سقف الخطاب الأميركي: عملية برية يعني خسائر غزو العراق لا انجازات 1976

Spread the love
image_pdfimage_print

“أيّ تحركٍ من جانب إسرائيل لاحتلال قطاع غزة مرة أخرى، سيشكّل خطأ فادحاً”. لا يعود هذا التصريح إلى أحد قادة المقاومة الفلسطينية، بل للرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان حتى الأمس القريب يعبر عن “وقوفه إلى جانب الكيان في الدفاع عن نفسه بكل الخيارات المتاحة”. خفض الإدارة الأميركية لسقف الخطاب، يأتي في إطار إدراك واشنطن أن كيان الاحتلال بدأ يغرق في مستنقع التقدير الخاطئ الذي بات يكبّده أثماناً باهظة تبدأ بتورطه بأسوأ جريمة إنسانية ولا تنتهي باحتمالية توسع المواجهة حتى تشمل جبهات أخرى، وهو ما ينقل تاريخ المنطقة إلى نقطة مفصلية.

يواجه بايدن عدداً من التحديات بما يتعلق بهندسة موقفه حيال القرار الإسرائيلي باجتياح غزة برياً. كان التأييد الأولي المطلق الذي أبداه، لتعيد إسرائيل بناء صورة الردع، بمثابة “تقليد بروتوكولي” أميركي أمام أي حرب تتورط بها الأخيرة. لكن الأيام القليلة الماضية، مع عدم قدرة الكيان على تحقيق أي انجاز، واعتماده فقط على سلاح الجو وحصد أرواح أكثر من 2300 مدني، اضطرت الإدارة الأميركية إلى خفض سقف الخطاب، وذهبت نحو حماسة أكثر تواضعاً لتحقيق أهداف متواضعة أيضاً.

عدد من المحددات تحيط بالقرار الأميركي. ولا يزال يتعين على الإدارة تحديد شكل دعمها وكيفية تقديمه. اذ ان اتساع رقعة المواجهات الى جبهات أخرى، يعني انضمام القوات الأميركية إلى دائرة النار، ولو أن بايدن يحاول عدم الانجرار إلى مقدمة الصراع. ويقول الدبلوماسي الأميركي، ريتشارد هاس، أن “المشورة الجيدة وإن كانت قاسية هي ما يدين به الأصدقاء لبعضهم البعض…على واشنطن أن تنصح إسرائيل بعدم الدخول بريّاً إلى غزة”.

تأتي المصالح الأميركية في المنطقة، في مقدمة الاعتبارات التي تأخذها الإدارة، والتي يضعها الغزو الإسرائيلي للقطاع أولوية في بنك أهداف محور المقاومة. لن تتأخر الإدارة الأميركية كثيراً حتى تدرك أن تكاليف الاجتياح البري ستفوق فوائده بفارق شاسع. ويشير هاس في هذا الإطار إلى أن “البنية التحتية العسكرية لحركة حماس هي حكماً في المناطق المدنية نتيجة الاكتظاظ السكاني في القطاع. وعليه فإن محاولة تدميرها خلال هجوم واسع النطاق في بيئة حضرية مكتظة بالسكان، سيجعل من التكاليف باهظة جداً، وسيجعل من التأييد الفلسطيني لحماس أقوى. عدا أن إمكانية أسر جنود إضافيين”.

ثمة من يقول أن النظرة الأميركية لما ستخلفه العملية البرية في غزة، هو أقرب لما اقترفته واشنطن في غزوها لأفغانستان والعراق، مما حققته “إسرائيل” في عامي 1967 و 1973.

الواقع، أن التكاليف بدأ كلا الجانبين بدفعها منذ يوم 7 أكتوبر وبدء عملية “طوفان الأقصى”. في حين أن عامل الوقت لحسم أي من المعارك ليس بمصلحة الطرفين، بل هو تراكم لهذه التكاليف بما يفرض ثمناً أكبر مما وقع:

-الرأي العام العالمي بدأ بالاصطفاف أكثر إلى جانب الشعب الفلسطيني ومشروعية حقه بالدفاع عن نفسه على ضوء ما تعرض له من مجازر وجرائم حرب ترقى لمستوى الإبادة.

-احراج الأنظمة المطبعة وتلك التي تستعد لتوقيع صفقة التطبيع. ونذكر أن “المعضلة” التي كانت بين السعودية وكيان الاحتلال مع رغبة الأولى في تقديم بعض الفتات للفلسطينيين ثمناً لصورة المصافحة بين ولي العهد ورئيس الوزراء الإسرائيلي، لم تعد تكفي، خلافاً للرغبة الإسرائيلية التي ستكون أكثر تطرفاً في منح أي تسهيلات بعد النجاح التاريخي الذي حققته عملية “طوفان الأقصى”.

-خطر اندلاع حرب إقليمية كبرى تشعل المنطقة مجدداً بعد الجهود الأميركية في اخمادها طيلة السنوات الماضية عبر تخفيف حضورها العسكري افساحاً في المجال لأولويات أخرى كمواجهة روسيا والصين.

من الواضح، أن الخطاب الأميركي الذي كان أكثر حدة بانتقاده “الإصلاح القضائي” بوصفه “يقضي على الديموقراطية في إسرائيل”، أخذ منحى أكثر تساهلاً مع نية الكيان بالتورط في عملية برية في قطاع غزة، على الرغم من أن آخر ما تحتاج إليه واشنطن في الوقت الراهن هو اشعال المنطقة إلى جانب كونغرس مشتعل لم ينجح بانتخاب رئيسه بعد.

يكشف هذا التراجع في الخطاب عن حجم الإنجاز الذي حققته فصائل المقاومة الفلسطينية بالاستمرار بدك المستوطنات بالصواريخ على رغم الدمار الهائل. لكن، اقدام الكيان على عملية برية، سينقل الانتقادات الأميركية السرية إلى العلن، تماماً كأصوات المعارضين في الكونغرس والكنيست.

مريم السبلاني

المصدر: موقع الخنادق