يتعاطى الاحتلال الإسرائيلي مع الحرب الوحشية الدائرة اليوم على قطاع غزة على أنها معركة وجودية، فأمام حجم الضربة العسكرية التي تلقاها الاحتلال بعملية «طوفان الأقصى» وما تمخض عنها من كسر لأوهام السيطرة والقوة والتفوق، وتحطيم فكرة عدم المساس بالمستوطنين المحتلين على الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحضر كل إجراءات وممارسات الحشد الجمعي في مواجهة ما بات يعرف بالحدث الأهم الذي تعرضت له دولة إسرائيل منذ عام 1973 أي حرب أكتوبر المجيدة.
وفق تلك الرؤية تتعاطى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ويتحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ سبعة أيام متواصلة ومعه كل مؤسسات دولة الاحتلال الأمنية والإعلامية والسياسية، والأهم هو تحركه لتحشيد المجتمع الإسرائيلي وخلق حالة من الروح الوطنية الواحدة.
ولأجل هذا الغرض عقد نتنياهو ما لا يقل عن خمسة مؤتمرات صحافية متوجها في جانب كبير منها إلى الجمهور الإسرائيلي ومستخدما كل الحصيلة اللغوية والسياسية والوطنية والدينية التوراتية من أجل خلق حالة وطنية متماسكة للتعامل مع تبعات الهجوم الفلسطيني وتحضيرا لخوض حرب عدوانية شرسة من المتوقع لها أن تطول ولا تقصر.
ورغم الدعم الرسمي وغير الرسمي الغربي والأمريكي، وهو دعما منقطع النظير هذه المرة، يقوم المسؤولون الإسرائيليون بأكبر عملية هندسة وعي وبث روح حماسية في مواجهة فصائل المقاومة والقضية الفلسطينية عموما، حتى أنه عقد مؤتمرا صحافيا يوم أمس، أي بعد دخول يوم السبت (عطلة دينية) وهي سابقة وتحمل دلالات رمزية في المواجهة الحالية. يضاف إلى ذلك حشد من المسؤولين الأمريكيين القادمين إلى دولة الاحتلال والمتباكين على القتلى اليهود، وجلهم يؤكدون على دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعلى دعمها بالأسلحة التي تحتاجها، وتأكيدها على أنها لن تسمح بفتح «جبهة ثانية أو ثالثة» ضد إسرائيل.
ويضاف إلى ذلك كل مظاهر الدعم الغربي وتحديدا من الرباعي بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، حيث الدعم غير المشروط لدولة الاحتلال وإمدادها بالمعدات العسكرية والمساندة السياسية، إلى جانب انحياز أغلب وسائل الإعلام الغربية.
مواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي
أمام كل ذلك، وفيما تشدد إسرائيل حصارها المميت على قطاع غزة، وتواصل قصفها العنيف بالطائرات والمدفعية لليوم السابع على التوالي، وحشدها آلاف الجنود والدبابات على حدود القطاع استعدادا لعملية اجتياح برية متوقعة، يشعر الفلسطيني باليتم، يمكن القول إنها من أكثر المرات التي يشعر فيها الفلسطيني بغياب القيادة الفلسطينية عنه، وعدم وجود محاولات، أي محاولات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي.
فما فعلته المقاومة يعتبر حدثا فارقا في تجارب الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، وهو ما يوجب وجود حالة وطنية تمسك بالمجد المتحقق وتنطلق به بعيدا في حلم تحرر هذا الشعب الرازح تحت الاحتلال منذ عام 1948.
وحسب الأكاديمي في جامعة بيرزيت عبد الرحمن الشيخ فإن الفلسطينيين يشهدون شللا رسميا لا يمكن تخيله في ظل ما يشهد القطاع من إبادة وبمصادقة كونية.
ويقول الشيخ: «تسلسل سلوك الصهاينة يشير بوضوح إلى أن غزة تشهد إبادة بمصادقة كونية وبالصوت والصورة: عويل ملأ العالم بالأبيض والأزرق، استغاثة بالعالم الأبيض والأزرق، حشد كل طاقات الهسباراه، وجعل الإعلام العالمي ينطق بالعبرية، تفعيل ثنائية مع الإرهاب-ضد الإرهاب، تجريم التضامن مع فلسطين، الذهاب بعيداً في شيطنة الفلسطينيين ووصفهم بالحيوانات البشرية ومساواتهم بداعش، حرق غزة من السماء بعد قطع إمدادات الماء والكهرباء والدواء والخبز على الأرض، سفور إجرام قادة إمبراطوريات الاستعمار الكبرى في تأكيد صهيونيتهم، حشد البارجات الحربية الأمريكية والبريطانية لتعويض الفاقد من مخازن الأسلحة الصهيونية بالمزيد من هدايا الموت والمشاركة في الإبادة وتولي أمر تكسير رؤوس بقية المشاغبين في المنطقة».
ويتابع أنه إلى جانب كل ذلك يتم «تشكيل حكومة حرب كان أبرز ما في خطاب سفاحها نتنياهو المشبع بالعمى التوراتي الأسطوري، ضرورة الإجهاز على العماليق، الذين تسببوا برعب لم يشهده المستوطنون منذ المحرقة، شرعنة التطهير العرقي وجعل ترحيل أهل شمال غزة إلى جنوبها، تمهيداً لجنوب جنوبها، لفتة إنسانية على شكل مطلب عملياتي بمباركة عالمية، تكثيف تسليح مستوطني الضفة الغربية والقدس وشمال فلسطين وتفعيل منظومة الملاجئ على امتداد البلاد».
ويختم ان «كل هذا في ظل تواطؤ رسمي عربي، وشلل رسمي فلسطيني، وانتظار غير مفهوم في محور المقاومة المستهدَف الثاني بعد غزة… كل هذا وغيره يشير إلى أن إبادة بمصادقة كونية بدأت في غزة، وستلحق بجغرافيات فلسطين الأخرى، وما بعدها، واللي ما شاف من الغربال يا بيروت، أعمى بعيون أمريكية».
على الفلسطيني أن ينتظر
وعلى مدى 7 أيام متواصلة من العدوان على غزة لم يظهر مسؤول فلسطيني رسمي (رام الله) في كلمة حية أو خطاب متلفز يتوجه فيه للفلسطينيين في ظل ما أصبح يتهددهم، لم تكن هناك كلمة واحدة يوجهها مسؤولون إلى من يفترض أنه شعبهم المحتل المستهدف بوحشية والمراد أن يجرم فعل مقاومته، والواقع عليه كل تقنيات ووسائل الغضب المتوحش الإسرائيلي.
ما كان هناك خلال الأيام الماضية هو تصريح يتيم للرئيس الفلسطيني محمود عباس تضمن انه من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه، وهو ما تم التراجع عنه في عمان عندما خرج التصريح «المحايد» من أنه يدين «العنف» ويجدد التأكيد على «رفض الممارسات التي تتعلق بقتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين، ودعوته لإطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين».
وكان على الفلسطيني أن ينتظر من السبت ولغاية الجمعة حتى يظهر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بكلمة قصيرة من رام الله باللغة الإنكليزية وبحضور وسائل إعلام محلية قليلة طالب خلالها بوقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها في قطاع غزة من دون أن يوضع العدوان الدموي الاحتلالي وبقيادة دولية في سياقه الصحيح.
وحسب عمار دويك، المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فإن الحرب التي تشنها دولة الاحتلال تستهدف الشعب الفلسطيني كله وليست على حركة حماس فقط.
وتابع في حديث صحافي: «إنها حرب ضد القضية الفلسطينية وبهدف إعادتها عشرات السنوات للوراء» مشددا أن هذا لا يجب أن «يعني اليأس بل يجب أن يعني أن نأخذ زمام المبادرة، بحيث ننطلق من الإبادة الواقعة في الميدان من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم».
وحسب دويك فإن المطلوب من القيادة الفلسطينية أن يكون موقفها «أكثر حزما وتحديدا ووضوحا، في ظل أن الموقف الرسمي غير واضح. ولا يوجد من يعمل على قيادة المشهد… هناك غياب لقيادة فلسطينية يمكنها ان تقود المشهد، وبالمقارنة مع حجم ما تقوم به دولة الاحتلال، حيث هناك إرسال للمعلومات وتواصل كبير مع شعبهم من المسؤولين ورسائل تطمين…ألخ. أين نحن من كل ذلك؟».
سعيد أبو معلا
المصدر: صحيفة القدس العربي