داخل حي الشابورة (مخيم الشابورة) جنوب قطاع غزة، والذي يعتبر من المناطق النائية، عمد الاحتلال الإسرائيلي في اليوم الأول للعدوان إلى استهداف أماكن معينة، مرتكباً مجزرة بحق عائلات، ليسقط 24 شهيداً معظمهم من عائلة أبو قوطة. واستشهد 19 شخصاً من العائلة التي تعيش في منزل مكوّن من أربع طبقات ملاصق لمبانٍ أخرى. كما استشهد جيران للعائلة يعيشون في بيوت مكونة من أسقف اسبستية، مع الإشارة إلى أن أسقف أكثر من نصف المنازل في مخيم الشابورة من الاسبست.
وقبل وقوع المجزرة، كان في منزل أبو قوطة 24 فرداً، علماً أنه يقع وسط منطقة مكتظة. قُصِف المنزل بمن فيه من دون سابق إنذار أو تحذير بأي وسيلة كانت، كما يقول أحمد نصر أحد سكان المخيم، والذي تضرر منزله من جراء القصف. ويوضح أن القصف أحدث انفجاراً كبيراً وألحق عشرات الإصابات بسكان المخيم.
ونجت امرأة متقدمة في السن من العائلة كانت قد أصيبت بجراحٍ متوسطة، بالإضافة إلى نجلها وزوجته وأحد أبنائه. وتضرر معظم منزله وغالبية المنازل المجاورة، واستشهد 5 من جيرانهم من عائلة أبو صهيبان وأبو نجا وأبو حميد. ويقول نصر لـ “العربي الجديد”: “المنازل في قطاع غزة متلاصق بعضها ببعض. لكن الالتصاق في المخيم كبير، على اعتبار أن سكانه هم الأكثر فقراً. المباني مهترئة ولا تتحمل الاهتزاز. عمر منزلنا 40 عاماً ولم يجدد أو يرمم في ظل الفقر والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. ونعتمد على المساعدات في مأكلنا ومشربنا. كما نغرق شتاء ونعاني من الحر الشديد صيفاً”.
والشابورة مخيم يقع جزء منه ضمن مخيم رفح جنوب قطاع غزة بحسب تقسيمات وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لكنه يعتبر الأكثر تهميشاً في قطاع غزة لناحية سوء الخدمات. ولا تستطيع سيارات الإسعاف الدخول إلى بعض الأزقة والبيوت لإخراج المصابين أثناء العدوان، كما يوضح نصر. وخلال المجزرة، وجدت طواقم الإسعاف صعوبة في إدخال المعدات لإخراج المصابين، ويشترك مع بقية المخيمات لناحية البنية التحتية المتهالكة.
وأنشأت مخيمات قطاع غزة عقب النكبة الفلسطينية عام 1948 في إطار خطة مؤقتة من قبل الأمم الأمتحدة، وما زالت موجودة حتى اليوم وتخضع لإشراف الأونروا. وهناك مخيم جباليا وهو الأكبر في قطاع غزة، بالإضافة إلى مخيّم الشاطئ، ومخيّم النصيرات، ومخيّم خان يونس، ومخيّم رفح، ومخيّم دير البلح، ومخيم البريج، ومخيم المغازي.
وأصبحت جميع تلك المخيمات أشبه بالمدن بالنسبة للغزيين، ويطلقون عليها أسماء عدة، كما أن هناك تسمية لمناطق في قلب المخيم، كحال مخيم رفح التي أصبحت تسمى مناطق منه بحسب البلدات المهجرة وغيرها. لكن على مدار سنوات الحصار الإسرائيلي التي دخلت العام السابع عشر، تحوّلت المخيمات إلى المناطق الأكثر فقراً في القطاع.
وتشهد المخيمات تمدداً عمرانياً منها ما هو غير قانوني على أطراف منازل المخيم، كما هو الحال في مخيم خان يونس وجباليا ودير البلح ورفح، أو من خلال إضافة طوابق إلى المباني الموجودة في ظل عدم وجود مساحات لتشييد منازل جديدة، وارتفاع نسبة الفقر لدى الفلسطينيين الذين ما زالوا يعتمدون على المساعدات بعد مرور 75 عاماً على النكبة. ويشكل اللاجئون قرابة مليون ونصف المليون من عدد سكان قطاع غزة والبالغ حوالي مليونين و375 ألف نسمة، بحسب بيانات وزارة الداخلية. وتعتبر مخيمات القطاع من بين الأشد كثافة في العالم، وتصل إلى 55 ألف نسمة في الكيلومتر المربع بحسب مخطوطات الأونروا، ما يعني أن القصف الإسرائيلي لأي هدف في المخيم يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة.
مجزرة مخيم جباليا
أغارت الطائرات الإسرائيلية صباح الإثنين الماضي على منطقة الترنس وسط مخيم جباليا شمال قطاع غزة، والتي تعتبر مركز مخيم جباليا أكبر المخيمات، ما أسفر عن سقوط 50 شهيداً حتى اللحظة ومئات الجرحى، حالات بعضهم حرجة. والمكان المستهدف يعد الأكثر حيوية في المخيم، وخصوصاً في الصباح، حيث يوجد مئات المواطنين في المنطقة التي تتوسط السوق، بالإضافة إلى موقف سيارات، عدا عن كون منازل المخيم متلاصقة.
وإسماعيل الشريف هو أحد الشهود على المجزرة. كان يصرخ كلما عثر على جثة أثناء تجوله حتى صدم بجثة صديقه إبراهيم حمد وأطفال من الحي الذي يعيش فيه شرق منطقة الترنس. ويشير إلى أن الإبادة الجماعية كانت مقصودة، ونفذت في وقت يخرج الناس لتوفير احتياجات الغذاء.
وكان صديق الشريف الشهيد إبراهيم حمد قد بعث له رسالة أخيرة على تطبيق واتساب، وأخبره أنه في المنزل وينوي الخروج لإحضار طعام يكفي الأسرة لأن فترة الحرب يبدو أنها ستطول. يضيف لـ “العربي الجديد”: “الطائرات تعلم جيداً ماذا يعني القصف في مخيم مكتظ بالسكان. المخيم مليء بالأطفال. في أي قصف إسرائيلي، سيكون غالبية الضحايا والجرحى من الأطفال، وهذا ما رأيته في المجزرة. أطفال في كل مكان”.
ومخيم جباليا هو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة. ويقع المخيم إلى الشمال من غزة بالقرب من قرية تحمل ذات الاسم. وفي أعقاب حرب 1948، استقر اللاجئون في المخيم، معظمهم كانوا قد فروا من القرى الواقعة جنوب فلسطين. واليوم، فإن حوالي 116,011 لاجئاً مسجلاً يعيشون في المخيم الذي يغطي مساحة من الأرض تبلغ فقط 1.4 كيلومتر مربع.
ولم تعلن وزارة الصحة الفلسطينية حتى الآن عن عدد الضحايا بشكل دقيق، وقالت إن هناك عشرات الشهداء والجرحى، إلا أن وسائل إعلامية تحدثت عن استشهاد خمسين فلسطينياً. وانتشرت مقاطع فيديو وصور تظهر حجم الدمار الكبير الذي حلّ بالمنطقة بعد القصف الإسرائيلي.
إجلاء المصابين بصعوبة
صباح الإثنين الماضي، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة أخرى في مخيم الشاطئ، وقصفت أهم ثلاثة مساجد في مخيم الشاطئ، ودمرت عشرات المنازل المحاذية للمسجد السوسي جنوب المخيم، والمسجد الغربي غرب المخيم، ومسجد أحمد ياسين في المنطقة الشمالية للمخيم. لكن كان أكثر المساجد ضرراً وتلاصقاً في منازل اللاجئين في المخيم هو المسجد الغربي.
وتحوّلت المنازل الملاصقة للمسجد إلى أكوام من الركام، مع الإشارة إلى أن أساسات المنازل المطلة على الشاطئ والمنطقة الغربية قديمة وأصبحت متهالكة جداً. كما أن الرطوبة تزداد سنوياً، بحسب محمد الحداد (40 عاماً)، وهو من سكان المخيم الذي يبعد منزله مسافة 200 متر عن المسجد. قرابة السادسة والنصف صباحاً، قصفت الطائرات المسجد وتحطم زجاج منزله المطل على الشارع وأصيب بجروح مع نجله، إذ قضيا الليل في صالون المنزل من دون القدرة على النوم بسبب القصف. وعندما حاولت الحصول على قسط من الراحة قصفت الطائرات. ويشدد على أن أحد المنازل كان يسمع صراخاً من سكانه الملاصقين للمسجد، ثم انهار المنزل واستشهد من هم في المنزل.
ويقول الحداد لـ “العربي الجديد”: “نعيش في مخيم أشبه بعلبة السردين التي نتلقاها كمساعدات من الأونروا، ولا مفر من القصف. عندما بدأنا نجلي المصابين، وجدت نفسي مصاباً بجروح إضافية في ظهري والدماء تسيل. لكنني أسعفت المصابين مع نجلي”. ويوضح أن قصف المخيم “سيخلف الكثير من الضحايا. وأصبح الأهالي يتركون بيوتهم خوفاً على الأطفال”.
إلى ذلك، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أمس، إن نحو 200 ألف شخص، أو قرابة عشرة في المائة من السكان، فروا من ديارهم في غزة منذ بدء الهجمات، وهم معرضون لنقص مياه الشرب والكهرباء بسبب الحصار. وقال المتحدث باسم المكتب ينس لايركه: “تصاعدت وتيرة النزوح بشكل كبير في عموم قطاع غزة، وتجاوز العدد 187500 شخص منذ يوم السبت، ويحتمي معظمهم في المدارس”.
وفي آخر تصريح لها، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة ارتفاع عدد الشهداء إلى 687، بينهم 140 طفلاً و105 نساء. كما أعلنت الأونروا مساء الإثنين أن أكثر من 137 ألف شخص في غزة لجأوا إلى 83 مدرسة تابعة لها. وقالت إن “83 مدرسة تابعة لنا في قطاع غزة تحولت إلى ملاجئ لأكثر من 137 ألف شخص”، مضيفة أن الأعداد تتزايد من استمرار الغارات الجوية (الإسرائيلية). وأوضحت أن نصف مليون شخص توقفوا عن تلقي المساعدات الغذائية الحيوية، جراء اضطرارها لإغلاق جميع مراكز توزيع الغذاء البالغ عددها 14.
أمجد ياغي
المصدر: صحيفة العربي الجديد