صحيفة عبرية: السحر انقلب على الساحر… هكذا نجحت حماس في ردع إسرائيل

Spread the love
image_pdfimage_print

كون حماس ارتكبت جرائم حرب لم نشاهد مثلها منذ الكارثة، لا يتناقض مع أن الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول كان عملية استراتيجية محسوبة.
ومثل جميع المفاجآت الاستراتيجية فإن فشل إسرائيل نبع في الأساس من خدعة ذاتية، التفكير بأن حماس خائفة، كما اعترف مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي.
هذه ليست المرة الأولى التي أوهمت إسرائيل فيها نفسها بخصوص حماس. من الصعب تذكر جولة قتال في قطاع غزة لم تسبقها تقديرات كانت تقول بأنه ليس “من مصلحة حماس” الدخول في مواجهة واسعة “في هذه المرحلة”.
ومنذ عملية “تقديم الحساب” ضد حزب الله في 1993 لم تكن هناك أي مواجهة في لبنان أو في غزة لم تترافق بَدؤها بتصريحات عن “تغيير قواعد اللعب”. مشكلة إسرائيل الأساسية هي الصعوبة في فحص الامور بمنظار مصالح العدو. هذا يقتضي ليس فقط معرفة اللغة العربية، بل أيضا الاستعداد لمحاولة فهم منطق العدو الاستراتيجي.
الرؤية التي تقول بأن حماس خائفة بقيت على حالها حتى بعد إعلان نائب رئيس حماس، صالح العاروري، بشكل صريح بأنه توجد لحماس “مصلحة” في حرب شاملة. في مقابلة مع قناة “الميادين” في 25 آب الماضي قال إن الحكومة الإسرائيلية تنوي إغراق الضفة الغربية بمليوني مستوطن. لذلك فإن الحرب الحاسمة هي أمر حيوي. وقد قال “نحن نقف امام اختبار أخير قصير المدى ولا يوجد أمامنا أي خيار آخر”.
بالتحذير أنه لم يبق للفلسطينيين على الأكثر سنتين أو ثلاث سنوات إلى حين سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وعلى الحرم، أضاف العاروري بأنه توجد مصلحة في حرب إقليمية، وأن “هناك في هذه الأثناء جهات تنشط جدا في هذا الأمر”. كما قال أيضا بأنه في هذه الحرب “ستتلقى إسرائيل الضربة الأكثر قسوة في تاريخها… مكانتها والطريقة التي ينظر إليها فيها في العالم، كل ذلك سيتغير”.
الدمار الذي تتسبب به إسرائيل للقطاع هو أمر غير مسبوق، لكن هكذا ايضا كان الأمر في حرب لبنان الثانية وفي كل المواجهات السابقة. ولأنها الجانب القوي، فإن إسرائيل تجد نفسها في شرك: الجانب الضعيف ينتصر بكونه لا يخسر.
أحد جذور الفشل يكمن في غياب القدرة، وربما حتى في الحاجز النفسي، على تفسير الجولات السابقة في القطاع من خلال عيون العدو. ففي الوقت الذي ركزنا فيه على الأضرار التي تكبدتها حماس فإن قادتها قاموا بقياس نتائج العمليات بمسطرة مختلفة.
فعدا عن أن حماس بقيت على قيد الحياة (الأمر غير البسيط مع الأخذ في الحسبان تناسب القوة) فإن جهازها العسكري أثبت القدرة على الصمود. في كل مرحلة تقوم حماس بالتشويش على حياة المزيد من الإسرائيليين.
في عملية “الرصاص المصبوب” في 2008 تم اطلاق 27 صاروخاً في المتوسط يوميا، ونصف مليون إسرائيل كانوا تحت التهديد.
وفي عملية “الجرف الصامد” في 2014 تم إطلاق 71 صاروخاً يوميا، بما في ذلك رشقات على مركز البلاد. وفي أيار 2021 تم إطلاق 400 صاروخ تقريباً يوميا في المتوسط. على الفور بعد ذلك احتاجت اسرائيل الى مساعدة أمريكا كي تُجدد مخزون القبة الحديدية.
بدون أن تفهم إسرائيل ذلك فقد اصبحت هي المرتدعة، واضطرت إلى اتباع قواعد اللعب التي أملتها حماس. وقد اضطرت الى أن تخرج من صندوق أدواتها التصفية من الجو. وربما هذه كانت هي الوسيلة الوحيدة التي ردعت حماس لأنه وجدت معادلة ردع تقول بأن التصفيات ستشعل الحرب.
بناء على ذلك سعت إسرائيل الى حصر اللهب: أولاً على مستوطنات الغلاف وبعد ذلك على المدن التي تقع جنوب خط الـ 40 كم، الذي ترسخ كخط يفصل بين التصعيد المحدود والمعركة الواسعة.
هكذا فإنه بالمقارنة مع الرشقات الصاروخية على مركز البلاد، فإن اكتفاء حماس بإطلاقها على الغلاف اعتبر “أمراً مسموحاً”.
ومثلما هو الحال بين إسرائيل وحزب الله، حتى هذه الدقيقة بالضبط، فإن إسرائيل وحماس ساومتا على مكان الخط الأحمر الذي يفصل بين “المسموح” و”الممنوع”. بشكل تدريجي ومتواصل فإن الكثير من سلوك حماس أصبح “مسموحاً”.
منذ آذار 2018 وخلال سنتين تقريباً نجحت حماس في أن تفرض على إسرائيل حرب استنزاف على الحدود، التي أثرت بشكل شديد على سكان الجنوب، لكنها مكنت من استمرار روتين الحياة في الأرجاء الأخرى للدولة. وفي نهاية المطاف عند الاختيار بين التصعيد والاستنزاف فإن إسرائيل اضطرت إلى دفع “الخاوة”، حسب تعبير رئيس حماس يحيى السنوار، كي تشتري الهدوء: تسهيلات إسرائيلية، بما في ذلك تصاريح العمل للغزيين، تم الحصول عليها بالتهديد.
ومثل هجوم 7 تشرين الأول، جاءت حملة “حارس الأسوار” بمبادرة من حماس، بخطوة مخطط لها فاجأت إسرائيل واستهدفت فرض قواعد لعب يصبح بموجبها أنه مسموح لحماس التدخل في كل ما يتعلق بشرقي القدس والضفة. تلك المعادلة حققت نجاحاً لا بأس به.
من الجدير في هذا السياق تذكُّر ليس فقط اقوال المفكر السياسي كارل فون كلاوزوفيتش، بأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى، بل ايضاً كذلك تذكُّر أن الانجازات الدبلوماسية في اليوم التالي للحرب ستكون وفقا للانجازات في ساحة المعركة.
التجربة المتراكمة أمام حزب الله وحماس تعلمنا بأن ما لم يتم تحقيقه في ساحة المعركة لن يتم تحقيقه على طاولة المفاوضات. وسواء للخير أو الشر فإن قواعد اللعب العسكرية والسياسية التي سيتم تشكيلها أمام غزة، ويبدو أيضا أمام حزب الله ومحور المقاومة الإيراني، سيتم تحديدها حسب الانجازات العسكرية.


بقلم: دانييل سوبلمان


المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية