ينقل مصابون بأمراض جنسية العدوى إلى آخرين عن «سابق إصرار» لأسباب مختلفة، منها الحقد أو الغضب أو حتى «حبّ المغامرة» بجعل العلاقة الجنسية أكثر خطورة. ولأن ليس كل المصابين بأمراض تنتقل جنسياً، مثل فيروس نقص المناعة البشرية أو غيره، مذنبين بنقل العدوى عمداً، يلعب التحقيق الجنائي العلمي دوراً أساسياً في تحديد طريقة انتقال العدوى، مع الإشارة إلى أن المسؤولية الجنائية عن نقل الأمراض المعدية ليست دائماً واضحة، فقد يكون من الصعب إثبات أن الشخص كان على علم بالإصابة أو أنه تصرف بطريقة غير قانونية
تقول علياء (اسم مستعار) إن زوجها عانى أعراضاً شبيهة بالإنفلونزا لمدة طويلة بعد عودته من أفريقيا الجنوبية، رافضاً زيارة أي طبيب. بعد أشهر، بدأت الأعراض نفسها تظهر عليها «وبالتزامن اكتشفت أنني حامل، واعتقدت أن هذه من أعراض الحمل». بعد الولادة، اتصل بها أحد أقارب زوجها ونصحها بأن تجري تحليلاً طبياً للتأكد من سلامتها وطفلها من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، «صرخت فيه إيدز! مستحيل. من وين بدو يجيني؟». لتكتشف بعد تسلّمها النتيجة أنها وطفلها مصابان.
واجهت علياء زوجها الذي أنكر بداية، ثم عدّ الأمر بسيطاً وأجابها: «مرتي وحرّ فيكِ». وتقول إنها لم تكن تعلم بحقّها في رفع شكوى ضدّه، مضيفة: «أنا مش قاهرني غير ابني، لو صارحني كنا عالقليلة أنقذناه».
«بدأت تظهر زوائد جلدية كثآليل بيضاء خشنة على أعضائي التناسلية الخارجية» تقول لبنى (اسم مستعار)، مضيفة إنها شعرت بالذعر بعد انتشار هذه الزوائد إلى داخل عنق الرحم، خصوصاً أن زوجها ألقى اللوم عليها، مؤكداً أنه قد يكون نتيجة بكتيريا «من دوا تعقيم الثياب الداخلية بالغسيل». بعد الكشف السريري، تبيّن أن هذه الثآليل هي نتيجة عدوى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، الذي انتقل إليها عبر زوجها، لا يؤدي النوع المصابة فيه لبنى إلى سرطان عنق الرحم، كما أكد لها الأطبّاء بعد إجراء الفحوصات اللازمة. لكن عملية كوي الثآليل بالليزر سبّبت لها تقرّحات جلدية دائمة في أعضائها.
فمن المسؤول في كلتا الحالتين ؟ خصوصاً أنه قد تكون للأمراض المنقولة جنسياً عواقب وخيمة وطويلة الأمد، حتى إن لم تسبّب أي أعراض فورية. فبعض هذه الأمراض، مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، يمكن أن تكون قاتلة، بينما قد تؤدي أمراض أخرى، مثل الكلاميديا والسيلان والـHPV، إلى العقم وغيرها من المشكلات الصحية.
تنتقل هذه الأمراض عن طريق الجماع المهبلي أو الشرجي أو الفموي، وكذلك عن طريق مشاركة الإبر أو نقل الدم. كما يمكن انتقال بعضها، مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، من الأمّ إلى الطفل أثناء الحمل والولادة.
وتلعب الأدلّة الجنائية دوراً في رفع مستوى الوعي حول الأمراض المنقولة جنسياً وفي منع انتقالها. إذ يمكن للعلماء الجنائيين تطوير طرق جديدة واستخدامها للكشف عن هذه الأمراض وتحديدها. كما يمكنهم العمل مع قوى إنفاذ القانون للتحقيق في قضايا الاعتداء الجنسي وتحديد الأفراد الذين ينشرون الأمراض المنقولة جنسياً عن قصد وملاحقتهم.
تلعب الأدلّة الجنائية دوراً في رفع مستوى الوعي حول الأمراض المنقولة جنسياً وفي منع انتقالها
أدلّة الخبراء
من الضروري النظر بعناية إلى الأدلّة حول ما إذا كان المصاب «المشتبه فيه» قد نقل في الواقع العدوى المنقولة جنسياً إلى «الضحية»، وما إذا كان قد فعل ذلك عن قصد أو عن إهمال.
ويكون ذلك عبر تقييم أدلّة الضحية والنظر إلى سجلاته الطبّية، ورواية المشتبه فيه وسجلاته الطبّية، بالإضافة إلى الأدلّة المتعلقة بالمصادر المحتملة الأخرى للعدوى.
من النقاط الرئيسية في التحقيق:
• تحديد ما إذا كان نوع الفيروس يمكن أن يستبعد إمكانية انتقال العدوى بين الشخصين، كأن يكون لديهما نوعان مختلفان من الفيروس نفسه. كفيروس الهربس البشري (HSV) النوع 1 والنوع 2.
• يمكن للتحليل التطوّري phylogenetic analysis، في حالة فيروس نقص المناعة البشرية، أن يثبت على نحو مؤكد أن المشتبه فيه لم ينقل العدوى إلى الضحية. مع الأخذ في الحسبان أن هذا التحليل لا يمكنه إثبات العكس (أن المشتبه فيه قد أصاب الضحية فعلاً).
• يمكن استخدام اختبارات متقدمة، في حالة الإيدز، لتحديد ما إذا كانت العدوى حديثة أم قديمة.
جريمة مضاعفة
يمكن أن يساعد التحقيق الجنائي للأمراض المنقولة جنسياً في تحديد ما إذا كان المرض الجنسي المنقول قد نُقل أثناء الاعتداء الجنسي أم لا. وتشمل الخطوة الأولى في التحقيقات جمع الأدلّة من الضحية (مسحات الأعضاء التناسلية، والفم، والمستقيم وعيّنات البول والدم)، إضافة إلى جمع أدلّة من المشتبه فيه، مثل عيّنات السائل المنوي أو اللعاب. ويعتمد نوع الاختبارات التي تُجرى على المرض الجنسي المنقول المحدد أثناء التحقيق فيه. كما يستخدم اختبار المخدرات في بعض الأحيان في قضايا العدوى المنقولة جنسياً لتحديد ما إذا كان الضحية أو المشتبه فيه تحت تأثير المخدرات في وقت الاعتداء. كذلك يمكن إجراء اختبار المخدرات لتحديد ما إذا كان المشتبه فيه قد استخدم المخدرات لشلّ حركة الضحية.
إذا كانت نتائج اختبارات المختبر إيجابية لمرض منقول جنسياً، فقد يكون هذا دليلاً قوياً على تعرض الضحية للاعتداء الجنسي. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذه الأمراض يمكن أن تنتقل أيضاً عبر الاتصال الجنسي بالتراضي. لذلك، فإن وجود مرض منقول جنسياً وحده لا يكفي لإثبات حدوث اعتداء جنسي. بالإضافة إلى اختبارات المختبر، سيأخذ المحقق الجنائي في الحسبان عوامل أخرى أيضاً، مثل التاريخ الطبي للضحية، وحجة المشتبه فيه، وظروف الاعتداء المزعوم. فمن الضروري تقييم هذه المعلومات كلها بعناية قبل التوصل إلى نتيجة.
شهادة طبّية معدّلة
أعلنت وزارة الصحة العامة عن بدء العمل بالشهادة الطبّية قبل الزواج «المعدّلة*» منذ عام 2015. على أن تتألف المشورة الطبّية من فحص الدم العادي للشريكين، بالإضافة إلى التحاليل الخاصة بالمرأة (فحص الحصبة الألمانية والتكسوبلاسا). أمّا الأمراض الموصى بإجراء فحوصات مخبرية لها قبل الزواج، فتتضمّن الأمراض الوراثية، وعلى رأسها فقر الدم المنجلي والتلاسيميا، إضافة إلى تقصّي الأمراض العائلية المتفرقة المعروفة لكِلا الشريكين والأمراض المعدية كالإيدز والتهابات الكبد الفيروسية وغيرها. والهدف منها محاولة تجنّب هذه الأمراض عن طريق العلاج أو أخذ اللقاح المناسب أو من أجل إعلام الطرف الآخر بخطورة انتقال المرض إليه وطرق الوقاية منه.
*تعديل القرار الرقم 857/1 تاريخ 29/8/1994 المتعلق بتنفيذ القانون الرقم 334 تاريخ 18/5/1994 (الشهادة الطبّية قبل الزواج).
بعض أنواع الأمراض المنقولة جنسياً
فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (HIV/AIDS):
– الأكثر خطورة، يمكن أن يؤدي إلى الوفاة.
– ينتقل عبر:
– ممارسة الجنس المهبلي أو الشرجي مع شخص مصاب.
– مشاركة إبر الحقن أو معدّات حقن المخدرات مع شخص مصاب.
– تلقّي نقل دم أو زرع عضو من شخص مصاب.
– الولادة/الرضاعة الطبيعية من أمّ مصابة.
– لا يوجد علاج للإيدز، ولكن تتوافر علاجات مضادة للفيروسات الرجعية (ART) التي يمكن أن تساعد في إطالة العمر وتحسين جودة الحياة.
فيروس التهاب الكبد (Hepatitis)
– التهاب الكبد C: النوع الأكثر خطورة والأكثر عرضة للبقاء كعدوى مزمنة، ويمكن أن يؤدي إلى تليّف الكبد والسرطان.
– التهاب الكبد B: عدوى خطيرة، لكنه أقل عرضة للبقاء مزمناً، مع توافر لقاح يمكن أن يمنع العدوى.
– ينتقل الفيروس عبر الاتصال المباشر لدم المتلقّي مع دم المصاب، وعبر الاتصال بسوائل الجسم الأخرى، مثل السائل المنوي وسوائل المهبل واللعاب، كذلك في الولادة/الرضاعة الطبيعية من أمّ مصابة.
– لا يوجد علاج لالتهاب الكبد B، ولكن تتوافر أدوية وعلاجات يمكن أن تساعد في قمع الفيروس ومنع تلف الكبد.
– التهاب الكبد الوبائي C، قابل للشفاء عبر أدوية مضادة للفيروسات عالية الفعالية.
فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)
– اسم لمجموعة من أكثر من 200 نوع من الفيروسات التي يمكن أن تسبب الثآليل التناسلية والسرطان.
– أكثر عدوى منقولة جنسياً شيوعاً.
– يمكن أن ينتقل عبر ملامسة الجلد للجلد أثناء الجنس المهبلي أو الشرجي أو الفموي.
– يوصى بلقاح HPV للفتيات والفتيان جميعهم الذين تُراوح أعمارهم بين 11 و12 عاماً، لكن يمكن إعطاؤه للأشخاص الذين تصل أعمارهم إلى 45 عاماً ولم يجرِ تطعيمهم.
الزهري Syphilis
– تسببها بكتيريا Treponema pallidum.
– تنتقل عن طريق الاتصال المباشر مع قرحة الزهري، والمعروفة أيضاً باسم القرحة الصلبة التي تظهر على الأعضاء التناسلية أو الفم أو المستقيم.
– تنتشر أثناء الجماع المهبلي أو الشرجي أو الفموي. ويمكن أن تنتقل أيضاً من المرأة الحامل إلى جنينها.
– إذا تُرك الزهري من دون علاج، يمكن أن يسبّب مشكلات صحية خطيرة، بما في ذلك:
– العقم عند الرجال والنساء.
– الإجهاض أو الولادة المبكرة عند النساء الحوامل.
– عيوب خلقية لدى الأطفال المولودين لأمّهات مصابات.
– مشكلات عصبية، مثل الخرف والتهاب السحايا.
– مشكلات القلب والأوعية الدموية، مثل تمدد الأوعية الدموية الأبهري.
– الموت.
الفيروسات الهربسية البسيطة (HSV)
– النوع الأول (HSV-1): يسبب عادةً الهربس الفموي، المعروف أيضاً باسم القروح الباردة.
– النوع الثاني (HSV-2): يسبب عادةً الهربس التناسلي.
– تنتقل عبر الاتصال المباشر مع تقرّحات شخص مصاب أثناء الجماع المهبلي أو الشرجي أو الفموي. كما يمكن أن تنتقل من امرأة حامل إلى طفلها أثناء الولادة.
-لا يوجد علاج، ولكن تتوافر أدوية للمساعدة في إدارة الأعراض والحدّ من خطر التفاقم.
الكلاميديا Chlamydia
– تسبّبها بكتيريا Chlamydia trachomatis.
– واحدة من أكثر العدوى المنقولة جنسياً شيوعاً في العالم، وبين فئة الشباب على نحو خاص.
– تنتقل عن طريق الجماع المهبلي أو الشرجي أو الفموي ومن الأمّ إلى الطفل أثناء الولادة.
– إذا تُركت من دون علاج، يمكن أن تؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة كالحمل خارج الرحم والعقم.
السيلان Gonorrhea
– تسبّبها بكتيريا النيسرية Neisseria gonorrhoeae.
– تنتقل عن طريق الجماع المهبلي أو الشرجي أو الفموي. ويمكن أن تنتقل أيضاً من الأمّ إلى الطفل أثناء الولادة.
– قابلة للشفاء، ولكن من المهم الحصول على العلاج مبكراً لمنع المضاعفات الصحية الخطيرة.