بعد أن تسلحت القيادة السياسية ببني غانتس, وغابي آيزنكوت استقبلت إليها أمس مشاركاً إضافياً وشاذاً جداً: وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي وصل الى إسرائيل في إطار الإسناد المطلق من الولايات المتحدة لإسرائيل في المعركة ضد حماس.
في القاموس العسكري الإسرائيلي يوجد تعبير أكثر صراحة عن مثل هذا الموقف: “إقرار خطط”، أي المرحلة التي يستعرض فيها المحفل العالي طرق العمل: يعطي تشديدات وتعليمات خاصة به، وفقط بعد ذلك يمكن التقدم. بالمناسبة، قبل خمسين سنة أيضا، في حرب يوم الغفران، شارك هنري كيسنجر في مداولات كابينت غولدا مائير. لعل هذا أيضا يدل على الطابع الشاذ لحرب أكتوبر 2023.
إن مشاركة بلينكن على هذا المستوى تعلمنا أمرين: أولاً: لا يمكن دق إسفين بين القوة العظمى الأقوى في العالم وحليفتها في الشرق الأوسط، مثلما كان يمكن أن نفهم من تصريحات الرئيس بايدن، إرسال حاملة الطائرات الأولى، النية لإرسال حاملة طائرات ثانية، القطار الجوي للقذائف الذكية ووسائل أخرى وكذا الاستعدادات لزيارة محتملة للرئيس في سياق الأسبوع، بعد أن “يطبخ” بلينكن صفقة أولية مبكرة.
لا شك أن هذه الخطوات تتراكم على مستوى ردع إيران وحزب الله عن فتح جبهة إضافية في الشمال.
لكن يوجد ثمن لهذه المساعدة وحان الوقت أيضا للحديث عنه بشكل أوضح وبلا عواطف: الأمريكيون يأخذون قيادة الحرب وفقا لمصالحهم الاستراتيجية في المنطقة. يحتمل مثلاً ألا يكون بايدن معنياً بخطوة فاعلة لإزالة تهديد حزب الله على بلدات الشمال، وهو بالتأكيد معني في أن يحذر قدر الإمكان من مصيبة إنسانية في غزة وخرق القانون الدولي.
كما أن بايدن يبدي ثباتاً وتصميماً فيما يتعلق بسلامة المخطوفين والمخطوفات من ذوي الجنسية الأمريكية، لدرجة احتمال صفقة منفصلة (عبر قطر مثلاً) إلى جانب الطلب من إسرائيل تنفيذ بادرة طيبة إنسانية بدون مقابل. في النهاية، فإن البيت الأبيض يهتم قبل كل شيء بمواطني الولايات المتحدة وبعد ذلك بجنود الجيش الإسرائيلي.
وعلى أي حال، فإن التعلق بالولايات المتحدة سيتعاظم إذا ما هبط الرئيس الأمريكي في إسرائيل حقاً، ما قد يؤدي إلى قمة إقليمية. وفي كل حال سيقرر هو حدود المعركة كجزء من حرب واسعة ضد المحور الإيراني، الذي يضم روسيا بالطبع.
في هذا السياق من المثير أن نعرف كيف ستتطور الأحداث في أعقاب حديث نتنياهو مع الرئيس الروسي بوتين الذي حرص حتى الآن على أن يبدي برودة مجمدة تجاه إسرائيل وتجاهلاً لا يطاق بالنسبة لبربرية حماس. بالمناسبة أظهر التحقيق في هجوم 7 أكتوبر خططاً بعيدة المدى تتضمن وصول إلى قواعد الجيش الإسرائيلي التي توجد خلف خط التماس.
بالنسبة للتدخل الإيراني في الأحداث تتسع الأصوات التي تعتقد بأن “الهجوم هو فارسي” بما في ذلك تعليمات التفعيل من طهران.
في هذه الأثناء، يوجد في قيادة الجنوب منذ الآن ضباط يدقون باقدامهم مطالبين بدخول بري إلى القطاع. من ناحيتهم القيادة جاهزة ومستعدة، ناهيك عن أنه من غير الصواب على حد نهجهم خلق مسافة بين الهجوم الإجرامي على غلاف غزة والرد الإسرائيلي.
فالتوتر العملياتي ليس زراً يمكن إبقاءه مرفوعاً (غير مضغوط) كل الوقت، ومنظومة الاحتياط لن تُبقي المعلومات عالية إلى الأبد. قادة الجيش راضون عن كون قادة الألوية والكتائب متحمسين.
وبينما العد التنازلي نحو المناورة البرية يتواصل، تواصل حماس إطلاق النار على بلدات عديدة في محاولة لإحداث كَيٍّ في الوعي بنيران الصواريخ في اتجاه القدس في زمن افتتاح دورة الكنيست ونحو تل أبيب بينما يجلس بلينكن مع أصحاب القرار في الكريا (مربع الدوائر الحكومية).
سلاح الجو هاجم بقوة الأحد/الاثنين بينما هدفه مواصلة دفع الغزيين جنوبا.
في الجبهة الشمالية المتوترة كان هذا يوماً هادئاً نسبياً: حزب الله أطلق “فقط” النار نحو مواقع للجيش الإسرائيلي على الحدود وألحق ضررا بمعدات على الجدار. هناك انطباع بأن حسن نصرالله أيضا ينتظر دخول الجيش البري إلى غزة قبل القرار إذا كان سيرفع التصعيد درجة أخرى.
من غير الصواب إنهاء هذا المقال دون التطرق الى البرقية الصادرة عن رئيس الشاباك رونين بار أمس والتي تحمل فيها المسؤولية الواجبة عن دور جهازه في فشل منع او تقليص كبير لهجوم 7 أكتوبر. فقد كتب لعاملي الشباك وعائلاتهم يقول “رغم سلسلة من الأعمال التي قمنا بها، لأسفي، يوم السبت لم ننجح في إصدار إخطار كافٍ يسمح بإحباط الهجوم. وكمن يقف على رأس الجهاز، فان المسؤولية عن ذلك هي عليّ. زمن التحقيقات سيأتي، أما الان فإننا نقاتل”.
وهكذا يسير رونين بار في اعقاب رئيس الأركان وبالشكل المناسب للخدمة العامة، لكن مرغوب فيه أن نُذكِّر بأن مسؤوليته محدودة بالجهاز الذي يقف على رأسه وليس بالأجهزة الأخرى وبالطبع الدولة كلها.
عملياً، ومن كل التفاصيل التي انكشفت حتى الآن يتبين أن بار كان هو الذي تعاطى بجدية مع تلك “الإشارات الضعيفة” التي استقبلت في الليلة التي بين الجمعة والسبت وترجمها الى فعل من خلال إطلاق طواقم جهازه الى المنطقة.
في المقابل يعرف بار جيداً: الأسئلة القاسية عن المفهوم الذي انهار والمعلومات الاستخبارية التي لم تكن، لم تختفي الى أي مكان.
بقلم: يوسي يهوشع
المصدر: صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية