قوات الأمن الإسرائيلية أهملت الدفاع عن مستوطنات غلاف غزة بسبب تركيزهم على حماية المستوطنين ونشاطات توسعهم الأرضي وطقوس عبادة الحجارة والمذابح التي ينفذونها في الضفة الغربية. هذا أحد الاستنتاجات المحتومة من الفظائع التي حدثت السبت. هذا الاستنتاج غير مفاجئ: الإهمال يتساوق مع أحد الأهداف السامية للانقلاب النظامي ولمن قاموا بوضعه ومؤيديه في “الصهيونية الدينية”: تسريع عملية الضم – الفعلي لمعظم مناطق الضفة الغربية وزيادة عدد المستوطنين اليهود هناك. هذا الهدف لم يتم شطبه فقط من جدول الأعمال الحالي، بل أصبح أكثر سهولة للتحقق.
في الوقت الذي تتراكم فيه الشهادات المؤلمة للناجين، وفي الوقت الذي يركز فيه الجيش على عمليات القصف الانتقامية القاتلة على سكان غزة، وقطع الكهرباء والمياه والغذاء عنهم، فإن الضفة الغربية تقريباً لا تحظى باهتمام من وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية. في ظل عدم الاهتمام هذا، فإن المستوطنين وقوات الشرطة الرسمية (الجيش والشرطة) وشبه الرسمية (منظمات الحارس الجديد والمسؤولين عن الأمن في المستوطنات) برئاسة وزير الاستيطان بتسلئيل سموتريتش، يمكن أن يصعدوا الهجمات ضد الرعاة والمزارعين الفلسطينيين لطرد المزيد من التجمعات من أراضيهم وخيامهم.
في مجموعة “واتساب” تركز على هجمات المستوطنين، خصوصاً شمال رام الله، ظهرت أمس التقارير التالية: في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الأحد – الإثنين، كتب أن عدداً من المستوطنين يعملون على تسوية أرض في الطريق بين قرية قصرا وقرية جالود شمالي رام الله – في المنطقة التي تقع فيها مستوطنات “شيلو” و”عيلي” وبؤر استيطانية مثل “ايش كوديش” و”عيلي عاد”. ولا نعرف ما هي طبيعة الأعمال، لأنه لا توجد كهرباء، لكن ربما يكون القصد تدمير مبنى زراعي هناك. بعد ذلك، نشر أن المواطنين الإسرائيليين هدموا جزءاً من بيت مهجور، يبدو أنه بملكية أحد الفلسطينيين الإسرائيليين.
في الثالثة فجراً، نشر عن اقتحام المستوطنين لقرية قريوت قرب قرية جالود، وعن شباب فلسطينيين خرجوا أمامهم، وعن دخول الجيش إلى المنطقة، وعن إطلاق نار لجنود على البيوت. قبل بضع دقائق على الساعة الواحدة ظهراً، نشر عن مجموعة من المستوطنين المسلحين الذين اقتحموا أراضي قرية بني حسان في محافظة سلفيت في جنوب غرب نابلس. ونشر أحد السكان: “المستوطنون وثلاثة جنود حاولوا طرد العائلات التي كانت تقطف الزيتون. وتطورت مواجهات، وهم (الجنود) أطلقوا الرصاص الحي على الشباب وغادروا المكان”. في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، ظهر تقرير في “واتساب” عن محام فلسطيني خرج من سلفيت بسيارته، وتعرض لإطلاق نار من رجل أمن أو مواطن إسرائيلي آخر من مستوطنة “أريئيل”. الذريعة هي الاشتباه بأنه أراد تنفيذ عملية دهس. في الساعة 2:35 حذر تقرير من مستوطنين أطلقوا النار على سيارات فلسطينية قرب نعلين. في الساعة 3:30 بعد الظهر، نشر عن اعتداء المستوطنين على قرية عينبوس (غرب قرية حوارة- مستوطنة “يتسهار” والبؤر الاستيطانية القريبة واقعة قرب هذه القرية). “يحاول المستوطنون دخول أحد البيوت”، قال الصوت في الصادر من فيلم موثق، وحذر سكان البيت من الوقوف قرب النوافذ. أصيب مواطنان بإطلاق نار، جاء لاحقاً. في الساعة السادسة مساء، تم الإبلاغ عن مستوطنين وجنود طلبوا من عائلة في قرية ترمسعيا، الخروج من البيت القريب من مستوطنة “شيلا”، وكتب أحد أبناء العائلة في رسالة عبر “واتساب” بأنهم يرفضون الخروج من البيت، وأن الجيش قطع الطريق المؤدية إلى البيت في اليوم السابق. ونشرت وكالة “وفا” أيضاً عن مستوطنين رشقوا الحجارة أمس على سيارات فلسطينية في شمال أريحا.
قدرة الفلسطينيين على الخروج لمساعدة تجمعات مهددة تبقى محدودة أكثر من أي وقت مضى. منذ السبت، أغلق الجيش الكثير من مداخل ومخارج المدن والقرى الفلسطينية بمكعبات الإسمنت وأكوام التراب وإغلاق البوابات الموجودة هناك. مراسل فلسطيني لاحظ أن الجنود اختفوا من مواقع عسكرية كانت قرب هذه الحواجز الجديدة. المدن والقرى مقطوعة عن بعضها. وبدا الإغلاق كاملاً حول البلدات الفلسطينية المحيطة بالقدس. التنقل بين شمال الضفة وجنوبها غير ممكن فعلياً، قال للصحيفة موظف في إحدى وكالات الإغاثة الدولية. والطريق بين بيت لحم والخليل مغلق أمام الفلسطينيين.
الفلسطينيون الذين كانوا في إسرائيل يومي السبت والأحد، سمح لهم بالعودة إلى بيوتهم عبر الحواجز الرئيسية. العشرات، إذا لم يكن أكثر، من العمال الغزيين الذين يعملون في إسرائيل والذين بقوا فيها حتى في فترة الأعياد، طلب منهم مغادرة أماكن عملهم، وتم نقل بعضهم حتى قرب مدن مثل جنين ورام الله، التي وعدت فيها السلطة والسكان باستضافتهم. الشوارع الرئيسية فارغة تقريباً من السيارات الفلسطينية: من يمكنهم إيجاد ثغرة للخروج من المدن أو القرى يفضلون عدم تعريض حياتهم للخطر أو عدم السفر. منع سفر السيارات الفلسطينية في الشوارع الرئيسية في الضفة الغربية هو أحد الطلبات الدائمة من المستوطنين في “المناطق”، التي يعبرون عنها أحياناً بمبادرة منهم بإغلاق الشوارع والخروج من المدن. إغلاق البلدات الفلسطينية وإخلاء الطرق الرئيسية من الوجود الفلسطيني يسهل على الجيش السيطرة على المنطقة في هذه الفترة المتوترة – لكن ما يناسب الحلم السامي لكبار “الصهيونية الدينية” هو: اختفاء الفلسطينيين.
أي تجمع صغير لبعض المتظاهرين الشباب قرب الحواجز يستدعي إطلاق نار عليهم أكثر من العادة. هذا ما لاحظه السكان. في طولكرم قرب موقع عسكري اختفى منه الجنود، شوهد أمس مستوطنون مسلحون وهم يتدربون على إطلاق النار. ثمة فيلم نشره فلسطينيون عن مستوطنين يتسلحون في وقت الحرب، وهو أمر يزيد قلقهم من تركهم والتخلي عنهم لخطط لم تعد سرية للإسرائيليين الذين يسيطرون على حياتهم.
عميره هاس
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية