق السريع لأنفاق فيلادلفيا.
بقيت تلك الخطط الكبرى في الأدراج، لم تقرها القيادة السياسية التي بحثت عن إنجازات أكثر تواضعاً، بينما في خلفية تفكيرها الإخفاقات التي انكشفت في حرب لبنان الثانية.
آنذاك النجاح في خطوة البدء للهجوم من الجو في كانون الأول 2008، والذي فاجأ حماس، وفي بدء الحملة البرية بعد أسبوع من ذلك، كان عملياً تنفيذاً لخطة ضيقة جداً مقابل خطة أكبر بكثير للسيطرة على القطاع وبناء عائق قرب محور فيلادلفيا. أما استغلال النجاح لممارسة ضغط بري على مدينة غزة فقد شطب عن جدول الأعمال. وفي نهاية المطاف خرجت القوات من غزة.
هذه عملياً كانت المرة الوحيدة التي ناور فيها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بل وخرج من الحملة باحساس نجاح.
أما العملية البرية المخطط لها الآن فهي بحجم أكبر بكثير من المراحل التي لم تقرها القيادة السياسية عشية عملية “الرصاص المصبوب”.
الكثير تغير منذ ذلك الحين. فحماس استغلت السنين الماضية لتعظيم القوى وتحسين التدريبات. قدراتها لا تشبه ما كانت عليه في حينه. وفي المقابل، اكتسب الجيش الإسرائيلي قدرات عالية جدا من القوة النارية والدقة يفترض أن تضعه في مكان آخر في الحرب حيال حماس وفي شدة النار التي ستتلقاها غزة.
تحت هدف القضاء على حماس سيكون هذا تحدياً طويلاً ومعقدداً من المتوقع فيه أيضا أثمان باهظة حتى تحقيق الهدف.
على الأرض سيستغل الجيش الإسرائيلي فضائل قوة ناره. وإزاء تهديد الأنفاق سيكون الجيش الإسرائيلي مطالباُ بأن يثبت ادعاءاته في السنوات الأخيرة إذ أن الالوية المقاتلة والوسائل التي لدى الجيش الإسرائيلي اليوم من البر ومن الجو تضع الجيش في مكان عال قبالة الثغرات وانعدام الجاهزية التي انكشفت في “الجرف الصامد”. الآن واجب الإثبات على الجيش في حرب تنتظره فيها تحديات مركبة.
في الجيش الإسرائيلي يبثون الآن إحساساً بأن هناك وقتاً حتى لتنفيذ القرار الذي اتخذ بالدخول. الوضع الجديد يتطلب خططاً جديدة. ومن المعقول الافتراض أنه في حال وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل، فمن المشكوك فيه جداً أن تبدأ الخطوة البرية قبل ذلك. فالأمريكيون، كما يبدو، رسموا بشكل واضح الحدود لدولة إسرائيل بالحرب. الظهر الواسع وفره الرئيس الأمريكي بإرسال حاملات الطائرات إلى المنطقة، إرساليات السلاح، صواريخ اعتراض القبة الحديدية، وأكثر من ذلك الشرعية في الساحة الدولية التي يوفرها الأمريكيون. وكل هذه ليست هدايا مجانية.
حدود الجبهة حيال حزب الله وعدم احتلال القطاع
تحت هذه التحديدات أيضا، يوجد لإسرائيل مجال مناورة أكبر بكثير مما في الماضي، لكن محظور الخطأ والتفكير بأن هذا إئتمان غير محدود (شيك على بياض). هناك مقابل لكل هذا. مثلاً فتح رفح لدخول إمدادات إنسانية الى جنوب القطاع، ضمن أمور أخرى بسبب ضغط أمريكي. والفهم السائد في إسرائيل بأنه ليس من الصواب الدخول إلى مواجهات مع الأمريكيين في هذه المسائل.
عندما تتضح الصورة سيفهم الجمهور في إسرائيل عمق المساعدة الامريكية. هذه أكثر من حاملات الطائرات التي هرعت الى المنطقة، قدرات الاقمار الصناعية، وسائل القتال والذخيرة، هذا هو الاستعداد لاستخدام القوة إذا كانت حاجة حيال الإيرانيين او حزب الله.
إن الرغبة في استنفاد خطوة القصف من الجو، وأساسا تكييف الأمر والخطط الحربية، بعد ان تبقت الخطط الأصلية غير ذات صلة، كفيلة بان تؤدي إلى بضعة أيام أخرى من الانتظار.
في الشمال، رغم يوم أكثر هدوءاً، والذي تضمن مع ذلك حادثة إطلاق نار، فإن الحدود الشمالية ستخلق مزيداً من الأحداث، ذلك لأنه في وقت الدخول البري إلى قطاع غزة، ستتصاعد النار أكثر فأكثر.
ومن المعقول أن يسعى مسؤولو المحور الشيعي المشترك لإيران وحزب الله أن لمنع إسرائيل من القضاء على حماس من خلال تصعيد شدة المواجهة العسكرية في الساحة الشمالية حتى نهاية الحرب.
إن القرار بإخلاء البلدات على الحدود اللبنانية وحجم القوات الكبيرة من الجيش الإسرائيلي التي توجد في الساحة الشمالية بانتشار واسع في الشمال، وإن كانت تجعل من الصعب على حزب الله تنفيذ خطط التسلل الى إسرائيل في اطار خططه الهجومية، لكن أحداث الحدود في الأيام الأخيرة تشير جيداً إلى أنه في أثناء الحرب أيضا يدور الحديث عن تهديد ملموس، الى جانب القدرات الصاروخية التي لدى حزب الله.
إن المظلة الأمريكية غير المسبوقة يفترض بها أن تمنع تعقد الحبكة وتسمح للجيش الإسرائيلي بالتركيز على قطاع غزة.
يفهم الأمريكيون جيداً بأنه لا يمكن إنهاء هذه المواجهة دون القضاء على حماس فيما هم يحمون الجناح الشمالي حيال إيران ويحاولون إنهاء الحدث في غزة دون أن يتدحرج هذا إلى حرب في لبنان أيضا.
بقلم: تل ليف رام
المصدر: صحيفة معاريف الإسرائيلية